ندى عصام تكتب: جيل ما بعد الإنترنت.. حين أصبح العالم شاشة والهوية معرفة بكلمة مرور
تاريخ النشر: 6th, July 2025 GMT
شهد العالم تحوّلًا غير مسبوق بفعل الثورة الرقمية التي اجتاحت كل نواحي الحياة، لكن التحوّل الأكبر لم يكن في الأدوات أو التكنولوجيا بقدر ما كان في الإنسان نفسه، وتحديدًا في الجيل الذي نشأ بعد الإنترنت ما يُطلق عليه "جيل ما بعد الإنترنت". نحن لا نتحدث عن مجرد مجموعة من الشباب يستخدمون الهواتف الذكية ويتواصلون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل عن جيل تشكل وعيه وتصوراته للعالم من خلال الشاشة، جيل لا يعرف الحياة دون إنترنت، ولا يفهم العالم إلا من خلال نافذة رقمية، وهذا الجيل الذي ولد في زمن متصل دائمًا، بات يشكل تحديًا للنظريات التقليدية حول الهوية، والتواصل، والتعليم، والعمل، والعلاقات الإنسانية، ففي السابق كانت الهوية تُبنى عبر الخبرات المباشرة، العلاقات الواقعية، والانخراط في المجتمع المحيط، أما اليوم، فإن جزءًا كبيرًا من الهوية يتم تشكيله وتعديله باستمرار عبر منصات الافتراضية التي أصبحت بديلة عن الواقع أو حتى مهيمنة عليه.
الهوية لدى جيل ما بعد الإنترنت ليست مستقرة، بل مرنة وسائلة؛ إذ يمكن للفرد أن يكون شخصًا مختلفًا تمامًا على الإنترنت عما هو عليه في الحياة الواقعية، وقد يجد ذاته الحقيقية في شخصيته الرقمية أكثر من شخصيته الفعلية، ما يطرح تساؤلات فلسفية عميقة حول "من نكون" في عصر الواقع المعزز. كذلك، فإن المفاهيم التقليدية للعمل والدراسة والتعلُّم لم تعد تنطبق على هذا الجيل؛ فبدلًا من الذهاب إلى مكتب أو فصل دراسي، يستطيع شاب في السابعة عشرة من عمره أن يدير شركة إلكترونية من غرفته، أو أن يحصل على آلاف الدولارات من نشر محتوى بسيط على الإنترنت، أو أن يتعلم تخصصًا أكاديميًا بالكامل عبر كورسات مجانية من جامعات عالمية دون أن يخطو قدمًا إلى حرم جامعي.
وهنا نرى كيف تغيّرت قيم كثيرة مثل الخصوصية، التي أصبحت مرنة إلى درجة أن بعض الأفراد يعرضون تفاصيل حياتهم اليومية على العلن، أو مفهوم "الخصوصية الانتقائية"، حيث يقرر الشخص ما يُظهره وما يُخفيه عن جمهوره الافتراضي.
ومع ذلك، لا يمكن إغفال التحديات النفسية والاجتماعية التي يواجهها هذا الجيل؛ فبين الإدمان على التصفح، وضغط التوقعات المجتمعية الرقمية، والتعرض المستمر للمقارنات غير الواقعية، يعاني كثير من الشباب من القلق والاكتئاب واضطرابات الهوية.
ومع كل هذه المتغيرات، يظل السؤال الأهم: هل فقد جيل ما بعد الإنترنت بوصلته الإنسانية؟ أم أنه ببساطة يُعيد اكتشافها بلغته وأدواته الخاصة؟ في الواقع، فمن الظلم محاكمة هذا الجيل بمعايير سابقة، أو تحميله مسؤولية التغيرات الكبرى التي تشهدها البشرية، لأنه في النهاية، هو نتاج منظومة كاملة فرضت عليه هذه البيئة الرقمية منذ ولادته.
لذلك فإن مسؤوليتنا كمجتمع ومؤسسات وثقافة ألا نترك هذا الجيل يواجه وحده هذا التحول الجذري، بل أن نؤهله، وندعمه، وننصت إليه، ونُعيد بناء جسور التفاهم معه بدلًا من الاكتفاء بانتقاده، لأنه في نهاية المطاف، هو نحن ولكن بشكل جديد.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الثورة الرقمية التكنولوجيا الإنترنت هذا الجیل
إقرأ أيضاً:
خالد حنفي: 500 مليار دولار حجم مشروعات إعادة الإعمار التي تستهدفها مبادرة عربية - يونانية جديدة
كشف الدكتور خالد حنفي أمين عام اتحاد الغرف العربية، خلال افتتاح أعمال المنتدى الاقتصادي العربي-اليوناني الرابع عشر، الذي عقد بعنوان: "نحو تعاون أوثق – الانشاءات والطاقة"، في أثينا – اليونان، بمشاركة وفود من 17 دولة عربية تمثل رؤساء شركات ورجال اعمال ومسؤولين، بالإضافة إلى حضور 180 رجل أعمال يوناني يمثلون رؤساء شركات ومسؤولين، إلى جانب حضور عدد من السفراء العرب المعتمدين في اليونان، بالإضافة إلى رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، عن إطلاق اتحاد الغرف العربية أربعة مبادرات للتعاون بين العالم العربي واليونان "المبادرة الأولى تقوم على بناء جسور بين العالم العربي واليونان من أجل التعاون في مجال إعادة الإعمار، حيث هناك مبالغ مرصودة تقدّر بنحو 450 إلى 500 مليار دولار للدول العربية التي تحتاج إلى إعادة إعمار".
وتابع: "أما المبادرة الثانية فتقوم على إنشاء ممر للهيدروجين الأخضر والطاقة النظيفة، من خلال التشبيك بين الشركات الموجودة في العالم العربي واليونان، وذلك عبر التنسيق والتشاور بين القطاع الخاص من كلا الجانبين ولا يسما بين اتحاد الغرف العربية والغرفة العربية اليونانية".
وتقوم المبادرة الثالثة وفق أمين عام اتحاد الغرف العربية على إنشاء مركز للذكاء الاصطناعي في الطاقة والمياه، حيث أنّ الدراسات تشير إلى أنّ الذكاء الاصطناعي يستطيع أن يساهم في خفض نسبة الانبعاثات الكربونية بنسبة 30 في المئة، وفي حال نجحنا في إدارة هذا الملف بالشكل المطلوب فإننا سنتمكّن من تحقيق النجاح المطلوب في ملف إعادة الإعمار.
أما المبادرة الرابعة والأخيرة المقترحة من جانب اتحاد الغرف العربية، بحسب الدكتور خالد حنفي، فتقوم على تحالف لوجستي وإنشاء موانئ محورية تقوم على مبدأ التعاون لا التنافس وذلك ضمن منظومة متناغمة تكون اليونان محطة محورية فيها بالشراكة مع الموانئ المحورية المتواجدة في العالم العربي، ومنها قناة السويس التي تقوم من خلال رئيس هيئة القناة الفريق أسامة ربيع بجهود جبارة وقد تجلى ذلك في الفترة الأخيرة من خلال الأزمة التي شهدها البحر الأحمر، مما ساهم في القاء ربط مصر والعالم العربي بجميع دول العالم.
وتابع: "إننا في ظل ما يواجهه العالم من تحديات اقتصادية ومناخية متزايدة، نحتاج إلى شراكة مبنية على الابتكار والمسؤولية المشتركة، تضع الإنسان والبيئة في صميم المعادلة الاقتصادية، وتُحوّل التحديات إلى فرص نمو مشتركة".
وخلال كلمة لأمين عام الاتحاد، بصفته منسّقا ومديرا لجلسة بعنوان: "الطاقة والبناء في عصر الذكاء الاصطناعي"، ضمن فعاليات المنتدى الاقتصادي العربي-اليوناني الرابع عشر"، شدد على "أننا نحن نجتمع اليوم في لحظة مفصلية، حيث تتلاقى ثلاث قوى تشكل مستقبل الاقتصاد: الطاقة والبناء والتحوّل الرقمي من خلال الذكاء الاصطناعي، ومن المتوقع أن تشهد الاستثمارات في تقنيات الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط نموًا بنسبة كبيرة، حيث تأتي المنطقة في طليعة الاستفادة من هذه التقنيات، خصوصا وأنّ التبني الاستراتيجي للذكاء الاصطناعي مع تعزيز المرونة المناخية قد يضيف ما يصل إلى232 مليار دولار إلى الناتج المحلي لمنطقة الشرق الأوسط بحلول عام 2035.
وهناك شركات كبرى في قطاع الطاقة بمنطقة الشرق الأوسط بدأت فعليًا في تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة التشغيلية، وذلك في ظل القلق المتزايد من الاستهلاك المتنامي للطاقة نتيجة للنمو السريع في مراكز البيانات، وهو ما يُلقي بظلاله على الطلب الكهربي مستقبلا".
وأضاف: "أما في قطاع البناء، فيمكن للذكاء الاصطناعي أن يعيد تشكيل تصميم المباني، التكلفة، الصيانة، وحتى استهلاك الطاقة. كما أن التحول الرقمي في البناء من خلال الذكاء الاصطناعي يفتح فرصًا للشراكة بين القطاعين العربي واليوناني، سواء في البنية التحتية أو في بناء المدن الذكية ومستدامة".
ودعا إلى أهمية الاستفادة من خبرات اليونان، وكذلك من قدرات الدول العربية، لبناء نموذج تعاون مستقبلي يُسهم في التنمية الخضراء والرقمنة.
ومن هذا المنطلق على القطاعين العام والخاص في اليونان والعالم العربي، التفكير في إطلاق مبادرات ملموسة ومشاريع تجريبية في مجالات الطاقة والبناء الذكية، بما يرفع من مستوى العلاقة القائمة بين الجانبين العربي واليوناني من إطارها التقليدي القائم على التبادل التجاري، إلى الشراكة الاستراتيجية بما يساهم في تحقيق التطلعات المشتركة.