حينَ تَسْتَبْدِلُ سُنَنُ التَّدافُعِ البشري ما عَجَزَتْ عَنْهُ الفَتاوى.
تاريخ النشر: 19th, June 2025 GMT
إن السنن الكونية، ومن بينها سنّة التدافع الإنساني، يصعب التنبؤ بها بدقة قبل وقوعها، كما يصعب رصد مشاهدها وتحليلها بدقة أثناء حدوثها، وغالبًا ما تُقرأ هذه السنن بعد أن تنقضي أحداثها وتمر عواصفها، سواء تم ذلك من خلال قراءة سياسية أو تحليل سُنني. ويرجع ذلك إلى كونها أحداثًا متسارعة ومركّبة، تستهدف في العادة إما معادلة سياسية، أو نمطًا اجتماعيًا، أو كيانًا حضاريًا، فكل مشهد يُقرأ سرعان ما يعقبه مشهد آخر أشد منه وأشمل، يغيّر كل ما قرأه القارئون؛ وفهمه المحللون والمراقبون، وافتى به المفتون، بل قد يكون هؤلاء وغيرهم من بعض المجتهدين في تحليل هذه السنن، من ضمن من تستهدفهم تلك السنن نفسها، وهم لا يعلمون.
وقد تستهدف هذه السنن أيضا حقبةً تاريخيةً كاملةً بكل قوامها الاستراتيجي، وإن تم ذلك على مراحل، في سياق دورة تاريخية كبرى من الحروب والصراعات والتحولات الكبرى، وحتى موجات الموت الفردي و الجماعي المتكاثر على مستوى البشرية .
أعتقد أننا اليوم نقف على أعتاب غروب حقبة تاريخية بكل ما تحمله من رجال وأفكار، ونظم وصيغ، وثقافات ومزاج عام، وطابع زمني خاص – ما نراه اليوم من أحداث قد يتطور، ويُدخلنا في دورة تدافع أشمل وأعمق – إنه مسار تحوّل كلي يشمل الوعي والواقع معًا.
الراحلون سيمضون إلى مصائرهم، أما من كُتب له البقاء، فعليه أن يتهيأ لاستحقاقات عهد جديد، بعقل مختلف، ومزاج مغاير، ومنظومة فكرية متجددة لا تشبه ما سبق، كل ذلك ، ضمن السنّة الكبرى في “الاستبدال” التي تعقب سنّة التدافع، ومن يعجز عن استيعاب هذا التحوّل، سيموت في كل يوم ألف مرة، حتى وإن بقي على قيد الحياة.
ومع أن قراءة سنن التدافع بوعي دقيق لحظة وقوعها أمر بالغ الصعوبة، بل إن الوعي بها غالبًا ما يأتي بعد فوات الأوان، إلا أن المؤمن يستطيع أن يقرأها بروحه وضميره، ولو كان من عامة الناس، وبإمكانه ان يشعر بها قبل وقوعها، لا عن طريق التوقع أو التحليل، ولكن بصفاء القلب ويقظة الوجدان، حين يتحرر من أسباب الغفلة.
وقد يقرأها كذلك أصحاب العقول والذهنيات المتقدة من غير المؤمنين، لكن من خلال إسقاطات مادية وتحليلات ذهنية، ويصيبون في كثير من الأحيان.
في كل الأحوال، فإن حالة الارتباك التي نراها اليوم في محاولات تفسير ما يجري، تحت عناوين الموازنات الفقهية، أو المحددات السياسية، وما يصاحبها من أخذ ورد، وتضاد في الرؤى، وتناقض في المواقف، وتسطيح للحرف والمعنى ،وتنمر في التعامل، وتحول الفقيه الى محلل سياسي ، والمحلل السياسي الى فقيه متعمق، لا أظنها حالة صحية، ولا أراها مرشّحة لصناعة التحوّل أو رسم ملامحه أو استثمار مخرجاته، بل لعلها من الحالات التي ستطالها سنن التغيير، لتكون هي ذاتها من بين ضحاياها، لا من بين صانعيها.
المقال نقلاً عن صفحة الكاتب على فيسبوك
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: عبده سالم كتابات يمن مونيتور
إقرأ أيضاً:
الصناعات الغذائية: مطالبة مصر بتصحيح استخدام حق الـ «فيتو» تاريخية
أشاد النائب خالد عيش، ممثل عمال مصر في مجلس الشيوخ ورئيس النقابة العامة للعاملين بالصناعات الغذائية، بالكلمة التي ألقاها السفير أسامة عبد الخالق، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، خلال جلسة الجمعية العامة الاستثنائية المعنية بـ"الأعمال الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة".
وكان مندوب مصر لدى الأمم المتحدة السفير أسامة عبد الخالق، طالب خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بإصلاح منظومة مجلس الأمن، مشددًا على أن دولة الاحتلال ترتكب مجازر في قطاع غزة، في ظل صمت دولي غير مبرر.
استعمال حق الفيتوكما طالب عبد الخالق، خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالتحرك الفوري للضغط على إسرائيل من أجل وقف عدوانها المتواصل على القطاع، مشيرًا إلى أن مصر تواصل مساعيها المكثفة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، محذرًا من تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس.
وأكد عيش - في تصريحات صحفية - أن كلمة مندوب مصر بالأمم المتحدة أبلغ رد ورسالة قوية من مصر إلى العالم بأنه قد حان الوقت لتصحيح حق استعمال "الفيتو" لوقف نزيف الحرب والإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وكذلك وقف الحرب الإسرائيلية الإيرانية ومنع التصعيد حتى لا تتحول المنطقة إلى كرة لهب تحرق الجميع.
وشدد على أن الفيتو الأمريكي يضمن لدولة الاحتلال على مدار التاريخ القديم والحديث التصرف كيفما تشاء وقتما تشاء وهو ما يهدد السلام في منطقة الشرق الأوسط، ويؤثر على أمن وسلامة المنطقة، ومن هذا المنطلق كانت كلمة مندوب مصر السفير أسامة عبد الخالق “تاريخية”.
وقال نقيب الصناعات الغذائية، إنه يتوقع أن تكون الكلمة بداية حقيقية للمطالبة بتصحيح العوار الذي يشوب استعمال هذا الحق في غير محله ولخدمة دولة الاحتلال.
وتابع: “ومن منطلق قوة هذا الحق في وقف وتمرير القرارات الدولية، كان لا بد أن يكون وسيلة للدفاع عن المدنيين وحمايتهم من ويلات الحروب وليس وسيلة لتوفير الحماية للجاني، وهو إصلاح لخلل جوهري يعرقل تنفيذ العدالة الدولية بمفهومها الشامل”.
وأشار عيش إلى أهمية مطالبة مصر كذلك بإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، ما يضمن للمنطقة سلاما طويلا وشاملا وحقا أصيلا حتى تعيش دول المنطقة في أمان.
وجدد "عيش" في ختام تصريحاته، نداءه إلى كل عمال مصر والعرب بضرورة الاصطفاف في تلك اللحظة الفارقة في تاريخ القضية الفلسطينية من أجل وقف الحرب وإحلال السلام العادل والشامل الذي يضمن للأجيال القادمة حقها في العيش بسلام.