في قلب الشرق الأوسط، حيث تتشابك السياسات والنفوذ العسكري والدبلوماسي في مشهد معقد لا ينتهي، كشفت حرب الأيام الـ12 الأخيرة بين إيران وإسرائيل عن أوجه ضعف وقوة في بنية الصراع الإقليمي، وأعادت رسم ملامح التوازنات الإقليمية والدولية.

عناوين الحرب هذه كانت «صواريخ من ورق وسيوف من خشب» — عنوان يرمز إلى هشاشة القدرات الصاروخية الإيرانية أمام القوة الضاربة المدعومة من الولايات المتحدة، لكنه في الوقت ذاته إشارة إلى هشاشة الانتصار النهائي أمام تعقيدات الصراع التي لم تنتهِ.



المشهد الاستراتيجي: قوة فعل مقابل وهم ردع
إن ما جرى من ضربات جوية إسرائيلية-أمريكية على المنشآت النووية والحربية الإيرانية، لا سيما منشأة فوردو النووية، شكل ضربة استراتيجية غير مسبوقة في عمق البنية التحتية الإيرانية. لم تكن هذه الضربات مجرد عمليات تكتيكية، بل محاولة لإعادة ضبط ميزان القوى في الشرق الأوسط.

لكن الرد الإيراني، رغم العدد الكبير للصواريخ التي أطلقتها، بدا رمزيًا ومحدود التأثير، إذ تم اعتراض غالبية هذه الصواريخ، وعجز النظام عن تحقيق أي تقدم عسكري فعلي. هذا الواقع عزز صورة إيران بأنها ما زالت تملك السيوف (القوة التنفيذية) لكنها لا تملك صواريخ قوية قادرة على التغيير الميداني الحقيقي، مما يعطي انطباعاً أن ردها كان «صواريخ من ورق» — تهديد بلا وزن حقيقي على الأرض.

ترامب وكيسنجر: فن إدارة القوة والضغط
يرتكز نهج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على فلسفة واقعية سياسية متجذرة في إرث هنري كيسنجر، حيث يرى في القوة العسكرية أداة لفرض واقع سياسي جديد وليس هدفًا بحد ذاته. فقد تعامل ترامب بحذر مع الصراع، مدركًا مخاطر انجرار الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية طويلة ومعقدة قد تزعزع استقرار الأسواق العالمية وتهدد المصالح الأمريكية.

فبدلاً من السعي إلى هزيمة كاملة للنظام الإيراني، ركز على تدمير القدرة النووية العسكرية وفرض وقف إطلاق نار «أحادي الجانب» يمنع انفجار الصراع إلى أبعاد غير محسوبة، ما يؤكد أن الحسم العسكري لم يكن الهدف، بل إعادة التوازن الدبلوماسي بمظلة أمريكية قوية.

دبلوماسية الطوارئ والوقف المؤقت
وسط هذه الحرب المفتوحة، برزت دبلوماسية مكثفة، قادتها الولايات المتحدة بمشاركة قطرية، حيث تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار مشروط بتفاهمات غير معلنة. هذا الوقف لم يكن اتفاق سلام، بل هدنة مؤقتة تسمح لكل طرف بإعادة ترتيب أوراقه دون خسارة كبرى.

ويكشف هذا عن فهم أمريكي عميق بأن التصعيد المفتوح قد يجر المنطقة إلى فوضى لا يمكن السيطرة عليها، وأن استمرار المواجهة قد يهدد ليس فقط إيران وإسرائيل، بل الاستقرار الإقليمي والعالمي.

القضية الفلسطينية: ظلّ الصراع المستمر
في خضم هذه المواجهة، ظلت القضية الفلسطينية، وخصوصًا مأساة غزة، في الظل، حيث تستمر المعاناة الإنسانية وتبقى ساحة لتصفية حسابات إقليمية متشابكة. ورغم أهمية المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية، فإن غزة والضفة الغربية لا تزالان القضايا المركزية التي تصنع مستقبل المنطقة.

تستغل قوى إقليمية الصراع لإعادة ترسيخ نفوذها، ما يجعل تحقيق السلام الحقيقي بعيد المنال، ويؤكد هشاشة الحلول السياسية وسط صراعات النفوذ.

ما بعد الحرب: معادلات جديدة وتحديات متجددة
إيران تحت ضغط استراتيجي: رغم ضربات الحرب، تبقى إيران قوة إقليمية لا يستهان بها، وعليها الآن موازنة خياراتها بين استعادة قوتها العسكرية عبر تحالفات مع موسكو وبكين، وتجنب الانزلاق لحرب مفتوحة لا تملك مقوماتها.

دور الولايات المتحدة وحلفائها: فرضت واشنطن إرادتها عبر مزيج من القوة العسكرية والضغط الدبلوماسي، لكنها تواجه تحديًا في الحفاظ على استقرار المنطقة، مع الأخذ بالاعتبار استمرار التهديدات الإيرانية عبر وكلائها في لبنان واليمن والعراق.

الرهانات الإقليمية: رغم الوقف الحالي، تبقى منطقة الشرق الأوسط مسرحًا لصراعات متعددة الأوجه، ويبدو أن هدنة اليوم قد تتحول إلى مواجهة أخرى غداً، ما لم يتم التعامل مع جذور الأزمة السياسية والأمنية.

التحولات الدولية: لن تكون موسكو وبكين شريكين سلبيين في إعادة رسم خرائط النفوذ، مما يجعل الدور الأمريكي في المنطقة أكثر تحدياً، ويدعو إلى استراتيجية متجددة قائمة على تحالفات إقليمية ودبلوماسية نشطة.

خلاصة: ما بعد صواريخ من ورق
لم تكن الحرب الأخيرة مجرد مواجهة عسكرية، بل اختبار شامل لقدرة الأطراف الفاعلة على إدارة الصراع بين القوة العسكرية والضغط السياسي. بين صواريخ من ورق وسيوف من خشب، يتجلى أن الانتصار العسكري لا يكفي، وأن المنطقة بحاجة إلى رؤية استراتيجية مستدامة تعالج جذور الصراعات، وتعيد بناء الثقة والقدرة على التفاوض.

إدارة هذه اللحظة الحساسة تتطلب حكمة دولية، والتزاماً حقيقياً بالسلام، وليس مجرد تهدئة مؤقتة تسمح بتأجيل النزاع المقبل. وفي ظل هشاشة التوازنات، تبقى القضية الفلسطينية القلب النابض لهذا الصراع، والتي بدون حلها لن يتحقق الاستقرار الدائم.

الشروق الجزائرية

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه إيران الحرب الولايات المتحدة إيران الولايات المتحدة الاحتلال الحرب قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

إبراهيم عيسى: الصراع الحالي لا ينفصل عن الاستخدام السياسي للدين لإيران وإسرائيل

أكد الإعلامي إبراهيم عيسى، أن اللحظة الراهنة تمثل مرحلة حاسمة قد تكون نهاية الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل وأمريكا، قائلاً: إحنا وسط لحظات مهمّة للغاية، قد تكون هذه الحرب بصدد أن تلملم أوراقها الأخيرة، أو تطلق صواريخها الأخيرة، لنبدأ بعدها محاولة لفهم ما جرى، من خلال قراءة فكرية معمقة".

وأشار ابراهيم عيسى، خلال تقديم برنامج “حديث القاهرة”، المذاع عبر شاشة “القاهرة والناس”، إلى أن الصراع الحالي لا ينفصل عن الاستخدام السياسي للدين، سواء من الجانب الإيراني أو من اليمين الإسرائيلي الحاكم، مضيفا: “القصة كلها تدور حول صراع يلعب فيه بورقة الدين بشكل واسع، حتى من قبل الإسرائيليين، أو على الأقل من قبل اليمين الإسرائيلي المسيطر على الحكومة”.

ما علاقة 7 أكتوبر بحرب إسرائيل على إيران؟برلماني: الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران لم تكن متكافئة من حيث موازين القوىلميس الحديدي: إسرائيل لم تستطع رغم قوتها الجامحة تحقيق كامل النصر ولا توفير الحماية لشعبهاولي العهد السعودي يرحب باتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران

وتناول ابراهيم عيسى إشكالية الحصول على المعلومة الحقيقية خلال فترة الحرب التي استمرت 12 يومًا، في ظل تضارب الروايات، قائلاً: “الوقائع الخاصة بالحرب، خاصة خلال 12 يومًا من القتال، كانت محاطة بتضارب كبير في المعلومات، وسط انحيازات واضحة في وسائل الإعلام، وتغطية متأثرة بالعاطفة على وسائل التواصل الاجتماعي”.

وتابع ابراهيم عيسى قائلا : "كيف يمكن للمتابع أن يرصد الحقيقة أو يكوّن رأيا موضوعيا في ظل هذا التدافع المتناقض من المعلومات والآراء؟"

طباعة شارك ابراهيم عيسى ايران اسرائيل

مقالات مشابهة

  • ترامب يبلغ نتنياهو: الولايات المتحدة انتهت من استخدام القوة العسكرية ضد إيران
  • مدبولي: وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل منع انجراف المنطقة نحو حرب عالمية
  • تحذيرات من انفجار وشيك .. خبراء: وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل ليس نية للسلام
  • إبراهيم عيسى: الصراع الحالي لا ينفصل عن الاستخدام السياسي للدين لإيران وإسرائيل
  • وقف الحرب بين إيران وإسرائيل وترحيب دولي بالتهدئة.. تفاصيل
  • المؤتمر: اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل خطوة نحو تهدئة إقليمية شاملة
  • هل انتهت حرب الـ 12 يومًا بين إيران وإسرائيل؟
  • باحث سياسي: وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل جاء بناء على وساطات إقليمية ودولية
  • إطلاق صواريخ من إيران بعد الهدنة.. وإسرائيل تتعهد بالرد