خبراء: العدوان على إيران كشف عجزًا استراتيجيًا وفشلًا مركبًا للكيان الصهيوني والولايات المتحدة
تاريخ النشر: 19th, June 2025 GMT
يمانيون | تقرير
بينما تتجه أنظار العالم إلى المواجهة المفتوحة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني، تتكشّف ملامح مشهد إقليمي جديد، تتهاوى فيه نظريات الردع الأمريكية والصهيونية الواحدة تلو الأخرى.. لم يعد الأمر مجرّد تبادل صواريخ أو ضربة بضربة، بل تحوّل إلى تحدٍّ وجودي لمعادلات الهيمنة التي حكمت المنطقة لعقود.
ومن قلب المواجهة، ومن على خطوط النار في غزة وطهران، يبرز تراجع واضح في قدرة المشروع الصهيوأمريكي على فرض إرادته، وهو ما أكده محللون عسكريون وخبراء سياسيون رأوا أن العدوان على إيران لم يحقق أهدافه، بل كشف عجزًا استراتيجياً وفشلًا مركبًا يتجاوز حدود المعركة العسكرية إلى أزمة ثقة داخلية في كيان العدو، وارتباك في دوائر القرار الأمريكي.
الرد الإيراني تجاوز العسكر إلى تغيير قواعد الاشتباك
الخبير العسكري الدكتور محمد هزيمة يرى أن العدوان على إيران فشل مزدوج: فشل في التأثير العسكري المباشر، وفشل في خلق معادلة ردع جديدة. ويؤكد أن ما جرى ليس مجرد مواجهة تقليدية، بل رد استراتيجي إيراني على مشروع إقليمي أمريكي-صهيوني هدفه استنزاف الجمهورية الإسلامية تمهيداً لتفكيكها.
ويشير هزيمة إلى أن أهداف العملية التي بدأت بذريعة البرنامج النووي، كانت في حقيقتها تستهدف اقتلاع النظام الإيراني برمته، عبر عمليات نوعية تضمنت محاولة اغتيال أكثر من 400 شخصية سياسية وعسكرية في طهران، وهو ما فشلت في تحقيقه.
ويضيف أن سقوط طائرات “إف-35” الصهيونية وتوسّع العمليات الإيرانية إلى عمق الكيان، من يافا إلى حيفا، وجّه ضربة لمعنويات المستوطنين، ورفع منسوب الذعر داخل المجتمع الصهيوني، الذي بات يشكّك في جدوى استمرار الحرب.
اهتزاز العقيدة الأمنية الصهيونية وانهيار وهم “الردع”
الدكتور صادق النابلسي، أستاذ العلوم السياسية، اعتبر أن المشهد الراهن يفضح انهيار مرتكزات الكيان الصهيوني، وخاصة وهمي “الأمن” و”الازدهار” اللذين روّج لهما منذ تأسيسه.
وأوضح أن قرار منع مغادرة مزدوجي الجنسية داخل كيان الاحتلال ليس سوى مؤشر على عمق المأزق، مشدداً على أن الهجرة العكسية باتت خطرًا وجوديًا على الكيان. فالصواريخ الإيرانية التي تضرب العمق لم تدمر البنية التحتية فحسب، بل دمّرت شعور الأمان في قلوب المغتصبين.
ويرى النابلسي أن الكيان لم يعد يملك خيار الاستمرار دون مظلة الحماية الغربية، وأن الدعم الأمريكي والغربي ليس فقط لحماية “إسرائيل” بل لحماية مشروع الهيمنة الغربية في المنطقة برمّته. وكلما تعمّق الصراع، اتّسعت الحاجة لهذا الدعم، مع تصاعد التساؤلات داخل الاحتلال حول إمكانية النجاة من هذه المواجهة.
غزة في قلب المعركة… وصدى الرد الإيراني يُلهب الروح الفلسطينية
في هذا السياق، يربط رئيس جمعية الشتات الفلسطيني، خالد السعدي، بين الرد الإيراني في العمق الصهيوني وصعود معنويات المقاومة في غزة، حيث بات الشعب الفلسطيني يعيش ليالي من الأمل والفرح ترقبًا لصواريخ الجمهورية الإسلامية.
ويؤكد السعدي أن هذا الزخم الإيراني خلق واقعًا نفسيًا جديدًا في غزة، حيث يواجه الفلسطينيون الحصار والعدوان بثبات، بينما يفرّ المغتصبون من الأرض المحتلة نحو قبرص ودول أخرى، خوفًا من ما قد يأتي من طهران.
ويلفت السعدي إلى أن الاحتلال لن يستطيع الصمود أكثر من 12 يومًا، وأنه في حال استمرار الحرب، ستتوقف القبة الحديدية عن العمل بفعل نفاد صواريخها الاعتراضية، وهو ما يجعل الكيان مكشوفًا ومشلولًا أمام موجات الرد القادمة.
شلل في سلاح الجو الصهيوني وفعالية استراتيجية الرد الإيراني المتدرج
أما العميد عمر معربوني، الخبير العسكري والاستراتيجي، فقد كشف عن تدهور كبير في قدرة سلاح الجو الصهيوني على تنفيذ المهام القتالية، مؤكدًا أن الطائرات باتت بحاجة لصيانة دورية وإعادة تأهيل بعد استهلاك مفرط، في وقت لم يكن الكيان يتوقع فيه أن تمتد المعركة لأكثر من أيام قليلة.
ويشير معربوني إلى أن طهران تدير المعركة وفق استراتيجية الرد المتدرج، التي تجمع بين التنويع في الأهداف واستخدام أنواع مختلفة من الصواريخ، بهدف إبقاء المستوطنين في حالة توتر دائم، واستنزاف المؤسسات العسكرية الصهيونية بشكل تدريجي.
ويكشف معربوني أن المعلومات الاستخبارية التي حصلت عليها طهران بيّنت وجود خطة لاغتيال قيادات الصف الأول في النظام الإيراني، من المرشد الأعلى إلى الرئيس، لكن أجهزة الأمن الإيرانية نجحت في إحباط تلك الخطة، وردّت بضربات دقيقة أصابت مراكز حيوية في كيان العدو.
ويؤكد أن إيران لم تُخرج بعد كامل أوراقها، وأن ما حصل حتى الآن ليس سوى “إنذار ردع”، وأن المرحلة المقبلة مرشحة لتصعيد كبير في حال واصل كيان العدو عدوانه.
المحور يتقدم والردع يتهاوى
ومن طهران إلى غزة، ومن بيروت إلى صنعاء، تتشكل ملامح محور مقاومة أكثر تماسكًا وثقة. وما كان يُراهن عليه كيان العدو الصهيوني وأمريكا كوسيلة لفرض السيطرة – من تفوق جوي وسلاح نووي ودعم غربي غير مشروط – بات يتلاشى أمام ثبات الشعوب وفعالية ردود الفعل الصاروخية والسياسية والمعنوية.
أمام هذا الواقع، تؤكد تصريحات الخبراء أن غزة لم تعد مجرد ساحة مواجهة محلية، بل باتت مفتاح التوازن الإقليمي الجديد، فيما أصبحت إيران الحصن الذي يكشف زيف الردع الصهيوني الأمريكي ويكسر سطوته، معادلة قد تغيّر شكل المنطقة لعقود قادمة.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الرد الإیرانی کیان العدو
إقرأ أيضاً:
برواية النساء.. معرض في طهران يعيد قراءة الفن الإيراني من منظور أنثوي
في أروقة المتحف الوطني للفن المعاصر في طهران، تتردد أصوات نسائية لا تُسمع بالكلمات، بل بالأشكال والألوان. معرض جديد بعنوان "برواية النساء" يثير هذه الأيام ضجة لافتة في الأوساط الثقافية الإيرانية، إذ لا يقتصر على عرض الأعمال الفنية، بل يسعى إلى إعادة قراءة قرنٍ كامل من الإبداع من زاوية مختلفة.
منذ افتتاحه، تحوّل المعرض إلى حدث ثقافي بارز، أعاد إلى الواجهة أسماء فنانات شكّلن ملامح الفن الإيراني الحديث في ظروف اجتماعية وسياسية معقدة. ويقول منظموه إن الهدف هو استعادة الذاكرة الإبداعية للمرأة الإيرانية وتسليط الضوء على تطور رؤيتها الجمالية وموقفها من التحولات التي عاشها المجتمع عبر قرن من الزمن.
تقول المشرفة على تنظيم المعرض أفسانه كامران إن "برواية النساء" يوثق مسار الفنانات الإيرانيات اللواتي وضعن اللبنات الأولى للفن الحديث منذ عشرينيات القرن الماضي، مشيرة إلى أن كثيرات منهن كن من أوائل خريجات كلية الفنون الجميلة بجامعة طهران، وأن بعضهن درّسن لاحقا أو واصلن دراساتهن في أوروبا والولايات المتحدة.
وتوضح كامران في حديثها للجزيرة نت أن المعرض يضم 125 عملا فنيا لـ65 فنانة من أرشيف المتحف الوطني للفن المعاصر، بينها 60 عملا تُعرض للمرة الأولى. وقد وُزعت القاعات الـ8 وفق محاور موضوعية مثل "الرواد"، و"البورتريه"، و"الحياة اليومية"، و"المنظر الطبيعي"، و"الحداثة"، و"الفن التجريدي"، مما يتيح تتبّع التحولات الأسلوبية والفكرية عبر العقود.
وتشير المشرفة على التنظيم إلى أن المعرض يتبنى منهجا بحثيا يتيح للزائر قراءة تطور اهتمامات الفنانات، خصوصا في الستينيات والسبعينيات، حين انخرطن بوعي في التيارات الحداثية العالمية كالتعبيرية والتجريد، متجاوزات الصورة النمطية عن "الفن النسائي" العاطفي أو الرومانسي. وتذكر أسماء بارزة مثل بهجت صدر، ومنير فرمانفرمائيان، وسونيا بالاستانيان اللواتي جسّدن هذا التحول بجرأة ووعي.
إعلانوتضيف أن المعرض يُعد الأول من نوعه الذي لم تُستبعد منه أي أعمال لأسباب سياسية أو ثقافية، في محاولة لتقديم رؤية شاملة ومحايدة لتاريخ الفن النسائي الإيراني. كما يضم مواد أرشيفية مرافقة – كدفاتر الفنانات وكتيباتهن – لإثراء الجانب البحثي.
ومن جانبها، تقول نائبة وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي للشؤون الفنية نادرة رضائي، إن مجال الفن في إيران ما يزال "محاطا بالأحكام المسبقة"، رغم أنه من أكثر المجالات حاجةً إلى التفاهم والتلاحم. وتشير في حديثها للجزيرة نت إلى أن الفنانات يواجهن تحديات مضاعفة، ليس بالضرورة بسبب القوانين، بل نتيجة النظرة الاجتماعية، موضحةً أن بعض المؤسسات لا تزال تتجنب إشراك النساء لتفادي الضغوط.
وترى رضائي أن هذه القيود لم تمنع النساء من إثبات حضورهن، إذ "كلما أُغلقت الأبواب الرسمية، فتحت الفنانات نوافذ جديدة للتعبير عن أنفسهن". وتوضح أن انتشار التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي جعل من كل فنانة "وسيلة إعلام مستقلة بحد ذاتها"، قادرة على كسر العزلة وإيصال صوتها إلى الآخرين.
وبحسب رضائي، فإن معرض "برواية النساء" يربط بين أجيال الفنانات الإيرانيات، من الرائدات الأوائل إلى الفنانات المعاصرات، ليُظهر كيف عبّر كل جيل عن واقعه الاجتماعي والسياسي من خلال الفن. وتؤكد أن الوقت قد حان لمنح النساء فرصا متكافئة في إدارة المؤسسات الثقافية، إذ إن عدد النساء المتخصصات والبارعات في الإدارة كبير، فمثلا في مجال الخزف والسيراميك تبلغ نسبة النساء نحو 70 إلى 75% من العاملين في هذا الفن في إيران، لكن حضورهن في صنع القرار والإدارة الثقافية والفنية لا يزال محدودا للغاية.
وتشير رضائي إلى أن ضعف التمويل الثقافي يمثل أحد أكبر التحديات، غير أن الحل -كما تقول- يكمن في الابتكار، وتوسيع التعاون مع القطاع الخاص، وتمكين القيادات النسائية التي تمتلك حسّا فنيا وإداريا قادرا على تحويل الأزمات إلى فرص.
من أبرز الأعمال المعروضة تمثال حجري للفنانة فرزانه أسعدي، إحدى رائدات النحت في إيران. يجمع التمثال بين الصمت المادي والنطق الرمزي، ويعبّر عن علاقة الفنانة بالحجر ككائن حي. تقول أسعدي للجزيرة نت إنها شعرت وهي ترى عملها في المعرض بعد 25 عاما بـ"فرحة الأم التي تحتضن أحد أبنائها الغائبين".
تضيف أسعدي، التي نحتت مئات الأعمال داخل إيران وخارجها، أن الفن بالنسبة إليها "ليس ترفا بل وسيلة للبقاء والتعبير". وتقول: "أنا أعمل في النحت منذ نحو 40 عاما. كأم لـ3 أبناء وامرأة وحيدة، لم يكن الطريق سهلا. لكن الفن هو الذي منحني توازني. حجري صامت، لكنه يتكلم عني".
إعلانوترى أن المعرض يمثل "اعترافا متأخرا بجهد نساء قضين أعمارهن بين الغبار والحجر"، مؤكدة أن "المرأة الإيرانية قد تكون صامتة أحيانا، لكن أعمالها تتحدث بصوت أعلى من أي خطاب".
لا يقتصر المعرض على الجانب الفني، بل يُقدَّم أيضا كمشروع بصري بحثي يوثق تطور الخطاب الجمالي لدى الفنانات الإيرانيات. فمن خلال مقارنة الأعمال القديمة بالحديثة، يمكن ملاحظة الانتقال من الرمزية والقيود الشكلية إلى التجريب والانفتاح على المواد الحديثة.
ويرى نقاد أن المعرض يمثل استعادة رمزية لصوت المرأة في الفضاء الثقافي الإيراني، في وقت تتجدد فيه النقاشات حول دورها في المجتمع. فكل لوحة وتمثال يشهد على مسار طويل من المقاومة الهادئة، التي لم ترفع شعارات، لكنها تركت أثرا عميقا في الذاكرة البصرية للبلاد.
ويواكب المعرض برنامج من ورش العمل والجلسات الحوارية للفنانات الشابات، تناقش مفهوم "الفن النسائي" وحدود تصنيفه، في حين تُعرض في إحدى القاعات تسجيلات مرئية لفنانات رائدات يتحدثن عن تجاربهن مع الفن في عقودٍ سابقة.