الاستثمار بين منصات الصواريخ والأبراج التجارية
تاريخ النشر: 21st, June 2025 GMT
سعيد بن محمد الجحفلي
صناعة المال والاشتغال به زُخرفٌ وغرورٌ، يُنتجان الدَعة والخمول، وصناعة القوة والاعتداد بها ينتج القدرة على ما يُخشى ويُهاب منه، وفي كليهما ما يحرض على توليد أنواع من الصراع الذي يغري بمكاسبه في الأول ويخشى من عواقبه وقوته في الثاني وهذا الذي نعيش أحداثه.
لسنا هنا بصدد استدعاء الأدوار واستحضار ألم فظاعاتها فيما شهدته المنطقة من أحداث لأنها لا تنفع، وتوظيفها يُدمي ويشين، فحياة المسلمين فيها من الفرقة ما يُكرس الضعف ويذهب الهيبة ويولد الأحقاد؛ حيث نرى تحقق هذا عيانًا في منطقتنا التي تتعاظم فيها المصالح السياسية والاقتصادية بين الطامعين في ثرواتها فما نسبته 20% من إجمالي النفط العالمي يُصدّر من الخليج العربي، إضافة إلى رُبع الانتاج العالمي من الغاز المُسال، وهذا يُشير إلى حجم الثروات المالية المُحصَّلة من عائدات النفط والغاز.
ولا نُنكر استثمار دول الخليج مبالغ طائلة من هذه الثروات لرفاه شعوب المنطقة واستقرار بلدانها، فنشطت التجارة وتعالت الأبراج وزادت المجمعات التجارية الضخمة وتوافد الملايين من العمالة الأجنبية للاستفادة من هذه الفُرص وزيادة هذا العدد يشكل خطرًا محدقًا باختلال منظومة القيم الاجتماعية في التركيبة السُكانية لدول المنطقة، وهي إحدى الضرائب المصاحبة لزيادة نسبة أعداد الوافدين مقابل عدد السكان المواطنين، ولا نعرف حجم أضرار هذه الظاهرة مستقبلًا، لكنها ستحدث لا محالة.
وفي الضفة الشرقية من مياه الخليج تعمل الجمهورية الإسلامية الإيرانية على المبدأ القائل "إذا أردت السلام فاستعد للحرب"، ولتحقيق هذا اقتطعت من عوائدها المالية لبناء ترسانة عسكرية قوية رُغم العقوبات التي تُمارَس عليها لأنها تعرف حجم طموحها في المنطقة وما يحتاجه دورها من قوة لإدارة صراعها مع المنافسين؛ حيث وجد الطرفان في هذا الصراع فرصًا لاستثماره في مختلف المجالات وكأنهما يتبادلان الأدوار بيوم لك ويوم لي. وإيران بأيدولوجيتها الخاصة حلّقت خارج السرب مُنتهجة سياسة التمّكين والردع العسكري؛ حيث بَنَتْ ترسانة عسكرية قوية من الصواريخ البالستية فرط صوتي ومختلف أنواع الأسلحة الهجومية بطيرانها المسير، وأصبحت قوة عسكرية إقليمية مُهابة ويُحسب لها الحساب لأنها اشتغلت لصالح أجندتها بإرادة سياسية قوية والغرب أتاح لها الفرصة لزيادة قوتها وتعزيزها في المنطقة؛ فهناك لُعبة يجب أن يجيد المشترك فيها كيف يستثمر بذكاء ظاهرًا وباطنًا دون توقف، ومن تجسيداته كان تخصيب اليورانيوم مشروعًا وطنيًا في البرنامج النووي لإيران مما زاد التهديدات الأمريكية والإسرائيلية والغربية عليها، مع همسات رافضة للمشروع من قبل دول المنطقة.
ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا إن إسرائيل هي أكثر الدول تحريضًا على المشروع النووي الإيراني، لخوفها من النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة، لأن عقيدة الكيان الصهيوني مبنية على المزيد من التوسع والتفوق وفرض الهيمنة العسكرية ولكنها لم تجرؤ على مواجهة إيران عسكريًا خلال السنوات الماضية، بسبب رفض أمريكا ضرب إيران لأمرٍ معلوم في نفسها، ولكن ما ظهر في صفقات ترامب الأخيرة مع بعض دول الخليج كان أعظم لاستعجال منح الكيان الصهيوني الضوء الأخضر بالهجوم على إيران والتعهد بدعمه بما يلزم عملًا بمبدأ تحقيق السلام "من خلال فرض القوة".
إن الكيان الصهيوني يقدِّر تمامًا قوة الرد الذي سيتعرض له من قبل إيران وحلفائها في المنطقة ولهذا عملت طويلًا على تقوية بالغ أثره مع أول ضربة، فصدمت بالرد الإيراني السريع عليها وأصبحت الحرب ضروسًا بين الطرفين ولا أحد يستطيع أن يتكهن بمآلاتها أو المدة الزمنية التي ستستغرقها مع إعلان باكستان وقوفها الداعم والمساند لإيران لأنها تعلم يقينًا أن الدور سيكون عليها لاحقًا في حال هزيمة إيران.... وإسرائيل كما قلنا هي مشروع غربي صهيوني توسعي لضم المزيد والمزيد من الأراضي العربية فلن تكتفي باحتلال فلسطين فقط، والذي يُوهم نفسه بأن التطبيع مع هذا الكيان النشاز مكسب فقد خسِر الرهان، لأنه جسم مرفوض في بيئة طاردة ومعادية له ونحن الآن نعيش في مرحلة ما يُسمى بـ"الهيمنة المُنظَّمة" من قبل أمريكا وحلفائها الغربيين الذين يبتزون البشرية باسم حقوق الإنسان وهم أول من يتنكرون لحقوق الغير إذا خالفت توجهاتهم؛ بل ويصوتون لاستمرار القتل والدمار بحق " الفيتو " الذي يملكونه... هذا العالم المتوحش لا يرحم الضعيف ولا يحترم الصديق مهما أجزل العطايا والهِبات، لأنه عالم لا يعترف بقانون ولا بحقوق إذا لم تحمها قوة.
وفي خضم هذا الصراع فإن دول الخليج تربطها بإيران علاقات تاريخية ومصالح مشتركة في الاقتصاد والثقافة والجغرافيا، لهذا حرِصت مع زيارة ترامب مؤخرًا لها أن تحصل منه على ضمانات بعدم مهاجمة إيران عسكريًا من قبل أمريكا، لأن المنطقة كلها ستصبح في خطر داهم، فإيران هددت بضرب كل القواعد الأمريكية في منطقة الخليج في حال تعرضها لعدوان أمريكي، لذلك تم رفع سقف العقود التجارية لإرضاء الضيف الأمريكي الذي تزداد شهيته للصفقات المليارية التي يجب أن تتوافق مع شروطه ومواصفاته الخاصة، فتحقق له ما يُريد مع فرحة غامرة وتنافس محموم من قبل الدول الموقعة للصفقات، حيث غابت عن تلك التفاهمات الإبادة الممنهجة في غزة وكأنها لم تكن، لأنَّ مزاج الضيف موجه من قبل اللوبي الصهيوني الداعم لإسرائيل، فلا أحد يجرؤ أن يُعكَّر مزاجه ويُنقِّص عليه فرحته بهذه الصفقات الرائعة حسب وصفه.
هنا تبخر جزء كبير من عائدات استثمار الأبراج والمجمعات التجارية للدول الموقعة على الصفقات أمام ابتزاز من يملك القوة والهيمنة العسكرية.
وفي المقابل، عاندت إيران أمريكا وإسرائيل، فقد استثمرت أموالها في صناعة القوة لحماية مشروعها الذي تخافه دول المنطقة قبل الكيان الصهيوني وكان الخيار لها، إما أن تخضع للمشروع الصهيوني الأمريكي أو أن تخوض نزالًا وجوديا معها، فكان خيارها هو الأخير.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
“الجبهة الشعبية” تثمن موقف اليمن بشأن العدوان الصهيوني على إيران
الثورة نت /..
ثمنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، اليوم السبت، موقف القوات المسلحة اليمنية، والذي أكدت فيه “أن السفن والبوارج الأمريكية في البحر الأحمر ستكون أهدافاً مشروعة في حال تورط الولايات المتحدة في أي عدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، إضافةً إلى إعلان استعدادها للوقوف إلى جانب أي دولة عربية أو إسلامية تتعرض لعدوان صهيوني.
وقالت الجبهة في بيان صادر عنها اليوم السبت: “يُمثّل هذا الموقف تطوراً مهماً وشجاعاً، ويعكس وعياً عميقاً بطبيعة المرحلة وبوحدة النضال والمصير المشترك في مواجهة العدوان الصهيو-أمريكي”.
واعتبرت أن هذا الإعلان الجريء من اليمن المقاوم يعكس بوصلة حقيقية للمواجهة، ويبعث برسالة واضحة للعدو الأمريكي مفادها أن هناك في الأمة قوى حيّة مستعدة للتصدي والوقوف في خطوط الدفاع الأمامية.
ودعت الجبهة جماهير الأمة وقواها الوطنية والثورية وكل الأحرار في العالم إلى إدراك خطورة المرحلة والانضمام إلى هذه المعركة العادلة، التي تقف فيها إيران وفلسطين واليمن ولبنان في طليعة المواجهة ضد رأس الإجرام العالمي أمريكا وربيبتها “اسرائيل”، دفاعاً عن الحرية والسيادة والكرامة الإنسانية.
وفي وقت سابق، أكدت القوات المسلحة اليمنية، أنها ستستهدف السفن والبوارج الأمريكية في البحر الأحمر، في حال تورط الأمريكي في الهجوم والعدوان على إيران مع العدو الإسرائيلي.
وجددت القوات المسلحة في بيان صادر عنها اليوم السبت، التأكيد على موقف اليمن المبدئي والثابت في رفض العدوان الصهيوني على إخواننا في غزة ولبنان وسوريا وأي بلد عربي أو إسلامي يتعرض للعدوان الصهيوني، كما جاء في بيانات سابقة.
وذكرت أن المعركة مع العدو الإسرائيلي المعتدي على إيران، مع ما يرتكبه قبل ذلك من إجرام ضد الشعب الفلسطيني وإبادة جماعية، واعتداءات مستمرة على الشعبين اللبناني والسوري، والعدوان على اليمن، ثم اتجه لعدوان شامل ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، تحت عنوان تغيير وجه الشرق الأوسط.. لافتة إلى أن العدو الإسرائيلي يسعى إلى السيطرة التامة على المنطقة، وتنفيذ المخطط الصهيوني بدعم أمريكي مفتوح، وشراكة أمريكية، ويحاول إزاحة الجمهورية الإسلامية في إيران، لأنه يعتبرها العائق الأكبر في طريق إنجاز مخططه.
وأكدت القوات المسلحة أنه لا يمكن السكوت على أي هجوم وعدوان أمريكي مساند للعدو الإسرائيلي ضد إيران في إطار الهدف الرامي لتمكين العدو الإسرائيلي من السيطرة على المنطقة كلها، لأنه يعني مصادرة حرية واستقلال وكرامة أمتنا، واستعبادها، وإذلالها، ومسخ هويتها، واحتلال أوطانها، ونهب ثرواتها، وتثبيت معادلة الاستباحة للدم والعرض والأرض والمقدسات.
ولفت البيان إلى أن المعركة هي معركة الأمة بكلها، والنجاة للأمة، والعزة، والنصر في التحرك، والجهاد في سبيل الله تعالى.
وأوضح أن القوات المسلحة تتابع وترصد كافة التحركات في المنطقة ومنها التحركات المعادية ضد بلدنا وإنها بعون الله ستتخذ ما يلزم من إجراءات مشروعة للدفاع عن بلدنا العزيز وشعبه الأبي.. مؤكدا أن اليمن العزيز بشعبه العظيم وقيادته المؤمنة وجيشه المجاهد سيقف إلى جانب أي بلد عربي أو إسلامي يتعرض للعدوان الصهيوني أو يقرر مواجهة هذا العدوان دفاعا عن نفسه، أو دعما وإسنادا للمجاهدين في المقاومة الفلسطينية.
كما أكدت القوات المسلحة أنها لن تتخلى عن الأشقاء في قطاع غزة، ولن تسمح للكيان المجرم المدعوم أمريكيا بتنفيذ مخططاته في المنطقة.
ويشنّ العدو الصهيوني عدواناً متواصلاً على إيران، منذ منتصف ليل 13-14 حزيران/يونيو، مسفراً عن مئات الشهداء والجرحى، بينما ترد طهران باستهداف المراكز الحيوية والبنى التحتية الصهيونية بالصواريخ البالستية والمسيرات.