هاجم الكاتب اليساري البارز جدعون ليفي مظاهر الاحتفال داخل الكنيست (البرلمان) بانتهاء الحرب، واصفا إياها بــ"مهرجان الغرور والتملق"، منتقدا تجاهل السياسيين والمجتمع الإسرائيلي لمعاناة الفلسطينيين والدمار الذي ألحقته آلة الحرب بقطاع غزة.

وكتب في مقاله بصحيفة هآرتس أن كل الذي حدث لإسرائيل خلال العامين الماضيين تجسّد دفعة واحدة عشية احتفالات البلاد بعيد العُرش (سوكوت).

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لو ديبلومات: صراع نفوذ دولي على الصومال يقوض الرهان على استقرارهlist 2 of 2نيويورك تايمز: إدارة ترامب تفوض سي آي إيه بعمليات سرية في فنزويلاend of list

ووصف ليفي تلك الاحتفالات بأنها ذروة "التملّق، وحب الذات، والغرور، والإنكار الجماعي امتزجت فيها "نشوة الإفراج عن الأسرى بفيض من تمجيد الذات والتفاخر".

وأضاف أن الإسرائيليين كانوا يبتهجون، في حين كانت مئات آلاف العائلات الفلسطينية تتجول وسط الركام عائدة إلى "اللا-بيوت"، ومئات الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم ليكتشفوا أن ذويهم قُتلوا بفعل القصف، لكن الإعلام المحلي تجاهلهم تماما، كما تجاهل غزة في الحرب ويغض الطرف عنها في السلام.

وسخر من هذا التجاهل وكأن لسان حال الإعلام الإسرائيلي لا يرى الأسرى الفلسطينيين بشرا، حتى أنه لم يعرض صورة ذلك الأسير المفرج عنه الذي يعود إلى غزة ليكتشف أن زوجته وأطفاله قُتلوا بالقصف.

وانتقد الكاتب بشدة زعيم المعارضة يائير لابيد لتبرئته إسرائيل من تهمة الإبادة وتجويع المدنيين، مذكّراً بتصريحات وزير الدفاع السابق يوآف غالانت الذي أعلن صراحة في بداية الحرب أن إسرائيل ستمنع الكهرباء والماء والطعام عن غزة.

أشخاص يمرون تحت لوحة إعلانية في إسرائيل تمجد الرئيس الأميركي دونالد ترامب (غيتي)

وقال إنه لا أحد في قاعة الكنيست لاحظ أن الكل كانوا منشغلين بتمجيد أنفسهم و"سيِّدهم الإقطاعي" (يقصد هنا الرئيس الأميركي دونالد ترامب). حتى في مثل هذه اللحظات، لم يُبدِ أي أحد معارضة حقيقية سوى نواب القائمة المشتركة التي تمثل عرب إسرائيل، "الذين طُردوا طبعا من القاعة".

إعلان

ويرى ليفي أن غياب كلمة اعتذار أو إقرار بالذنب في الكنيست حوّل المناسبة إلى مشهد "مقزّز"، مشيرا إلى أن إسرائيل كانت ستظهر أكثر قوة لو اعترفت بجرائمها وأبدت مسؤولية أخلاقية تجاه ضحاياها.

وعلى حد تعبيره، فإن إسرائيل كانت ستمتلك القوة  لو أنها تصرفت بشكل مختلف، بدلا من أن تُردِّد "بغطرسة" يائير لابيد المعهودة الذي وصف المقاتلين الفلسطينيين بأنهم "إرهابيون يرسلون أطفالهم" إلى الموت، وكأن يحيى السنوار هو من كان في قمرة الطائرة الحربية التي ذبحت أطفال غزة بلا رحمة.

وختم مقاله بمشهد من مخيم النصيرات، حيث سُمع فجأة صياح ديك أثناء مقابلة كانت تجريها إذاعة فرنسا مع صحفي من داخل تلك المنطقة في وسط قطاع غزة.

لقد غلب صوت الديك على دوي القصف، وهو ما اعتبره ليفي أكثر مدعاة للاحتفال من كل تلك الخطب الكاذبة مجتمعة، التي ألقاها ترامب ونواب الكنيست في ذلك اليوم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات

إقرأ أيضاً:

"طوفان الأقصى".. معايير النصر والهزيمة

 

 

 

سعود بن صالح بن أحمد المعولي **

 

قد يكون من السابق لأوانه القول إنَّ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قد وضعت أوزارها، ولكن مع دخول المرحلة الأولى من خطة السلام- التي وضعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب- حيِّز التنفيذ وسريان وقف إطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية إلى الخطوط المتفق عليها، وبدء تبادل الأسرى، نأمل أن تكون الحرب في طريقها لذلك، ولا شك أن هذه المرحلة تفرض سؤالًا مُلحًا عن المنتصر في هذه الحرب، هل هي إسرائيل أم حماس؟!

لعل صعوبة الإجابة على هذا التساؤل، تكمُن في اختلاف مفهوم النصر وفق منظور كل شخص، وزاوية النظر، فضلًا عن اختلاف طبيعة الحرب وأطرافها؛ فالحرب بين دول مُتكافئة القوة، ليست كالحرب بين دولة عُظمى ودولة نامية، وهذان النوعان من الحروب ليسا كالحرب بين جيش نظامي ومليشيات مُسلحة، والحرب بين دولة احتلال وفصيل مُقاوِم، ليست كأي حالة من الحالات السابقة. ورغم أن معايير النصر في المُجمل تدور حول النصر العسكري والسياسي والمعنوي والإنساني، إلّا أنه مع ذلك يصعُب الاتفاق على مفهوم النصر وفق هذه المعايير نفسها.

ورجوعًا إلى موضوعنا، فإنه لا يكاد يختلف اثنان على أن أكثر سؤال مُتداول في ساحات التواصل الاجتماعي اليوم هو ماذا جَنت حماس من طوفان الأقصى، وهل فعلًا حققت نصرًا؟ سيَّما وأن الحرب الوحشية التي شنتها القوات الإسرائيلية حصدت أرواح أكثر من 67 ألف شهيد بينهم أطفال ونساء وشيوخ، فضلًا عما يزيد عن 161 ألف مُصاب، وقرابة عشرة آلاف مفقود- حتى الآن على الأقل- وفق وزارة الصحة بغزة، ناهيك عما خلّفتهُ من دمار هائل في البنية التحتيّة في القطاع، بل وإعدامها لجميع أوجه الحياة فيه.

ولعَلَّ الوقوف على ما حققهُ كل طرف من مكاسب وخسائر جرَّاء هذه الحرب، وما سينتُج عن اتفاق تسويتها، قد يُسهِّل تحليل مفهوم النصر فيها، فلو أخذنا الجانب الإسرائيلي فإنه يمكن القول إن أبرز النتائج التي حققتها إسرائيل- على المستوى الدولي- تكمُن في توجيه ضربة قاسية لمحور المُقاومة؛ من خلال قصف إيران- أساس المحور- وتصفية قادتها العسكريين في زمنٍ قياسي، وتصفية قيادات "حزب الله" بذات الطريقة، ناهيك عن قصف وتعطيل قرابة 80% من القدرات الاستراتيجية العسكرية السورية، عقب سقوط نظام بشار الأسد- أو إسقاطه-، فضلًا عن قتل معظم أعضاء الحكومة اليمنية الحُوثية، هذه المُكاسب التي حققها الكيان الصهيوني على مستوى المنطقة جعل إسرائيل تظهر كدولة إقليمية تملك قوة ردع حاسمة وشرسة.

وبالنسبة للحرب على حماس، فقد استطاعت إسرائيل تصفية مُعظم زعماء الحركة وعلى رأسهم الشهيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة، وهي في طريقها- حال تنفيذ بنود خطة ترامب- للخلاص من حماس كفصيل عسكري مُقاوم، وهو الذي اعتبرته على مدار الفترات السابقة تهديدًا وجوديًا لها، كما أنها بموجب التسوية ستستلم رهائنها الأحياء والأموات، وبذلك يُمكن القول إن إسرائيل حققت أهم أهدافها المُعلنة منذ اندلاع هذه الحرب، وهي التخلص من التهديد الوجودي لحماس، واستلام الرهائن.

ورغم المكاسب العسكرية التي حققتها إسرائيل عبر آلتها العسكرية الوحشية، إلّا أنه لا يُمكن القول إنها انتصرت، سيَّما على المستوى السياسي الاستراتيجي؛ إذ فقدت إسرائيل روايتها، تلك الرواية الكاذبة المُزيفة، التي لطالما روّجتها وتبجَّحت بها للعالم؛ بل ونجحت- على مدار أعوام- في تكريسها في الأذهان؛ لتتمظهر بمظهر الدولة الديمقراطية الوادعة، المُضطهد والمظلوم شعبها، والتي يتمنى جيرانها محوها من الوجود؛ فهذه الحرب عرّت إسرائيل أمام العالم، وأظهرتها على حقيقتها كدولة استعمار وحشيّة يديرها حفنة من المجرمين المُتطرفين، واليوم يتجلى واضحًا أن شعوب العالم أدركت أن تلك الرواية زائفة مُزورة، وأن القاتل كان يتقمص دور الضحيّة طوال تلك السنوات.

لقد انقلب المزاج العالمي من داعمٍ لإسرائيل إلى مُناهض لسياساتها الوحشية، وهذا الأمر انعكس على الحكومات حتى تلك الداعمة لها؛ والتي لم تجد بُدًا من التفاعل مع ضغوطات شعوبها، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، فمن كان يتصور أن يأتي يومٌ تعترف فيه دول كبريطانيا وفرنسا بالدولة الفلسطينية، وهي من أكثر الدول دعمًا لإسرائيل؛ بل هي من أنشأتها كخنجرٍ في خاصرة الشرق الأوسط، وكابوس جاثمٌ على أرض فلسطين التاريخية؟!

وهنا لعلّي أجد سانحة لإنصاف قيم ومبادئ حقوق الإنسان التي يدعو لها العالم المُتحضِّر، سيَّما بعد أن اهتزت الثقة فيها أكثر من اهتزازها بمُنتهكيها؛ فجزء كبير من الفضل يعود لهذه القيم في خروج ملايين البشر في العواصم الأوروبية مُنددين بالانتهاكات الإسرائيلية الوحشية، وما تمارسه من أصناف العذاب على أهالي قطاع غزة؛ إذ تلك الشعوب الأوروبية لم تخرج في مُظاهرات مليونيّة لمعرفتها بحقيقة النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وأحقيَّة الفلسطينيين في أرضهم، إنما ما حرَّك مشاعرها وأخرجها للشوارع إيمانها بأن ما يحدث في غزّة من إبادة وحشيةٍ جماعيةٍ وتطهيرٍ عرقيٍّ هو انتهاك سافر لأبسط مفاهيم حقوق الإنسان ومبادئ الإنسانية التي تقوم عليها دولهم، وخروج الشعوب دفع بالحكومات الغربية إلى التجاوب مع شعوبها تجنبًا لسخطها.

أما مُكاسب حماس من طوفان الأقصى، فلعّل أهمّها هو إجهاض مشروع تصفية القضية الفلسطينية سياسيًا؛ عبر مشاريع التطبيع التي كانت تسير على قدمٍ وساق في المنطقة مدعومةً من الولايات المتحدة الأمريكية، وإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة كملف ساخن ذي أولوية مطروح على طاولة المجتمع الدولي، فضلًا عن عزل إسرائيل سياسيًا؛ بل ومُلاحقة رئيس حكومتها وأهم مسؤوليها كمجرمين من قِبل المحكمة الجنائية الدولية، والأهم من ذلك قلب الرأي العام العالمي عليها، وإظهارها على حقيقتها كدولة استعمارية بربرية، في موجة تعاطف -غير مسبوقة - تجتاح العالم من أقصاه إلى أقصاه، وهو الأمر الذي يُعد خسارة سياسية استراتيجية عظيمة لدولة الاحتلال، كما إن حماس من خلال طوفان الأقصى هدمت أسطورة الدولة التي لا تُقهر؛ إذ عجزت قوة إسرائيل- على مدار سنتين- من العثور على رهائنها واستعادتهم من حماس، كما عجزت عن القضاء على حماس كفصيل عسكري لا يملك سوى سِلاح تقليدي مُقارنةً مع ما تملكه إسرائيل من تجهيزات وسلاح نوعيٍّ ومُتقدم، فضلًا عن عجزها عن تحقيق أهدافها غير المُعلنة المُتمثلة في تهجير أهالي غزة والضفة الغربية، وضمهما لأراضي الاحتلال، كما كانت تُشير كل المُعطيات، أما عن مكاسب التسوية الحالية فأهمها وقف الإبادة الجماعية، والإفراج عن عدد من المُعتقلين في السجون الإسرائيلية وبعضهم من قادة حماس.

بعد هذا الاستعراض لأهم مكاسب وخسائر الطرفين، فإنه لتقييم هذه المسألة من المُهم استذكار أن حركات المُقاومة المُسلحة عبر التاريخ تستهدف قض مضجع المُحتل، وتقويض استقراره، وتذكيره بأنه لن يَهنئ في أرضٍ ليست أرضه؛ بُغية طرده وتحرير الأرض كهدفٍ نهائي، وإلا فإن المُقاوم إذ يقوم بهذه التضحية يعلم يقينًا أنه مُغامر، وليس لديه ما لدى المُحتل من ترسانة وتسليح وجاهزية، وأن الاحتلال لن يندَّحر من أول غزوة، ولا ثاني ولا ثالث، ولكنه سيُدرك يومًا أنْ لا مُقام له في أرضٍ يُرخص أبنائها أرواحهم لأجل تحريرها وهم لا يكلِّون من ذلك أبدًا جيلًا بعد جيل.

إذن هل انتصرت حماس؟

أعتقد أن شخصًا يتوارى خلف شاشته مُسترخيًا على كنفته ليس أهلًا للحديث عن مفهوم النصر في هذه الحرب، ولن يكون هناك من هو أقدر على الإجابة على هذا السؤال أكثر من الشعب الفلسطيني المُناضل نفسه، الذي اصطلى بنيران هذه الحرب المُستعرة وعانى ويلاتها، ودفع كُلفتها الباهظة، والذي يتوق- في الوقت نفسه- إلى تحرير وطنه، وطرد المُحتل الجاثم على أرضه منذ أكثر من سبعين عامًا، ويتطلّع إلى الحرية والاستقلال عاجلًا غير آجل، فهو الأقدر على تقدير الثمن المُستعد لبذله في سبيل ذلك.

** نائب رئيس اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان

مقالات مشابهة

  • من “النصر المطلق” إلى الخيبة المطلقة
  • ترامب ملوّحا باستئناف الحرب.. إسرائيل تنتظر كلمة مني
  • من النصر المطلق إلى الخيبة المطلقة
  • الغارديان: هكذا كانت ظروف اعتقال الأسرى الفلسطينيين المحررين
  • 6 ادعاءات مضللة في خطاب ترامب أمام الكنيست
  • بين تصفيق الكنيست ومسرحية شرم الشيخ: تحليل الأجندة المالية لمؤتمر السلام وخطة ترامب
  • ليبرمان يطالب بإبعاد نواب الذين قاطعوا كلمة ترامب في الكنيست
  • مسئول فلسطيني سابق يحذر من أخطر جملة قالها ترامب أمام الكنيست
  • "طوفان الأقصى".. معايير النصر والهزيمة