سعيد بن حميد الهطالي
في صباحٍ عادي خرجت من بيتي متوجهًا في الطريق إلى عملي ككل يوم، لم أكن أعلم أن شيئًا صغيرًا سيعلّق قلبي طوال اليوم.
طائرٌ صغير، ربما كان في رحلة بحثٍ عن رزقه، أو عائدًا لعشه، اصطدم بزجاج سيارتي فجأة، فارتجف قلبي قبل أن ألتفت إليه، لم أره بعد تلك اللحظة، لا أدري أين مضى، وهل أكمل طيرانه مثقلًا بالألم، أم هوى إلى حيث لا يُرى؟
لكن الذي أعلمه أن صورته لم تغادرني، كأن الله أرسل لي بهذا الطائر رسالة، مذ تلك اللحظة وأنا أدعو له بصدق: "اللهم سلّمه، اللهم الطف به، اللهم لا تجعلني سبب أذية لأحدٍ من خلقك وسوّيته برحمتك.
أيقنت أن الرحمة لا تحتاج أسبابًا، وأن دعاءً صادقًا لكائنٍ ضعيف قد يكون أحب إلى الله من آلاف الكلمات التي لا خير يناله الإنسان منها.
ما عاد الأمر مجرد حادث عابر، بل ومضة استيقظت فيها روحي، وكأن الطائر جاء ليوقظ في عقلي شيئًا من الإنسانية التي ماتت في قلوب بعض البشر!
وهنا فقط، يتفجر السؤال الموجع: إذا كانت هذه الرحمة تولد في قلب إنسانٍ تجاه طائر، فبأي قلب يُباد الأبرياء في غزة؟! وبأي ضمير يُقطع عنهم الماء والغذاء؟! بأي منطق يُقتّل الأطفال وهم نيام؟ وتُدفن العائلات تحت الركام؟!
لقد صار الإنسان – في أزمنة الخذلان – وحشًا لا يرحم، ولا يتردد في أن يُسكت صوت البراءة بالقنابل، وأن يُجفف أنهار الحياة بالحصار!
تحوّل الكائن الذي كرّمه الله إلى أداة قتل تتغذى على مشاهد الدمار، وتتعطّش للمزيد من الدماء، غير عابئٍ بمن يسقط، ولا مكترثٍ بمن يستغيث!
في غزة، لا تنكسر الجدران فقط؛ بل تنفطر القلوب أيضًا، هناك حيث تصرخ الإنسانية، وتبكي العصافير، وتُذبح الطفولة تحت أعين عالمٍ صامت، أصم، بلا قلب!
ننظر إلى الصور، ونسمع الأخبار، فنغرق في الدهشة: كيف تموت الرحمة في بعض البشر؟ كيف يتلذذون بالمجازر كأنهم يحتفلون بمشاهد الخراب؟!
أهذه هي الحضارة التي بلغناها؟ حضارة تغطي عريها الأخلاقي بأزياء التقنية الحديثة، وتجمّل وجهها الدموي بشعارات حقوق الإنسان التي لا تسري إلا على بعض البشر دون غيرهم؟
في غزة، كُتب على الإنسان أن يُذبح بلا محاكمة، وأن يُحاصر بلا ذنب، وأن يُهمل بلا خجل!
وفي غزة، يُمتحن صدق الإيمان، وحرارة الدم، وصدق المشاعر؛ فإما أن نبكي وننتفض ونقف مع الحق، أو نصمت فيسقط ما تبقى من ضميرٍ فينا!
أكتب هذا وأنا لا زلت أفكر في ذلك الطائر، لكنني الآن أفكر أكثر في البشر الذين ماتت فيهم الرحمة، فصاروا أشد فتكًا من الوحوش!
وأسأل الله أن يُحيي ما تبقى من إنسانية، قبل أن تغرق الأرض كلها في طوفانٍ من الوحشية والخذلان! رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
امام وخطيب المسجد الحرام: حقيقة البر هو الكمال المطلوب من الشيء والمنافع التي فيها والخير
أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط، المسلمين بتقوى الله فإن التقوى سبيل الأيقاظ، ونهج أولي النهى، وطريق أولي الأبصار، فيها الأمن من العثار، والفوز بالجنة والنجاة من النار.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد الحرام: “آية من كتاب الله تعالى اشتملت على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، وفيما بينهم وبين ربهم، فهي جديرة بإدامة النظر في معانيها، وفهم مراميها، وكمال الحرص على العمل بما جاء فيها، إنها قوله -عز اسمه-: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)”.
وأضاف الشيخ أسامة أن من الواجب الذي بين العبد وبين الخلق من المعاشرة والمعاونة والصحبة، أن يكون اجتماعه بهم، وصحبته لهم، تعاونًا على مرضاة الله وطاعته، التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه، ولا سعادة له إلا بها، وهي البر والتقوى اللذان هما جماع الدين كله.
وأوضح فضيلته أن حقيقة البر هو الكمال المطلوب من الشيء، والمنافع التي فيه والخير، فالبر كلمة جامعة لجميع أنواع الخير والكمال المطلوب من العبد، وفي مقابله الإثم: وهي كلمة جامعة للشرور والعيب الذي يذم العبد عليها.
وأكّد فضيلة الشيخ خياط أن الله سبحانه أخبر أن البر هو: الإيمان بالله وبملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر، وهذه هي أصول الإيمان الخمسة التي لا قيام للإيمان إلا بها، وأنه الشرائع الظاهرة من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنفقات الواجبة، وأنه الأعمال القلبية التي هي حقائقه من الصبر والوفاء بالعهد، فتناولت هذه الخصال جميع أقسام الدين، ثم أخبر سبحانه أنها هي خصال التقوى بعينها.
وبين الشيخ أسامة خياط أن حقيقة التقوى العمل بطاعة الله إيمانًا واحتسابًا، أمرًا ونهيًا، يحمل العبد على أن يفعل ما أمر الله به، إيمانًا بالأمر، وتصديقًا بوعده، ويترك ما نهى الله عنه، إيمانًا بالنهي، وخوفًا من وعيده، كما قال طلق بن حبيب: “إذا وقعت الفتنة فأطفئوها بالتقوى، قالوا: وما التقوى؟ قال: أن تعمل بالطاعة على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله”، وهذا من أحسن ما قيل في تعريف التقوى وبيان حقيقتها.
وشدد على أن من أظهر المعينات للتعاون على البر والتقوى تربية النفس وتعويدها على هذا الخلق، لاسيما في مراحل النشأة الأولى داخل الأسرة، بأن ينشأ أفرادها على أساس متين من التعاون على الخير فيما بينهم، ويبين لهم ضرورته ولزومه، وجميل آثاره، وحسن العاقبة فيه، ثم تتسع الدائرة لتعم ذوي القربى والجيران، ببذل الحقوق، وأداء الواجبات المفروضة، من صلة وإحسان، وتآزر وتراحم، تمتد حلقاته فتشمل المجتمع المسلم كله.