إن السنن الكونية، ومن بينها سنّة التدافع الإنساني، يصعب التنبؤ بها بدقة قبل وقوعها، كما يصعب رصد مشاهدها وتحليلها بدقة أثناء حدوثها، وغالبًا ما تُقرأ هذه السنن بعد أن تنقضي أحداثها وتمر عواصفها، سواء تم ذلك من خلال قراءة سياسية أو تحليل سُنني. ويرجع ذلك إلى كونها أحداثًا متسارعة ومركّبة، تستهدف في العادة إما معادلة سياسية، أو نمطًا اجتماعيًا، أو كيانًا حضاريًا، فكل مشهد يُقرأ سرعان ما يعقبه مشهد آخر أشد منه وأشمل، يغيّر كل ما قرأه القارئون؛ وفهمه المحللون والمراقبون، وافتى به المفتون، بل قد يكون هؤلاء وغيرهم من بعض المجتهدين في تحليل هذه السنن، من ضمن من تستهدفهم تلك السنن نفسها، وهم لا يعلمون.

وقد تستهدف هذه السنن أيضا حقبةً تاريخيةً كاملةً بكل قوامها  الاستراتيجي، وإن تم ذلك على مراحل، في سياق دورة تاريخية كبرى من الحروب والصراعات والتحولات الكبرى، وحتى موجات الموت الفردي و الجماعي المتكاثر على مستوى البشرية  .

أعتقد أننا اليوم نقف على أعتاب غروب حقبة تاريخية بكل ما تحمله من رجال وأفكار، ونظم وصيغ، وثقافات ومزاج عام، وطابع زمني خاص – ما نراه اليوم من أحداث قد يتطور، ويُدخلنا في دورة تدافع أشمل وأعمق – إنه مسار تحوّل كلي يشمل الوعي والواقع معًا.

الراحلون سيمضون إلى مصائرهم، أما من كُتب له البقاء، فعليه أن يتهيأ لاستحقاقات عهد جديد، بعقل مختلف، ومزاج مغاير، ومنظومة فكرية متجددة لا تشبه ما سبق، كل ذلك ، ضمن السنّة الكبرى في “الاستبدال” التي تعقب سنّة التدافع، ومن يعجز عن استيعاب هذا التحوّل، سيموت في كل يوم ألف مرة، حتى وإن بقي على قيد الحياة.

ومع أن قراءة سنن التدافع بوعي دقيق لحظة وقوعها أمر بالغ الصعوبة، بل إن الوعي بها غالبًا ما يأتي بعد فوات الأوان، إلا أن المؤمن يستطيع أن يقرأها بروحه وضميره، ولو كان من عامة الناس، وبإمكانه ان يشعر بها قبل وقوعها، لا عن طريق التوقع أو التحليل، ولكن بصفاء القلب ويقظة الوجدان، حين يتحرر من أسباب الغفلة.

وقد يقرأها كذلك أصحاب العقول والذهنيات المتقدة من غير المؤمنين، لكن من خلال إسقاطات مادية وتحليلات ذهنية، ويصيبون في كثير من الأحيان.

في كل الأحوال، فإن حالة الارتباك التي نراها اليوم في محاولات تفسير ما يجري، تحت عناوين الموازنات الفقهية، أو المحددات السياسية، وما يصاحبها من أخذ ورد، وتضاد في الرؤى، وتناقض في المواقف، وتسطيح للحرف والمعنى ،وتنمر في التعامل، وتحول الفقيه الى محلل سياسي ، والمحلل السياسي الى فقيه متعمق، لا أظنها حالة صحية، ولا أراها مرشّحة لصناعة التحوّل أو رسم ملامحه أو استثمار مخرجاته، بل لعلها من الحالات التي ستطالها سنن التغيير، لتكون هي ذاتها من بين ضحاياها، لا من بين صانعيها.

 

المقال نقلاً عن صفحة الكاتب على فيسبوك 

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: عبده سالم كتابات يمن مونيتور

إقرأ أيضاً:

ولي عهد الشارقة: 2 ديسمبر انطلاقة تاريخية بوأت الإمارات مكانة عالمية مرموقة

أكد سمو الشيخ سلطان بن محمد بن سلطان القاسمي، ولي العهد نائب حاكم الشارقة، أن دولة الإمارات تبوأت مكانة مرموقة على مستوى دول العالم، بفضل الأسس القوية التي وضعها الآباء المؤسسون، ومسيرة العمل الجاد التي واصلتها القيادة الرشيدة للارتقاء بالمجتمع في المجالات كافة.
وقال سموه، في كلمته بمناسبة عيد الاتحاد 54 «تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة بعيد الاتحاد الـ 54، وهي مناسبة وطنية تجتمع فيها القلوب والأفئدة على حبّ الوطن، ويحتفلُ فيها الأجداد والآباء والأبناء بذكرى هذا اليوم الخالد من أيام بلادنا العزيزة، احتفالاً يعكسُ عِظم المناسبة، والانتماء للوطن الغالي والفرحة الصادقة، ويمثّل أعلى درجات الوطنية والفخر والعزّة».
وأضاف سموه «في الثاني من ديسمبر من كل عام، تتجدد ذكرى الآباء المؤسسين الذين وضعوا الأسس القوية للاتحاد، وتوافقوا على المستقبل الأفضل لبلادنا، وعملوا بصدقٍ وجدّ على ذلك، ومعهم كل أفراد ومؤسسات الوطن، فكانت انطلاقة دولة الإمارات العربية المتحدة تحت راية الوحدة والاتحاد نحو التنمية الشاملة، والتقدم والتطور، ليحصد شعب الإمارات ثِمار ما غرسهُ المؤسسون، وما واصلت عليه قيادتنا الرشيدة في العمل الجاد والارتقاء بالمجتمع في المجالات كافة، لتتبوأ بلادنا مكانةً مرموقة على مستوى دول العالم».
ورفع سموه أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى مقام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وسمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، وأصحاب السمو الشيوخ أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات، وسمو أولياء العهود ونواب الحكام، وشعب الإمارات بهذه المناسبة الغالية على قلوبنا، راجياً لدولتنا التقدم المستمر في خدمة الإنسان ودوام الأمن والأمان.

أخبار ذات صلة أحمد الريسي: إنجازات فرسان القدرة وقفز الحواجز تعزز ريادة الإمارات على المستوى العالمي سلطان القاسمي: عيد الاتحاد مناسبة عظيمة وثّقت بداية عهد جديد من التنمية والرخاء عيد الاتحاد تابع التغطية كاملة المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • سجن صيدنايا المسلخ البشري الذي ابتلع أبناء أم كارم الـ6 وآلاف السوريين
  • يوم علمي لمناقشة أبحاث تخرج طلاب كلية الطب البشري في ذمار
  • بلدة سيجاء .. سيرة تاريخية محفورة في الصخور والجبال
  • الذهب يقفز 50% في 2025.. موجة صعود تاريخية في الأسواق
  • محمد الحسيني: مسيرة تحول تاريخية
  • ولي عهد الشارقة: 2 ديسمبر انطلاقة تاريخية بوأت الإمارات مكانة عالمية مرموقة
  • في اليوم العالمي لمكافحة الإيدز.. ما هي المصاعب التي تواجه المرضى في العالم العربي؟
  • بعد أسطورة 1997.. المذنب الأسطوري يستعد لعودة تاريخية في القرن الـ44
  • كأس العرب 2025 في قطر.. تعديلات تاريخية ومنافسة عربية ساخنة
  • مدير مكتبة الإسكندرية: الثقافة هي العمود الفقري للعمران البشري