الثورة نت:
2025-08-08@04:41:56 GMT

ما الذي في المنطقة ؟

تاريخ النشر: 8th, August 2025 GMT

 

حركة الواقع اليوم من حولنا دالة على تهيئة مناخ حتى يكون صالحا لقبول فكرة جديدة في اليمن، فالاشتغال الإعلامي بلغ ذروته في سوالف الأيام وهو يسير وفق برامج واستراتيجيات بالغة الدقة والعناية، وضعها خبراء في علم النفس الاجتماعي وخبراء في علم النفس السياسي، وخبراء في سيكولوجية الجماهير وتلك علوم معاصرة تقوم على مناهج علمية تراكمت عند العلماء عبر قرون من الزمان، هذه العلوم والمعارف خرجت من عند المسلمين وربما كان العالم ابن خلدون هو مؤسسها الأول ثم تلقفها الغرب فتطورت على يديه تطورا عجيبا في حين ظل المسلمون عند نقطة البداية دون أن يتجاوزوها إلى النقطة التالية، فالعرب يمتازون بالثبات في التفكير ولا يكادون يتجاوزن الماضي إلا في حالات نادرة .

الغرب منذ بدأ التفكير في استعمار المنطقة العربية أرسل العلماء والخبراء لدراسة المجتمعات العربية، ولعلنا نتذكر فكرة الاستشراق كمصطلح شاع استخدامه في القرن التاسع عشر والقرن العشرين الميلادي، فالمستشرق جاء كي يقرأ المجتمع العربي والمسلم قراءة علمية وقد خرج بمصفوفة من الدراسات العلمية جعل مصالحه ومصالح الدول التي يستعمرها ترتبط ارتباطا عضويا لا فكاك له، وحين خرجت الشعوب ثائرة في منتصف القرن العشرين على المستعمر خرج المستعمر شكلا من خلال المظاهر العسكرية لكنه ظل يدير المنطقة من خلال مجموعة من العوامل منها الاقتصادي ومنها الإنساني والحقوقي واستبدل القوة الصلبة في السيطرة على الأنظمة والشعوب بالقوة الناعمة، لأنه كان يدرك طبيعة المجتمعات العربية وعوامل تحريكها من خلال المعرفة .

وبالعودة بالذاكرة إلى بداية الألفية الجديدة نتذكر جميعا الاشتغال المحموم على فكرة الشرق الأوسط الجديد الذي كانت تديره وزيرة الخارجية الأمريكية يومذاك، والتي أصبحت مستشارا للأمن القومي الأمريكي فيما ببعد “كوندليزا رايس “، ذلك الاشتغال لم يكن عبثا ولا كان ترفا، بل كان استراتيجية تشتغل عليها دوائر صنع القرار الأمريكي يومذاك، وصلت فكرة الشرق الجديد إلى حالة الفشل وانسداد الأفق بعد نتائج حرب تموز في لبنان عام 2006م .

بعد فشل فكرة الشرق الجديد خرجت من مراكز البحوث الأمريكية فكرة الإسلام المعتدل، وتم استبدال فكرة الشرق الجديد بفكرة الخلافة، وتم اختيار تركيا بحكم عوامل تاريخية وحضارية وثقافية كي تقود المشروع الجديد تساندها قطر، وقد تم لها ذلك، بعد القيام بعدد من التغييرات في بنية النظام التركي حتى يتسق وظروف المرحلة والمشروع المزمع تنفيذه في الجغرافيا العربية، ولم تكن الانقلابات والاضطرابات التي حدثت في تركيا إلا سيناريوهات تم رسمها والتخطيط لها بعناية بهدف حركة الإقصاء التي نالت الكثير من الأسماء ذات التأثير في النظام التركي أو المتوقع إعاقتها لفكرة المشروع، وكانت منتقاة بجهد استخباري واضح بعد عمليات الانقلابات المزعومة في تركيا، هذا فضلا عن التغيير في بنية النظام من البرلماني إلى النظام الرئاسي، والترويج للمواقف الكبيرة من القضايا الكبيرة للرئيس التركي، وهي مواقف كانت مرسومة سلفا بهدف توسيع دائرة التأثير في نفوس المسلمين حتى تكون فكرة الخلافة وعودتها ذات معنى في الوجدان العام ومقبولة من المزاج المسلم .

لم يكن المسار السياسي وحده من يخطو الخطوات باتجاه أهداف مشروع الشرق الجديد القائم على أسس إعادة تقسيم الخارطة العربية على أسس طائفية وثقافية وعرقية حتى يشرعن للصهيونية الوجود في الخارطة العربية، وقد تظافر المسار السياسي مع المسارات الأخرى، ولعل المسار الثقافي هو الأبرز- كقوة ناعمة – يليه المسار الاقتصادي الذي شهد تحولا وأصبح نموذجا يروج له تيار الإخوان .

اشتغل الأتراك على البعد الثقافي اشتغالا كبيرا ومكثفا، ووصل حجم التأثير إلى مراتب عالمية فاقت التوقع، وتركز خطابهم الثقافي على فكرة الصناعة في التفكيك للمنظومات الاجتماعية كمسلسل “مهند ونور ” أو المنظومات السياسية كمسلسل ” مراد علمدار ” الذي كان يرسم موجات الربيع العربي في الوجدان العربي العام، وصولا إلى فكرة الخلافة التي بدأت الدوائر التركية بمساندة الاستخبارات العالمية في الاشتغال عليها بدءا من مسلسل ” آرطغرل ” وجميع تفرعاته التي تناقش فكرة الخلافة وتاريخها ومواقفها، وصولا إلى المسلسلات التي تناقش البعد الطائفي، هذا المهاد الذي يعمل على تفكيك التصورات التي صاحبت العقل العربي إبان حركة النهضة مطلع القرن العشرين وإحلال بدائل عنها عن طريق الدراما لم يكن عفو الخاطر، بل جاء وفق خطط واستراتيجيات مدروسة بعناية، وهو يفضي إلى تجزئة الأمة وتمزيقها وإحداث حالة الشلل التام في مختلف البناءات، وصولا إلى التمكين الكبير لدولة إسرائيل الكبرى التي يجدها اليهود في كتبهم كوعد يعملون على تحقيقه بشتى الطرق والوسائل .

فالرأسمالية تريد دولاً ضعيفة وغير فاعلة تعاني التشظي والانقسام حتى يسهل عليها فرض ثنائية الخضوع والهيمنة، ولذلك تدير حركة الانقسامات والحروب في المنطقة العربية وهي من خلال تفاوضها مع ايران وعقوباتها المتكررة عليها لا تريد ايرانا قويا متفوقا تقنيا وعسكريا بل تريد ذلك لإسرائيل فقط، وتريد التعامل مع ايران بالقدر الذي يخدم مصالحها ويوفر لها الحماية وتدفق الأموال .

ما يجب التفكير به واستيعابه هو أن هناك خبراء في العلوم الإنسانية المختلفة يحاربون إلى جانب جيوش دول الاستكبار العالمي، فالحرب ليست عسكرية كما قد يتبادر إلى الأذهان للوهلة الأولى فهي حرب ثقافية، وحرب تهجين، وتسطيح، وتعويم، وتفكيك، وتشكيك، ولا بد من تفعيل الجبهة الثقافية وتعزيزها بالرؤى والاستراتيجيات والإمكانات حتى تواجه عدوا لا يتصف بنزاهة الضمير ولا يتصف بشرف الخصومة.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

حين تهزم فكرة السلاح

مها الحجري

أن ينقل عن بريطانيا -رأس الحربة التاريخي لوعد بلفور- أنها تفكر في الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر القادم إذا لم تتوقف الحرب، فليس ذلك نوبة صحوة أخلاقية طارئة، ولا يقظة ضمير متأخرة، بل هو أجلى الشواهد على أن السردية القديمة التي عاش بها هذا الكيان لعقود تتداعى أمام أعين العالم، لم تعد لندن ولا غيرها من عواصم الغرب تتحرك بدافع الرحمة والإنسانية، بل بدافع الذعر؛ لأن استمرار الدم يعني استمرار انكشاف الحقيقة، وشيئا فشيئا تذوب الأسطورة التي صنعوها بجهد قرن كامل، فلا يبقى للكيان سوى سطوة السلاح.

فالاعتراف المحتمل، إذا وقع، ليس فعلا دبلوماسيا معزولا، بل صدى لانهيار تلك السردية التي كانت تتكئ على تضليل تاريخي "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، ثم تحميه أكذوبة أخلاقية عن "جيش أكثر إنسانية"، وتغلفه بتمثيل وجودي يوهم العالم بأنه واحة الديمقراطية في شرق قاحل.

حرب غزة الأخيرة مزقت هذه الأستار جميعا، أعادت إلى العالم صورة الفلسطيني وهو ثابت في أرضه التي حاولوا اقتلاعه منها، وفضحت الجيش الذي ادعى الطهر فإذا به ينقلب رمزا للإجرام الموثق، وأسقطت القناع عن كيان طالما تباهى إنه ديمقراطي فإذا هو نظام فصل عنصري مكشوف، يتهاوى حتى في أعين أبنائهم وطلاب جامعاتهم.

لهذا، فإن دعوات "وقف الحرب" التي تطلقها هذه العواصم -وعلى رأسها لندن- ليست سعيا للسلم بقدر ما هي صرخة ذعر من الغرب نفسه، فقد باتوا يدركون أن كل يوم تستمر فيه الحرب، يزداد انكشاف زيف السردية التي قام عليها الكيان الذي صنعوه وحافظوا عليه، استمرار الدماء يعني استمرار تآكل شرعية هذا المشروع، واستمرار انزياح الرأي العام العالمي سياسيا وإعلاميا وأكاديميا وشعبيا نحو الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف.

إنهم يسعون اليوم لإيقاف الحرب ليس لإنقاذ أرواح الفلسطينيين، بل لإنقاذ ما تبقى من أسطورة كيانهم قبل أن تتحول إلى رمادٍ ليس له ضرام.

ومن ثم، فإن اعتراف بريطانيا -إن حدث- سيكون علامة على حجم الهزيمة السردية التي مُني بها المشروع الصهيوني، إنه اعتراف ضمني بأن السردية الفلسطينية قد انتصرت في معركة الوعي العالمي، وأن بقاء الكيان لم يعد ممكنا إلا بقوة القهر والإكراه وحدها؛ وهو ما يناقض جوهر "الشرعية" التي طالما ادعاها، إنه إقرار بأن كلفة بقاء السردية الزائفة من عزلة دولية ورفض شعبي وتصاعد النقمة في الضمائر قد أصبحت أكبر من قدرة الغرب على تحملها أو التغطية عليها.

الطريق إلى سبتمبر طويل، ومليء بالمناورات ومحاولات تحويل هذا الاعتراف إلى ورقة تفاوضية رخيصة أو "كيس رمل" لامتصاص الغضب، لكن مجرد طرح الفكرة من بريطانيا -حاملة لواء الوعد المشؤوم- هو دليل لا يدحض على أن نقطة التعادل بين السرديتين قد ولدت وتجاوزناها، وأن السردية الحقيقية للصراع: سردية الاحتلال والمقاومة والاستعمار الاستيطاني، هي التي تتقدم الآن، وأن الاعتراف -مهما تأخر أو تشوّه بشرط أو قيد- لن يكون إلا شاهدا على انهيار لم يعد خافيا إلا على من أصر على عماه، لقد سقطت الأسباب المؤسسة للسردية المزيفة، ولم يبقَ لها إلا الإكراه، وشهادة اعتراف من راعيها الأول بأنها لم تعد قادرة على الصمود.

منذ اندلاع طوفان الأقصى، راح يتبدل ميزان الصراع على نحو لم يكن يخطر في بال أرباب المشروع الصهيوني ولا رعاته الغربيين، فالميدان الذي ظنوه محسوما بالقوة بدأ يتصدع في وعي العالم، في تلك المساحة الخفية حيث تتشكل الذاكرة الجمعية ويختلط فيها الحبر بالدم في تحديد القاتل والضحية، لقد قامت إسرائيل طوال سبعة عقود على أسطورتين: أسطورة الضحية التي تمنحها الشرعية الأخلاقية في المخيال الجمعي، وضمانة الحماية الغربية التي تغطيها سياسيا وعسكريا، لكن حربا واحدة -مهما بدا سلاحها بدائيا- كفيلة بأن تهز أركان هاتين الأسطورتين إذا استطاعت أن تفتح نافذة على الحقيقة، وهذا ما حدث فعلا منذ السابع من أكتوبر؛ إذ تحولت غزة المحاصرة إلى مرآة كبرى انعكس فيها كل ما حاولت الدعاية الصهيونية طمسه منذ سبعين عاما.

اليوم، لم يعد الغرب قلقا من الخسارة في ميدان القتال، بل من الخسارة في ميدان الوعي، هذه هي الجبهة الأخطر، فالصورة التي يراها العالم -طفل يتفتّت تحت الركام، وأم تنبش الركام بأصابع دامية، ومدن تمحى في دقائق- باتت أكثر فتكا من القذائف، هذه الصور تفعل ما لم تفعله عشرات المؤتمرات؛ إنها تسقط السردية المؤسِّسة التي حملتها الكتب والأفلام لعقود، ولهذا، حين يتحدثون عن وقف الحرب فلا تنخدع، فدعوتهم ليست رحمة ولا إنسانية، وإنما محاولة محمومة لوقف هذا الانقلاب الهائل في وجدان البشر؛ إنهم يريدون حجب الدم لأنه يفضحهم.

ولعل أخطر ما تواجهه إسرائيل الآن ليس خطر الأنفاق أو الصواريخ أو فصائل المقاومة، بل خطر أن تموت الشرعية التي عاش بها مشروعها لعقود؛ وحين يموت المعنى تموت القوة ولو امتلكت السلاح كله.

ولهذا فإن معركة غزة -بقدر ما هي معركة على الأرض- هي أيضا معركة على السردية: من يملك الحق في أن يكتب القصة الأخيرة..

ومن هنا يمكن القول بثقة إن الدماء التي تسيل في شوارع غزة قد تجاوزت حدودها، وبدأت تحاصر الكيان في عقر وجوده، حيث لا ينفع السلاح إذا هزمت الفكرة.

ومهما طال ليل هذا البلاء، فإن ما يتكوَّن اليوم في وعي الأمم أكبر من حصار وسياج. فغزة المضرجة بالدم والتراب تكتب بجرحها شهادة ميلاد جديدة للكرامة في هذا العالم، وحين يسقط الحجر على رأس الطفل، لا يسقط الطفل وحده، بل تسقط معه أكاذيب سبعين عاما وما دامت الحكاية تروى من دمهم لا من أفواه خصومهم، فكل طلقة على غزة إنما تنقلب في النهاية على رعاة هذا المشروع، وسيأتي يوم، مهما بَعُد، تقف فيه هذه البقعة الصغيرة التي أرهقها الجوع والقصف، لتعلن للعالم أن الحق لا يستأصل وإن نبت في قلب الركام، وأن الأمة التي أهدت العالم شهداءها هي وحدها التي تهديه غدًا حرًا.

 

مقالات مشابهة

  • الغباري: ثورة 30 يونيو أنقذت مصر من فخ مشروع الشرق الأوسط الجديد
  • اللواء الغباري يكشف مخططا خبيثا لمنطقة الشرق الأوسط
  • السيسي يوجه رسالة تحذيرية للشعوب العربية
  • “أكسيونا ليفينغ آند كالتشر” تُعيّن ليفيك نائبًا للرئيس لمنطقة الشرق الأوسط
  • الرئيس السيسي: المنطقة العربية تمر بظروف استثنائية منذ عام 2011
  • حين تهزم فكرة السلاح
  • مشروع منجم الزنك والرصاص ببجاية..هذا هو الجديد
  • منظمة غرينبيس: أمامنا فرصة تاريخية لتوقيع معاهدة عالمية لمكافحة التلوث البلاستيكي
  • الأرض تئن في الشرق الروسي.. زلزال جديد يهز كامتشاتكا بعمق 64 كم