الشفافية تعريفها وتطورها التاريخي وأهدافها
تاريخ النشر: 1st, July 2025 GMT
الشفافية مفهوم ينبني على الوضوح والانفتاح في تداول المعلومات واتخاذ القرارات، وتُعد من الركائز الأساسية للحوكمة الرشيدة والمساءلة. وقد نشأ هذا المفهوم منذ قرون في السياقين السياسي والاقتصادي، وتطور بشكل ملحوظ مع ثورة الإنترنت. تهدف الشفافية إلى مكافحة الفساد وتعزيز الثقة العامة وتحسين جودة السياسات عبر إشراك المواطنين وتمكينهم من الرقابة على الأداء العام.
في اللغة العربية تعني الشفافية القابلية على الإظهار والكشف، ويُقال عن شخص إنه "شفاف" إذا عبّر بصدق ووضوح عما في داخله، ويُستخدم التعبير أيضا لوصف الحديث الصريح الخالي من الغموض، وذلك وفق معجم المعاني.
أما على الصعيد المؤسسي، فتعرفها منظمة الشفافية الدولية بأنها صفة تميز الحكومات والشركات والمنظمات والأفراد، تقوم على مبدأ الانفتاح والإفصاح عن المعلومات، بما يشمل القواعد والخطط والإجراءات وآليات العمل.
ويؤكد مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة الجريمة أن ثمة إجماعا على أن الشفافية تعني إتاحة المعلومات المتعلقة بعملية صنع القرار للجمهور، وهو ما يعزز الرقابة المجتمعية والحد من مظاهر الفساد.
أما من منظور تاريخي، فتوضح الموسوعة البريطانية أن مفهوم الشفافية -وإن كان يُتداول في سياقات سياسية ترتبط بالمساءلة والانفتاح والاستجابة- فإنه نشأ في الأصل داخل الأوساط المالية، وكان يشير إلى التزام الشركات بالإفصاح الدقيق والواضح عن أنشطتها أمام المساهمين والجهات الرقابية والرأي العام.
يعود تاريخ ظهور مفهوم الشفافية إلى قرون، وظهرت بوادره الأولى في القرن الـ19 ضمن أطروحات طالبت بعلنية أعمال الدولة وإخضاع سلطاتها للمساءلة. وكان كل من الفيلسوف السويسري الفرنسي جان جاك روسو والبريطاني جيريمي بنثام من أبرز المفكرين الذين مهدوا لهذا المفهوم في كتاباتهم.
كما ظهر المفهوم بقوة في النقاشات الفكرية حول ما يُعرف بـ"سوق الأفكار"، وهي نظرية تؤكد أن الأفكار يجب أن تتداول بحرية داخل المجتمع كما تُعرض السلع في الأسواق، وأن التنافس بين الآراء يؤدي في النهاية إلى انتصار الحقيقة. وتُفهم الشفافية في هذا السياق بأنها أداة تُعزز كفاءة القرار السياسي وتخدم المصلحة العامة.
إعلانوتُشير بعض الدراسات إلى أن بنثام كان من أوائل من استخدم مصطلح "الشفافية" بصيغته الحديثة المرتبطة بالحوكمة، والتي تعني إدارة المؤسسات بطريقة تضمن الشفافية والمساءلة والكفاءة والعدالة.
واعتبر بنثام أن الشفافية تمثل وسيلة رادعة للانحراف عن السلطة، مشددا على ضرورة أن يتحمل المسؤولون كلفة واضحة لأي تجاوز أو انتهاك يرتكبونه، وأن يكون الجمهور هو الجهة التي تُقيّم تلك المخالفات.
ورأى أيضا أن الرقابة على أداء المسؤولين لا تتطلب أجهزة ضخمة، بل يمكن لمجالس صغيرة من المواطنين أو الممثلين المنتخبين أن تؤدي هذا الدور بفعالية.
أدى صعود الثورة الصناعية وتنامي نفوذ الشركات الكبرى إلى بروز تحديات جديدة أمام مبدأ الشفافية، فكانت بعض الأنشطة التجارية تُمارس في بيئة تفتقر إلى الرقابة العامة. وقد شهدت أواخر القرن الـ19 سن أول قوانين مكافحة الاحتكار، التي هدفت إلى كبح هيمنة الشركات الكبرى ومنعها من العمل في الخفاء، بما يضمن منافسة عادلة وشفافة في السوق.
وشهدت الولايات المتحدة محطة مفصلية في هذا المسار مع صدور قانون حرية المعلومات عام 1966، والذي منح المواطنين ضمانات محدودة للوصول إلى الوثائق الحكومية. وقد ألهم هذا النموذج عددا من الدول التي اعتمدت قوانين مشابهة ووسّعت نطاقها لاحقا.
أما في تسعينيات القرن الـ20، فقد أسهمت الأدبيات المتعلقة بالحوكمة في تعزيز استخدام مصطلح الشفافية في الخطابات السياسية والإدارية. وقد غيرت هذه الدراسات الفهم التقليدي لدور الدولة، فلم تعد تُرى فاعلا مركزيا يحتكر تقديم الخدمات، بل منسقا أو منظما يسهم في بناء الحلول.
وقد أحدث ظهور الإنترنت تحولا جذريا في مفهوم الشفافية، إذ مكّن الأفراد من الوصول الفوري إلى المعلومات. مما رفع سقف التوقعات حول الشفافية والحق في المعرفة.
بيد أن هذا الانفتاح صاحبته مخاوف بشأن الخصوصية، وفرض تحديات جديدة تتعلق بالتوازن بين الحق في المعرفة من جهة وحق الأفراد في السرية وحماية بياناتهم الشخصية من جهة أخرى.
الشفافية عنصر أساسي في تحقيق مجموعة من الأهداف السياسية، من بينها مكافحة الفساد وضمان التمويل العادل للحملات الانتخابية وتعزيز الديمقراطية داخل المؤسسات السياسية والحد من الصراعات الدولية.
أما في مجال الأعمال، فتُطرح الشفافية وسيلة للحد من الاحتيال المؤسسي ومنع تسلل الجريمة المنظمة أو التدخلات ذات الطابع السياسي، إضافة إلى تقليل مخاطر الأزمات المالية.
وتهدف الشفافية إلى أن تكون وسيلة لردع الممارسات الفاسدة، فعندما تكون جميع جوانب عملية اتخاذ القرار مرئية للعامة، يقل احتمال مرور الأنشطة غير المشروعة دون ملاحظة.
كما تسعى الشفافية إلى تعزيز الشمولية عبر إتاحة المعلومات للجميع، فتضمن أخذ تنوع وجهات النظر بعين الاعتبار، مما يؤدي إلى قرارات أكثر توازنا وعدالة.
وتتحسن جودة القرارات نتيجة خضوع العملية لمراجعة أوسع ونقد بناء، بفضل مشاركة عدد أكبر من الأطراف في الاطلاع عليها وتقييمها.
إعلانكما تبني الشفافية الثقة العامة، فعندما يفهم الناس كيفية اتخاذ القرارات، يكونون أكثر استعدادا للثقة بالمؤسسات التي تصدرها، سواء كانت في القطاع العام أو الخاص.
وتتيح الشفافية لأصحاب المصلحة محاسبة صانعي القرار على أفعالهم، مما يضمن التزامهم بالمعايير الأخلاقية وخدمة الصالح العام.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الشفافیة إلى
إقرأ أيضاً:
“الاتصالات والفضاء” تطلق النسخة الثانية من ” المبادرة”.. تعزيز مفهوم الاقتصاد الدائري بتدوير الأجهزة الإلكترونية
البلاد (الرياض)
أطلقت هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية النسخة الثانية من مبادرة إعادة تدوير الأجهزة”دوّر جهازك”، التي تستهدف الأفراد وقطاع الأعمال، بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات والمركز الوطني لإدارة النفايات، وأرامكو ومجموعة روشن ومبادرة السعودية الخضراء، والاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية، وسرك والقطاع الخاص؛ وتهدف إلى دعم جهود الاستدامة البيئية، وتعزيز مفهوم الاقتصاد الدائري من خلال إعادة تدوير الأجهزة الإلكترونية، وتقليل النفايات والانبعاثات، إضافة إلى تعزيز المسؤولية الاجتماعية، ومبادئ التكافل لتمكين الأسر المستحقة من الحصول على الخدمات التقنية.
وخصصت الهيئة منصة إلكترونية توضح آلية تسليم الأجهزة، وأنواعها المستهدفة، التي تشمل أجهزة الهاتف الثابت والهواتف المتنقلة والأجهزة اللوحية والمودم والطابعات والحاسب الآلي المكتبي والمحمول، مشيرة إلى أن مبادرة إعادة التدوير تشمل مسارين؛ حيث يختص المسار الأول بإتلاف الأجهزة والتبرع بإيراد المواد الأولية الناتجة عنها، فيما يستهدف المسار الثاني إصلاح الأجهزة والتبرع بها للأسر المحتاجة، مع التأكيد على مسح جميع بياناتها، بما لا يتيح أي احتمالية لاسترجاع البيانات، مؤكدة التزامها بضمان حماية بيانات المستخدمين وخصوصيتهم.
يذكر أن الهيئة أطلقت النسخة الأولى من المبادرة عام 2022 بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات والمركز الوطني لإدارة النفايات “موان”، وعدد من الجهات من القطاع الخاص، وبلغ عدد الأجهزة المتبرع بها أكثر من (100) ألف جهاز بقيمة سوقية تقدر بأكثر من (30) مليون ريال؛ ما شكل خطوة ملموسة نحو تقليل النفايات الإلكترونية، وترشيد استخدام الموارد الطبيعية، وتعزيز استدامة الاقتصاد الرقمي في المملكة.