صحيفة البلاد:
2025-10-13@06:14:52 GMT

الأمهات مصابيح من دونها قلوبنا تنطفئ

تاريخ النشر: 2nd, July 2025 GMT

الأمهات مصابيح من دونها قلوبنا تنطفئ

أين منه حارة الشام بذكرياتها القديمة وفرحة اللقاء بالأصحاب المزهرة بأفراح الشباب المليئة بتطلعات المستقبل. لم تبق إلا الذكريات التي تجعله يهيم في أزقة الحواري الضيقة، يستنشق نسمة هواء محملة بأريج الماضي البهيج. بعد أن تفرق الأهل والأصحاب، وتباعدت المسافات بينهم، بعد أن غادروها إلى الأحياء الجديدة. فى زقاق جانبى، وهو يسير متعبًا فى هذا الصيف اللاهب، قادته قدماه إلى أحد المقاهي الشعبية المنتشرة بين البيوت القديمة، يسعفه العامل بكأس من الماء يرطب به حلقه، يطيل التأمل أمامه، يبصر من خلف الزجاج أعدادًا من رواد المقهى وهم يثرثرون، بينما يشربون الشاى ويحتسون القهوة، ويدخن بعضهم الشيشة.

يغريه صوت الست«أم كلثوم» وهي تشدو بأغنية الأطلال:
يا حبيبًا زرت يومـاً أيكـه
طائر الشـوق أغنـي ألمـي
لك إبطـاء المـدل المنعـم
وتجنـي القـادر المحتكـم
وحنيني لك يكوي أضلعـي
والثواني جمرات في دمي
يهيم مع الصوت والكلمات إلى زمن بعيد، عندما كان المقهى يزهو برواده، ومكاناً محبباً وهاماً للتلاقي والونس بين الأصحاب، وطرح هموم الحياة الخاصة والعامة، ومساحة مميزة لتبادل الحديث والمناقشات، ومكان لقاء أحبة وعشاق عابرين.
كان المقهى جزءاً أصيلاً من روح وسط البلد، لا يدل على ثرائه بقدر ما يكشف عن طبيعة علاقات أهله الاجتماعية.
سرح بعيدًا.. بعد مغرب آخر يوم من اختبارات المرحلة المتوسطة، يوم كان يدرس في مدرسة الفلاح، جاءه صديقه يوسف، واقترح عليه أن يذهبا معًا إلى بيت خالته في حارة البحر. استأذن من أمه التي أوصته قبل أن ينطلق أن لا يتأخر عن الحضور قبل أذان العشاء. انطلقا كالشعاع في أزقة الحارات الضيقة، وقبل أن يصلا إلى بيت خالته عرج يوسف على دكان عم عبيد، الذي كان ساعتها مشغولاً باستخراج بعض الأشياء، ورصها على الرفوف الخالية.. ناوله ثلاثة قروش وهو يقول له: الوالد يسلم عليك. ناوله عم عبيد سيجارتين. أخذهما وغادرا المكان بسرعة وهو يقول له: واحدة لي والأخرى لك.
قال له: ولكنني لا أدخن ولو عرفت أمي ستعاقبني، قال له يوسف يطمئنه: لن يعرف أحد، ودعنا نصرف النظر عن زيارة خالتي الليلة، وندخل المقهى المجاور، ونطلب بما تبقى من النقود براد شاهي أبو أربعة، وتجرب أنت أول سيجارة.
أشعل يوسف السيجارتين من لهب الموقد، وأخذ نفساً طويلاً من كل سيجارة، ثم أعطاه إحداها، وطلب منه وهو يضحك والدخان يتناثر من فمه في دفعات متناغمة أن يفعل مثله. أخذ نفساً، ثم أخرج الدخان من فمه بسرعة. نثر رماد السيجارة بسبابته برفق، كما فعل صديقه، ولكنه لم يستمر في التدخين، رمى بنصف السيجارة على الأرض وقد ارتفع صوته بكحات متتالية.
من بعيد يأتيه أذان العشاء من مسجد ألمعمار ندياً متماوجاً. غادر المقهى وتخطى عتباتها المكسورة، سارع في خطوات ثابتة في أزقة الحارات الضيقة المضاءة نصف إضاءة. نسي لشدة عجلته أن ينفخ كم نفساً في الهواء ليطرد رائحة الدخان من فمه فلا تشمه أمه. وقف أمام باب البيت لحظات قبل أن يطرقه، أحس برعشة تهز كيانه، وهو يسمع خطوات أمه التي اعتادت أن تظل يقظة ولا تغمض عيناها حتى يعود، فتحت له الباب ووقفت بقامتها تسد المدخل وهي تنظر إليه، وفي عينيها تباشير عتاب وتساؤل. ألقى بنفسه على كتفها معتذراً، وهو يقبل يديها ورأسها. قالت له وقد شمت رائحة الدخان من فمه وثيابه: أين كنت؟ قال مرتبكاً: كنت مع صاحبي يوسف لزيارة خالته، قالت: ورائحة الدخان من أين جاءت..قال: ليس هناك رائحة دخان. قالت: احلف انك لم تدخن. قال: والله العظيم لم أدخن. أسرعت إلى الخيزرانة المعلقة على جدران غرفة المعيشة، وهي تقول: تكذب وتحلف. رائحة الدخان تملأ ثيابك وفمك، وضربته. لأول مرة تضربه أمه. في السابق عندما كان يفعل هو وإخوانه شيئاً لا يعجبها، كانت تهددهم بالخيزرانة وتلوح بها لتخيفهم، ولكنها هذه المرة تضربه وبقسوة، وهو يبكي ويصرخ ويحاول الهرب من عصاها، ولكنه لا يستطيع، ولايدري إلى أين يذهب وأين يختبئ. و… ولم يجد غير حضن أمه يحتمي به منها. حضنته وتوقفت عن ضربه، وهي تقول له: أضربك لأنني أحبك وأخاف عليك.
** الأمهات مصابيح، من دونها قلوبنا تنطفئ”. الأمهات نعمة لا يمكن معرفة قدرها الحقيقي حتى نفقدها.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: عبدالعزيز التميمي رائحة الدخان الدخان من من فمه

إقرأ أيضاً:

فردوس عبد الحميد تكشف سر عدم تعاونها مع يوسف شاهين.. فيديو

كشفت الفنانة القديرة فردوس عبد الحميد عن كواليس مشروع فني لم يكتمل كان من المفترض أن يجمعها بالمخرج العالمي الراحل يوسف شاهين، موضحة الأسباب التي جعلتها تعتذر عن المشاركة رغم رغبتها الكبيرة في العمل معه.

وأوضحت فردوس عبد الحميد، في لقاء خاص مع الإعلامية شيرين سليمان ببرنامج سبوت لايت على قناة صدى البلد، قائلة: "كان نفسي جدًا أشتغل مع يوسف شاهين، أي ممثل كان يحب جدًا يشتغل معاه، ولما بعت لي انبسطت جدًا، كان العمل اسمه حاجة زي إسكندرية ليه أو حاجة كده، ولما قابلته قلت له اديني النص أقرأه، فقال لي نص إيه؟.. اقعدي هنا اقرئي هنا، وأنا مش متعودة على كده، أنا متعودة آخد النص وأذاكره في البيت".

وأضافت فردوس عبد الحميد، قائلة: "مسكت النص وقعدت أفر فيه ما لقيتش دور كويس خالص، تلات أربع جمل، فقلت له: لأ ده ما فيش دور.. فقال لي خلاص، قلت له: طب خلاص".

وعن ما إذا كانت ندمت لاحقًا على هذا القرار بعد عرض الفيلم، قالت فردوس عبد الحميد بكل وضوح: "لأ، ما ندمتش، لأني ما شفتش نفسي فيه.. ما كانش فيه دور مهم ممكن أقدمه أو أضيف بيه حاجة لتاريخي، والأدوار النسائية ما كانتش كبيرة أوي في العمل ده".

واختتمت الفنانة الكبيرة حديثها بالتأكيد على احترامها الكبير للمخرج الراحل يوسف شاهين، مشيرة إلى أنه كان علامة فارقة في السينما المصرية والعربية، وتجربة فريدة لكل من تعامل معه، حتى وإن لم يجمعها به عمل فعلي.

مقالات مشابهة

  • اليوم.. الأنفاق تختبر سحب الدخان لمحطة مدينة العدالة بمشروع المونوريل
  • رغم الحرب والمعاناة.. مصممة ازياء سودانية تعرض ثوب من 90 فص ألماس بقيمة 22 مليون جنيه بالقاهرة
  • يوسف البناي: العلم ليس عزاءً بل وعيٌ بموقع الإنسان في التاريخ الكوني
  • فردوس عبد الحميد تكشف سبب رفضها العمل مع المخرج العالمي يوسف شاهين
  • سعره صادم.. روبوت صيني قادر على الحمل والولادة بديلًا عن الأمهات
  • مئوية يوسف شاهين
  • أسعار السجائر بعد خفض الدولار .. شعبة الدخان تكشف مفاجأة
  • فردوس عبد الحميد تكشف سر عدم تعاونها مع يوسف شاهين.. فيديو
  • عمرو يوسف يكشف البوستر الرسمي لفيلم “السلم والثعبان.. لعب عيال” قبل طرحه في نوفمبر
  • دعاء اليوم الجمعة "اللهم إنا نسألك رحمة تهدي بها قلوبنا"