نيويورك تايمز: أمريكا توسع نشاطها بقاعدة سعودية مهجورة في البحر الاحمر
تاريخ النشر: 28th, June 2025 GMT
وبحسب الصحيفة، فإن القاعدة التي تقع على بعد نحو 20 ميلًا من سواحل السعودية الغربية، والمعروفة باسم منطقة الدعم اللوجستي جينكينز، ظلت مهجورة في الغالب منذ إنشائها، لكنها تحولت خلال العام الماضي إلى مركز إمداد رئيسي في ظل تنامي التوترات العسكرية مع إيران، وخصوصًا بعد الضربات الأميركية الأخيرة ضد المنشآت النووية الإيرانية، والرد الصاروخي الإيراني على القواعد الأميركية في الخليج.
وتشير تحليلات الصحيفة المعتمدة على صور أقمار صناعية ومصادر عسكرية أميركية إلى أن القاعدة شهدت توسعًا متسارعًا في منشآتها، شمل بناء مستودعات للذخيرة، وتوسيع مرافق إيواء القوات، وتعزيز التحصينات الأمنية، إلى جانب إنشاء منشآت جديدة لتخزين المعدات والوقود.
وتؤكد الصحيفة أن هذه التوسعات تأتي في سياق سعي الولايات المتحدة لإبعاد بنيتها العسكرية عن مرمى الصواريخ الإيرانية قصيرة المدى، التي تغطي معظم القواعد الأميركية المنتشرة في الخليج وسوريا والعراق.
وأوضحت الصحيفة أن مسؤولين أميركيين سعوا منذ سنوات لإنشاء قواعد لوجستية على البحر الأحمر، باعتبارها أكثر أمنًا مقارنة بالقواعد المنتشرة شرق الخليج، حيث يسهل على إيران ووكلائها استهدافها بالصواريخ والطائرات المسيّرة، بينما يتطلب استهداف القواعد الجديدة استخدام صواريخ متوسطة المدى أقل دقة وأضعف من حيث القدرة التدميرية.
لكن رغم هذا البُعد الجغرافي عن إيران، تقول نيويورك تايمز إن القاعدة لا تزال في مرمى تهديدات "الحوثيين" في اليمن، الذين سبق لهم تنفيذ هجمات على سفن أميركية في البحر الأحمر.
وكشفت الصحيفة أن صور الأقمار الصناعية منذ بداية 2022 أظهرت القاعدة كموقع بدائي يحتوي على مخابئ ترابية ومنطقتين مرصوفتين دون وجود ملحوظ للأفراد، لكن منذ مطلع 2024، أظهرت الصور تحوّل القاعدة إلى معسكر متكامل، يضم عشرات المباني والخيام والمركبات، بالإضافة إلى مخازن ذخيرة كبيرة، بعضها يحتوي على حاويات يُعتقد أنها مخصصة للصواريخ البحرية.
وبحسب التعاقدات الحكومية الأميركية التي حصلت عليها الصحيفة، ارتفع حجم الإنفاق على تجهيزات القاعدة لأكثر من 3 ملايين دولار منذ أوائل العام الجاري، تشمل شراء معدات، مركبات، وخيام، بالإضافة إلى إنشاء منشآت جديدة لتأمين ظروف معيشية ملائمة للقوات.
وأشارت الصحيفة إلى أن وحدات من الجيش الأميركي، بينها قيادة الدعم الاستكشافي 364، تشارك حاليًا في تشغيل وإدارة القاعدة، التي استخدمتها القوات الأميركية مؤخرًا لتنفيذ تدريبات تحاكي عمليات نقل الإمدادات العسكرية عبر البحر الأحمر لدعم القوات المنتشرة في المنطقة، في مؤشر واضح على التحضيرات الأميركية لاحتمال اندلاع مواجهة مفتوحة مع إيران أو حلفائها.
كما كشفت نيويورك تايمز أن الجيش الأميركي يعمل أيضًا على بناء موقعين لوجستيين آخرين في مطاري الطائف وجدة السعوديين، لكنهما أصغر وأقل نشاطًا من قاعدة جينكينز، ويُستخدمان بشكل أساسي كمخازن للذخيرة والوقود ومواقع دفاع جوي.
وتظهر وثائق رسمية أميركية اطلعت عليها الصحيفة، أن هناك خططًا واسعة لتوسيع المنشآت في قاعدة جينكينز، تشمل إنشاء مناطق صيانة للمركبات، مناطق ترفيه ومعنويات للقوات، توسيع مخازن الذخيرة، تطوير البنية التحتية للمطار القريب، بالإضافة إلى أعمال بناء في قواعد أخرى داخل السعودية وبقية أنحاء الشرق الأوسط.
ونقلت الصحيفة عن الجنرال الأميركي المتقاعد فرانك ماكنزي، القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية، قوله إن إنشاء مثل هذه القواعد يمنح واشنطن أفضلية عسكرية في أي صراع محتمل مع إيران، مشيرًا إلى أنها تُسهّل عمليات الجيش الأميركي وتُصعّب المهمة على خصومه، على حد وصفه.
وتأتي هذه التحركات العسكرية الأميركية في ظل تصاعد التوتر الإقليمي، خاصة بعد استهداف القواعد الأميركية في الخليج، وتزايد احتمالات انزلاق المنطقة إلى مواجهة أوسع بين واشنطن وطهران، وهو ما يرى مراقبون أنه سينعكس سلبًا على استقرار المنطقة، ويُهدد بتوسيع دائرة الحرب التي يدفع ثمنها شعوب المنطقة.
نقلا عن عرب جورنال
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
إقرأ أيضاً:
إحاطة البنتاغون تكشف ورطة أمريكا في البحر الأحمر.. اليمن يفرض معركة استنزاف تعصف بجاهزية الأسطول الأمريكي
يمانيون | تحليل
في تطور بالغ الدلالة على حجم المأزق العسكري الذي تواجهه واشنطن في البحر الأحمر، كشفت إحاطة صحفية نادرة لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن تفاصيل صادمة، قدّمت للمرة الأولى اعترافاً صريحاً بحجم الاستنزاف الذي تتكبّده القوات الأمريكية في مواجهتها المفتوحة مع العمليات اليمنية المستمرة، والتي وصفتها الإحاطة بأنها “تستنزف الذخائر والأصول الاستراتيجية، وتُربك أولويات واشنطن العسكرية على امتداد الجغرافيا العالمية”.
الذخائر الأمريكية… نزيف يومي بلا أفق
أبرز ما ورد في الإحاطة هو الاعتراف بأن العمليات الأمريكية في البحر الأحمر تُصنَّف كـ”عمليات طارئة خارج جدول التخطيط العسكري”، مما يفرض على البنتاغون تخصيص تمويلات إضافية غير مدرجة في الميزانية العامة، لتغطية كلفة ضخمة تتمثل في استخدام صواريخ الاعتراض والذخائر الباهظة بشكل شبه يومي، في مواجهة الهجمات اليمنية المنهجية.
هذه الاعترافات تُعدّ أول إقرار رسمي بأن اليمن – كقوة غير نظامية – ينجح في فرض استنزاف مستمر ضد أقوى منظومة عسكرية في العالم، وهو ما يمثل سابقة خطيرة في تاريخ حروب ما بعد الحرب الباردة..
فبدلاً من حسم المعركة سريعاً كما راهنت واشنطن، تحوّل البحر الأحمر إلى ساحة نزيف متواصل يبتلع الذخائر الدقيقة والموارد المالية الثقيلة، دون أن يلوح في الأفق أي انتصار ملموس.
الأسطول الأمريكي تحت الضغط.. إرهاق للقطع وتآكل للجاهزية
ولم تقتصر الإحاطة على جانب الذخائر، بل أكدت أن الأسطول الأمريكي البحري بات يعاني من ضغط عملياتي غير مسبوق، بفعل انتشار طويل ومستمر في البحر الأحمر وخليج عدن، هو الأطول منذ الحرب العالمية الثانية.
توضح الإحاطة أن السفن الأمريكية، عند عودتها من مهامها، تحتاج إلى عمليات صيانة شاملة تمتد لعدة شهور، ما يؤثر بشكل مباشر على جاهزيتها القتالية، ويُضعف قدرتها على الانتقال إلى جبهات أخرى ذات أولوية استراتيجية، كالمحيط الهادئ الذي كان محور الاهتمام الأمريكي في السنوات الأخيرة.
هذه الحقيقة تشير بوضوح إلى أن العمليات اليمنية نجحت – دون امتلاك أساطيل أو حاملات طائرات – في إعادة توزيع العبء العسكري الأمريكي قسراً، عبر استنزاف القطع البحرية في البحر الأحمر، وتعطيل مرونتها التشغيلية على المستوى العالمي، وهو ما قد يؤثر لاحقاً على توازن الردع في ملفات بعيدة جغرافياً كالصين وكوريا الشمالية.
البحر الأحمر.. من جبهة ثانوية إلى مركزية في العقيدة العسكرية الأمريكية
من دلالات التحوّل الاستراتيجي العميق، أن الإحاطة وضعت البحر الأحمر الآن في تصنيف “مسرح عمليات رئيسي”، متقدماً على المحيط الهندي ومنطقة الهند-الهادئ التي كانت محور أولويات البنتاغون منذ أكثر من عقد.
بكلمات أخرى، نجحت صنعاء في قلب معادلات التموضع العسكري الأمريكي، لتجعل من البحر الأحمر – الذي لطالما كان ممرّاً تجارياً ثانوياً في الحسابات الاستراتيجية – ساحة صراع أولى، تفرض على الولايات المتحدة إعادة توزيع قواتها، وتكريس موارد ضخمة للحفاظ على وجود دائم، هو في جوهره دفاعي وتكتيكي، وليس هجومي أو حاسم.
وهذا التحول هو إنجاز استراتيجي كبير لليمن، التي استطاعت بقوة صورايخها وطائراتها المسيرة، أن تفرض تغييراً في العقيدة العسكرية للقوة الأولى في العالم، وتجعلها في موقع رد الفعل المستمر، بدل المبادرة.
نزيف بلا رؤية.. لا حسم ولا أهداف واضحة
ورغم فداحة الأكلاف، جاءت الإحاطة خالية من أي تصور عملي للحسم أو تحقيق اختراق عسكري يعيد واشنطن إلى موقع السيطرة.
فقد تجنّبت تصريحات البنتاغون الحديث عن “نصر”، أو حتى عن تقليص العمليات اليمنية، بل شددت فقط على “ضرورة تأمين الموارد ومواصلة إدارة الصراع”، وهو ما يعكس إقراراً ضمنياً بأن معركة البحر الأحمر تحولت إلى نزاع طويل الأمد بلا ملامح واضحة للحسم.
ويعتبر هذا أحد أخطر مظاهر الورطة التي تواجهها واشنطن: إذ تنزف اقتصادياً وعسكرياً في جبهة لا تملك فيها أهدافاً محددة قابلة للقياس أو التحقّق، ولا حتى حليفاً يُعوّل عليه على الأرض، في ظل عجز حلفائها الإقليميين عن مواجهة القوات اليمنية أو تأمين الملاحة بشكل مستقل.
التعتيم والتكلفة الحقيقية.. جبل جليد لا يُكشف
على الرغم من أن الإحاطة قدّمت رقماً تقديرياً لبعض الكلفة، إلا أن الميزانية العسكرية الأمريكية تخضع لما يُعرف بـ “السرية العملياتية”، وهو ما يعني أن الرقم الحقيقي للنزيف المالي قد يكون أعلى بكثير مما أُعلن.
ويؤكد خبراء أن البنتاغون يتعمّد إخفاء الأرقام الحقيقية ليس فقط لحجب نجاح العمليات اليمنية، بل أيضاً لمنع الداخل الأمريكي من إدراك حجم الورطة التي تورّطت فيها البلاد.
هذا التعتيم المتعمد يجعل من الصعب على المؤسسات الرقابية الأمريكية والمجتمع المدني والصحافة تتبع مسار الأموال المهدورة على عمليات فاشلة، وهو ما يزيد من هشاشة الموقف السياسي والإعلامي للحكومة في الداخل، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية.
اليمن يعيد تعريف مفهوم الردع
من الواضح أن ما يحدث في البحر الأحمر لم يعد مجرد مناوشات مع سفن تجارية، بل هو تغيير جذري في موازين الردع.. اليمن، الذي لم يكن محسوباً على قائمة القوى البحرية، أصبح اليوم يفرض على واشنطن واحدة من أعقد المعارك العسكرية غير التقليدية، ويدفعها إلى تبديد مواردها دون أن يحقق لها ذلك مكاسب سياسية أو ميدانية.
وباتت القوات المسلحة اليمنية تُنظر إليها من قبل البنتاغون كـ”خصم استراتيجي”، يملك قدرة فريدة على خوض حروب استنزاف طويلة، ضمن بيئة بحرية معقدة، دون الحاجة إلى قواعد عسكرية خارجية أو حلفاء إقليميين، وهو ما يعيد تعريف مفهوم الردع في القرن الحادي والعشرين.
الخلاصة:
إحاطة البنتاغون لم تكن مجرد تقرير تقني، بل شهادة علنية على أن الولايات المتحدة تواجه مأزقاً عسيراً في البحر الأحمر، حيث تخوض حرب استنزاف بلا نهاية، أمام خصم صاعد يُجيد اللعب تحت ضغط، ويُحسن استغلال نقاط ضعف أضخم آلة عسكرية في التاريخ.
المعادلة اليوم باتت واضحة: اليمن لا يواجه أمريكا من موقع الندية المادية، بل من موقع الإرادة والتكتيك طويل النفس، وهذا ما يجعل من البحر الأحمر مختبراً مفتوحاً لانهيار كثير من الأساطير العسكرية الأمريكية.