كان فى كل أحياء القاهر القديمة أكثر من "كتاب" لتحفيظ الصغار "القرأن الكريم" وتعليمهم العلوم الأساسيه، وكذلك إنتشر الُكَّتابْ فى القرى والنجوع المصرية، وكان (الُكتَّابْ) هى الدرجة الأولى لأبناء المصريين (بنين وبنات) قبل إنتقالهم إلى المدارس الأزهرية فى الأرياف، والمدارس الأميريه فى المدن!.
كما كانت القاهره الفاطميه "تعج" بعده قصور مثمرة مزدهره، تسمى (تِكِيَّهْ)، فى هذه الَتكَاياَ، المزدانه بجميع أنواع الأشجار والنباتات، وصنابير المياه المتدفقه، أسوة بما نراه اليوم فى شوارع "روما" القديمه "وفيينا"، وأيضًا فى "كارلوفيفارى" فى "التشيك"، حيث صنابير المياه فى الشوارع تتيح للمشاه بأن يرتوا بالماء البارد.


كانت القاهره الفاطميه أيضًا تعج (بالُسُبلْ) جمع (سَبِيلْ) للمياه، للإنسان وأيضًا جانب من الَسِبيلْ للبهائم،( الحمير والأحصنه)، وعلى سبيل المثال لا الحصر (سَبِيلْ أم عباس) الشهير فى منطقه "القلعه شارع مسجد قلاوون".
وكانت هذه المبانى ذات الطرز المعماريه الفريده والمتميزه أنشأها المماليك فى العصر العثمانى وكان فى هذه التكايا، يزاول المنشدين فيها، عقد حلقات الذكر وتستقبل التبرعات العينية من أعيان المنطقه فى وجبات ثابته كالغداء والعشاء !
حيث تجلب الصوانى بالفته والأرز واللحم المسلوق، وفى بعض الأحوال فى حال (الضنك) أو (الفقر المؤقت) تجلب الصوانى "بالفول النابت" وأيضًا العيش والأرز "والفول المدشوش" والعدس الأصفر، نفس "التكايا"، الخير دائمًا موجود أمام من يلجأ إلى "الِتكِيَّهْ" لكي يأخذ قسط من الراحه أو من العنايه أو التكافل الإجتماعى!
ولعل أشهر "تِكيَّهِ" مصرية هى "التِكَيه المصرية" التى كانت فى جدة، والمدينة المنوره، وتلك التكيه  والتى هدمت منذ فتره زمنيه قريبه فى مكه المكرمه كانت تلك التكيه معروفه بأسم (التكيه المصرية) حيث يلجأ إليها الحجيج فى مواسم الحج لكى تقدم لهم الخيرات طعام وشراب وإقامه على نفقه الأوقاف المصرية وللأسف الشديد، تنازلت عنها الحكومة المصرية فى عصر المرحوم الرئيس "مبارك"، حيث سمحت للسلطات السعودية بإزالتها، وإزاله معها جزء من "تاريخ وكرم المصريين" على حجيج بيت الله الحرام من المسلمين. 
وإرتبط بذكريات الطفولة حيث كانت أسرتى تقطن فى "حارة جمعة بالمغربلين" فى أواخر أربعينيات القرن الماضى، وكان لى حظ أن ألتحق بكتاب (المحموديه) وهذا الكتاب ملحق على "تِكِيَّه الحبانيه" وتأخذ موقعها فى شارع الخليج المصرى، وبمنطقه "الحبانيه" على أطراف الحلمية الجديدة، وبجوار مدرسة الخديوية الثانوية بنين، وكان "الُكتاَّبْ" مشيد على دورين، الدور الأرضى به الحمامات وقاعات الطعام، والمطبخ والدور العلوى، يعلوه "قبة" من الخشب مرسمة بالزجاج المعشق بالرصاص، والفصول الأربعة على شكل مربع ناقص ضلع، والضلع الرابع (تراس) يطل على  الحدائق فى "الِتكِيَّه" وله سلم هابط إليها، حيث يقوم التلاميذ بالنزول إلى "التكيه" وقت (الفسحه) لتَنَاول الغداء والعوده إلى الفصول إستعدادًا للترديد وراء الشيخ المدرس للأيات القرأنيه، والتى كان يستطيع الشيخ أن يلتقط اللفظ الخطأ من التلميذ وسط ما يقرب من عشرون ويعرف أنه أخطأ فى نطق "حرف أو كلمه" من الأيات الكريمة التى نرددها خلفه، فكانت (الخرزانه) هى المصحح للفظ والكلمه ونطقها!!. 
والغريب فى الأمر أن كل تلميذ يجب أن يحرص على أن يأخذ من والدته (2مليم) لكى يسدد اليوم الدراسى للشيخ على باب المدرسة، والباقى من ملاليم حسب قدره كل (أسرة) يمكن للتلميذ أن يشترى (مضاغه) أو(البخت الأحمر) وربما يكون من حظه أن (البخت) أى "البسكوته المغموسة فى العسل الأسود" المتجمد جد فيها من الداخل من مليم إلى (تعريفه) "خمسة مليمات"  ، فيصبح التلميذ من الأغنياء، ويعفوا عنك الشيخ المحصل (للنكله) (للمليمين)، إذا لم تمتلكهم، بعدد من الخيرزانات على(كفيك)، حتى لاتنسى غدًا إحضار (المعلوم) وهنا كنا لايمكن نقبل الذهاب (للكتاب) دون الملاليم، والتى يُحَصِلَها الشيخ على باب المدرسة!!
[email protected]

المصدر: بوابة الفجر

إقرأ أيضاً:

إسحق أحمد فضل الله يكتب: (روحوا عن القلوب)

كانا يشتهيان طفلًا…
والطفل يولد
والأم تلاحظ أن عيون الطفل لا تتبع وجهها وهي تطل عليه. ولا هو يمسك بالأشياء حين تمدها إليه.. وفي لحظة صاعقة الأم تكتشف أن طفلها أعمى. ومثل زجاجة كان قلبها ينشرخ
…والأم تتابع عيونها الطفل وهو بعد العام الأول يظل جالسًا ووجهه ثابت في اتجاه واحد…
وقطة تموء. والأم تلاحظ أن طفلها أرهف أذنيه للقطة. والأم تقفز فقد وجدت مدخلًا يتواصل به الطفل مع الدنيا…
الأصوات… والأصوات تعني… الموسيقى. والأم تأتي بآلة الكمان وتجلس الطفل في حجرها وأصابعها تقود أصابعه وتعزف
والأم ما كانت تعرف عزفًا لكنها في التخبط تجمع بين نغمتين. ثم ثلاث. والطفل معها يكرر ويحفظ نغمة. نغمتين
بقوس الكمان
والأم تجوس في البيت كل يوم. كل ساعة وعيونها وآذانها عند الطفل وهو يلهج بالنغمات
وأصابعه تقع على نغمة جديدة… وأخرى. وأخرى
والطفل. في جلوسه الطويل يخلق باللمس والنغم يخلق. أُلفة مع الكمان… أُلفة تتمدد
لكن الأم يعصرها أنه لا أحد هناك ليسمع عزف الطفل
والأم تقرر شيئًا
كان الطفل عند سن السادسة قد صنع نغمات تستحق الاستماع إليها
والأم. مثلما كانت تجمع نثار النغمات تنطلق وتجمع الجيران…
ويستمعون… جبرًا للخاطر… ثم يستمعون لأن نغمة هنا وهناك تعجبهم
ولكن… عزلة الطفل ظلالها تعود… والأم تقرر شيئًا
تقرر أن يشترك طفلها في مسابقة ضخمة للعزف…
مسابقة يشترك فيها المحترفون… والأم ودون أن يشعر الطفل بشيء تقوم بتسجيل عزف الطفل وتذهب به إلى إدارة الحفل. ولا يصدقونها. والمرأة تجد أن عدم التصديق هذا هو فرصتها الأعظم التي تجعلهم يقبلون به…. لمجرد إدهاش الناس وليس للمنافسة
والحفل يبدأ. والعازفون يذهلون الحضور الضخم
وجاء دور الطفل
وما يحدث ليس هو ما تتوقعه أنت الآن
ما يحدث هو
الطفل يعزف… ويتلجلج… ويعزف ويستقيم ويعزف. والنغمات تقوده. وينسى الناس ويغرق في العزف. ويعزف… ويعزف… ثم نغمة كاسحة. ثم…. الطفل يتوقف. ويرهف سمعه ينتظر التصفيق
ولا تصفيق…
وصمت بدا وكأنه مثل غبار يهبط في غرفة مغلقة
والطفل وبسيقان ترتجف يتحول ويده ممدودة إلى الأمام وهو يقول
:: أمااه..
والصالة تنفجر… والمسرح ينفجر… والأضواء تنفجر والآلاف يقفون على أرجلهم يصفقون في جنون… في جنون… في ذهول
فالطفل لما كان يعزف كان ينقل الحضور الآلاف من النظرة غير المبالية إلى الانتباه. بعد النغمة الأولى… ثم يصعد بالناس.. ثم يغوص بهم في بحر من السحر. ثم يأخذهم من الشعور بأنفسهم. حتى إذا أرسل النغمة الأخيرة كان الحضور الآلاف يقبضون بأنفاسهم المختطفة. ثم يعودون إلى الشعور بالوجود. ثم يطفون خارجين من بحر النغم. ثم يخرجون إلى الهواء
ثم؟
ثم ينفجرون. في التصفيق المجنون بعد أن أيقظتهم صرخة الطفل..
…….
الفيلم صيني
والإبداع فيه هو أنه في السينما الروائح والمذاقات واللمس أشياء لا تصل إلى المتفرجين. لكن الموسيقى. تصل
وكان على المخرج أن يصنع موسيقى تفعل بالناس ما تفعله موسيقى معجزة
وفعل. ونجح
والفيلم شاهدناه منذ ربع قرن لكنه ما يزال في روحنا
وفي السودان الذي نبنيه سوف نتعاون مع الصين. الصين التي تقود العالم الآن. بالتي هي عديل والتي هي أعوج

إسحق أحمد فضل الله

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • في مؤتمر دولي ببنغازي.. حماد ينتقد سياسات أوروبا تجاه الهجرة غير النظامية
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: الحزب الشيوعي يقرأ كتاب الترابي !
  • إبراهيم عثمان يكتب: من أجل الوضوح
  • د. أمين حسن عمر يكتب: ديمقراطية أهل السودان
  • مؤمن حماد .. الف مبروك النجاح
  • مصرع شخص وإصابة 3 آخرين فى حادث تصادم بالشرقية
  • حمّاد يجدد رفض حكومته الإفصاح عن البيانات المالية للموظفين
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (روحوا عن القلوب)
  • الحنيان: اتحاد القدم خسر الهلال وكان يجب تأهل القادسية للنهائي بثلاثية.. فيديو
  • في الإسماعيلية.. الإعادة بين "زايد وغنام" على المقعد الفردي وفوز "حماد وداليا" بالقائمة