أمريكا التي عرفناها.. تنسرب من أيدينا
تاريخ النشر: 6th, August 2025 GMT
من بين جميع الأمور الرهيبة التي قالها ترامب وفعلها في رئاسته، حدث الأخطر على الإطلاق يوم الجمعة الماضي. إذ أصدر ترامب عمليا أمرا لمكتب الإحصاءات الاقتصادية المستقل النزيه التابع لحكومتنا بأن يقتدي به في أكاذيبه.
أقال إريكا ماكينتارفر، رئيسة مكتب الإحصاءات العمالية التي أقر مجلس الشيوخ تعيينها، لعرضها عليه أخبارا اقتصادية لم تعجبه، وفي الساعات التالية مباشرة، حدث ثاني أكثر الأمور خطورة: إذ انضم إلى الركب كبار مسؤولي ترامب المعنيين بإدارة اقتصادنا، وهم الذين لا يمكن في مشاريعهم الخاصة أن يفكروا في فصل موظف لعرضه عليهم بيانات مالية لا تعجبهم.
وهذا ما كان يجدر بهم قوله لترامب: «يا سيادة الرئيس، إذا لم ترجع النظر في هذا القرار، وظللت مصرا على فصل كبيرة العاملين في الإحصاءات العمالية بسبب عرضها أخبارا اقتصادية سيئة عليك، فكيف لأي شخص في المستقبل أن يثق في المكتب عند إصداره أخبارا جيدة؟». ولكنهم بدلا من ذلك سارعوا إلى التستر عليه.
فمثلما أوضحت صحيفة وول ستريت جورنال، ظهرت وزيرة العمل لوري شافيز ديريمر فعلا على تلفزيون بلومبرج في وقت مبكر من صباح الجمعة لتعلن أنه على الرغم من تخفيض تقارير الوظائف لشهري مايو ويونيو الصادر للتو «فقد شهدنا نموا إيجابيا للوظائف». لكنها ما كادت تتلقى بعد ساعات خبرا بأن ترامب فصل رئيسة مكتب الإحصاءات التابعة لها، حتى كتبت على موقع إكس قائلة «إنني أوافق تماما رئيس الولايات المتحدة على أن أرقام وظائفنا يجب أن تتسم بالنزاهة والدقة، وألا يتلاعب بها أحد لأغراض سياسية».
وتساءلت وول ستريت جورنال «فهل تعرضت بيانات الوظائف التي كانت «إيجابية» في الصباح للتلاعب بعد الظهر؟» والإجابة بالطبع هي لا.
لحظة أن سمعت بما فعل ترامب، رجعت بي الذاكرة إلى الوراء. ففي يناير من عام 2021، شاع خبر بأن ترامب ـ وقد خسر انتخابات 2021 ـ قد حاول الضغط على سكرتير ولاية جورجيا الجمهوري لكي يعثر له على أصوات انتخابية كافية ـ حدد ترامب عددها بـ 11780 صوتا ـ لكي يلغي الانتخابات الرئاسية، بل إنه هدده بـ «جريمة جنائية» إن لم يفعل. وقد جاء هذا الضغط خلال مكالمة هاتفية استمرت ساعة بحسب تسجيل صوتي للحوار الذي دار فيها.
لكن الفارق أنه في ذلك الوقت كان يوجد ما يطلق عليه مسؤول جمهوري نزيه. ولذلك لم يوافق سكرتير ولاية جورجيا على أن يزيف أصواتا انتخابية لا وجود لها. ولكن هذه السلالة من المسؤولين الجمهوريين انقرضت في ما يبدو تماما خلال فترة ترامب الرئاسية الثانية. ولذا يمثل فساد شخصية ترامب مشكلة الآن لنظامنا الاقتصادي كله.
وانتقالا إلى الأمام، كم من موظف في الحكومة سوف يجرؤ على إجازة أخبار سيئة وهم يعلمون أن رؤساءهم ـ من أمثال وزير الخزانة سكوت بيسنت، ومدير المجلس الوطني للاقتصاد كيفن هاسيت، ووزيرة العمل شافيز ديريمر والممثل التجاري الأمريكي جيميسن جرير ـ لن يستطيعوا الدفاع عنهم ولكنهم سوف يقدمونهم قرابين إلى ترامب لكي يحافظوا على بقائهم في مناصبهم؟
عار على كل واحد من هؤلاء، وبخاصة بيسنت الذي سبق أن عمل مديرا لصندوق تحوط، فهو على علم ودراية ولكنه لم يتدخل. فيا للجبن! لقد قالت جانيت يلين وزيرة الخزانة السابقة على ببيسنت والرئيسة السابقة للاحتياطي الفيدرالي، وهي أيضا امرأة نزيهة حقا- قالت لزميلي بن كاسلمان عن إقالة مديرة مكتب إحصاءات العمل إن «مثل هذا الأمر غير معهود إلا في جمهوريات الموز».
ومن المهم أن نعلم كيف يرى الأجانب هذا. في يوم الاثنين، كتب بيل بلين ـ وهو تاجر سندات مقيم في لندن ويصدر نشرة إخبارية شهيرة بين خبراء السوق بعنوان «عصيدة بلين الصباحية» ـ واصفا الأمر بقوله إن «يوم الجمعة الأول من أغسطس هذا قد يبقى في التاريخ بوصفه اليوم الذي مات فيه سوق الخزانة الأمريكي. فقد كان هناك فن لقراءة البيانات الأمريكية. وكان يقوم على الثقة. وانكسرت هذه الثقة الآن، ومن لا يثق في البيانات فبأي شيء يثق؟».
ثم مضى يتخيل كيف ستبدو نشرته في مايو من عام 2031. فكتب أنها سوف تبدأ بـ «رابط بيان صحفي صادر عن وزارة الحقيقة الاقتصادية في حكومة ترامب، وهي المعروفة سابقا بوزارة الخزانة الأمريكية، نصه: بقيادة الرئيس ترامب، يواصل الاقتصاد الأمريكي النمو بسرعة غير مسبوقة. وتوضح البيانات الصادرة عن وزارة الحقيقة ـ التابعة لتروث سوشيال، أنه ما من بطالة في أمريكا على الإطلاق. وأن التوترات في المدن الداخلية لم تشهد انخفاضا كانخفاضها الحالي. وأن جميع الخريجين الجدد قد عثروا على وظائف عالية الأجور في مختلف مناحي القطاع التصنيعي المتوسع في أمريكا، بما دفع كثيرا من الشركات الكبرى التابعة لمجموعة شركات ترامب بالإبلاغ عن عجز كبير في العمالة» .
ولو أنكم تتصورون هذا بعيد الاحتمال، فمعنى هذا أنكم لا تتابعون أخبار السياسة الخارجية، لأن مثل هذا التكتيك ـ أي تعديل المعلومات لتلائم احتياجات ترامب السياسية ـ متبع بالفعل في مجال المخابرات.
ففي مايو، قامت مديرة المخابرات الوطنية تولسي جابارد بإقالة اثنين من كبار ضباط المخابرات بعد أن أشرفا على تقييم يناقض تأكيدات ترامب بأن عصابة «ترين دي أرجوا» تعمل بتوجيه من النظام الحاكم في فنزويلا. فقد جاء تقييمهما ذلك ليقضي على المنطق القانوني المريب الذي استند إليه ترامب ـ أي قانون الأعداء الأجانب لعام 1798 نادر الاستعمال ـ ليتيح طرد أعضاء العصابات المشتبه فيهم من البلد دونما اتباع للإجراءات الواجبة.
والآن ينتقل هذا التوجه إلى التعمية الذاتية في أركان حكومية أبعد.
جين إيسترلي من كبار مقاتلي الولايات المتحدة السيبرانيين، وكانت مديرة وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية الأساسية في عهد بايدن، وقد كانت مرشحة لمنصب تعليمي رفيع في الأكاديمية العسكرية الأمريكية في ويست بوينت، لكن وزير الدفاع دانيال دريسكول ألغى ترشيحها الأسبوع الماضي بعد أن نشرت لورا لومر ـ وهي يمينية تؤمن بنظريات المؤامرة وتروجها ـ إنها من جواسيس عهد بايدن.
اقرأوا الجملة السابقة مرة أخرى ببطء شديد. ألغى وزير الدفاع، بناء على توجيه من تابعة معتوهة لترامب، ترشيح التعيين في منصب تعليمي لشخص لا يمكن أن تسأل عنه إلا ليقال لك إنه من أمهر المقاتلين المستقلين حزبيا، فضلا عن كونه خريج ويست بوينت نفسها.
وعندما تنتهون من قراءة ما سبق، اقرأوا رد إيسترلي عبر لينكدإن: «لقد كنت مستقلة حزبيا على مدار عمري، خدمت أمتنا في السلم والحرب في ظل إدارات جمهورية وديمقراطية. قدت مهام داخلية وخارجية لحماية جميع الأمريكيين من إرهابيين شرسين...قضيت مسيرتي المهنية كلها غير منتمية إلى حزب وإنما منتمية إلى الوطن، غير ساعية إلى السلطة وإنما في خدمة بلد أحبه وفي ولاء للدستور الذي أقسمت على حمايته والدفاع عنه في مواجهة كل الأعداء».
ثم أضافت بعد ذلك هذه النصيحة للشباب من طلبة ويست بوينت الذين لن تحظى بشرف التدريس لهم: «يعلم الجميع من سلسال خريجي أكاديمية ويست بوينت العسكرية دعاء الطلبة، أي الدعاء بأن نختار الصواب الأصعب، لا الخطأ الأسهل. هذه العبارة، برغم بساطتها، وقوتها الشديدة، كانت نجمة الشمال لي على مدى أكثر من ثلاثة عقود. في قاعات الاجتماعات وغرف الحرب. في لحظات الشك الهادئة وفي أعمال القيادة العلنية. وليس الصواب الأصعب بالأمر السهل أبدا. وهذا هو لب الموضوع».
هذه هي المرأة التي لم يرغب ترامب في أن تكون معلمة لجيلنا القادم من المقاتلين.
وهذه الخُلُق ـ أي اختيار الصواب الأصعب بدلا من الخطأ الأيسر ـ هو الخُلُق الذي لا يعرف عنه بيسنت وهاسيت وشافيز ديريمر وجرير، وترامب نفسه، أي شيء.
لذلك السبب أيها القارئ العزيز، وبرغم أنني متفائل بطبعي، أعتقد للمرة الأولى أنه لو استمر السلوك الذي أظهرته هذه الإدارة في أشهرها الستة الأولى وازداد في بقية السنوات الأربع، فأمريكا التي تعرفونها سوف تنتهي. ولا أعرف كيف يمكن أن نستردها.
توماس فريدمان متخصص في الشؤون الخارجية يكتب مقالات الرأي في نيويورك تايمز منذ عام 1981.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
فنزويلا تنسحب من «المحكمة الجنائية الدولية».. آخر تطورات التوتر مع أمريكا!
صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم السبت، بأن الضربات البرية لمكافحة تهريب المخدرات في أمريكا اللاتينية ستبدأ قريبًا، مؤكدًا أن الولايات المتحدة أوقفت 96 بالمئة من عمليات تهريب المخدرات البحرية، وقال: “وعن طريق البر، الأمر أسهل بكثير، وسيبدأ ذلك قريبًا”.
جاء هذا بعد أيام من مصادرة الولايات المتحدة ناقلة نفط فنزويلية مدرجة على قائمة “المواطنين المصنفين بشكل خاص” (SDN) التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية، وهو ما أثار قلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي دعا جميع الأطراف إلى الامتناع عن أي أعمال من شأنها تصعيد التوترات وزعزعة استقرار فنزويلا والمنطقة.
وأكد ترامب أن الولايات المتحدة استولت على أكبر ناقلة نفط على الإطلاق قبالة سواحل فنزويلا، مضيفًا: “هناك أمور أخرى تجري، سترون ذلك لاحقًا”.
وتبرر واشنطن وجودها العسكري في منطقة البحر الكاريبي بـ”محاربة تهريب المخدرات”، وقد استخدمت القوات الأمريكية في شهري سبتمبر وأكتوبر لتدمير قوارب يُزعم أنها تحمل مخدرات قبالة السواحل الفنزويلية. وفي 3 نوفمبر، أكد ترامب أن أيام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو على رأس السلطة باتت معدودة، مؤكدًا أن بلاده لا تعتزم شن حرب على فنزويلا، فيما اعتبرت كاراكاس الإجراءات الأمريكية استفزازية تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة وانتهاك الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالبحر الكاريبي كمنطقة منزوعة السلاح وخالية من الأسلحة النووية.
وخلال هذا الأسبوع، حلقت عدة طائرات أمريكية، بما فيها طائرتان حربيتان من طراز F/A-18E/F سوبر هورنت، وطائرة حرب إلكترونية، وطائرة مسيرة استطلاعية، وقاذفة استراتيجية B-52H قادرة على حمل أسلحة نووية، في أجواء المنطقة. ووفقًا لموقع “فلايت رادار 24″، كان أكثر من 80 ألف شخص يتابعون الطائرتين الرئيسيتين، وانخفض العدد لاحقًا إلى نحو 70 ألفًا بعد تغيير مسار إحدى الطائرتين شمالًا.
وفي 29 نوفمبر، دعا ترامب شركات الطيران إلى اعتبار المجال الجوي فوق فنزويلا وما حولها مغلقًا، وهو ما رفضته السلطات الفنزويلية فورًا، مطالبة الولايات المتحدة باحترام المجال الجوي للبلاد، وأرسلت نداءً للأمم المتحدة ومنظمة الطيران المدني الدولي لإدانة هذا الإعلان واعتباره تهديدًا باستخدام القوة.
وتشهد منطقة البحر الكاريبي توترًا متصاعدًا بسبب النشاط العسكري الأمريكي ضد تهريب المخدرات من فنزويلا، والذي يشمل عمليات بحرية وجوية وبرية واسعة.
وتأتي هذه الإجراءات ضمن استراتيجية ترامب لتأمين خطوط الملاحة البحرية، وتضييق مسارات تمويل المخدرات، وتحجيم نفوذ الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
وتسعى الولايات المتحدة للضغط على فنزويلا سياسيًا واقتصاديًا عبر مصادرة ناقلات النفط وتكثيف النشاط العسكري في البحر الكاريبي، فيما يحذر المجتمع الدولي من تصعيد محتمل قد يهدد الاستقرار الإقليمي، ويطرح تساؤلات حول احترام السيادة الفنزويلية والاتفاقيات الدولية الخاصة بالمنطقة.
كوبا تتهم الولايات المتحدة بالقرصنة والإرهاب البحري بعد الاستيلاء على ناقلة نفط
أعلنت الحكومة الكوبية أن الاستيلاء المسلح على ناقلة نفط من قبل القوات الأمريكية في المياه الدولية للبحر الكاريبي يمثل قرصنة إرهابية بحرية وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
وقالت وزارة الخارجية الكوبية في بيان: “هاجمت القوات الأمريكية ناقلة نفط في المياه الدولية في البحر الكاريبي، قبالة سواحل فنزويلا، ويشكل هذا العمل من أعمال القرصنة والإرهاب البحري انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار واتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة ضد سلامة الملاحة البحرية”.
وأكدت هافانا أن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية “عن هذه الجرائم التي تضر بالمجتمع الدولي بأكمله”.
وأضافت الخارجية أن هذا الإجراء يمثل جزءًا من تصعيد أمريكي يهدف إلى عرقلة حق فنزويلا المشروع في استخدام مواردها الطبيعية وممارسة التجارة بحرية مع الدول الأخرى، بما في ذلك توريد المحروقات إلى كوبا.
البرلمان الفنزويلي يقر إلغاء قانون تبني نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية
أعلن البرلمان الفنزويلي تصويته على إلغاء القانون الذي يقر تبني البلاد لنظام روما الأساسي، المعاهدة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية.
وقال رئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية خورخي رودريغيز إن القرار يهدف إلى إعلان عبثية مؤسسة كان من المفترض أن تحمي الشعوب، لكنها تخدم أهداف الإمبريالية الأمريكية فقط.
ويشير مراقبون إلى أن أكثر من نصف سكان العالم يعيشون في دول لا تعترف باختصاص المحكمة، بما يشمل روسيا، وأمريكا، والصين، والهند، وتركيا، والمملكة العربية السعودية، وعددًا من الدول الأخرى.
وكانت 137 دولة قد وقعت على نظام روما الأساسي، إلا أن 124 دولة فقط صادقت عليه، بينما انسحبت بعض الدول مثل المجر، وفرضت الولايات المتحدة بقيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقوبات على المحكمة بسبب ممارساتها ضد واشنطن وحلفائها، بما يشمل تجميد الأصول ومنع دخول موظفي المحكمة وأسرهم إلى البلاد.
وفي السنوات الأخيرة، أصدرت المحكمة مذكرات توقيف بحق عدد من القادة العالميين، بينهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ما أثار انتقادات واسعة وفتح جدلاً حول دور المحكمة وشرعيتها الدولية.
وكانت فنزويلا قد صادقت على نظام روما الأساسي عام 2000 خلال رئاسة هوغو تشافيز (1999–2013).