واشنطن تردّ على خامنئي: يتهرّب من الاعتراف بالخسائر بعد استهداف منشآت إيران النووية
تاريخ النشر: 27th, June 2025 GMT
اتهمت الإدارة الأمريكية المرشد الإيراني علي خامنئي بمحاولة “حفظ ماء وجهه” بعد التقليل من شأن تأثير الضربات الأمريكية التي استهدفت منشآت نووية داخل إيران خلال التصعيد العسكري الأخير بين طهران وتل أبيب.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولاين ليفيت، خلال مؤتمر صحفي اليوم الجمعة، إن “فيديو آية الله خامنئي يؤكد أن الأنظمة الشمولية تحتاج للحفاظ على ماء الوجه”.
وأضافت: “شاهدنا كلمته بعد الضربات، وهي محاولة واضحة للتقليل من حجم الخسائر التي تكبدها النظام الإيراني”.
جاءت تصريحات ليفيت بعد أول ظهور علني لخامنئي منذ بدء الغارات الأمريكية والإسرائيلية على الأراضي الإيرانية، والتي أسفرت عن مقتل شخصيات بارزة في الحرس الثوري والقيادة العسكرية.
وكان المرشد الإيراني قد صرح، أمس الخميس، بأن الضربات الأمريكية لم تحقق أي إنجاز، مشدداً على أن إيران “وجهت صفعة على وجه أمريكا”، وأن منشآتها النووية، بما في ذلك منشأة نطنز، لم تتعطل، بل واصلت عملها.
واتهم خامنئي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ”السعي للاستعراض”، قائلاً إن “واشنطن ضخّمت من أهمية ضرباتها على منشآتنا النووية”، مضيفاً أن “إيران أثبتت قدرتها على استهداف القواعد الأمريكية في المنطقة”، محذراً من أن أي هجوم جديد سيقابل بتكرار استهداف القواعد الأمريكية.
وكان ترامب قد أعلن، الثلاثاء الماضي، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، بعد 12 يوماً من التصعيد العسكري، شنت خلاله إسرائيل عملية عسكرية مفاجئة حملت اسم “الأسد الصاعد”، استهدفت منشآت حيوية داخل إيران، أبرزها منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم.
وأدت تلك الضربات إلى مقتل عدد من كبار القادة الإيرانيين، من بينهم قائد الحرس الثوري حسين سلامي، ورئيس أركان الجيش محمد باقري، وقائد القوات الجوية والفضائية في الحرس الثوري أمير علي حاجي زاده.
وردت طهران بعملية عسكرية مضادة تحت مسمى “الوعد الصادق 3″، استهدفت خلالها عشرات المواقع والقواعد العسكرية في إسرائيل، مؤكدة أن الهجمات ستتواصل ما دامت الضرورة قائمة.
وتبرر إسرائيل هجماتها الأخيرة بقولها إن إيران بلغت “نقطة اللاعودة” في تخصيب اليورانيوم، وتقترب من امتلاك سلاح نووي، وهو ما تنفيه طهران، مؤكدة أن برنامجها النووي مخصص لأغراض سلمية فقط.
إيران: أضرار “كبيرة” في المنشآت النووية وتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية عقب الحرب مع إسرائيل
أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أن المنشآت النووية الإيرانية تعرضت لأضرار “كبيرة” نتيجة الضربات الإسرائيلية خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً، موضحاً أن التقييم التفصيلي لتلك الأضرار لا يزال جارياً.
وأضاف عراقجي، في تصريح للتلفزيون الرسمي، أن تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أصبح “ملزماً” بعد مصادقة البرلمان الإيراني عليه وموافقة مجلس صيانة الدستور، مؤكداً: “مشروع القانون مُلزم لنا، ولا شك في تنفيذه… من الآن فصاعداً، ستتخذ علاقتنا مع الوكالة شكلاً جديداً”.
وفي موقف حازم بشأن مستقبل المحادثات النووية، نفى عراقجي وجود أي خطط لاستئناف الحوار مع الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب مع إسرائيل، قائلاً: “لا يوجد أي اتفاق أو ترتيب أو حتى نقاش لبدء مفاوضات جديدة. لم يتم وضع أي خطة بهذا الشأن”. كما اتهم واشنطن بـ”المبالغة” في تقدير آثار الضربات الجوية على المنشآت النووية الإيرانية.
الجيش الأمريكي: أكبر اشتباك بصواريخ “باتريوت” في التاريخ خلال صد الهجوم الإيراني على قاعدة “العديد”
كشف رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية، الجنرال دان كين، عن تفاصيل غير مسبوقة بشأن عملية اعتراض الصواريخ الإيرانية التي استهدفت قاعدة “العديد” الجوية في قطر، واصفًا إياها بأنها “أكبر اشتباك منفرد باستخدام صواريخ باتريوت في التاريخ العسكري الأمريكي”.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الدفاع بيت هيغسيث، أوضح كين أن القوات الأمريكية تلقت تحذيرات استخباراتية صباح الاثنين بشأن نية طهران استهداف قواعد أمريكية في المنطقة، ما دفع القيادة المركزية، بقيادة الجنرال إريك كوريلا، إلى تنفيذ عملية إجلاء وقائية لمعظم أفراد القاعدة، باستثناء عدد محدود من الجنود.
وسرد كين تفاصيل اللحظات الحرجة قائلاً: “كان أمامنا نحو دقيقتين فقط لاتخاذ القرار. وعند الساعة 7:30 مساءً بتوقيت قطر، مع غروب الشمس، بدأ الهجوم الإيراني”. وأشار إلى أن أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية والقطرية اشتبكت مع الصواريخ في عملية اعتراضية معقدة، رافضًا الكشف عن عدد الطلقات لأسباب أمنية، لكنه أكد أن حجم الاشتباك كان “كبيرًا للغاية”.
وأضاف: “كانت هناك كميات هائلة من المعدن المتطاير – صواريخ مهاجمة، معززات، صواريخ باتريوت، وحطام ناتج عن التصادمات”، مشيرًا إلى أن المدافعين الجويين اتخذوا قرارات مصيرية خلال ثوانٍ معدودة تحت ضغط هائل.
وأشاد الجنرال بالتنسيق مع القوات القطرية، واصفًا الجنود الذين تصدوا للهجوم بأنهم “أبطال مجهولون” ساهموا في حماية القاعدة ومنع وقوع خسائر بشرية كبيرة.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: أمريكا إسرائيل إيران إيران وأمريكا إيران وإسرائيل البيت الأبيض خامنئي يرد على ترامب دونالد ترامب
إقرأ أيضاً:
استراتيجية الأمن القومي 2025 الأمريكية تعيد تشكيل نظرة واشنطن للعالم
تُعدّ استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2025 إحدى أكثر الوثائق تأثيرا في رسم ملامح السياسة الدولية خلال العقد المقبل، إذ لا تكتفي بتحديد التهديدات التقليدية، بل تقدّم رؤية أعمق تعكس تحوّلا أيديولوجيا في الطريقة التي ترى بها الولايات المتحدة موقعها في العالم. فوفق تحليلات مؤسسات بحثية بارزة مثل معهد بروكينغز ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن الوثيقة تمثل انتقالا من "إدارة النظام الدولي" إلى "التنافس على تشكيله"، في لحظة عالمية يغلب عليها الاضطراب وتراجع اليقين. هذا الانتقال من "الإدارة" إلى "التشكيل" هو جوهر التحول الاستراتيجي؛ إنه اعتراف بأن العصر أحادي القطب قد انتهى، وأن واشنطن تسعى لفرض نموذجها وقيمها في مواجهة نماذج بديلة.
الصين من "منافس استراتيجي" إلى "خصم حضاري شامل"
تضع الاستراتيجية الجديدة الصين في صدارة التهديدات، مستخدمة مصطلحا لافتا هو "الخصم الحضاري الشامل" هذا التوصيف يعكس قناعة أمريكية بأن بكين لا تسعى فقط إلى التفوق الاقتصادي والعسكري، بل تهدف إلى إعادة صياغة النظام العالمي وفق نموذج حكمها المركزي ونسختها الخاصة من الحداثة.
وبحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن هذه هي المرة الأولى التي تنظر فيها واشنطن إلى الصين باعتبارها قوة نظامية تريد تشكيل قواعد اللعبة الدولية بدلا من التكيّف معها. ولذلك تنتقل المنافسة بين الطرفين إلى مجالات استراتيجية تشمل التكنولوجيا المتقدمة، وسلاسل التوريد، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وتأثير المؤسسات الدولية. استخدام مصطلح "الحضاري" يعمق الانقسام الأيديولوجي، مما يرفع المنافسة لتكون صراعا وجوديا بين نموذجين متنافسين يمتد ليشمل المؤسسات الثقافية والتعليمية.
تضع الاستراتيجية الجديدة الصين في صدارة التهديدات، مستخدمة مصطلحا لافتا هو "الخصم الحضاري الشامل" هذا التوصيف يعكس قناعة أمريكية بأن بكين لا تسعى فقط إلى التفوق الاقتصادي والعسكري، بل تهدف إلى إعادة صياغة النظام العالمي وفق نموذج حكمها المركزي ونسختها الخاصة من الحداثة. روسيا تهديد يمكن احتواؤه لا منافسته
على الرغم من استمرار الحرب في أوكرانيا، تتعامل الاستراتيجية الأمريكية مع روسيا بوصفها تهديدا "حادّا ومباشرا" لأمن أوروبا، لكنها ليست منافسا شموليا للنظام الدولي كما هي الصين. وتتبنى واشنطن مقاربة "إدارة الصراع" مع موسكو، في محاولة للحفاظ على تركيزها الاستراتيجي على آسيا.
ويرى خبراء في "تشاتام هاوس" أن هذا التحوّل قد تكون له انعكاسات مباشرة على الأمن الأوروبي، حيث يُخشى أن يؤدي إلى تقليص انخراط الولايات المتحدة تدريجيا في القارة، ما يدفع الأوروبيين إلى تطوير مفهوم "الاستقلال الاستراتيجي" بشكل أسرع، مهما كانت العقبات السياسية والاقتصادية. هذا التمييز يكرس "الانتقائية الاستراتيجية" الأمريكية، حيث تُعتبر روسيا تحديا تكتيكيا ومؤقتا يجب "إدارته" لتجنب تشتيت الانتباه عن محور التنافس الحاسم في آسيا.
أوروبا الحليف المتوتر والعاجز عن حماية هويته
لا تخفي الاستراتيجية لهجتها النقدية تجاه أوروبا، التي تتهمها بأنها تعاني "تآكلا حضاريا" نتيجة التحولات الديموغرافية والضغوط الاجتماعية الناتجة عن الهجرة والثقافات المتعددة. وترى الوثيقة أن هذه العوامل أضعفت قدرة أوروبا على حماية نموذجها الليبرالي.
وقد أثار هذا القسم جدلا واسعا، حيث اعتبر "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" أن واشنطن أصبحت تنظر إلى أوروبا بوصفها الحلقة الأضعف في النظام الغربي. وتبدو هذه الرؤية إشارة مباشرة إلى الأوروبيين بأنهم مطالبون بتقليل اعتمادهم الأمني على الولايات المتحدة، خاصة في ظل التحولات المتسارعة في موازين القوى العالمية. هذا القسم يؤكد أن الولايات المتحدة تستعد لـ "تقاسم العبء" بشكل أكثر صرامة، ويربط الأمن بالهوية، مما يظهر قلقا أميركيا عميقا يتجاوز القدرات العسكرية وصولا إلى تماسك النموذج الغربي نفسه.
تحالفات جديدة قائمة على الهوية والقيم
تتبنى الاستراتيجية الجديدة مبدأ "التحالفات المعيارية"، حيث تمنح الولايات المتحدة الأولوية للتعاون مع الدول التي تشترك معها في الهوية الحضارية والقيم السياسية، أكثر من تلك التي تتقاطع معها في المصالح وحدها. ويرى مركز "بروكينغز" أن هذا التحوّل قد يعمّق الانقسام الدولي، لأنه يعيد اصطفاف الدول وفق اعتبارات أيديولوجية وثقافية، بدلا من المنطق البراغماتي الذي حكم العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب الباردة. هذا التحول يمثل عودة إلى الاصطفافات الأيديولوجية والثقافية، مما قد يعمّق الانقسام بين المعسكرات الدولية، على حساب العلاقات القائمة على المصالح المادية وحدها.
عالم متعدد الأقطاب.. ومع ذلك مضطرب
توضح الاستراتيجية أن العالم يتجه نحو تعددية قطبية مضطربة، حيث تزداد القوى المؤثرة وتتناقص القدرة الأمريكية على ضبط الإيقاع العالمي. وتبرز آسيا كالمسرح الرئيس للتنافس، مدفوعة بصعود الصين والهند وتوسع تأثيرهما في الاقتصاد والتكنولوجيا.
لا تخفي الاستراتيجية لهجتها النقدية تجاه أوروبا، التي تتهمها بأنها تعاني "تآكلا حضاريا" نتيجة التحولات الديموغرافية والضغوط الاجتماعية الناتجة عن الهجرة والثقافات المتعددة. وترى الوثيقة أن هذه العوامل أضعفت قدرة أوروبا على حماية نموذجها الليبرالي. وتؤكد الوثيقة أن التكنولوجيا ـ وخاصة الذكاء الاصطناعي، والبنى التحتية الرقمية، والأنظمة ذاتية التشغيل، وحروب الفضاء والفضاء السيبراني ـ ستكون الميدان الرئيس للصراع القادم. وفي هذه البيئة، تدخل أوروبا مرحلة من الشكوك العميقة حول مستقبل الضمانات الأمريكية، بينما تتزايد الدعوات لإنشاء منظومة دفاعية أوروبية أكثر استقلالا.
ويرى "تشاتام هاوس" أن العقد المقبل سيشهد تحالفات مرنة وصراعات طويلة وتنافسا أعمق بين النماذج الحضارية، في عالم تتداخل فيه القوة العسكرية مع التكنولوجيا والقيم في آن واحد. النقطة الجوهرية هنا هي أن "من يملك التكنولوجيا، يملك مفاتيح المستقبل". هذا يرفع من قيمة "التنافس التكنولوجي" ليصبح مساويا في الأهمية للتنافس العسكري والجيوسياسي.
بداية عصر جديد من التنافس الشامل.. واستشراف لمستقبل مضطرب
تكشف استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2025 أن الولايات المتحدة ترى نفسها في قلب صراع طويل على هوية النظام الدولي. فالصين خصم حضاري شامل، وروسيا تهديد يمكن ضبطه، وأوروبا حليف يحتاج إلى إعادة تأهيل، بينما تتحول التكنولوجيا إلى الركيزة المركزية للقوة في القرن الحادي والعشرين.
وتشير هذه الرؤية إلى أن الولايات المتحدة تتجه إلى تركيز جهودها على آسيا، باعتبارها محور التنافس الحاسم. وهذا سيقود على الأرجح إلى تراجع نسبي للدور الأميركي في أوروبا والشرق الأوسط، ما قد يخلق فراغات استراتيجية لن تستطيع القوى المتوسطة ملأها بسهولة.
أما على المدى البعيد، فإن العالم يبدو أنه متجه نحو نظام متعدد الأقطاب لكنه عالي التوتر، حيث تتداخل المنافسة في ثلاثة مجالات رئيسية: التكنولوجيا الفائقة، والموارد الاستراتيجية، والتحالفات القائمة على الهوية الثقافية والقيم.
وإذا لم تُطوَّر آليات دولية لإدارة هذا التنافس، فإن العالم قد يدخل مرحلة "اللاسلم واللاحرب المستدامة" التي يتوقعها العديد من الباحثين في الأمن الدولي مرحلة لا تشهد حروبا كبرى، لكنها لا تعرف سلاما مستقرا كذلك.
إن هذه الاستراتيجية، في جوهرها، ليست وثيقة أمنية فحسب، بل خريطة للعالم القادم: عالم تتقاطع فيه الجغرافيا مع التكنولوجيا، ويتنافس فيه المنطق الحضاري مع المصالح الاقتصادية، وتعود فيه القوة إلى معناها الأكثر تعقيدا: من يملك التكنولوجيا، يملك مفاتيح المستقبل.
السيناريو المستقبلي المتوقع هو نظام عالمي غير مستقر، حيث تكون المنافسة المستمرة هي القاعدة الجديدة، بدلا من السلام المستدام.