ما الذي يعيد جمع دمشق وموسكو على الطاولة؟
تاريخ النشر: 7th, August 2025 GMT
ركَّز الحراك الدبلوماسي للحكومة السورية الجديدة -منذ توليها إدارة شؤون البلاد أواخر 2024- على إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، في ظل الحاجة إلى رفع العقوبات الغربية عن سوريا، وتحقيق تقدم في مسار توحيد البلاد.
وقد قابل هذا الحراك فتور في العلاقات مع روسيا على خلفية أحاديث عن مطالب أوروبية للإدارة السورية الجديدة، وذلك بإخراج القواعد الروسية من الأراضي السورية.
وفي 31 يوليو/تموز الماضي، توجه وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى موسكو برفقة وفد رفيع، وتبعه أيضا وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، في زيارة حملت مؤشرات على رغبة متبادلة بإعادة ترتيب العلاقات السورية الروسية.
ومن هذه المؤشرات الحفاوة التي تعامل بها الجانب الروسي مع الوفد السوري، حيث التقى الرئيس فلاديمير بوتين مع الشيباني في لقاء وصفته الخارجية السورية بـ"التاريخي" كما بحث أبو قصرة مع نظيره الروسي مسألة التعاون العسكري بين البلدين.
كما شهد لقاء الشيباني مع نظيره الروسي سيرجي لافروف اتفاقا على إعادة النظر في الاتفاقيات الثنائية التي تم توقيعها في عهد بشار الأسد، والعمل على تطوير علاقات صحية بين الجانبين.
فما دلالة هذا الحراك في هذا التوقيت؟ وهل يمهد هذا التحرك المشترك لتأسيس شراكة إستراتيجية جديدة بين البلدين تعيد تعريف العلاقة بعيدا عن إرث المرحلة السابقة؟
جاءت زيارة الوفد السوري إلى موسكو في أعقاب أزمة السويداء التي شكلت منعطفا حرجا بعد أن قوبلت محاولة الحكومة بسط السيطرة على المحافظة الجنوبية بتصعيد إسرائيلي واسع تحت ذريعة "الدفاع عن الدروز".
وقبيل توجه الوفد السوري إلى روسيا، عقد الوزير الشيباني جولة مفاوضات مع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في العاصمة الفرنسية -برعاية أميركية- من أجل مناقشة التصعيد الإسرائيلي ومصير الجنوب السوري.
إعلانووفق المعلومات التي نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية بعد اللقاء، فإن إسرائيل تمسكت بمطلب إبقاء الجنوب السوري منزوع السلاح، مع رفضها دخول قوات الجيش، على أن تتولى عناصر درزية محلية مهمة ضبط الأمن، مما يعني فعلياً تأسيس نموذج حكم محلي خارج عن سيطرة الإدارة السورية.
ومنذ 2018 حتى سقوط نظام الأسد أواخر 2024، لعبت روسيا دور الوسيط والضامن في الجنوب السوري، ونشرت بالتنسيق مع إسرائيل نقاطاً للشرطة العسكرية من أجل منع التصعيد جنوب سوريا بين مجموعات مرتبطة بإيران -كانت منتشرة جنوب سوريا- وبين إسرائيل.
ولهذا، من غير المستبعد أن تطلب دمشق مجدداً من موسكو القيام بدور الوساطة مع إسرائيل، خاصة وأن تقارير إسرائيلية تحدثت في أبريل/نيسان الماضي عن جهود تبذلها إسرائيل لإقناع الولايات المتحدة بإبقاء القواعد الروسية في سوريا من أجل موازنة النفوذ التركي، وهذا يشير إلى استمرار انفتاح إسرائيل على قيام روسيا بدور في سوريا.
وبالفعل، فقد أجرى بوتين اتصالاً هاتفياً في 4 أغسطس/آب الجاري مع نتنياهو، وأوضح بيان صادر عن الكرملين أن الرئيس أكد في المكالمة على وحدة الأراضي السورية، وبالتالي قد تستفيد الحكومة السورية من دور الوساطة والضمانة الروسية لإقناع إسرائيل بالتخلي عن فكرة إنشاء حيز أمني داخل الأراضي السورية.
استثمار النفوذ الروسييمر ملف شمال شرق سوريا بحالة مراوحة في المكان، فرغم توقيع اتفاق 10 مارس/آذار 2025 بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحكومة السورية، تشير التصريحات المتكررة الصادرة عن قيادات "قسد" إلى أن الاتفاق كان عبارة عن خطوط عامة، وتريد فتح المفاوضات حول آليات تطبيقه.
وقد تصاعدت هذه التصريحات بعد أحداث السويداء، وبات المتحدثون باسم "قسد" يؤكدون على التمسك بالسلاح لحين التوافق على "حكومة سورية تشاركية".
ولا تزال روسيا تحتفظ بقاعدة جوية لها في مدينة القامشلي ضمن محافظة الحسكة، ولديها اتصالات مع "قسد". وبالتالي فإن استمرار تجاهل حكومة دمشق للمصالح الروسية في سوريا قد يدفع موسكو لتعزيز التواصل معها، على غرار ما حصل مطلع عام 2016 عندما دعم الطيران الروسي "قسد" في عمليات عسكرية ضد المعارضة السورية آنذاك شمال حلب قرب الحدود التركية، على إثر التوتر بين موسكو وأنقرة بعد إسقاط تركيا طائرة حربية روسية في سوريا.
وبالمجمل، لم تكن علاقة روسيا مع "قسد" إستراتيجية، بل استخدمتها لتوفير نفوذ في مناطق إستراتيجية للجانب التركي، وهي لم تمانع الانسحاب لصالح تركيا قبيل تنفيذ الأخيرة عملية غصن الزيتون في منطقة عفرين عام 2018، كما أن موسكو تتلاقى مع دمشق -سواء في زمن نظام الأسد أو بعد مغادرته- على رؤية وحدة الأراضي السورية.
وبعد أيام من زيارة الوفد السوري إلى موسكو، سيرت روسيا دورية عسكرية في محافظة الحسكة للمرة الأولى بعد سقوط نظام الأسد.
ومن غير المستبعد أن تتعاون موسكو لاحقاً مع القوات الحكومية السورية لتطبيق "تفاهم سوتشي" الذي وقعته موسكو مع أنقرة عام 2019، وينص على التزام الجانب الروسي مع القوات السورية بإبعاد العناصر "الإرهابية" عن الشريط الحدودي، في إشارة إلى قوات "قسد". وبالتالي تمتلك الحكومة السورية ورقة ضغط إضافية على "قسد" قد تشكل في نهاية المطاف أرضية لوساطة روسية بين الطرفين.
تحتفظ روسيا إلى يومنا هذا بتأثير على القيادات السابقة في نظام الأسد، فهي تستضيف بشار وشقيقه ماهر، إلى جانب اللواء سهيل الحسن قائد الفرقة 25، ورئيس المخابرات العامة السابق اللواء حسام لوقا.
إعلانوبعد التحرك الذي نفذته فلول نظام الأسد في الساحل خلال مارس/آذار الماضي، وتصدي الحكومة السورية له، لجأ العديد من ضباط النظام السابق مع عائلاتهم وعائلات أخرى من محافظتي اللاذقية وطرطوس إلى قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية، لكن موسكو طلبت لاحقاً من العوائل المغادرة.
ومع حلول أغسطس/آب الجاري، تقلص أعداد الموجودين في القاعدة من 10 آلاف إلى مئات فقط، بموجب البيانات الصادرة عن مديرية منطقة جبلة بريف اللاذقية، حيث تتم عملية إخراج العوائل بالتنسيق بين الجانبين الروسي والسوري.
بالنظر للتعاون الروسي مع الحكومة السورية على تسهيل عودة العوائل التي لجأت إلى حميميم وعدم اتجاه موسكو للتصعيد سياسياً في هذا الملف، يفتح الباب أمام تعاون مستمر لضمان الاستقرار لاحقاً بالساحل السوري بعد المباحثات الإيجابية بين دمشق وموسكو.
تمتلك روسيا حق النقض (فيتو) لأنها من ضمن الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهذا يمنحها ثقلا سياسيا على الساحة الدولية.
ومنذ مطلع أغسطس/آب الجاري، يبحث مجلس الأمن مشروع بيان رئاسي -أعدته الدانمارك بخصوص سوريا- يدعو السلطات السورية إلى إجراء تحقيقات "شاملة وشفافة" حول أحداث السويداء، ومحاسبة مرتكبيها، مع إدانة استهداف المدنيين وحصول أعمال قتل جماعي في سوريا.
وتعطي إعادة هيكلة العلاقات السورية الروسية -على قاعدة المصالح المتبادلة- دمشقَ إمكانية الاعتماد على أكثر من طرف داخل مجلس الأمن لمنع صدور قرارات تضر بعملية الانتقال السياسي، خاصة وأن الولايات المتحدة والدول الغربية عادة ما تكون أقرب لمصالح إسرائيل في مواجهة دول المنطقة.
وقد سبق أن استخدمت روسيا حق النقض في مجلس الأمن ضد قرار غربي في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وكان هذا التدخل لصالح الجيش السوداني لأن القرار يساوي بينه وبين قوات التمرد (الدعم السريع).
واللافت أن موقف روسيا أتى بعد أن قام الجيش السوداني أيضاً بإصلاح العلاقات مع موسكو التي كانت أقرب إلى المتمردين، ووفرت لهم الدعم عن طريق مرتزقة فاغنر، قبل أن يتم تطبيع العلاقات بين موسكو والخرطوم.
وقد تضمنت الاجتماعات السورية الروسية لقاء على مستوى وزيري دفاع البلدين، مع الإشارة إلى تطوير التعاون العسكري.
ولسنوات طويلة سابقة، اعتمدت سوريا على السلاح الروسي، وبعد سقوط نظام الأسد استحوذ الجيش السوري الحالي على المئات من المدرعات وقطع المدفعية الروسية، بالإضافة إلى بعض الطائرات، وغالب هذا العتاد يحتاج إلى قطع تبديل وصيانة.
وقد توفر العلاقة على المستوى العسكري لسوريا خيارات من أجل تحسين سلاح الجيش في ظل عدم وجود بوادر لموافقة دول غربية على إجراء صفقات سلاح مع دمشق، خاصة وأن موسكو لا تلتفت كثيراً إلى العقوبات وقرارات حظر الأسلحة، فهي مستمرة في توفير الدعم لقوات شرق ليبيا التي يقودها خليفة حفتر رغم قرار حظر التسليح للأطراف الليبية.
بالتوازي مع ذلك، فإن تطبيع العلاقات بين دمشق وموسكو سيحقق مكاسب للجانب الروسي، أولها إمكانية الاحتفاظ بنقاط ارتكاز عسكرية، على الأقل قاعدة طرطوس البحرية، وهي القاعدة الروسية الوحيدة بالبحر المتوسط، مما يتيح للأسطول الروسي عمليات الصيانة.
ومن جهة أخرى، تعتبر سوريا ممراً محتملاً للطاقة باتجاه أوروبا. وكما كافحت روسيا للحفاظ على نفوذها في ليبيا التي تعتبر هي الأخرى بوابة عبور الطاقة لأوروبا، فمن المتوقع أيضاً أن تسعى للحفاظ على تأثيرها بالساحة السورية في سياق السعي للضغط على أوروبا في ظل تصاعد التوتر بين الجانبين بعد الحرب الأوكرانية.
إعلانويسود اعتقاد بأن منطقة شرق حوض المتوسط تحتوي على احتياطيات كبيرة من الغاز لم يتم استكشافها، ومن المتوقع أن يزداد التنافس الدولي على الاستثمار في التنقيب عن الغاز قبالة السواحل السورية مستقبلاً.
كما أن عودة روسيا إلى دور الوساطة مع إسرائيل -في الملف السوري الحساس بالنسبة لإسرائيل- ستوفر لموسكو قناة اتصال مهمة مؤثرة في الأوساط الغربية، ويمكن استخدامها مجدداً لمحادثات حول خفض التوتر بين الطرفين، والتفاوض حول مستقبل الحرب في أوكرانيا والعقوبات على روسيا.
إذن، ثمة فرص ومصالح متبادلة دفعت كلاً من موسكو ودمشق إلى إعطاء فرصة جديدة للعلاقات بين الجانبين، في محاولة لتجاوز الحقبة الماضية التي دعمت فيها روسيا بشار ضد المعارضة السورية الشعبية والمسلحة، وإن نجاح هذه المحاولة مرتبط بعوامل كثيرة أولها مدى قدرة دمشق على الموازنة في العلاقة بين موسكو والغرب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات الأراضی السوریة الحکومة السوریة الوفد السوری بین الجانبین نظام الأسد مجلس الأمن سقوط نظام فی سوریا مع دمشق بعد أن من أجل
إقرأ أيضاً:
موسكو: روسيا لم تعد ملزمة بقيود معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى
روسيا – أعلنت وزارة الخارجية الروسية انتهاء ظروف استمرار على وقف النشر الأحادي الجانب للصواريخ متوسطة وقصيرة المدى البرية، وموسكو لم تعد ملزمة بالقيود التي تبنتها سابقا بهذا الشأن.
وجاء في بيان الوزارة المنشور على موقعها الرسمي: “نظرا لتجاهل تحذيراتنا المتكررة بهذا الخصوص، واستمرار التطورات باتجاه النشر الفعلي للصواريخ الأمريكية البرية متوسطة وقصيرة المدى في أوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، تعلن وزارة الخارجية الروسية زوال الظروف الداعمة لوقف النشر الأحادي الجانب لأسلحة مماثلة، ومخولة بالإعلان أن الاتحاد الروسي لم يعد يعتبر نفسه مرتبطا بالقيود الذاتية السابقة ذات الصلة”.
وأضافت الوزارة أن القرارات المتعلقة بالمعايير المحددة للإجراءات المضادة ستتخذها قيادة الاتحاد الروسي بناء على تحليل مشترك بين الوكالات لنطاق نشر الصواريخ البرية الأمريكية والغربية الأخرى متوسطة وقصيرة المدى، بالإضافة إلى التطور العام للوضع في مجال الأمن الدولي والاستقرار الاستراتيجي.
وأشارت الخارجية الروسية أن خطوات “الغرب الجماعي” تؤدي إلى تعزيز القدرات الصاروخية في المناطق المجاورة لروسيا، مما يشكل تهديدا مباشرا لأمنها الاستراتيجي.
وجاء في بيان الوزارة: “الولايات المتحدة وحلفاؤها لم يحددوا علانيةً خطط نشر الصواريخ الأمريكية البرية متوسطة وقصيرة المدى في مناطق مختلفة فحسب، بل قطعوا أيضاً شوطاً كبيراً في التنفيذ العميق لهذه النوايا”.
وأشارت الخارجية الروسية إلى أنها سجلت منذ عام 2023 حالات نقل أنظمة أمريكية قادرة على إطلاق صواريخ برية متوسطة وقصيرة المدى إلى دول أوروبية في الناتو لـ”اختبار” هذه الأسلحة خلال مناورات ذات توجه واضح ضد روسيا. ومن بين هذه الحالات تدريبات في الدنمارك شملت استخدام منصة إطلاق متحركة من طراز Mk70.
وفيما يتعلق بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، لفتت الوزارة إلى أنه تم نقل نظام “تايفون” الصاروخي متوسط المدى إلى الفلبين في أبريل 2024 تحت ذريعة التدريبات، ولا يزال النظام موجودا في الأرخبيل. كما استخدم النظام نفسه في أستراليا خلال مناورات “تالسمان سابر 2025” متعددة الأطراف في يوليو الجاري. بالإضافة إلى ذلك، أجرى طاقم أسترالي تدريبا على نظام “هيمارس” الأمريكي بإطلاق صاروخ PrSM الذي اختبره البنتاغون في 2021 لمدى يتجاوز 500 كم، مما يجعله ضمن فئة الصواريخ البرية متوسطة وقصيرة المدى.
وترافق هذه الإجراءات تصريحات رسمية عن سعي واشنطن لضمان وجود “طويل الأجل” (بل دائم فعليا) لهذه الأسلحة في أوروبا وآسيا والمحيط الهادئ. على سبيل المثال، أعلنت واشنطن وبرلين عن خطط لنشر أنظمة “تايفون” و”دارك إيغل” في ألمانيا اعتبارا من 2026 بهدف “نشرها لفترة ممتدة”.
وأضاف البيان أن حلفاء آخرين للولايات المتحدة أعلنوا عن نيتهم شراء صواريخ برية متوسطة وقصيرة المدى من واشنطن، أو تطوير صواريخ محلية بمدى يتراوح بين 500 و5500 كم، أو تعزيز ترساناتهم الحالية من هذه الأسلحة.
وخلصت الوزارة إلى القول: “تشكل هذه الخطوات مجتمعة تراكما للقدرات الصاروخية المزعزعة للاستقرار في المناطق المجاورة لروسيا، مما يخلق تهديدا مباشرا لأمننا الوطني على المستوى الاستراتيجي. هذا التطور يحمل شحنة سلبية خطيرة وعواقب وخيمة على الاستقرار الإقليمي والعالمي، بما في ذلك تصعيد خطير للتوتر بين القوى النووية”.
المصدر: RT