أثار عرض مسلسل «سفاح الجيزة» جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الأخيرة؛ بسبب عرض المسلسل حيث تصدر قوائم الأكثر مشاهدة، ويرجع ذلك إلى أنه مستوحى من قصة حقيقة حدثت بالفعل وشهدتها محافظة الجيزة.


تعرض جريدة «البوابة» خلال هذا التقرير الأحداث الحقيقة لقصة مسلسل سفاح الجيزة، والتطورات الأخيرة  في القضية المثارة إعلاميًا، وكذلك الكشف عن التصريحات الهامة لمحامي الضحايا بشأن تنفيذ حكم الإعدام من عدمه، وذلك خلال السطور التالية:  


سفاح الجيزة


بطل القصة هو «القذافي فرج» وهذا هو اسمه الحقيقي ولكن أثناء تنفيذ جرائمه حمل عدة أسماء متنقلًا بين القاهرة والجيزة والإسكندرية خلال سبع سنوات، حيث أقدم هذا المتهم على قتل 4 أشخاص منهم 3 سيدات ورجل من بينهم صديقه المقرب ونفذ جرائم القتل وقام بدفنهم بيديه.


وعلى الرغم من نجاحه في تنفيذ جرائم قتل الضحايا بين محافظتي القاهرة والإسكندرية إلا أن يشاء القدر ويُكشف المستور ويكون صديقه هو كلمة السر التي كشفت الستار عن جميع جرائمه وقادته إلى طبلية عشماوي بعد الحكم عليه بالإعدام في عام 2020.


من هو سفاح الجيزة؟
هو شخص يُدعى قذافي فرج عبد العاطي عبد الغني ويعمل موظفًا، وكان يرتدي القذافي بين الناس وجهًا بشوشًا الذي يتمتع بالقيم والأخلاق الكريمة، فأخذ عنه الناس انطباع الشاب ذي الخلق الذي يحلم بالزواج والاستقرار وهذا على عكس ما يخفيه من وراء هذا الوجه، فكان هناك شخصية شيطانية.

ووقع تحت طائلة القانون بعد تنفيذه جرائم القتل الأربعة والتي تمت خلال 5 سنوات حيث قتل خلالها صديقه المقرب وزوجته في مدينتي الجيزة والاسكندرية مستغلا قدرته على تزوير هويته الشخصية والتي سمحت له بالتنقل بين أكثر من محافظة.


مسلسل «سفاح الجيزة»


يعتبر مسلسل «سفاح الجيزة» هو الأكثر بحثًا في مصر والوطن العربي خلال الساعات الماضية، والذي يقوم ببطولته النجم أحمد فهمي فقد أحدث حالة من الفزع في الأرجاء المختلفة عن القضية التي أسدل الستار عليها في عام 2021 قبل عامين بحكم الإعدام الرابع على المتهم في القضية، وتم فتح القضية المثيرة للجدل، وذلك للإجابة عن القضية التي تصدت مؤشرات البحث من أجل التعرف على قصة سفاح الجيزة الحقيقية مما فتح الباب والأسئلة عن موقف القذافي وهل تم تنفيذ حكم الإعدام بشأن جرائمه أم لا؟!


اللغز الجديد في قضية سفاح الجيزة
كشف المحامي أحمد فهيم وهو من المحامين المتضامنين والمدافعين عن الضحايا، وكان من ضمن الذين تم ذكرهم في أحداث المسلسل، أنه تم إيداع المتهم لمدة شهرين في مستشفى العباسية للأمراض النفسية للكشف على قواه العقلية وتبين من الكشف سلامته العقلية والنفسية وكونه شخص طبيعي لا يعاني من أي اضطرابات تماما.

وأضاف المحامي في تصريحات صحفية، أنه في حالة صدور حكم نهائي بالإعدام من محكمة النقض يحق لرئيس الجمهورية إصدار قرار بالعفو عن العقوبة أو تخفيف الحكم فيها بعد أخذ رأي مجلس الوزراء وذلك طبقا للمادة 155 من دستور 2014، أما في حالة لم يصدر عفو رئاسي للمتهم بإلغاء العقوبة أو تخفيفها خلال فترة 14 يوما يتم تحديد موعد تنفيذ الإعدام بقرار من النيابة العامة وتقوم مصلحة السجون بتنفيذ حكم الإعدام.


وتابع «قتل سفاح الجيزة زوجته الأولى فاطمة زكريا وصديقه المقرب واثنين آخرين وسرق أموال طائلة، مؤكدًا إلى أنه حتى الآن لم يتم تنفيذ حكم الإعدام حتى اللحظة بالرغم من صدور 4 أحكام قضائية بالفعل على القذافي المعروف باسم سفاح الجيزة بسبب عدم اكتمال الإجراءات القانونية والمتعلقة بتصديق رئيس الجمهورية على الحكم».


أول حلقتين من مسلسل سفاح الجيزة


نشر مسلسل سفاح الجيزة عقب عرض أول حلقتين منه حالة من الجدل بين الجمهور عن الواقعة، خاصة مع إجادة الحالة التشخيصية والتمثيلية المميزة لأبطال المسلسل وفي مقدمتهم القائم بدور سفاح الجيزة الفنان أحمد فهمي المعروف بطابعه الكوميدي حيث يغير جلده هذه المرة ليقدم دور القاتل المتسلسل وهو أحد الأدوار النادرة في الدراما المصرية.

 

 

الأحداث الحقيقية لقضية سفاح الجيزة

وكانت أول ضحية له صديق عمره يدعى رضا يعمل مهندسًا في إحدى الدول العربية لمدة 20 عامًا اعتاد أن يُرسل مدخراته إلى «قذافي» لكي يستثمرها باعتباره محل ثقة دون أن يعلم أن صديقه خدعه واستولى على تلك الأموال والممتلكات، بموجب توكيل رسمي أقنع رضا بتحريره وفي عام 2015.

وقرر أن يعود لمصر للكشف ليعرف مصير تلك الأموال التي أرسلها له، وفور عودته لشقته في بولاق الدكرور استدرجه القذافي، ودعاه إلى وجبة غداء كانت الآخيرة في حياته، حيث وضع له السم بداخلها، ولم ينتظر حتى يعمل مفعول السم وأنما بداره بضربات مبرحة مستخدمًا قطعة حديدية، ومن ثم نقله إلى شقة أخرى في ذات المنطقة.

 

وللتغطية على جريمته النكراء بحق صديق عمره، دعا مجموعة من العمال إلى شقته بحجة "تكسير السيراميك"؛ لإصلاح "الصرف الصحي"، وبالفعل حدث ما كان يريده، وبعد انتهاء العمال من مهمتهم، أعاد كل شيء داخل الشقة إلى وضعه الطبيعي كما كان مضافا إليه جثمان صديقه الذي وراه داخل الحفر.

أما الضحية الثانية، فكانت "نادين الجهادي"، طالبة بكلية الحقوق، 20 عاما، وجمعت بينها علاقة غير شرعية، ووعدها بالزواج، ولكنه أخلف وعده وأزهق حياتها، ليتزوج من شقيقتها "فاطمة الزهراء" فيما بعد، وأوهم أهلها بأن ابنتهم سافرت رفقة منتج سوري الجنسية لتعمل معه كـ موديل إعلانات خارج مصر.

وكانت الضحية الثالثة للمتهم، فهي زوجته الثانية "فاطمة زكريا"، حيث وقعت مشادة حامية بينهما بسبب زيادة المصروفات المنزلية؛ ليقوم على إثرها برطم رأسها عدة مرات على حافة الحائط؛ لتلقى حتفها فورا، فيما تخلص منها عبر وضعها في 'ديب فريزر' ودفنها بكامل ملابسها ومشغولاتها الذهبية.

واعتاد المتهم بعدها القتل، وكانت جريمته الرابعة بعد انتقاله إلى محافظة الإسكندرية وانتحاله شخصية صديقه "رضا محمد"، حيث تزوج من صيدلانية تُدعى "نهى" وتخلص منها بعد كشفها حقيقته من خلال استدراجها إلى مخزن بمنطقة العصافرة وخنقها حتى فارقت الحياة.

ودفن "سفاح الجيزة" ضحاياه داخل إحدى الغرف في المخزن، وذلك للتخلص من تهديها له بتقديم بلاغ بعملية النصب التي تعرضت لها إذا لم يرد أموالها: "هددتني إنها هتقدم بلاغ ضدي، فقررت أقتلها عشان أرتاح وأخلص منها".

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: البوابة سفاح الجيزة مسلسل سفاح الجيزة القذافي تنفیذ حکم الإعدام سفاح الجیزة

إقرأ أيضاً:

أفغانستان المجني عليها في الإعلام

ظلت أفغانستان عقودا، مادة ثابتة في نشرات الأخبار الدولية والعربية، لكنها في الغالب كانت تُستحضر عند اشتداد المعارك، أو وقوع التفجيرات، أو انسحاب الجيوش.

بلد حبيس، صورة نمطية لا تكاد تتغير، بندقية في يد طفل، امرأة منتقبة تبكي خلف جدار مهدّم، ومقاتلون على قمم الجبال، لكن، هل هذه هي الصورة الكاملة؟ وهل نَقَل الإعلام فعلا أفغانستان كما هي؟

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بي بي سي تختار مديرة تنفيذية من "ميتا" لإدارة الذكاء الاصطناعيlist 2 of 2سعيا للحاق بـِيوتيوب.. نتفليكس تبحث عن مدير لبرامج الفودكاستend of listبين التضخيم والتعتيم

شكّلت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 نقطة تحوّل جذري في تناول الإعلام الدولي أفغانستان، حيث تبنّت التغطيات الغربية، وخاصة الأميركية، سردية "الحرب على الإرهاب"، مقدّمة البلاد كمنطقة خطرة تؤوي حركة طالبان وتنظيم القاعدة، مع تجاهل واضح لتعقيدات الواقع السياسي والاجتماعي والتاريخي الذي مهّد لهذا الوضع.

وقد روج الإعلام الأميركي بشبكاته الكبرى، لصورة ربطت بين الإسلام في أفغانستان والإرهاب، متجاهلا عقودا من الاحتلال الأجنبي، والضعف التنموي، والتدخلات الإقليمية والدولية التي زادت من هشاشة الدولة والمجتمع.

ووفق دراسة لفريق بحثي في جامعة كاردان في كابل، ساهمت هذه التغطية في تكوين تصور ثنائي للعالم، قسّم الشعوب إلى "خَيّرين" يمثلهم الغرب، و"أشرار" يتمثلون في خصومه، وهو منطق تجلّى في خطاب جورج بوش الشهير: "إما أن تكونوا معنا أو مع الإرهابيين".

في خضم التحضير للغزو الأميركي استخدم الإعلام صور أفغانيات منتقبات في مشاهد "مظلمة" تحت حكم طالبان لتبرير التدخل العسكري (الفرنسية)

وفي خطابه بمدينة كليفلاند عام 2006 استخدم الرئيس بوش كلمة "الإرهاب" 54 مرة، وفقًا للصحفي الأميركي سيدني بلومنثال، في محاولة لإثارة مشاعر الخوف والتعاطف لدى الأميركيين.

وفي خضم التحضير للغزو الأميركي، استخدم الإعلام صور أفغانيات منتقبات في مشاهد "مظلمة" تحت حكم طالبان، لتغذية خطاب إنساني يبرّر التدخل العسكري.

إعلان

وقدّمت الحرب على أنها مشروع لتحرير المرأة وبناء دولة حديثة، بينما غُيّبت أصوات النساء الحقيقيات، خاصة من القرى والمناطق النائية، لصالح نماذج تتحدث بلغة الغرب أو تتبنى رؤيته.

وفي هذا، يرى الباحث الأفغاني عبد الشهيد مايار، أن إدارة بوش تبنّت سرديتين متوازيتين:

سياسية ترفع شعار "الديمقراطية وتحرير الشعب". إنسانية تركز على إنقاذ النساء.

وكان الهدف من كلتا الروايتين حشد الدعم الشعبي للحرب، مضيفا أن هذه السرديات تم تبنّيها بلا نقد من كبريات وسائل الإعلام الأميركية، مما منح الحرب غطاء أخلاقيا زائفا.

بوش استخدم كلمة "الإرهاب" 54 مرة لإثارة مشاعر الخوف والتعاطف لدى الأميركيين (غيتي)لورا على خط زوجها

وحتى زوجة الرئيس الأميركي لورا بوش، دخلت على خطّ الحملة برسائل إذاعية تهاجم طالبان وتدافع عن حقوق النساء، لكن كثيرًا من الباحثين يشيرون إلى أن ذلك لم يكن التزاما صادقا بقضايا المرأة، بل استثمارًا سياسيًا لمأساتهن لخدمة أهداف الحرب.

وتختصر الصحفية الأفغانية فاطمة طاهريان من مدينة هرات الموقف: "الغرب لم يهتم بحقوقنا، بل كان يبحث عن شرعية أخلاقية لتدخله، كانوا يسلّطون الضوء فقط على من يتحدث بلغتهم".

هذا التناول الإعلامي -كما أشار المفكر الراحل إدوارد سعيد، يعكس نظرة استشراقية ترى المسلم "الآخر" كائنا قاصرا غير قادر على إدارة شؤونه ويحتاج إلى وصاية خارجية.

وبدلا من أن يكون الإعلام جسرًا لنقل الواقع، تحوّل في كثير من الحالات إلى أداة لإعادة إنتاج سردية جاهزة تخدم السياسات الكبرى، وتُقصي الأصوات الحقيقية من المشهد.

وهكذا، تحوّلت أفغانستان من بلد مثقل بتاريخ طويل من النزاعات والاحتلال، إلى صورة مختزلة في خطاب غربي، اختزل معاناة الملايين في ثنائية الخير والشر، دون اعتبار للتعقيد المحلي أو لحقيقة ما يعيشه شعبها يوميًا تحت وطأة الحرب والفقر والانقسام.

لورا بوش (وسط) تلتقي باثنتي عشرة امرأة أفغانية في البيت الأبيض (شترستوك)الغزو الأميركي

بالرغم من استمرار الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان لما يقارب العقدين، تميّزت غالبية التغطية الإعلامية الغربية في فترة الغزو الأميركي أفغانستان بالانتقائية، واعتمدت خطابا وظيفيًا خاضعًا للأولويات السياسية.

وسُلط الضوء على معاناة بعض الفئات مع تجاهل أوسع لتعقيدات الواقع الأفغاني وتعدد الأصوات داخله.

ويرى بعض المختصين أن وسائل الإعلام الغربية لم تُولِ اهتمامًا جديًا بنقل معاناة الشعب الأفغاني تحت الاحتلال، ولم تُبرز التحديات البنيوية العميقة التي واجهت الدولة الأفغانية الناشئة.

وركزت التغطيات الإعلامية الغربية على القصص التي تخدم الرواية الرسمية، من قبيل بناء المدارس، وتعزيز حقوق المرأة، ومشاريع التنمية، مقابل تجاهل متعمد لقضايا الفساد المستشري، والإقصاء السياسي، والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها القوات الأجنبية.

وكثيرًا ما تبنّى الإعلام الغربي سردية تبريرية للحرب، مروّجًا للبيانات الرسمية، متغاضيًا عن التكلفة الإنسانية الفادحة.

ففي تغطية معركة قندوز عام 2009، مثلًا، انصرفت صحف أميركية وغربية كبرى إلى الاحتفاء بـ"نجاح الضربات الجوية في القضاء على طالبان"، في حين لم تحظَ المجازر التي أودت بحياة مدنيين، منهم أطفال إلا بإشارات هامشية في صفحات داخلية وبصيغ مترددة.

إعلان

وتشير تقديرات مكتب الصحافة الاستقصائية إلى أن الولايات المتحدة نفذت أكثر من 13 ألف هجوم بطائرات بدون طيار في أفغانستان بين عامي 2015 و2020، أسفرت عن مقتل ما يصل إلى 10 آلاف شخص، وكان شهر سبتمبر/أيلول 2019 الأعلى من حيث كثافة الغارات، بواقع نحو 1110 ضربات جوية خلاله.

كما أن ملف سجون وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) السرية في أفغانستان، وما ارتُكب فيها من ممارسات تعذيب ممنهجة، ظل غائبًا عن التغطيات الإعلامية الأميركية والبريطانية فترة طويلة، ولم يُفتح إلا تحت ضغط تقارير المنظمات الحقوقية، وبعد سنوات من الصمت.

تغطية الانسحاب الأميركي

مع الانسحاب الفوضوي للقوات الأميركية في أغسطس/آب 2021، ركّز الإعلام الدولي على مشاهد الفوضى في مطار كابل، وحالة الذعر التي سادت البلاد.

وغابت التحليلات العميقة التي تبحث في أسباب فشل المشروع الغربي في أفغانستان، وتُحمّل القوى الدولية مسؤولية الانهيار السياسي والعسكري، واكتفى كثير من الإعلام بتصوير الوضع على أنه فشل أفغاني داخلي، دون الإشارة إلى الإخفاق الإستراتيجي للسياسات الغربية.

وفي هذا السياق، يعتقد الأستاذ في علم النفس السياسي ريتشارد ليشمان، أن "التغطية الإعلامية ضيقة للغاية وتركز فقط على مشاهد الأفغان الذين يحاولون المغادرة والفوضى في المطار". ويضيف أن هذا الأمر "لا يعطي الصورة الحقيقية لما جرى في آخر 20 عامًا".

مع الانسحاب الفوضوي للقوات الأميركية ركّز الإعلام الدولي على مشاهد الفوضى والذعر وغابت التحليلات العميقة (الأوروبية)الإعلام العربي التقليدي صدى للروايات الدولية

عقب أحداث 11 سبتمبر وما تلاها من تطورات في أفغانستان، إلى جانب بعض التغطيات الموضوعية التي تعكس الواقع الأفغاني، اتسمت معظم التغطيات الإعلامية العربية بتكرار السرديات الغربية دون تمحيص أو قراءة نقدية.

فقد افتقرت غالبية القنوات العربية -باستثناء بعض القنوات والمنصات الإعلامية- إلى تحقيقات ميدانية مستقلة، وغيّبت التنوع الثقافي واللغوي والديني في البلاد، وكذلك المبادرات المدنية والتعليمية التي تنبض بها المجتمعات المحلية.

واللافت أن الخطاب الإعلامي العربي، في مجمله، تبنّى رواية "الحرب على الإرهاب" كما صاغتها المؤسسات الغربية، دون مراعاة تعقيدات المجتمع الأفغاني أو التحقق من الميدان.

وهو ما أدى إلى نقل صورة مشوهة وغير متوازنة عن الواقع، كما يشير الكاتب الأفغاني عبد الله قاضي زاده، الذي يؤكد أن "الإعلام العربي باستثناءات نادرة منها قناة الجزيرة لم يكن مستقلاً في تغطيته لأفغانستان، بل كان إما تابعًا للخطاب الغربي أو كان أداة لأجندات إقليمية تسعى إلى تصفية حسابات سياسية".

وتجلّى هذا التسييس في طريقة تناول الملف الأفغاني، حيث استخدمته بعض المنصات الإعلامية العربية أداة دعائية، ففي حين سعت بعض القنوات إلى تحميل دول إقليمية مسؤولية تدهور الوضع في أفغانستان، جعلت أخرى من أفغانستان نموذجًا لفشل المشروع الأميركي.

وقدّمت بعض وسائل الإعلام العربية أفراد حركة طالبان والمجاهدين الأفغان في بعض الحالات كتهديد يمثّل "خطر الإسلام السياسي"، بينما ذهبت منصات أخرى إلى تلميع صورة طالبان كحركة "معتدلة تغيرت عما كانت عليه في فترة حكمها الأول 1996-2001".

وبين الشيطنة والتلميع، غابت الرواية المتزنة والتحليل المهني، وتحول الملف الأفغاني إلى مرآة تُعْكس عليها صراعات إقليمية لا علاقة لها بالواقع المحلي.

في كلتا الحالتين، غاب الصحفي الحقيقي، وحضر الخطاب الدعائي، مما جعل من معاناة الشعب الأفغاني مادة للاستثمار السياسي، لا موضوعًا للبحث والإنصاف الإعلامي.

مقاتلون من طالبان قرب العاصمة كابل (غيتي-أرشيف)اختزال السردية في ثنائية "الضحية والجلاد"

إحدى أبرز إشكاليات التغطية الإعلامية للشأن الأفغاني هي الاختزال المفرط، إذ غالبًا ما قُسّم المجتمع إلى طرفين فقط: الجلاد، المتمثل في طالبان والجماعات المسلحة، والضحية، ممثلة في النساء والأطفال واللاجئين.

إعلان

وتجاهل هذا التبسيط التنوع الغني في المجتمع الأفغاني من نخب فكرية ومبادرات مدنية وشبابية ونسائية، وأسهم في تشويه صورة البلاد وتكريس الصور النمطية.

ومن العوامل التي عززت هذه الصورة النمطية، ضعف التمثيل المحلي داخل غرف التحرير الدولية، ففي المؤسسات الإعلامية الكبرى، نادرًا ما يُمنح الصحفيون الأفغان فرصة لصياغة الرواية أو التحرير، بل يُكتفى بدورهم كمترجمين أو مساعدين ميدانيين.

ويقول الصحفي المخضرم نور الله صافي -اسم مستعار- الذي عمل مع بي بي سي في كابل "نحن نعرف الواقع، لكن الكلمة الأخيرة للمحرر في لندن أو واشنطن".

هذا التهميش تواكب مع ظاهرة "الصحفيين المظليين" الذين يُرسلون مؤقتًا لتغطية الأحداث دون معرفة كافية بالبلاد، مما يفضي إلى تقارير سطحية ومختزلة تعكس تصورات مسبقة بدلًا من الواقع المعقّد.

ويصف الباحث سيد سرور هاشمي هذه التغطيات بأنها "منزوعة العمق والدقة، وتسيء إلى فهم السياق الأفغاني".

الاختزال المفرط هو إحدى أبرز إشكاليات التغطية الإعلامية للشأن الأفغاني (غيتي)إعلام بلا توازن

رغم مرور نحو 4 سنوات على سيطرة طالبان، لا تزال غالبية التغطيات الغربية والعربية تتأرجح بين الشيطنة الكاملة والتبرير المطلق، دون مقاربة مهنية متوازنة.

فبعض المؤسسات الإعلامية الغربية والعربية تتجاهل التحولات الميدانية في أفغانستان تحت حكم طالبان، مثل تحسن الأمن وانخفاض معدلات العنف، والتقليل الكبير من تجارة المخدرات وتماسك الإدارة المركزية وتحسن نسبي في بعض المؤشرات الاقتصادية، مثل استقرار العملة الأفغانية وانخفاض التضخم.

ويرى الباحث عبد الله عارف، أن "الإنصاف يقتضي الإشارة إلى هذه الحقائق، حتى مع وجود انتقادات جوهرية لأداء طالبان في ملفي السياسة والحقوق".

في المقابل، تتبنى بعض وسائل الإعلام في دول عربية وإسلامية خطابا مبالغا في التعاطف مع حركة طالبان، تتجاهل فيه جملة من الانتهاكات الجوهرية، من أبرزها غياب أي دستور  للبلاد، واحتكار السلطة من فئة واحدة، ومنع المشاركة السياسية الفاعلة ورفض مبدأ الانتخابات.

وتصف الناشطة الحقوقية الأفغانية، مریم محمودي، هذا التناول الإعلامي بأنه "تبنٍّ للرواية الرسمية على حساب الوقائع الميدانية".

مؤسسات إعلامية غربية وعربية تتجاهل التحولات الميدانية في أفغانستان تحت حكم طالبان (الأوروبية)غياب صوت الأغلبية الصامتة

ما تغفله غالبية التغطيات الإعلامية، سواء في الغرب أو العالم العربي، هو وجود "الصوت الثالث" في أفغانستان ذلك التيار الشعبي الواسع الذي لا ينتمي إلى حركة طالبان ولا إلى النظام السابق بل يطالب بإصلاحات جذرية وبناء منظومة حكم عادلة وشاملة لجميع مكونات الشعب الأفغاني.

يتكوّن هذا التيار من شرائح واسعة من علماء الشريعة والمثقفين، والأكاديميين، والصحفيين، والناشطين المدنيين، الذين يرفضون العنف والحرب الأهلية والإقصاء والفساد والاستبداد، وينادون بانتقال سلمي تدريجي نحو حكم يعكس الإرادة الشعبية ويكفل الحقوق والحريات في إطار الدستور والقانون.

يقول الكاتب والصحفي شمس رحماني "نحن الأغلبية الصامتة، نحمل همّ البلاد ونطمح إلى بناء مستقبل يتجاوز الاستقطاب والتشظي"، وتغييب هذه الأصوات يعمّق من ضبابية المشهد ويمنع المجتمع الدولي من إدراك الواقع الأفغاني في تعدده وتعقيده.

التحديات الأخلاقية والمهنية

لم تكن التغطية الإعلامية الدولية والعربية للشأن الأفغاني بمنأى عن التحيزات الأيديولوجية والسياسية، إذ غلب على كثير منها غياب التوازن، وضعف التمثيل المحلي في غرف الأخبار، واللجوء إلى الصور النمطية السهلة.

هذه العوامل مجتمعة ساهمت في إنتاج رواية سطحية ومبسطة لواقع معقد يعانيه مجتمع بأكمله.

في هذا السياق، يرى المراقبون أن مسؤولية المؤسسات الصحفية لا تقتصر على نقل الخبر، بل تتعداه إلى ضرورة تمثيل وجهات النظر المختلفة، وتوفير مساحة للصحفيين المحليين، ومساءلة السرديات السائدة بتحليل نقدي جاد.

ويقول بصير أحمد دانشيار، أستاذ الإعلام بجامعة هراة سابقا ونائب رئيس منظمة حماية الصحفيين الأفغان للجزيرة نت، "يصطدم بتحديات ميدانية خطِرة؛ إذ يواجه الصحفيون الأفغان اليوم ضغوطًا مضاعفة، سواء من السلطات القائمة أم بسبب ضعف الحماية الدولية. وقد اضطر عدد كبير منهم إلى مغادرة البلاد أو التوقف عن العمل، مما أضعف الحضور المستقل في المشهد الإعلامي المحلي".

إعلان

إن قصور الإعلام في تقديم صورة شاملة عن أفغانستان لا يُعد فقط إخفاقًا مهنيًا، بل جزءًا من ظلم معرفي مستمر، وتجاوز هذا الخلل يتطلب إعادة بناء الثقة، وتوسيع هامش الحرية للصحفيين المحليين، والإنصات للأصوات التي طالما همشت.

مقالات مشابهة

  • أفغانستان المجني عليها في الإعلام
  • النيابة اليمنية تفتح أبواب القصاص على مصراعيها: 11 إعدامًا خلال يوليو فقط
  • في بث مباشر .. أحمد موسى يكشف دور مصر في دعم القضية الفلسطينية
  • صديقه منذ الثمانينيات.. مارسيل خليفة يُعزّي فيروز بغياب زياد
  • الإعدام شنقاً لـ”سفاح المعمورة” بعد إدانته بقتل ثلاثة أشخاص ودفنهم داخل شقق سكنية
  • قتل زوجته ودفن ضحاياه تحت البلاط.. الإعدام شنقا لسفاح المعمورة في مصر
  • الإعدام شنقًا لـ«سفاح المعمورة» بعد إدانته بارتكاب 3 جرائم قتل في الإسكندرية
  • الشعبة الجزائية بالأمانة تؤيّد حكم الإعدام بحق اثنين من عناصر تنظيم القاعدة
  • الشعبة الجزائية المتخصصة بالأمانة تؤيّد حكم الإعدام بحق 2من تنظيم القاعدة
  • بعد قليل .. انطلاق جلسة النطق بالحكم في قضية «سفـ.اح المعمورة»