ثلاثة سيناريوهات محتملة لحرب إسرائيل وإيران
تاريخ النشر: 19th, June 2025 GMT
نجح بنيامين نتنياهو في خلط الأوراق وتعليق مسار المفاوضات بين واشنطن وطهران بشأن المشروع النووي الإيراني، والانتقال إلى ضرب إيران بغطاء أميركي مباشر.
كان يمكن للرئيس ترامب أن يصل لاتفاق مع إيران، يحول دون عسكرة المشروع النووي، مع إبقائه مشروعًا سلميًا كما تريد طهران، وكما هو معمول به في العديد من دول العالم، مقابل امتيازات اقتصادية واستثمارات لصالح الشركات الأميركية بأرقام تتجاوز التريليون دولار، وبناء شراكات ومساحة من التعاون بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران.
لكن عقيدة إسرائيل المحتلة، لا تقبل فكرة امتلاك دولة عربية أو إسلامية مشروعًا نوويًا سلميًا، يشكّل لها أرضية علمية معرفية، قد تتحوّل في غفلة من الزمن إلى مشروع لإنتاج القنبلة النووية، كما حدث مع باكستان، ما يخلق بدوره توازنًا للردع مع إسرائيل التي تؤمّن بتفوقها العلمي والعسكري كضمانة لسلامة وجودها على أرض فلسطين المحتلة.
تعي إسرائيل أنها تعيش واقعيًا ككيان مفروض بالقوّة على المنطقة وشعوبها، وكجسم غريب لا يحظى بالقبول، رغم التطبيع مع العديد من الدول العربية، وتعتقد أن القوّةَ والتفوّقَ الضامنُ الوحيد والعاملُ الحاسم لبقائها، وإذا فقدتهما فإن وجودها سيكون مهدّدًا لا محالة.
هذا ما دفع إسرائيل لاستهداف وتدمير مفاعل تموز النووي قرب بغداد في العام 1981، وهو ما يفسّر أيضًا إصرار نتنياهو على النيل من المشروع النووي الإيراني تدميرًا أو تفكيكًا ورفضه أن يكون لإيران مشروعها السلمي.
المعركة إلى أين؟إسرائيل بدأت بقصف إيران يوم الجمعة، 13 يونيو/ حزيران الجاري، مستفيدة من خداع الرئيس ترامب لطهران بتصريحاته، واستدامة الاتصالات الأميركية معها تحضيرًا لجولة المفاوضات بينهما في سلطنة عُمان والتي كانت مقررة بعد يومين فقط من تنفيذ تلك الضربة.
الموقف الإسرائيلي تطور بسرعة خلال أيام معدودة من بدء المعركة، على لسان رئيس الوزراء نتنياهو الذي أعلن أن أهداف الحرب على إيران تتمثل في:
إعلان تدمير المشروع النووي الإيراني. القضاء على المنظومة الصاروخية الإيرانية. تغيير النظام كنتيجة للحرب في سياق إعادة رسم الشرق الأوسط.في هذا السياق تطور أيضًا السلوك الإسرائيلي العسكري لينسجم مع تصريحات نتنياهو، وذلك بقصف منشآت عسكرية ومنظومات صاروخية إيرانية، ومصالح اقتصادية كحقل بارس للغاز، ومناطق مدنية ومقر الإذاعة والتلفزيون، علاوة على مواقع المشروع النووي الإيراني.
اللافت هنا الموقف الأميركي؛ حيث أعلن الرئيس ترامب، الثلاثاء 17 الشهر الجاري، أنه يريد "نهاية حقيقية" للنزاع بين إسرائيل وإيران وليس مجرد وقف لإطلاق النار، وأنه يريد "رضوخًا كاملًا" من إيران و"استسلامًا غير مشروط".
يأتي هذا الموقف متزامنًا مع حشد كبير وعاجل للقوات الأميركية في المنطقة من قبيل حاملات الطائرات، ومقاتلات حربية، وطائرات لتزويد المقاتلات بالوقود، وقاذفات بي2 وبي52 المخصّصة لحمل قنابل خارقة للتحصينات، في إشارة إلى ضرب مفاعل فوردو الواقع تحت الجبال بعمق قد يصل لـ 800 متر تحت الأرض، والذي يستعصي على إسرائيل ضربه بدون الولايات المتحدة وقاذفاتها الإستراتيجية.
إسرائيل رغم غطرستها وعلوّها لا تستطيع أيضًا إعادة رسم الشرق الأوسط، كما يزعم نتنياهو، بدون الإدارة الأميركية وتدخلها لتغيير النظام الإيراني، أو تغيير تموضع إيران سياسيًا في الإقليم.
ومع ذلك، ليس بالضرورة أن تتمكّن واشنطن من تحقيق كل أهدافها خاصة واقع ومستقبل إيران السياسي، فهي دولة مساحتها 1.7 مليون كيلو متر مربع، وتملك إمكانات عسكرية واقتصادية كبيرة، وتعداد سكانها نحو 90 مليون نسمة، وهي دولة أكبر وأعقد من العراق وأفغانستان اللتين فشلت فيهما واشنطن.
سيناريوهات الحرب والعدوان على إيران:يُرجَّح أن الرئيس ترامب وافق بداية على الضربة الإسرائيلية لإيران، ظانًا أنها ستشكّل ضغطًا عليها لتتنازل على طاولة المفاوضات وتتخلّى عن المشروع النووي أو التخصيب، أي النزول عند الشروط الأميركية الإسرائيلية.
ولكن بعد فشل الضربة الأولى في تحقيق هذا الهدف، وثبات إيران على موقفها، واستيعابها الضربة الأولى، وشروعها في استهداف العديد من المواقع المهمّة على كامل مساحة إسرائيل المحتلة عبر منظومتها الصاروخية، كل ذلك جعل المشهد أكثر تعقيدًا أمام إسرائيل وراعيتها الولايات المتحدة الأميركية.
هذه المراوحة بين القصف الإسرائيلي والرد الإيراني، ومن ثم التهديد بمزيد من التصعيد والتدخل الأميركي، يقود المشهد إلى عدة سيناريوهات أهمها:
الأول: عودة إيران إلى المفاوضات، نزولًا عند الشروط الأميركيةوذلك تفاديًا للقصف الأميركي الذي سيكون له تداعيات عسكرية واقتصادية كبيرة على إيران التي تعيش حصارًا قاسيًا منذ عقود، والانتقال بإيران من الطموح والنفوذ الإقليمي إلى دولة منكفئة على نفسها، ما يُمهّد الطريق لإعادة رسم الشرق الأوسط، كما يزعم نتنياهو.
الثاني: استسلام إيران وهزيمتها عسكريًاإذا شاركت الولايات المتحدة في الحرب على إيران، مع استمرار الصمت الإقليمي والدولي وعدم تدخل القوى العظمى كالصين وروسيا لدعم إيران، وبقاء الأخيرة منفردة تحت القصف الأميركي الإسرائيلي المكثّف، ربما يفضي ذلك لهزيمة إيران أو استسلامها، وهذا سيؤدّي إلى تغيير المشهد داخل إيران وفي الإقليم أيضًا.
إعلان الثالث: الحرب الإقليميةشراكة الولايات المتحدة في الحرب على إيران، قد تدفع العديد من الأطراف إلى التدخل، ومن ثمّ تتحوّل الحرب ضد إيران إلى حرب إقليمية يشارك فيها العديد من الأطراف، لا سيّما إذا صمدت إيران في المواجهة، وتعاملت معها على أنها حرب وجودية. ومن الأطراف التي يمكن أن تشارك أو تتدخّل في سياق الحرب الإقليمية:
حزب الله اللبناني، بفتحه الجبهة الشمالية مع إسرائيل، فهزيمة إيران ستعني له التلاشي عمليًا. وإذا تمكّن الحزب من معالجة الاختراقات الأمنية التي عانى منها في معركة إسناد غزة، فإنه قد يملك القدرة على إيذاء إسرائيل واستنزافها، لا سيّما أنه توقّف عن الاشتباك مع إسرائيل في العام 2024 وهو في ذروة المواجهة على الجبهة الشمالية. اليمن الذي لم يتوقّف عن إسناد غزّة، من المرتقب أن يشارك في الحرب ضد إسرائيل، العدو المشترك، وبإمكانه إعاقة حركة الملاحة وحركة القطع العسكرية الأميركية عبر باب المندب. الحشد الشعبي العراقي الذي يملك مقاتلين وإمكانات تسليح مهمّة، وبإمكانه التدخل في المعركة وهو على تخوم الجبهة الغربية لإيران الأكثر عرضة للاستهداف، وليس بعيدًا عن إسرائيل المحتلة التي استهدفها سابقًا عبر المسيّرات. الصين وروسيا، قد تجدان في التدخل الأميركي المباشر في الحرب، فرصة لدعم إيران لاستنزاف واشنطن في سياق الصراع والتنافس الدولي، ناهيك عن أن ذلك قد يعزّز فرص روسيا في أوكرانيا، والصين في تايوان ويوسّع نفوذهما عالميًا. تركيا وباكستان؛ ليس لهما مصلحة في انكسار إيران، وهما دولتان جارتان لها، وتدركان تداعيات أي فوضى تنتج عن انهيار الدولة الإيرانية، كما أن إسرائيل لا تضمر لهما خيرًا في سياق التنافس الإقليمي، فإسرائيل منزعجة من النفوذ التركي في سوريا على سبيل المثال، ومنزعجة من باكستان كدولة إسلامية تملك قنبلة نووية، وقد صرّح نتنياهو في إحدى مقابلاته الصحفية سابقًا بأنه بعد استهداف المشروع النووي الإيراني، فإن إسرائيل معنية باستهداف المشروع النووي الباكستاني أيضًا.إذا تمسّكت إيران بموقفها ولم تستسلم لإسرائيل وللشروط الأميركية، وتدخلت الأخيرة عسكريًا ضد إيران، فالراجح أن يذهب المشهد إلى حرب إقليمية، ستكون لها تداعيات أمنية واقتصادية هائلة على المنطقة ودولها في العراق، ولبنان، وسوريا، والأردن، واليمن، ودول الخليج العربي المشاطئة لإيران.
من الطبيعي أيضًا أن يتأثّر المجتمع الدولي بسيناريو الحرب الإقليمية، فعدد الأطراف المتدخّلة بشكل مباشر وغير مباشر سيكون كبيرًا ومتشعّبًا في مصالحه، ناهيك عن التداعيات الاقتصادية المرتقبة عندما يتم إغلاق باب المندب في البحر الأحمر ومضيق هرمز مدخل الخليج الذي يصدّر نحو 30% من الطاقة، و25% من الغاز الطبيعي إلى العالم.
إسرائيل وجدت كقاعدة ومخلب غربي أميركي، في خاصرة المنطقة العربية التي لم تشهد هدوءًا منذ إنشاء هذا الكيان في العام 1948، على أساس استدامة قوّة إسرائيل مقابل ضعف الدول العربية مجتمعة أو منفردة، وهذا المشهد يتطور واقعيًا لينسحب على العالم الإسلامي من إيران إلى تركيا إلى باكستان.
الحرب الإقليمية إن وقعت، سيكون لها تداعيات كبيرة على مستقبل المنطقة وشعوبها. وهزيمة إيران في هذه المعركة لن يُلغيها كدولة قائمة منذ آلاف السنين وكمكوّن حضاري مهم في غرب آسيا، ولكن ما هو مصير إسرائيل ككيان إن هزمت أو فشلت في هذه المعركة؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المشروع النووی الإیرانی الولایات المتحدة الحرب الإقلیمیة على إیران العدید من فی الحرب فی سیاق
إقرأ أيضاً:
قمة ترامب وبوتين المرتقبة.. 5 سيناريوهات لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية
تحليل بقلم نيك باتون والش من شبكة CNN
(CNN)-- يُتداول منذ فترة احتمال عقد لقاء بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين من قبل الجانبين، فلماذا قد يرغب أيٌّ من الجانبين في حدوثه الآن؟.
يسعى ترامب إلى استخدام قوة شخصيته للتوصل إلى اتفاق، معتقدًا أن 6 أشهر من تعنت موسكو يمكن التغلب عليها من خلال لقاء رئيس الكرملين وجهًا لوجه.
ويبدو أنه لا يزال متمسكًا بفكرة إمكانية إقناع الكرملين بوقف الحرب، على الرغم من أن نظيره الروسي أشار مؤخرًا إلى الموقف المتشدد القائل بأن الشعبين الروسي والأوكراني واحد، وأن أي خطوة يخطوها جندي روسي هي روسيا.
ويريد بوتين كسب الوقت، بعد أن رفض بالفعل مقترحا أوروبيا أمريكيا وأوكرانيا لوقف إطلاق النار غير المشروط في مايو/ أيار، وعرض بدلًا من ذلك فترتين أحاديتين قصيرتين وغير مؤثرتين.
وتتقدم قواته بقوة على خطوط المواجهة في هجوم صيفي قد يقربه من أهدافه بما يكفي لإجراء مفاوضات في الخريف حول وضع راهن مختلف تمامًا في الحرب.
وإذا التقى الرجلان، فإن أحد الأهداف الأمريكية الواضحة هو عقد قمة ثلاثية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لمناقشة إنهاء الحرب- وهو نفس شكل القمة الذي رفضته روسيا في إسطنبول في مايو.
ومن المرجح أن يسمح الهدف الروسي لبوتين بجر ترامب مرة أخرى إلى فلك الخطاب الروسي.
ومع ذلك، قد تُعقد قمة - طُرحت سابقًا، ثم أُجّلت سابقًا - هذه المرة، وهي تثير تساؤلًا حول كيفية انتهاء الحرب.
فيما يلي 5 سيناريوهات محتملة:
1- موافقة بوتين على وقف إطلاق نار غير مشروط
وهذا مستبعد للغاية، من غير المرجح أن يوافق بوتين على وقف إطلاق نار تبقى فيه خطوط المواجهة على حالها- فقد طالبت الولايات المتحدة وأوروبا وأوكرانيا بالفعل بمثل هذا الهدنة في مايو، تحت تهديد العقوبات، ورفضتها روسيا.
وتراجع ترامب عن العقوبات، مفضلاً مفاوضات على مستوى منخفض في إسطنبول لم تُسفر عن أي نتيجة.
ولم يُحقق وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا، الذي تم التوصل إليه في وقت سابق من هذا العام ضد البنية التحتية للطاقة، سوى التزام محدود أو نجاح محدود.
ويُحوّل الكرملين حاليًا المكاسب التدريجية على خط المواجهة إلى مزايا استراتيجية، ولن يرى جدوى من إيقاف هذا التقدم الآن، وهو يبلغ ذروته.
وحتى التهديد بفرض عقوبات ثانوية على الصين والهند - اللتين تبدوان مقاومتين للضغوط الأمريكية - لن يُغيّر تلك الحسابات العسكرية المباشرة لما تبقى من الصيف، وحتى أكتوبر/ تشرين الأول على الأقل، سيرغب بوتين في القتال لأنه منتصر.