«هيروشيما» على فلسطين وإيران؟!
تاريخ النشر: 23rd, June 2025 GMT
د. مجدي العفيفي
(1)
في رسالة صادمة هزَّت أركان السياسة الدولية، طالب سفير أمريكا الإرهابي في إسرائيل رئيسه ترامب باستخدام «قنبلة هيروشيما» لتدمير إيران وغزة، في خطاب دموي ينضح بالتهديد النووي المُباشر.
هذه الكلمات ليست مجرد تحذير، بل دعوة مفتوحة إلى الفوضى والدمار، تنسف كل الأعراف الدبلوماسية وتُعيد شبح الحرب النووية إلى الواجهة، وسط توترات متصاعدة تهدد استقرار الشرق الأوسط والعالم بأسره.
رسالة وقحة... من إمبراطورية الدم إلى سيدها.. مليئة بالشعارات الدينية والسياسية، وتُظهر ولاءً عميقًا من أحد خدام ترامب، وتحمل في طياتها ذاك النفس الإمبراطوري الأمريكي - الفاشي - تجاه الكيان الصهيوني والموقف في المنطقة.
أقل توصيف لها أنها رسالة «وقحة» من سفير أكثر وقاحة «مايك هاكابي» وجهها على الملأ في الميديا، إلى الكاوبوي «ترامب» وتدعوه إلى الاستماع لــ «صوت الله»... (هاهاها) ويذكره بما فعله «ترومان» - أقذر رؤساء أمريكا الذي اتخذ قرار ضرب اليابان بالقنبلة الذرية عام 1945، وأنهى الحرب العالمية الثانية.
ترامب- راعي البقر الأمريكان- نشر هذه الرسالة عبر حسابه على منصته تروث سوشيال، وهذا نصها الحرفي:
«سيدي الرئيس، لقد نجاك الله في بتلر، بنسلفانيا، لتكون الرئيس الأكثر تأثيرًا في قرن - وربما على الإطلاق. القرارات التي تقع على عاتقك لا أريد أن يتخذها أي شخص آخر..
يا سيدي، هناك أصواتٌ كثيرة تُخاطبك، لكن صوتًا واحدًا فقط هو المهم: صوته.
أنا خادمك المُعيّن في هذه البلاد، ومتاحٌ لك، لكنني لا أحاول التواجد معك كثيرًا لأني أثق بحدسك.
لم يمرّ رئيسٌ في حياتي بمثل وضعك، منذ عهد ترومان عام 1945 لا أتواصل معكم لإقناعكم، بل لتشجيعكم فقط. أؤمن أنكم ستسمعون من السماء (!!!) وهذا الصوت أهم بكثير من صوتي أو صوت أي شخص آخر...
أرسلتموني إلى إسرائيل لأكون عيونكم وآذانكم وصوتكم، ولأضمن أن علمنا يرفرف فوق سفارتنا.
مهمتي أن أكون آخر من يغادر، لن أتخلى عن هذا المنصب، لن يُنْزَل عَلمُنا! لم تسعَ إلى هذه اللحظة، بل هذه اللحظة بحثت عنك! يشرفني أن أخدمك!
«مايك هاكابي»
(2)
ها هي أمريكا، مرةً أخرى، تكشف عن أنيابها الحديدية المغلفة بغشاء الدين الزائف، وها هو سفيرها لدى الكيان الصهيوني اللقيط، مايك هاكابي، يقف على منصات الميديا كواعظ أحمق، يُشهر رسالته إلى رئيسه ترامب، كمن يُلقي بيان حرب من على صهوة دبابة... لا كرجل دبلوماسي يُفترض أن يمثل دولة عظمى تحترم القانون الدولي، أو يفترض ذلك.
أي وقاحة؟! أي سُمٍ يُحقن في عروق العالم من هذه الرسالة العلنية؟ أي عقل ينشر هذه الكلمات التي تدعو رئيس أقوى دولة في العالم إلى أن يستمع لصوت «الرب» لا إلى صوت ضميره الإنساني؟
(3)
ثم أي ربّ هذا الذي يُستدعى كغطاءٍ أخلاقي لتثبيت العلم الأمريكي على سفارة مغتصبة في أرض فلسطين المحتلة؟
أي ربّ هذا الذي يُقارن المجرم «هاكابي» صوته الإلهي، بما فعله المجرم الأسبق «ترومان» حين أباد مئات الآلاف من البشر بقنبلة نووية عام ١٩٤٥؟!
أي ربّ هذا الذي يُسوغ سفك الدماء؟!
أي إله؟ إله مَن؟
أي ربّ يُستدعى لتبرير رفع علم الاحتلال فوق سفارة في القدس؟
أي ربّ يُستخدم كغطاءٍ ديني لفعل الإبادة؟
(4)
إنها ليست مجرد رسالة نصيّة، إنها بيان نوايا استعمارية، إنها إعلان صريح لفاشية مسيّحية صهيونية، تعتنق العنف طريقًا، والتدمير خلاصًا، وترفع علمها لا على سفارة، بل على جثث الأبرياء وأشلاء الأطفال.
هذا الـ «مايك هاكابي» بكل عنجهيته الفظة وغطرسته البهيمية، يقول: «لن يُنْزَل عَلمُنا!»
أي علم؟ علمُ دولةٍ تتغذى على خراب الشرق الأوسط، وتدعم الاحتلال، وتُشعل الحروب، وتصادر الحق الفلسطيني وتُسلّح الكيان الغاصب حتى النخاع.
ثم يضع في طيّات رسالته ذِكرَ «ترومان»! ترومان هذا الذي ألقى قنبلة نووية على هيروشيما وناجازاكي.. رسالة مبطّنة تقول: «نحن مستعدون لفعلها مجددًا»
في عُرفهم: من يصنع المجازر يصنع التاريخ! ومن يزرع الرعب يُخلّد في سجلات البيت الأسود - الأبيض!
(5)
ويا للعجب... ينشر ترامب الرسالة بنفسه عبر حسابه على«تروث سوشيال» مفتخرًا بها، كأنها وسام شرف، لا وصمة عار! كأنها دعوة للمزيد من الجنون السياسي، لا تحذير للبشرية من تكرار الكوارث..
لكن.. فليعلم هاكابي وترامب ومن سار على دربهم من خُدّام الفاشية في أوروبا العجوز، أن رايات الحق لا تُنتزع.. وأن رايات الظلم مهما عُلّقت على السفارات ستسقط يومًا ما تحت أقدام الأحرار.
يا هذا ..إن الأوطان لا تُباع ولا تُشترى في سوق السياسة، وأن صوت الشعوب أعلى من كل المنابر، أقدس من كل الأعلام المرفرفة بالباطل.
(6)
هذه رسالة ليست إلى ترامب فحسب، إنها صفعة في وجه العالم الحر، إنها ناقوس خطر: أمريكا تعود إلى أسوأ أطوارها.. أمريكا التي يحكمها اليمين المسيحي المتصهين.. أمريكا التي تمجّد سفك الدماء تحت لافتة «الإرادة الإلهية».
ولا تزال أمريكا تُعرّي «ظهرها» أمام الشعوب الحرة.. وستظل !!
المدعو «هاكابي» قال: «هذه اللحظة لم تبحث عنها... بل هي التي بحثت عنك!»
ونحن نقول له: هذه اللحظة ستُكتب في صفحات التاريخ السوداء.. وسيأتي اليوم الذي تبحث فيه عن خندق تهرب إليه من لعنة دماء الأبرياء.
لكنها ليست المرة الأولى.. هذه هي أمريكا التي قصفت، بعد الحرب العالمية الثانية، نصف كوكب الأرض.
هذه أمريكا التي أحرقت البشر من طوكيو إلى بغداد.. وهذه قائمة، يا «سعادة» السفير (!!) بتراث بلادك الدموي، بلادك التي جذورها في الهواء:
اليابان (1945): قنابل نووية على هيروشيما وناغازاكي.. كوريا والصين (1950-1953): الحرب الكورية، فيتنام، لاوس، كمبوديا (1960 -1970 ): الموت بالمطر الناري «Agent Orange»، غواتيمالا، إندونيسيا، كوبا، الكونغو، غرينادا، لبنان، ليبيا، السلفادور، نيكاراغوا، إيران، بنما، العراق (1991، 2003) الكويت، الصومال، البوسنة، السودان، أفغانستان، يوغوسلافيا، اليمن، باكستان، سوريا... ولا ننسى غزة (2023) لبنان (2024) فلسطين (2025) والآن... إيران؟
هذه ليست قائمة «حروب». هذه سجل جرائم ضد الإنسانية..
هذا تاريخ إمبراطورية قامت على القتل، واستمرت بالقتل، وتُخطط لمستقبلٍ من القتل.
ثم يأتي هذا المخلوق «هاكابي» ليقول: «لن يُنْزَل علمُنا» نقول له:
علمكُم نُقِش على جلود الأطفال في غزة..
علمكُم كُتب بالفسفور الأبيض فوق سماء بيروت..
علمكُم مُضرّجٌ بدماء ملايين القتلى.. وأنتم تتحدثون عن «صوت الله»؟!
ثم يُفاخر ترامب بنشر هذه الرسالة... كأنها دستور المرحلة القادمة.. كأنها إعلان استعداد لجرائم جديدة.
أما العالم.. أما الشعوب الحرة.. أما أحرار الأرض.. فليعلموا أن أمريكا، بكل ما تملك من قنابل وصواريخ وطائرات، لم تستطع كسر إرادة فييتنام، ولا أفغانستان، ولا العراق، ولن تكسر إرادة فلسطين، ولا حرف من اسم إيران.
(7)
وإذا كان هذا الـ «هاكابي» يُشبّه ترامب بترومان.. فنُذكّره: أن ترومان انقرض.. وأن القنبلة النووية، رغم دمارها، لم تُعط أمريكا «المجد الأبدي» بل حفرت عارًا لا يُمحى في سجل البشرية.
يا هاكابي... ستُسقط الشعوب علمكم..
ولن تنفعكم أصوات السماء المزعومة..
وإنما صوت الأرض... صوت المقاومة... هو الذي سيكتب النهاية.
(8)
سنظل نكتب.. نقاوم.. نصرخ ونلقي القفاز في وجه هذا العالم الأعرج..
ونرفع رايات الحق.. رايات الحرية.. رايات الإنسانية..
الإنسانية التي بينكم وبينها سنوات ضوئية..
فهل تفهم؟ أشك يقينا..!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الشرق الأوسط على صفيح ساخن.. هل تدق طبول الحرب بين أمريكا وإيران؟.. خبراء يجيبون
تشهد المنطقة حالة من الترقب الشديد في ظل تصاعد القوة الأمريكية وتضخم التهديد الإيراني، إذ جاءت التحركات العسكرية الضخمة من حاملات طائرات ومقاتلات وقواعد محصنة لتثير التساؤلات حول احتمال اندلاع مواجهة مفتوحة بين واشنطن وطهران.
وما بين استعراض القوة على الأرض والبحر، وتأكيد الولايات المتحدة على استخدام هذه الورقة للضغط الدبلوماسي، يبرز السؤال: هل أمريكا تستعد للحرب؟ أم أن الأمر يقتصر على إعادة إيران إلى المفاوضات؟
في المقابل، تتعاظم قوة إيران الصاروخية، التي لم تعد تنحصر في الوكلاء والحروب بالوكالة، لتوضح أن المعادلات تغيرت، إذ يمكن لصواريخها المتطورة تجاوز المدى الدفاعي الأمريكي بسهولة، مما يجعل أي ضربة أمريكية فرصة لرد متشدد يصل إلى أعماق القواعد الأمريكية ويهدد أمنها القومي والاقتصادي.
قاعدة عسكرية.. هبة جمال الدين تكشف شروط الضربة الأمريكية لإيرانقالت هبة جمال الدين، أستاذ العلوم السياسية وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، في تصريحات خاصة لـ«صدى البلد»: إن الضربة قادمة، لكن ليس الآن، وإن ترامب أعطى مهلة أسبوعين قد تقل أو تزيد، وذلك متوقف على مجموعة محددات. أول محدد هو وضع إسرائيل نفسه، فحتى الآن يرى الأمريكيون أن هناك نوعًا من التكافؤ، ومن أجل ذلك أرسلت واشنطن حاملة طائرات لتعزيز قدرة تل أبيب على صد الصواريخ الإيرانية، ووضعت حاملة أخرى قريبة من إيران لتظل جاهزة لضرب أي منشأة نووية إيرانية عند اللازم.
وأوضحت هبة: «السؤال متى يضغطون على الزر؟ هناك شرطان أساسيان: أولًا يجب أن يصل عدد القتلى الإسرائيليين إلى 1500، وهو نفس الرقم الخاص بـ7 أكتوبر، والرقم مرتبط بتفسيرات كَبّالية واعتبارات تهويدية وأساطير لاهوتية تحرك تيار “المسيحية الصهيونية” الذي يمثله ترامب والمحافظون الجدد دعمًا لإسرائيل».
وتابعت: «أما عن شكل الضربة، فطبقًا لدراسة مشتركة لمعهد بيجن-السادات وجامعة بودلر قبل ستة أشهر، فإن أمريكا لن تطلق رصاصة إلا إذا ضربت إيران قاعدة عسكرية إسرائيلية بها جنود أمريكيون، خاصة بعد فشل ترامب في الحصول على دعم كامل من القادة العسكريين وظهور خلاف واضح بينهم وبينه في ملف ضرب إيران».
وحذرت هبة: «هنا الخطورة الحقيقية، لأن أي تصعيد قد يجر المنطقة إلى حرب نووية شاملة، خاصة إذا تدخلت كوريا الشمالية لنصرة حليفتها إيران، وقتها سيكون العالم في قبضة مجموعة من المتطرفين المؤمنين بالحروب النووية كطريق للوصول إلى الألف سنة السعيدة بعدما يتحول العالم إلى رماد».
استعراض قوة في الشرق الأوسط.. هل اقتربت أمريكا من ضرب إيران؟وقال محمد فوزي، باحث بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، في تصريحات خاصة لـ«صدى البلد»: إن استعراض القوة الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، وحالة الحشد التي تجري على مستويات متعددة سواء في القواعد العسكرية أو حاملات الطائرات والمقاتلات الأمريكية، تشير إلى أن المنطقة على أعتاب حدث جلل قد يكون على غرار توجيه ضربة كبرى لإيران.
وأضاف فوزي أن الولايات المتحدة حتى اللحظة تلوح بهذا التصعيد دون نية حقيقية لاستخدامه، موضحًا أن الإدارة الأمريكية تسعى من خلال هذا الحشد إلى المزيد من الضغط على إيران بهدف إجلاس طهران على طاولة التفاوض وفقًا للشروط الأمريكية المتعلقة بالبرنامج النووي، والبرنامج الصاروخي، والأدوار الإقليمية لإيران.
وأكد الباحث أن الإدارة الأمريكية والدولة العميقة تدرك جيدًا خطورة توجيه ضربة مباشرة لإيران، مشيرًا إلى أن هذه الضربة ستمثل كارثة إشعاعية كبيرة، وقد تدفع إيران إلى إغلاق مضيق هرمز، الأمر الذي سيؤثر سلبًا على الداخل الأمريكي نتيجة الارتفاع المحتمل في أسعار الطاقة.
وتابع: «من المحتمل أيضًا أن تلجأ إيران إلى استهداف الوجود الأمريكي في دول الجوار والمنطقة، وهو ما يُثير تخوفًا حقيقيًا داخل دوائر صنع القرار الأمريكي، خاصة مع عدم ضمان قدرة الضربة على الإطاحة بالنظام الإيراني، ما قد يؤدي إلى زيادة شراسة طهران وتصعيدها العسكري، ويضع الولايات المتحدة في موقف حرج للغاية».
وأوضح فوزي أنه رغم الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها إيران عقب الهجوم الإسرائيلي المفاجئ، إلا أنها وفق كافة المؤشرات الراهنة استطاعت أن تستعيد زمام المبادرة وتخلق حالة من التوازن في هيكلها العسكري.
وأشار إلى أن إسرائيل، من جانبها، منيت بخسائر كبيرة رغم التعتيم الذي تمارسه سلطات الاحتلال، موضحًا أن هذه الخسائر لا تقتصر على الجانب المادي والبشري، بل تتجاوز ذلك إلى ما هو أخطر، حيث خسرت إسرائيل فكرة الأمن الداخلي ومنظومة الردع التي كانت تتفاخر بها طوال السنوات الماضية.
واختتم تصريحاته بالتأكيد على أن الداخل الإسرائيلي أصبح مهددًا في كل وقت في ظل حالة الدمار التي طالت العديد من المدن، إلى جانب الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تكبدتها إسرائيل نتيجة التصعيد الراهن، وعدم قدرتها على تحقيق أي من أهدافها الاستراتيجية رغم كل الدعم الذي تحصل عليه، وهو ما يعد خسارة كبرى لإسرائيل على أكثر من مستوى.