صلاح شعيب

بعد نجاح ثورة ديسمبر انطلقت أصوات لقيادات سياسية تنادي بالحوار مع الإسلاميين نسبة لكونهم فصيلاً مؤثراً في العمل السياسي، وقالت بعضها إنه إذا كنا نريد للبلاد الاستقرار فلا مناص من شملهم عند الانتقال نحو الديمقراطية. وفي الآونة الأخيرة بدرت دعوات لإشراك الإسلاميين في فرص الحل السوداني – السوداني لأزمة الحرب، وذلك بوصف أن المؤتمر الوطني يمسك بخيوط اللعبه الحربية، وأنه مهما حاولنا الوصول إلى تسوية فإنه لا بد أن يكون شريكاً فيها حتى تتجسد في الواقع.


الحقيقة هي أن القوى السياسية لم ترفض الحوار، أو التعاون، مع الحركة الإسلامية عبر تاريخ حضورها في المشهد السياسي منذ الخمسينات. وفي العقود الأخيرة تحالف الإخوان مع حزبي الأمة، والاتحادي، للإطاحة بالنميري في حادثة غزو الخرطوم في يوليو 1979. ولاحقاً توافق حزب الأمة القومي مع الجبهة الإسلامية حول برنامج ما عرف بحكومة الوفاق الوطني، ولكن في خاتم المطاف انقلب الإسلاميون على الوضع، وجاءوا بانقلاب 1989. ولاحقاً اتفق الصادق المهدي مع الترابي على التسوية في جنيف، ولكن أيضاً تبخر الاتفاق، وبعده كان المزيد من العداء بين الطرفين، ثم خطا تحالف الإجماع الوطني خطوات مهمة في التحالف مع المؤتمر الشعبي بعد المفاصلة للإطاحة بنظام البشير. والأكثر من ذلك أن مفاوضات انعقدت لتحالف نداء السودان مع المؤتمر الوطني قبل سقوطه للتوصل إلى تسوية، ولا ننسى كذلك أن المؤتمر الشعبي نفسه خرج نادماً من “حوار الوثبة” الذي تحايل به إخوانهم في النظرية لكسب الزمن، وتجاوز ورطته بالغش السياسي الذي كمن وراء الفكرة.
ولا ننسى أن فترة اتفاق السلام الشامل قد شهدت انخراطاً شاملاً للقوى السياسية التي قبلت بما سمي التحول الديمقراطي استجابةً لتقديرات محددة آنذاك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ولو أن المؤتمر الوطني صدق في مسعاه لتوفر لنا انتقال حقيقي من الاستبداد إلى الديمقراطية. ولكن ما إن صوت الجنوبيون للانفصال إلا وتخلص الإسلاميون من التجربة فأغلقوا الصحف، ومنظمات المجتمع المدني، والمراكز الفكرية، وضيقوا على الأحزاب، وطاردوا النشطاء السياسين. كل هذه المحاولات الوطنية للتواصل مع الإسلاميين هدفت لتجاوز ما أفرزه انقلابهم من تدمير للبلاد على كل النواحي، غير أنه أبت ارادة السلطة وقتذاك إلا التلاعب بالتوافق الوطني.
إن المعضلة الأساسية التي تواجه التعامل مع معظم الإسلاميين هي أنهم يستخدمون الائتلاف السياسي كمرحلة تقية يعقبها الانقضاض على الحكم. وحتى إذا حصلوا عليه عاملوا المخالفين معهم بالقمع، والضرب، والتنكيل. فالصدق آخر شيء يمكن أن تتوقعه من كثير من متبني نظرية الإخوان التي تستخدم التقية السياسية، والكذب للاستئساد على الحكم. وباختصار علينا تذكر أن أمن الحركة الأسلامية قد أجلس زعيم حزب الأمة في كرسي من ثلاث قواعد عبر تحقيق مهين، وهو الذي تحالف معهم في المرة الأولى عند غزو الخرطوم، وفي المرة الثانية حين ائتلف معهم عبر حكومة الوفاق. ومع ذلك لم يفتر المهدي من الصبر عليهم، ولكنهم خدعوه في غير ما مرة. فإذا كان هذا سلوك جماعة مسلمة ضد من هو معروف بأنه يتقارب معهم فكرياً، واجتماعياً، برباط فكري، واجتماعي، فما بالك بالبقية من الشيوعيين، والبعثيبن، والعلمانيين، والملاحدة، وغيرهم ممن يتبنون رؤية مختلفة إزاء رؤية الإخوان المسلمين.
ما يميز الإخوان المنتمون للمؤتمر الوطني أنهم لا بعترفون بالخطوط الحمراء الدينية، والعرفية، في العلاقة السياسية مع الآخرين، ولذلك يظل مد خطوط التعاون معهم لصالح استقرار البلد ضرب من الحلم المجدد دون اعتبار للماضي. ومن ناحية أخرى فإن إخوان المؤتمر الوطني ما يزالون يستبطنون في داخلهم أن لا أحداً خلافهم يملك الحل للأزمات السياسية، ويرون أنهم وحدهم أقرب إلا الله، وأما الآخرين فإنهم إما لا يمتلكون برنامجاً سياسياً للبناء الوطني، أو أنهم لا يفقهون الدين على أصوله. وبتلك الرؤية قسم فكر الإسلاميين المجتمع في أي بلد إلى فسطاطين، واحد أقرب للإله، والآخر ضد مشيئته في الأرض.
في هذه الحرب وضع المؤتمر الوطني سلام، واستقرار السودان، مقابل الاستجابة إلى رغبتهم في الإبقاء على سدة الحكم. وحتى الآن تستعر المقاومة بين إستراتجية المؤتمر الوطني وبين غالب السودانيين الراغبين للتوصل إلى تسوية عبر التفاوض تحفظ كيان البلد، وتنقذ مواطنيه من المأساة العظيمة.
وعلينا أن نتذكر أن فكرة الحرب نفسها نوع من الابتزاز، واحتقار رغبة السودانيين في الانتقال نحو الديمقراطية. وبهذه الكيفية يريد معظم الإسلاميين أن تستجيب القوى السياسية لهم صاغرين من أجل استعطافهم لإيقاف الخراب. وهذه معادلة لا يخلقها إلا تنظيم راغب في وراثة كل البلد وحده بالحرب، والسلم، وتوظيف طاقته السلطوية في الجيش، والخدمة العامة، والقطاع الخاص، لاستهداف أي مشروع وطني ديمقراطي إصلاحي.
خلاصة الأمر: سيظل النضال بمختلف وسائله المشروعة هو الوسيلة الأنجع لهزيمة قوى الاستبداد لا التصالح معها، وما دون ذلك ستكون أي مساعٍ للتصالح مع المؤتمر الوطني لإيقاف الحرب هي بمثابة إعادة إنتاج للأزمة السودانية، لا غير. بل إن هذا التصالح يمثل خيانة لدماء الشهداء التي روت البلاد من أجل تحقيق شعار حرية، سلام، وعدالة.

الوسومصلاح شعيب

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: صلاح شعيب المؤتمر الوطنی مع المؤتمر

إقرأ أيضاً:

الرئيس سليمان: التوافق لا يعني بأي حال من الأحوال الإجماع

قال الرئيس العماد ميشال سليمان في تصريح: "صحيح أنّ روح الدستور ونصّه يتحدّثان عن الميثاقية والتوافق، لكن ذلك لا يمكن أن يتعارض مع مفهوم الديمقراطية، إذ إن مقدّمة الدستور تصف النظام السياسي في لبنان بأنه جمهوري ديمقراطي برلماني. وقد نصّ البند (ي) من مقدّمة الدستور على أنّ "لا شرعية لأي سلطة ( وليس لقرارات ) تناقض ميثاق العيش المشترك"، لكنه لم ينزع الشرعية عن أي قرار يتخذه مجلس الوزراء، طالما أنّ هذا المجلس قائم وشرعي، ووفقاً للمادة 65 من الدستور نفسه".

وتابع: "إن التوافق لا يعني بأي حال من الأحوال الإجماع. فالدستور حدّد آلية اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء، واشترط أكثرية الثلثين في المواضيع الأساسية، وهو بذلك كرّس الميثاقية في أعلى مستوياتها. وفي هذا السياق، نذكر أنّ موضوع حصر السلاح نال الإجماع أيضاً عند الموافقة على اتفاق تشرين 2024 في مجلس الوزراء السابق. أما في المقابل، فقد امتنع أربعة وزراء عن التصويت عبر الانسحاب من الجلسة، وليس عبر التصويت ضد القرار، في ما يشبه النأي بالنفس عن التصويت على أي بيان رئاسي لمجلس الأمن (وليس مشروع قرار لمجلس الأمن)، علماً أن المفهوم الديمقراطي الأممي يؤكد أن "الامتناع لا يعطّل إصدار البيان الرئاسي".

وختم سليمان: "بعد كل التضحيات على مدى خمسة وسبعين عاماً، فلنسر معاً في مشروع إنقاذ الوطن. فلبنان الصيغة، القوي، الموحّد، والمعافى، قادر على خدمة قضية فلسطين أكثر من لبنان المضطرب، الفاقد لمقومات الصمود والاستمرار، والفاقد للميثاقية ودور الرسالة التي يتمسك بها اكثر من 85/100 من الشعب اللبناني". مواضيع ذات صلة نائب رئيس المجلس السياسي لحزب الله محمود قماطي: ما زلنا في الحكومة وقدمنا كل ما نستطيع لتحقيق التوافق والإجماع اللبناني (الجزيرة) Lebanon 24 نائب رئيس المجلس السياسي لحزب الله محمود قماطي: ما زلنا في الحكومة وقدمنا كل ما نستطيع لتحقيق التوافق والإجماع اللبناني (الجزيرة) 09/08/2025 12:48:36 09/08/2025 12:48:36 Lebanon 24 Lebanon 24 الرئيس سليمان: صديقك من صدقك لا من صدّقك Lebanon 24 الرئيس سليمان: صديقك من صدقك لا من صدّقك 09/08/2025 12:48:36 09/08/2025 12:48:36 Lebanon 24 Lebanon 24 نتنياهو: الأميركيون الذين لا يريدون دعم إسرائيل يعني أنهم لا يدعمون الولايات المتحدة Lebanon 24 نتنياهو: الأميركيون الذين لا يريدون دعم إسرائيل يعني أنهم لا يدعمون الولايات المتحدة 09/08/2025 12:48:36 09/08/2025 12:48:36 Lebanon 24 Lebanon 24 الرئيس سلام: من دون عدالة لا معنى للمواطنة ولا جدوى للدولة Lebanon 24 الرئيس سلام: من دون عدالة لا معنى للمواطنة ولا جدوى للدولة 09/08/2025 12:48:36 09/08/2025 12:48:36 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً المفتي الرفاعي: كلامي حول سحب السلاح المقصود منه الوقوف خلف الدولة ومؤسساتها الشرعية Lebanon 24 المفتي الرفاعي: كلامي حول سحب السلاح المقصود منه الوقوف خلف الدولة ومؤسساتها الشرعية 12:37 | 2025-08-09 09/08/2025 12:37:46 Lebanon 24 Lebanon 24 تحذير عاجل من الجيش للمواطنين: لن نسمح بأي إخلال بالأمن أو قطع الطرقات Lebanon 24 تحذير عاجل من الجيش للمواطنين: لن نسمح بأي إخلال بالأمن أو قطع الطرقات 12:20 | 2025-08-09 09/08/2025 12:20:29 Lebanon 24 Lebanon 24 سهيلة غادرت منزلها ولم تعد.. هل من يعرف عنها شيئًا؟ Lebanon 24 سهيلة غادرت منزلها ولم تعد.. هل من يعرف عنها شيئًا؟ 12:09 | 2025-08-09 09/08/2025 12:09:41 Lebanon 24 Lebanon 24 خبر يهمّ المواطنين... هذا ما يشهده نفق ساسين Lebanon 24 خبر يهمّ المواطنين... هذا ما يشهده نفق ساسين 12:01 | 2025-08-09 09/08/2025 12:01:51 Lebanon 24 Lebanon 24 ما بين "إعادة الإعمار" و"المقالع والكسارات".. لبنان أمام تحدّ مزدوج Lebanon 24 ما بين "إعادة الإعمار" و"المقالع والكسارات".. لبنان أمام تحدّ مزدوج 12:00 | 2025-08-09 09/08/2025 12:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة زيادات على "رواتب".. ودولار بـ60 ألفاً Lebanon 24 زيادات على "رواتب".. ودولار بـ60 ألفاً 22:43 | 2025-08-08 08/08/2025 10:43:01 Lebanon 24 Lebanon 24 قرارٌ... هؤلاء فقط يُمكنهم السير بعد العاشرة ليلاً Lebanon 24 قرارٌ... هؤلاء فقط يُمكنهم السير بعد العاشرة ليلاً 14:30 | 2025-08-08 08/08/2025 02:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 على الهواء.. هكذا ردّ جعجع على محمد رعد بشأن "السلاح" Lebanon 24 على الهواء.. هكذا ردّ جعجع على محمد رعد بشأن "السلاح" 21:52 | 2025-08-08 08/08/2025 09:52:11 Lebanon 24 Lebanon 24 "اغتيال مسؤول استخبارات".. بيانٌ إسرائيلي عن غارة أنصارية! Lebanon 24 "اغتيال مسؤول استخبارات".. بيانٌ إسرائيلي عن غارة أنصارية! 18:39 | 2025-08-08 08/08/2025 06:39:49 Lebanon 24 Lebanon 24 التحركات مستمرة.. إليكم قائمة بالطرقات المقطوعة Lebanon 24 التحركات مستمرة.. إليكم قائمة بالطرقات المقطوعة 23:21 | 2025-08-08 08/08/2025 11:21:34 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 12:37 | 2025-08-09 المفتي الرفاعي: كلامي حول سحب السلاح المقصود منه الوقوف خلف الدولة ومؤسساتها الشرعية 12:20 | 2025-08-09 تحذير عاجل من الجيش للمواطنين: لن نسمح بأي إخلال بالأمن أو قطع الطرقات 12:09 | 2025-08-09 سهيلة غادرت منزلها ولم تعد.. هل من يعرف عنها شيئًا؟ 12:01 | 2025-08-09 خبر يهمّ المواطنين... هذا ما يشهده نفق ساسين 12:00 | 2025-08-09 ما بين "إعادة الإعمار" و"المقالع والكسارات".. لبنان أمام تحدّ مزدوج 11:59 | 2025-08-09 السيد: الدولة حاضرة إلى جانب جميع أبنائها فيديو مشهد مروع.. طفلة علقت على حافة شرفة منزلها في الطابق الـ 11 وهذا ما حلّ بها (فيديو) Lebanon 24 مشهد مروع.. طفلة علقت على حافة شرفة منزلها في الطابق الـ 11 وهذا ما حلّ بها (فيديو) 11:00 | 2025-08-09 09/08/2025 12:48:36 Lebanon 24 Lebanon 24 بهوية مزيفة امرأة عالجت آلاف المرضى.. شاهدوا لحظة إلقاء القبض عليها Lebanon 24 بهوية مزيفة امرأة عالجت آلاف المرضى.. شاهدوا لحظة إلقاء القبض عليها 06:43 | 2025-08-08 09/08/2025 12:48:36 Lebanon 24 Lebanon 24 بالفيديو: فضيحة الأدوية المزوّرة والمهربة.. هكذا خدعت صيدليات كبيرة اللبنانيين Lebanon 24 بالفيديو: فضيحة الأدوية المزوّرة والمهربة.. هكذا خدعت صيدليات كبيرة اللبنانيين 17:17 | 2025-08-07 09/08/2025 12:48:36 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان فيديو خاص إقتصاد عربي-دولي متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • تعليق الفيتنامي جون على تعطل الخلود
  • وزير لبناني حليف لحزب الله: أولويتنا حصر السلاح بيد الدولة
  • مبارك الفاضل يفجّر مفاجآت داوية حول اعتقال “المصباح”.. ويتّهم الإسلاميين بشن “حملة جائرة” ضد مصر
  • إيطاليا: منفتحون على إمكانية فرض عقوبات على إسرائيل
  • زهيو: المؤتمر الوطني الجامع أداة ضغط قبل إعلان خارطة الطريق في مجلس الأمن
  • رامافوزا يؤكد انعقاد المؤتمر الوطني في موعده رغم الانسحابات
  • مكان: لم يتم اغلاق الباب امام إمكانية التوصل إلى صفقة بشأن غزة
  • هل ما يحدث للمصباح شئ طبيعي؟!!
  • عاجل | يسرائيل هيوم: ويتكوف التقى رئيس الوزراء القطري وبحث معه إمكانية التوصل لاتفاق لإنهاء الحرب في غزة
  • الرئيس سليمان: التوافق لا يعني بأي حال من الأحوال الإجماع