مآلات التفاوض الأميركي الإيراني.. اليد ممدودة و”الأصبع على الزناد”؟
تاريخ النشر: 30th, June 2025 GMT
30 يونيو، 2025
بغداد/المسلة:
محمد صالح صدقيان
في الرابع والعشرين من حزيران/يونيو 2025، وضع اتفاق وقف اطلاق النار حداً لحرب دشّنتها إسرائيل ضد إيران في 13 يونيو/حزيران وانضمت إليها الولايات المتحدة فجر الثاني والعشرين منه باستهداف منشآت فوردو ونتانز وأصفهان.
الآن، تتجه الأنظار إلى طهران لمعرفة وجهة تعاملها مع الدعوة الموجهة إليها من الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاستئناف المفاوضات في الأيام المقبلة.
“عندما يتحدث الرئيس ترامب، علی العالم أن يستمع إلى ما يقول”، علی حد تعبير وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث. هذه العبارة تختصر واقع الأمر عند إدارة جمهورية ترامبية تتعامل مع العالم بأسره بلغة “الآمر”.
حقيقة الأمر أن الإيرانيين يُصغون إلى ترامب وإلى غيره أياً كان اسمه، لكن ثقافتهم العامة (وتاريخهم) لا تسمح لهم بأن يأتمروا بأمر من الخارج حتی وإن كان صادراً من البيت الأبيض! هكذا يستهل الحديث مسؤول إيراني ويضيف: بين واشنطن وطهران تاريخ من الانقلابات والتدخلات ومحاولات السيطرة منذ أكثر من 70 عاماً وتحديداً منذ أن تدخلت وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) ونفذت انقلاباً ضد الزعيم الوطني الإيراني محمد مُصدق لمصلحة عودة شاه إيران عام 1953 بعدما كان قد فرّ إثر تأمين النفط وانتخاب مصدق لرئاسة الوزراء بدعم من آية الله أبو القاسم كاشاني. منذ ذلك التاريخ تحتفظ الذاكرة الإيرانية بسجل كبير من التعامل الأميركي السلبي مع الشعب الإيراني، وهذا ما جعل مؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني يدعو للانتفاض علی حكم شاه إيران محمد رضا بهلوي في الخامس من حزيران/يونيو 1965 بسبب الامتيازات التي أعطاها الشاه للتواجد الأميركي في إيران، وبعد ذلك في العام 1979 عندما قاد الثورة الإسلامية التي أدت الی سقوط النظام الشاهنشاهي البهلوي. وليس غريباً أن يهاجم “الطلبة السائرون علی نهج الإمام الخميني” مقر السفارة الأميركية في طهران في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر 1979 ويُقدموا على احتجاز 52 من الموظفين الأميركيين فيها لمدة 444 يوماً، وهي الحادثة التي كانت من بين الأسباب التي أدت إلی نشوب الحرب العراقية الإيرانية في العام 1980.
هذه الإضاءة على تاريخ إيران المعاصر لا تُعطي المجال للإيرانيين للتعامل بطريقة عادية مع استهزاء الرئيس الأميركي بقيادتهم السياسية والدينية، وفي الوقت ذاته، يُبادر إلى دعوتهم لاستئناف المفاوضات.. ويُردّد على مسامعهم “إذا لم ترضخوا فإن الولايات المتحدة ستهاجمكم مجدداً”. يُفضي ذلك إلى ترسخ قناعة إيرانية عامة، لدى الإصلاحيين كما المتشددين وعامة الناس، أنه لا يُمكن الوثوق بالولايات المتحدة بسهولة “فإذا كان ترامب يملك رغبة صادقة في التوصل إلى اتفاق مع إيران، عليه أن يُغيّر سلوكه الشعبوي تارة، والتهجمي تارة أخری.. وأن يعد للعشرة عندما يُخاطب الإيرانيين، ليس لأن إيران تملك إرادة وقدرة المواجهة فقط، بل لأن تاريخنا وحضارتنا وحاضرنا ومستقبلنا يجعلون من الصعب علينا القبول بالحوار مع من يُهدّدنا بوضع المسدس في رأسنا.. ولن ننسى أن الولايات المتحدة هي من أعطى الضوء الأخضر لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لشن عدوانه ضد بلدنا وشعبنا وصولاً إلى مهاجمة الأميركيين منشآتنا النووية السلمية”.. عليه؛ أبلغت الدوائر المعنية في طهران من راجعوها في مسألة استئناف المفاوضات أنها “تدرس خياراتها قبل أن تُحدّد موقفها”، على حد تعبير وزير خارجيتها عباس عراقجي، وبالتأكيد هذه الخيارات مهما كان نوعها وطعمها ولونها فهي لا تسير علی سجادة حمراء بالنظر إلى التعقيدات التي استجدت بسبب الحرب الإسرائيلية الأميركية علی إيران.
فعلياً؛ أمام الحكومة الإيرانية أربعة خيارات ربطا بالدعوة الأميركية لاستئناف المفاوضات وهي الآتية:
الأول؛ دخول إيران في المفاوضات من دون شروط والقبول بالشروط الأميركية كاملة: صفر تخصيب؛ صفر قدرة صاروخية باليستية؛ ممنوع معاداة الكيان الإسرائيلي؛ الانضواء في النظام الأمني الإقليمي الذي ترسم أبعاده الولايات المتحدة بالتعاون الكامل مع إسرائيل. باختصار هذا خيار خضوع كامل غير موجود في القاموس الإيراني أبداً.
الثاني؛ رفض المشاركة في المفاوضات، وهو خيار يلقى استحساناً لدى أوساط متشددة في الجمهورية الإسلامية كانت عارضت أصلاً فكرة المفاوضات مع الولايات المتحدة، اعتقاداًً منها بأن هناك من ينصب “فخاً” لإيران لمهاجمتها وتغيير النظام السياسي فيها، وهذه الأوساط تعتقد أن الظروف الأن ساءت أكثر بعد الهجوم الأميركي علی المنشآت النووية الإيرانية.. وأن لعاب أميركا وإسرائيل يسيل لأجل عدم تفويت فرصة تغيير النظام اعتقاداً منهما أن إيران الآن أضعف من ذي قبل؛ بناء عليه، يجب عدم الانخراط في هذه اللعبة التي لا تخدم إيران بل الأعداء.
الثالث؛ أن تشارك إيران في المفاوضات ويدها علی الزناد، بمعنی أن تدخل المفاوضات بندية، وتری ما في الحقيبة الأميركية وتَسمَع وتُسمِع ولكل حادث حديث دون أن تتخلی عن الاستعداد للخيار العسكري إذا فشلت المفاوضات.
الرابع؛ أن تستعيض عن المفاوضات مع الولايات المتحدة بتطوير المباحثات مع الترويكا الأوروبية والتي بدأتها منذ فترة خصوصاً أن هذه الترويكا لم تنسحب من الاتفاق النووي، لكن المشكلة في هذا الخيار أن الولايات المتحدة التي فرضت العقوبات علی إيران تريد مفاوضات ثنائية إيرانية أميركية بل أكثر من ذلك، يريد الرئيس الأميركي تسمية الاتفاق “اتفاق ترامب” علی غرار “قانون نيوتن”!.
في المحصلة، يُمكن القول إن المزاج الإيراني أكثر ميلاً للخيار الثالث، وهذا يُعطي إيران قدرة علی المناورة سعياً إلى ابرام اتفاق لأن تفعيل آلية “سناب باك” الواردة في الاتفاق النووي الموقع عام 2015 من قبل الأوروبيين سيُعقد الملف بشكل كبير جداً ويضع حداً أمام تنفيذ جميع هذه الاحتمالات بما فيها التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي.. عندها ستكون المعادلة كالآتي: “البحر من ورائكم والعدو من أمامكم”، وهذا الأمر لا يخدم الأطراف المعنية بالملف الإيراني التي يجب أن تتحلی بالحكمة والرصانة والسلوك المسؤول منعاً لأي تصعيد يُهدّد الأمن والاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
الولايات المتحدة تُعيد إحياء قاعدة سعودية على البحر الأحمر استعداداً لمواجهة محتملة مع إيران
يمانيون |
كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن تصاعد النشاط العسكري الأمريكي في قاعدة سعودية مهجورة سابقاً قرب البحر الأحمر، في إطار استعدادات واشنطن لمواجهة محتملة مع إيران، وسط توتر إقليمي متزايد وارتفاع وتيرة التهديدات ضد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط.
وبحسب التقرير، فإن القاعدة التي تُعرف باسم “منطقة الدعم اللوجستي جينكينز”، وتقع على بُعد نحو 20 ميلاً من السواحل الغربية للسعودية، كانت شبه مهجورة منذ إنشائها، قبل أن تتحول خلال العام الماضي إلى مركز عسكري نشط ومتكامل، يشهد توسعاً سريعاً في منشآته وخدماته.
تشير صور الأقمار الصناعية وتحليلات خبراء عسكريين نقلتها الصحيفة، إلى أن القاعدة شهدت أعمال تطوير واسعة، شملت بناء مستودعات ضخمة للذخيرة، وتوسيع مرافق إيواء القوات، وتحسين مستوى التحصين والحماية، إلى جانب إنشاء منشآت جديدة لتخزين المعدات والوقود، ما يعكس تصعيداً نوعياً في البنية العسكرية الأمريكية خارج نطاق الخليج.
ورجّحت الصحيفة أن هذه التوسعات تأتي في سياق إستراتيجية أمريكية لإبعاد قواعدها عن مدى الصواريخ الإيرانية قصيرة المدى، والتي تُغطي معظم قواعدها المنتشرة في الخليج والعراق وسوريا. في المقابل، فإن القواعد الجديدة تقع في مواقع أكثر بعداً، ما يصعّب استهدافها إلا عبر صواريخ متوسطة المدى أقل دقة وتأثيراً.
رغم هذه الحسابات الجغرافية، أشارت نيويورك تايمز إلى أن القاعدة الأمريكية الجديدة ليست بمنأى عن التهديد، خصوصاً في ظل قدرات صنعاء الصاروخية المتقدمة، وعملياتها السابقة ضد السفن الأمريكية في البحر الأحمر، والتي وضعت جميع التحركات العسكرية الأمريكية في هذه المنطقة تحت المجهر.
وأوضحت الصحيفة أن صور الأقمار الصناعية منذ عام 2022 أظهرت القاعدة كموقع بدائي لا يضم سوى بعض المخابئ الترابية ومناطق مرصوفة، بينما أظهرت صور 2024 تحوّلها إلى منشأة متكاملة تضم عشرات المباني والمركبات والمستودعات، بما في ذلك حاويات يُرجح أنها مخصصة للصواريخ أو الذخائر البحرية.
كما بيّنت الصحيفة أن الحكومة الأمريكية أنفقت أكثر من 3 ملايين دولار على تجهيز القاعدة منذ بداية العام الجاري، لشراء معدات وخيام ومركبات، وإنشاء منشآت داعمة لتحسين ظروف الإقامة والجاهزية العسكرية، مشيرة إلى أن “قيادة الدعم الاستكشافي 364” تتولى حالياً تشغيل وإدارة القاعدة.
وتُستخدم القاعدة أيضاً – بحسب التقرير – لتنفيذ تدريبات تحاكي عمليات نقل الإمدادات العسكرية عبر البحر الأحمر، بما يعكس استعدادات ميدانية لسيناريوهات مواجهة واسعة، ليس فقط مع إيران بل أيضاً مع الحلفاء الإقليميين لطهران، مثل صنعاء التي أثبتت فاعلية عملياتها ضد الوجود الأمريكي في البحر الأحمر.
الصحيفة كشفت كذلك عن وجود تحركات أمريكية موازية لإنشاء موقعين لوجستيين أصغر حجماً في مطاري الطائف وجدة، يُستخدمان لتخزين الذخيرة والوقود، إلى جانب دعم الدفاعات الجوية.
وأورد التقرير معلومات عن خطط أمريكية لتوسيع قاعدة جينكينز بشكل كبير، تشمل تطوير البنية التحتية للمطار المجاور، وبناء مرافق صيانة للمركبات، ومناطق ترفيه ومعنويات للقوات، فضلاً عن أعمال تطوير لقواعد أمريكية أخرى داخل الأراضي السعودية وفي مناطق متعددة من الشرق الأوسط.
وفي تعليقه على هذه التحركات، نقلت نيويورك تايمز عن الجنرال الأمريكي المتقاعد فرانك ماكنزي، القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية، أن إنشاء مثل هذه القواعد يمنح الولايات المتحدة ميزة عملياتية في أي صراع مع إيران، من خلال تسهيل التحرك العسكري وتقليص فرص الاستهداف المباشر.
وتأتي هذه التحركات العسكرية في ظل ارتفاع منسوب التوتر في المنطقة، خصوصاً بعد الاستهداف المتكرر للقواعد الأمريكية في الخليج، وتصاعد احتمالات المواجهة المباشرة مع إيران أو حلفائها، ما يُنذر بتوسيع نطاق الحرب وتحويل المنطقة إلى ساحة صراع مستدام تتكبد كلفته شعوب المنطقة أولاً وأخيراً.