السلام على أنقاض الحرب: أطروحة ترامب المقلوبة
تاريخ النشر: 22nd, June 2025 GMT
أثار الرئيس الأمريكي ترامب في أعقاب الضربة الجنونية التي نفذتها طائرات بي ـ2 الشبحية على ثلاث منشآت نووية إيرانية في «نطنز» و«فوردو» و«أصفهان» مفارقة عجيبة لمصطلح «السلام» تتجاوز الحرب الحالية إلى مستوى من الفهم قد يسود العالم أجمع.. وتكشف الدلالة الترامبية للسلام عن ملامح حالة سياسية جديدة قد تتسيد العالم في المرحلة المقبلة.
كتب ترامب قبل أن تغادر طائراته الشبحية سماء الشرق الأوسط تدوينة على منصته يقول: «حان الآن وقت السلام»! وليس السلام هنا نهاية للحرب كما يوحي التعبير، بل هو إعلان عن بدئها، فترامب يدرك أن القصف هو الشرارة لا الخاتمة. والواضح أن مفهوم السلام الذي يعنيه ترامب في عبارته المكتوبة بوعي هو لحظة تتويج القوة، وهذه مفارقة لا يمكن تجاوزها في فهم المرحلة القادمة.. السلام الذي يعلن فوق رماد القصف لا على طاولة المفاوضات، والسلام الذي لا ترعاه الدبلوماسية ولكن تفرضه القنابل الخارقة للدروع.
كانت الولايات المتحدة تدير علاقتها مع إيران خلال العقود الثلاثة الماضية عبر الضغط الاقتصادي تارة وعبر أدوات التفاوض والحوار المتعدد الأطراف تارة أخرى. وحتى عندما بلغت حافة الصدام في أحيان كثيرة، ظل الرؤساء الأمريكيون يقدّرون تكلفة الحرب مع دولة ذات عمق حضاري وجغرافي وكتلة سكانية ضخمة مثل إيران.. لكن ترامب، الذي وصف العملية بـ«النجاح العسكري الباهر»، لم ينتظر حتى تصل نتائج الضربة إلى الميدان، فتحدّث كما لو أن الحرب قد انتهت، وأن «السلام» قد تحقق بمجرد الضغط على الزناد.
ما يثير القلق العالمي الآن ليس تجاوز ترامب لحوار السلام الذي كانت ترعاه سلطنة عُمان وكانت نتائجه مبشرة بدلالة تصريحات ترامب نفسه، ولكن إعادته لتعريف السلام، ليصبح نتيجة للقصف والتدمير لا نتيجة للاتفاقيات المنبثقة عن الحوارات والتوافقات الدبلوماسية.
لا ينطلق السلام وفق مفهوم ترامب من المنطق العماني الذي يراهن على أهمية الحوار في بناء التفاهمات الدولية وحل الخلافات السياسية، ولا حتى من منطق المفكر الغربي كانط الذي يدعو لسلام دائم عبر القانون، ولا حتى ضمن مفهوم «الآباء المؤسسين» لأمريكا الذي يبدو السلام في فكرهم نقيضا للقوة العسكرية وهو ليس، بالتأكيد، مشروعا للهيمنة. والواضح أن مفهوم السلام الذي تحدّث عنه ترامب أقرب ما يكون إلى أطروحة صامويل هنتنغتون حول «صدام الحضارات»، حيث لا يُبنى السلام على تفاهم حضاري، بل على هيمنة طرف على آخر، وعلى إقرار بحدود القوة بدل تفاهم العدالة. ودعا هنتنغتون في أطروحته تلك إلى إدارة التوتر بين الحضارات، لا لتجاوزه، وهكذا يبدو ترامب حين يعلن السلام في لحظة تفوق عسكري، لا في لحظة نهاية صراع.
وما يزيد من خطورة هذا الانحراف أن ترامب لم يكتفِ بإعادة تعريف السلام، بل تجاوز بذلك أيضا التقاليد الدستورية الأمريكية التي تمنح الكونجرس صلاحية إعلان الحرب، لا الرئيس وحده. لقد تصرف كقائد أعلى يستخدم القوة بلا تفويض تشريعي، ما يعيد إلى الأذهان تحذيرات «الآباء المؤسسين» من عسكرة القرار السياسي وانزلاق الجمهورية إلى حكم الفرد المتفرد بالقرار.
والمفارقة التي يدركها ترامب تماما أن ما قصفه ليس المنشآت النووية، ولكن أحد آخر خطوط الدفاع المعنوي لإيران؛ فالقيادة الإيرانية كانت تربط هذا المشروع بفكرة السيادة والكرامة.. وإذا كان ترامب يدرك تماما أن الرد الإيراني قادم لا محالة فإن طريق السلام بات أكثر تعقيدا، فيما كان قاب قوسين أو أدنى من التحقق في مسقط.
إن إعادة تعريف مفهوم «السلام» وفق أطروحة ترامب من شأنها أن تقلب معايير الشرعية الدولية، وتنذر بتكرار نموذج القوة بديلا للقانون في أماكن كثيرة في العالم.
وقال الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت أيزنهاور، محذرًا: إن قرار الحرب أخطر من أن يُترك للعسكريين وحدهم؛ لكن ترامب يثبت أن السياسيين أيضا -حين يجنحون للقوة- لا ينبغي أن تُترك لهم الحرب دون رادع دستوري أو وازع أخلاقي.
إن الأخطر في ما حدث، ليس الضربة ذاتها، رغم خروجها على كل القوانين، بل إعادة تشكيل وعي عالمي جديد يُسوِّق الحرب بوصفها مدخلا للسلام، ويقلب المفاهيم لتغدو القنابل وسيلة تفاهم. وفي اللحظة التي تغيب فيها طاولات التفاوض، وتحضر الطائرات الشبحية، يصبح السلام أكثر المفردات هشاشة في زمن القوة. وما لم يُستدرك هذا الانزلاق المفاهيمي، فإن «السلام» ذاته قد يتحول إلى كلمة حرب.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السلام الذی
إقرأ أيضاً:
ترامب يخطط لتعيين جنرال أميركي لقيادة "القوة الدولية" في غزة
كشف موقع "أكسيوس"، الخميس، أن الرئيس دونالد ترامب يخطط لتعيين جنرال أميركي لقيادة قوة الاستقرار الدولية في قطاع غزة.
وقال مسؤولان إسرائيليان لـ"أكسيوس" إن سفير واشنطن في الأمم المتحدة مايك والتز، الذي زار إسرائيل هذا الأسبوع، أبلغ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومسؤولين آخرين أن إدارة ترامب ستتولى قيادة قوة الأمن الخاصة في غزة من خلال تعيين لواء أميركي برتبة نجمتين قائدا لها.
وأوضح أحد المسؤولين الإسرائيليين: "بل إن والتز قال إنه يعرف الجنرال شخصيا، وأكد أنه شخص جاد للغاية".
وأكد مسؤولان أميركيان أن الخطة تقضي بتعيين جنرال أميركي لقيادة قوة الاستقرار الدولية.
لكن مسؤولا في البيت الأبيض أبرز أنه "لم تُتخذ أي قرارات نهائية أو تُعلن".
ويشير "أكسيوس" إلى أن تعيين جنرال أميركي سيزيد من مسؤولية الولايات المتحدة في تأمين وإعادة إعمار غزة، التي قد تتحول إلى أكبر مشروع سياسي-مدني-عسكري أميركي في الشرق الأوسط منذ أكثر من عقدين.
تفاصيل المشروع
أنشأت الولايات المتحدة مقرا مدنيا-عسكريا في إسرائيل لمراقبة وقف إطلاق النار وتنسيق المساعدات الإنسانية.تقود الولايات المتحدة جهود التخطيط لإعادة إعمار غزة.من المتوقع أن يترأس ترامب مجلس السلام في غزة، وسيكون كبار مستشاريه أعضاء في مجلس تنفيذي دولي.بذلك، ستتولى الولايات المتحدة قيادة قوات الأمن في القطاع.في المقابل، يؤكد مسؤولو البيت الأبيض أنه لن يكون هناك أي وجود عسكري أميركي على الأراضي في غزة.