الإصلاح الضريبي في سوريا يبدأ بعد عقود من المحاباة والفساد
تاريخ النشر: 23rd, June 2025 GMT
دمشق – عانى السوريون لسنوات طويلة من النظام الضريبي الذي كان سائدا في عهد نظام بشار الأسد المخلوع، حيث صُمّم -وفقًا لرؤية العديد من الخبراء- لحماية مصالح كبار التجار ورأسمالية المحاسيب التي كانت تهيمن على البلاد؛ فأعفى النظام بذلك أصحاب الثروات المرتبطين بالسلطة من المساءلة، في حين أرهق كاهل صغار التجار والصناعيين بضرائب تُفرض دون معايير واضحة، الأمر الذي أدى إلى هجرة آلاف الصناعيين والتجار من البلاد.
وفي إطار التعامل مع هذه التركة الثقيلة، عقدت لجنة الإصلاح الضريبي، برئاسة وزير المالية السوري محمد يسر برنية، الأسبوع الماضي، أول اجتماع لها منذ الإعلان عن تشكيلها مطلع الشهر الجاري.
وأكد الوزير لوسائل الإعلام، عقب الاجتماع، أن النظام الضريبي الحالي "غير قابل للاستمرار، لأنه لا يخدم الرؤية الاقتصادية للبلاد، ولا مصالح القطاع الخاص، ولا مفهوم العدالة، فضلًا عن عدم قدرته على دعم عجلة الصناعة في البلاد".
وأوضح أن اللجنة اتفقت على المحاور الأساسية للإصلاح الضريبي، والتي تشمل تخفيض الشرائح الضريبية، وتبسيط الإجراءات، وتوحيد الضرائب.
شراكة مع القطاع الخاصوأشار برنية إلى أن الدولة حريصة على أن "تكون شريكا فاعلا للقطاع الخاص، وليست مجرد جهة جباية"، مؤكدا أن الإصلاحات الضريبية الجارية ستأخذ وقتها الكافي لتتبلور بصورة سليمة ومتوازنة، تضمن ملاءمتها لجميع الأطراف على المدى الطويل، وليس لفترة محدودة تمتد لعامين أو ثلاثة فقط.
وشدد الوزير على ضرورة تجنّب الاستعجال أو القفز على المراحل، داعيًا إلى اعتماد نهج تدريجي في بناء نظام ضريبي عصري يخدم مصلحة سوريا ويدعم عجلة الصناعة، مع السعي إلى توفير نظام واضح وشفاف يمنح المستثمر الثقة الكاملة بأنه سيخدم مصالحه.
كما أشار إلى أنه تم بالفعل إلغاء عدد من الرسوم، وهناك توجه لإلغاء المزيد من الضرائب، مع العمل على توحيد النظام الضريبي والانتقال إلى ضرائب أقل عددًا وأكثر توحيدًا.
إعلانوفي ختام تصريحاته، شدد برنية على أن سوريا ماضية نحو أن تصبح "من أكثر الدول تنافسية من حيث نظام الضرائب الحديث".
تنشيط صناعات
وفيما يتعلق بالإصلاحات الضريبية الجارية، يرى الخبير الاقتصادي أدهم قضيماتي أنها تستند إلى دراسات تهدف إلى إعادة تنشيط صناعات محلية تمتلك سوريا خبرة طويلة فيها، مثل صناعة النسيج، إلى جانب تحفيز صناعات جديدة وواعدة مثل التكنولوجيا، والتي لا تزال البلاد تفتقر إلى بنى تحتية كافية لها.
ويربط قضيماتي نجاح تعديل النظام الضريبي برؤية الحكومة وخططها الإستراتيجية، سواء على المدى المتوسط (5 سنوات) أو الطويل (10 سنوات). ويؤكد أن تخفيض الضرائب أو الرسوم يجب أن يتم وفق 3 معايير رئيسية:
حجم الإنتاج المحلي، الفترات الزمنية (المواسم). الحالة العامة للاقتصاد، بما في ذلك حجم الاستثمارات المتوقعة واحتياجات السوق المحلي من المنتجات القابلة للتصنيع الداخلي.ويشير الخبير إلى أنه كلما اقتربت البلاد من تحقيق الاكتفاء الذاتي من منتج معين، يمكن حينها رفع الضرائب عليه تدريجيًا، والعكس صحيح.
ويوضح أن سوريا، في الوقت الراهن، بحاجة للاستيراد، مما يتطلب ضرائب ورسومًا منخفضة، مؤكدًا ضرورة تعديل قيم تلك الضرائب بشكل دوري استنادًا إلى مراجعات منتظمة للواقع الاقتصادي.
ويضرب مثالًا بالضرائب الزراعية، التي يجب أن تتغير تبعًا للمواسم والمحاصيل، مشددًا على أن النظام الضريبي يعد ملفا شائكا يرتبط بالظروف المتغيرة بشكل مباشر.
وفيما يتعلق بالأثر المتوقع لهذه الإصلاحات على البيئة الاستثمارية والقطاع الخاص في سوريا، يشير قضيماتي إلى ضرورة تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، نظرًا لما قد تحققه من فوائد عديدة، من أبرزها تقليص الهدر في القطاع العام، وتقديم نموذج إداري فعال من خلال القطاع الخاص.
ويشدد على ضرورة الحفاظ على دور الدولة الرقابي، لا سيما فيما يخص الأسعار وتوفير المنتجات الأساسية في السوق، مؤكدًا أن هذه الشراكة تمكّن الدولة من الخروج من دور "الجباية" التقليدي، وتقي القطاع العام من الخسارة كما كان على عهد النظام المخلوع.
ويرى قضيماتي أن تطبيق هذه الشراكة مستقبلًا قد يتم من خلال تأسيس شركات قابضة يديرها القطاع الخاص بمساهمة رمزية من الدولة، مقابل منح تسهيلات ونسب من الأرباح.
وعن الحاجة لزيادة الإيرادات الحكومية وتخفيف العبء الضريبي عن المواطن في آن واحد، يرى الخبير أن تحقيق هذه المعادلة يتطلب توفر عدة معايير، في مقدمتها "انتهاء ثقافة الرشوة والمحسوبيات".
ويؤكد أنه إذا تم "ضبط الاقتصاد"، فلن تواجه الدولة عجزًا في الموازنة، خاصة أن سوريا بلد غني بالثروات الباطنية التي من شأنها أن تخفف العبء المالي، إلى جانب الشراكات مع الدول الأخرى لتمرير خطوط الغاز والنفط والاستفادة من عائداتها.
ويخلص قضيماتي إلى أن الحكومة مطالبة بزيادة إيراداتها بشكل مدروس خارج إطار ما يُعرف بالإيرادات الضريبية أو الرسوم التقليدية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات النظام الضریبی القطاع الخاص إلى أن
إقرأ أيضاً:
الاحتلال إسرائيلية يستهدف موقعا عسكريا سوريا في اللاذقية للمرة الرابعة خلال شهر
جدد سلاح الجو الإسرائيلي، ليل الأربعاء وصباح الخميس، استهدافه لموقع عسكري تابع للجيش السوري في محافظة اللاذقية شمال غربي سوريا، في رابع غارة من نوعها خلال أقل من شهر، وسط تصاعد وتيرة الهجمات الإسرائيلية على منشآت عسكرية سورية منذ سقوط نظام بشار الأسد نهاية العام الماضي.
وأفادت مصادر ميدانية بأن القصف استهدف اللواء 107 المتمركز في قرية زاما بريف جبلة جنوبي اللاذقية، باستخدام صواريخ شديدة الانفجار، ما أدى إلى اندلاع حرائق كبيرة داخل الموقع العسكري وفي محيطه، وسط استنفار واسع لقوات النظام وتوجه فرق الإطفاء والإسعاف إلى المكان.
وأشارت المصادر إلى سماع دوي انفجارات عنيفة في أرجاء ريف جبلة، تزامناً مع رؤية وميض في السماء سبق الضربات، ما يرجّح أن القصف تم بطائرات حربية إسرائيلية.
في المقابل، لم تصدر وزارة الدفاع السورية أو وسائل الإعلام الرسمية أي تعليق.
وتعد هذه الغارة الرابعة من نوعها على الموقع نفسه خلال وقت قصير، إذ سبق أن تعرض اللواء لقصف في 17 تموز/يوليو الماضي، أسفر حينها عن مقتل مدني وإصابة ثلاثة آخرين، كما خلف أضراراً جسيمة في مستودعات أسلحة داخل الموقع.
ويُعتقد أن اللواء 107 يحتوي على منصات صواريخ أرض–أرض وأرض–بحر، ما يجعله هدفاً متكرراً لسلاح الجو الإسرائيلي، ضمن مساعي الاحتلال إلى تقويض ما تبقى من القدرات الصاروخية السورية، خاصة تلك التي كانت ترتبط بالوجود الإيراني أو تُستخدم كمخازن للأسلحة الاستراتيجية.
تصعيد متواصل في الساحل السوري
وفي إطار التصعيد الإسرائيلي المتواصل، كانت تل أبيب قد قصفت خلال الأشهر الماضية مواقع عسكرية استراتيجية في الساحل السوري، منها ثكنة البلاطة في ريف طرطوس، التي تعد مقراً سابقاً للوحدات الخاصة، وثكنة الشامية في منطقة برج إسلام بريف اللاذقية.
ومنذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، كثّف الاحتلال الإسرائيلي هجماته الجوية في الداخل السوري، حيث نفذ مئات الغارات استهدفت مواقع عسكرية شملت مستودعات صواريخ، ومطارات عسكرية، ومراكز بحوث علمية، ما أدى إلى تدمير واسع للترسانة العسكرية التي خلفها النظام.
وتركزت الضربات على منظومات الدفاع الجوي، ومخازن الذخيرة، والطائرات الحربية، في وقت لا تزال فيه طائرات الاستطلاع والطائرات الحربية الإسرائيلية تحلق بشكل شبه يومي في الأجواء السورية، لا سيما فوق الجنوب والعاصمة دمشق.
وفي تموز/يوليو الماضي، استهدفت طائرات الاحتلال مبنى وزارة الدفاع السورية، ومحيط القصر الجمهوري، ومواقع أمنية في محافظة السويداء، بالتزامن مع تصاعد التوترات الأمنية في المحافظة، ما اعتبر رسالة مزدوجة لكل من النظام السوري والقوى الإقليمية الداعمة له.
وتُظهر طبيعة الأهداف أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى منع أي إعادة بناء للبنية العسكرية السورية.