لجريدة عمان:
2025-06-25@16:02:10 GMT

عصر الشك

تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT

لا يعرف العالم لا الثبات ولا السكون. إنّه دائم الحركة والدوران والتغيّر.

ظهر في عشرينيات القرن الماضي العديد من الظواهر النصيَّة الأدبية والفنية. يُمكن أن تدخل السرود بأنواعها والمسرح في الجانب الأدبي، بينما سأدمج الفنون التشكيلية والسمعية والبصرية في الجانب الفني.

من الظواهر والأساليب الأدبية التي سأقف معها وأراها على علاقة ضمنية بالتطوّر الحاصل اليوم في المسرح وعلاقته بالتكنولوجيات والرقميات والدراماتورجيات بأنواعها، ما اصطلح على تعريفه بنظرية موت المؤلف، ومصطلحي النص المتفرع والنصّ المفتوح.

يتصل مصطلحا النص المتفرع والنصّ المفتوح وموت المؤلف اتصـــالا قريبا. فهمـــا -المتفرع والمفتوح- إذّ يعُليان، أو يرفعان من حضور (القارئ) أو (المتلقي)، أو (المستخدم) بلغة التكنولوجيات، فإنهّما يَزيحان، أو يَرجئان بلغة جاك دريدا، أو يموّتان المؤلف بلغة دريدا ورولان بارت. وإزاء هذا التحوّل صار استبعاد المؤلف ورفض مكانته التي توارثها منذ المرحلة الكلاسيكية مسألة حتمية.

فالناظر اليوم إلى ما يطلق عليه بالكتابة الرُّكحية للفرقة المسرحية لم يأت من فراغ، كما أن إعلان فلورنس دوبون الحرب على أرسطو مصاص دماء المسرح الغربي، يجد له ترحيبا من طرف العاملين في النقد الخاص بالدراما وما بعد الدراما.

تستند الآراء التي تريد إفساح المجال للكتابة عبر التكنولوجيا إلى احترام التطور الحاصل في العلم واستثماره. ولا يلغي ذلك، بلا شك، أن الدور الذي يُمكن لنا كمنشغلين بالمسرح والنقد والتجريب إلاّ الاستجابة القسرية والبحث عن كل الطرق أو الوسائل للتسلّح بالتكنولوجيا.

يكتب مؤلفـــا (دليل النـــاقد الأدبي: إضـــاءة لأكثر من سبعين تيـــارًا ومصطلحًـــا نقديًـــا معـــاصرًا - د. ميجـــان الرويلي، ود. سعد البـــازعي) حول موت المؤلف، التالي: «ولا شك أن موت المؤلف تزامن مع موت الإنسان، وموت الذات، إذّ إن هذا الموت جاء نتيجة النهج البنيويّ العلميّ»، ففي هذا السياق يمكن عدّ خصائص البنيوية الحادة كوجود قوانين علمية صارمة مكتفية بذاتها، وقادرةٌ على تحليل نفسها من داخلها، دون الحاجة إلى السياق الخارجي -الاجتماعي والتاريخي والثقافي والفلسفي-، المدَخل العام وراء هذا التوجه. ولم يتحقق لبنية اللغة ذلك إلا بعدما جرى إعلان موت الإنسان، وهذا الموت يقودنا إلى الفيلسوف نيتشه مؤسس فلسفة (القوة) الذي دعا إلى تحطيم الأصنام في ميادين ثلاثة؛ الأخلاق والسياسة والفلسفة. كان تساؤل (ميشال فوكو) في مقالته المعنونة (ما المؤلف؟) محاولة لتلمّس معنى المؤلف ووجوده والثقة التاريخية التي تمتع بها، لقد وَجب قتله أو في أرحم الأحوال إزاحته، والتشكيك فيما يصّدره إلى القراء من معانٍ. وبإعلان الحرب على كلّ تراتبية تمتلك المُقدس أو القدسية اعتقد (بارت) نقلا عن (ستيفن بونيكاسل- موسوعة النظرية الأدبية المعاصرة: مداخل، نقاد، مفاهيم- الجزء الثاني) «بأن ليس للمؤلف/ المؤلفة مكانة متميزة في تقرير معنى عمله/ عملها. وقد نجم عن هذه النظرة المطروحة في (النقد والحقيقة 1966م)، صراع شهير بين بارت وبعض أساتذة الأدب الأشد محافظة ممن أعطوا أولوية للمعنى الخاص بالمؤلف.»

وُلدَ قارئ ومنتِج النص المتفرع Hypertext بترجمة د. حسام الخطيب من محضن التكنولوجيا وتطور الكمبيوتر والرقميات. وعطفًا على مقولة سابقة لرولان بارت في سياق موت المؤلف حينما كتب: «إن مولد القارئ يجب أن يكون على حساب موت المؤلف» فإن لهذه المقولة دلالتها وتأثيرها في مجالات الأدب التفاعلي أو الرقمي بوجه عام. ويُقصد بالرقمي كما يكتب (ريمي ريفيل- في كتابه الثورة الرقمية، ثورة ثقافية): إن «العديد من الظواهر والأفكار كالتكنولوجيا الرقمية، والوسائل الرقمية، والمجتمع الرقمي، والثقافة الرقمية، والعصر الرقمي، والرقمي مرتبطة بالحساب، أو الوضع الآلي للإشارة إلى نمط آلي.»، ونظرًا لهيمنة الرقميات في حياتنا اليومية، دعا (ريمي) الباحثين بالتقنية والدراسات الثقافية إلى دراسة تأثير الرقميات على سلوكنا وأفكارنا ومنتوجنا الإبداعي، مستندًا إلى أن «الرقمي يعدُّ مجالا تتعايش من خلاله المنتجات الثقافية على اختلافها مع الأقطاب التكنولوجية».

ضمن هذا المنعطف التكنولوجي سيكون لمصطلح المسرح الرقمي أو التفاعلي وعلاقته بالتكنولوجيا اهتمام لدى عدد من المسرحيين الغربيين. لقد أسهم توظيف التقنية أو الوسائطية في المسرح في تقويض الشعرية الأرسطية. وقد تم الاستفادة الواسعة من الوسائطية عبر إدراج مفاهيم بصرية وسمعية أو توظيف المونتاج السينمائي وميتامسرح، وهي في مجملها كما نرى، تقنيات أتاحت للمستخدم الدخول في علائق جديدة مع العرض المسرحي الرقمي وهو إمّا جالس يستريح في بيته على كرسيه الخاص، أو ذاهب يتفرّج على العرض في مقهى أو فضاء جديد يفتقد لمعايير الفرجة المسرحية التقليدية، وهي وضعيات لم تكن لتتيحها الدراما التقليدية في أزمنة سابقة.

لم يقف المسرحيون الغربيون في حيرة أمام التطور التكنولوجي، فالدكتورة فاطمة البريكي في كتابها (مدخل إلى الأدب التفاعلي) نقلا عن الناقد عبدالله محمد الغذامي «لا تقدم أول عمل بحثي لها مِن بَعد الدكتوراه فحسب، بل هي أيضًا تتصدى لصدارة البحث الجديد في الوسائل الحديثة للكتابة والتفاعل الثقافي». فتخصص الفصل الأول حول فكرة انتقال النص من طور الورقية إلى طور (الإلكترونية) وأما الفصل الثاني فتعرّف فيه بعدد من الأجناس الأدبية التي ظهرت في حلّة جديدة بعد اقترانها بالتكنولوجيا؛ فتعرّفنا بكل من (القصيدة التفاعلية)، و(المسرحية التفاعلية)، و(الرواية التفاعلية)، أما الفصل الثالث والأخير فتتناول فيه (الأدب التفاعلي والنظرية النقدية)، ويُهمني التركيز هنا في المقال على المسرحية التفاعلية التي دعا رائدها (تشارلز ديمرChales Deemer) وهو رائدها الأول في العالم بلا منازع إلى إعلان الخروج على المسرح التقليدي، والمؤلف والمتفرج التقليديين، وهو إعلان يذكرني بإعلان الناقدة فلورنس دوبون الخروج على شعرية أرسطو في كتابها (أرسطو أو مصاص دماء المسرح الغربي) ترجمة وتقديم د. محمّد سيف. وهو كتاب مهم إذّ يُفجر العديد من الأسئلة والقضايا النقدية والفكرية والأسلوبية بشأن كتاب (فن الشعر) لأرسطو.

تذكر البريكية في كتابها آنف الذكر، أن (ديمر) ألف أول مسرحية تفاعلية عام 1985م ويَذكر أنه ابتدع هذا الأسلوب قبل ظهور شبكة الإنترنت وانتشارها، وقبل معرفة (HTML) في أوساط الحاسوبيين في ثمانينيات القرن الماضي. انطلق ديمر مع برنامج (Iris) الذي رآه بمثابة النص المتفرّع لنظام التشغيل السابق (DOS) فأقام بنية نصه (Chateau de Mort) عليه، بما يشبه ما يحدث الآن في النصوص التفاعلية الحديثة باستخدام خصائص النص المتفرّع في نظام التشغيل (WINDOWS) لا مجال الآن، بعد التطورات الحاصلة مع التكنولوجيات والرقميات، إلا حدوث تطور مماثل في وظيفة الدراماتورجيا. والعبارة غير العفوية للمسرحي (درايو فو) القائلة: «هذه المسرحية لديها عيب؛ إنّها جميلة في القراءة» ستدفع إلى تأكيد أن المسرح لا علاقة له بالأدب! وسيفتح هذا انخراط الدراماتورجي في إنتاج النص المسرحي انطلاقًا من الخشبة كما فعل لويجي بيرانديلو في مسرحيته (ستة شخصيات تبحث عن مؤلف) إذّ لم يُفكك النصّ علاقة المؤلف مع شخصياته فحسب، بل أكد على العودة إلى فضاءات الرُّكح وقدرة الفرق المسرحية على توليد كتابات رُّكحية تضرب عرض الحائط بأوليات الدراما وإثراء العرض بالتشظيات الحاصلة في حياة الإنسان المعاصر، على إثر فقدانه لليقين في الوجود وفي المؤلف وفي المرجعيات التي أسسته وعاش عليها ردحا من الزمن، ولا يُكمن استيعاب عصر الشك، إلا داخل مقولة مهمة لميشال كورفان «يعيش المسرح من انكاراته».

آمنة الربيع باحثة أكاديمية متخصصة في مجال المسرح

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

فرقة الزقازيق تقدم "زمكان" بالمهرجان الختامي لفرق الأقاليم المسرحية

بحضور جماهيري كبير، قدمت فرقة قصر ثقافة الزقازيق، عرضها المسرحي "زمكان"، على مسرح السامر بالعجوزة، ضمن فعاليات المهرجان الختامي لفرق الأقاليم المسرحية، في دورته السابعة والأربعين، الذي تنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة اللواء خالد اللبان، ضمن برامج وزارة الثقافة.

عرض "زمكان"

 

العرض تأليف محمد علي إبراهيم، وإخراج محمود عمران، وتدور أحداثه في عالم خيالي اسمه "زمكان"، تختلط فيه الأزمنة وتتحول الأساطير إلى وقائع.


ويعد تجربة تمزج بين التراث الشعبي والفلسفة في إطار من الكوميديا السوداء والاستعراض الغنائي، ويناقش عددا من القضايا المتعلقة بالهوية الثقافية، والتوريث الجمعي للخوف، وأهمية الحكاية كأداة مقاومة.

 

أشار المخرج محمود عمران أن النص يجمع بين الحكاية الشعبية والرمز، بين الشخصيات الأسطورية، ويطرح سؤالا فلسفيا: ماذا لو ضاعت الحكاية؟ فالحكاية ليست رفاهية، بل شكل من أشكال المقاومة.

وعن فكرة العرض قال: لم أكن أبحث عن عرض معقد أو موجه لشريحة محددة، ولكن كان هدفي من البداية تقديم عرض يفهمه ويستمتع به الجميع، كنت أبحث عن نص يستطيع أن يضحك البسيط، ويحرك المثقف، ويثير خيال الطفل، نص فيه "حدوتة"، ويحمل من ورائها فكرة.

 

أعربت الفنانة يمنى أيمن، بطلة العرض، عن سعادتها بالمشاركة في هذا العمل، موضحة أنها تجسد شخصية "العجوزة" التي ترمز إلى الحكمة والتجربة داخل سياق الأحداث.
 

وأكدت أن فريق العمل بذل جهدا كبيرا خلال فترة التحضير، حرصا على تقديم العرض بأفضل صورة ممكنة، خاصة أنه يعتمد في بنيته على الحكي، ويقدم "حدوتة" مستوحاة من عالم الأساطير.

 

وقال محمد سليم بطل العرض: أقدم شخصية "الأشكيف"، أحد العفاريت الأربعة في العمل، وهي شخصية تنتمي إلى عالم الكائنات الأسطورية وتحديدا إلى نوع "المستذئبين"، وهو مخلوق يتمتع بطبيعة غامضة.

 

وعن مشاركته الموسيقية في العرض، أوضح أنه قام بتلحين الأغاني السبعة التي يتضمنها العمل، والتي يغلب عليها الأسلوب الغربي، مع تركيز على الأداء التعبيري.


وأضاف أن الأغاني تنوعت بين المقاطع الأدائية التي تجسد أصوات العفاريت والبعبع، وشارك في غنائها إلى جانب ليلى وائل وحمزة محمد، في تجربة فنية تمزج بين التمثيل والغناء المعاصر.

 

من ناحيته، أعرب مصمم الإضاءة حسين علي عن سعادته بالتعاون مع المخرج محمود عمران، موضحا أن هذا العرض يعد التجربة الثانية التي تجمعهما على التوالي، وهو يعتبره الأب الروحي له في المسرح.


وأضاف أنه شارك بالتمثيل أيضا، أما الرؤية الإخراجية تميل إلى الطابع الفانتازي، وانعكس ذلك على تصميم الإضاءة التي جاءت لتتناسب مع طبيعة الشخصيات.

أبطال "زمكان" 

 

"زمكان" تمثيل: يوسف بسيوني، محمد الجندي، أدهم علاء، رنا خالد، لوچي حسام، محمد سليم، أحمد عاصي، زياد ياسر، أحمد غريب، محمد رمضان، بدر الزهار، أحمد الغندور، يمني إيمن، سارة حسام، يارا علي، مهند هاني، عمار إبراهيم، محمد شريف، يوسف أسامة، محمد وليد، فرح صلاح، مني أشرف، همسة محمود.

 

استعراضات وليد المصري، ملابس حسام عبد الحميد، ماكياج مارين أباظة، إكسسوارات لقاء محمود، ألحان محمد سليم، توزيع موسيقي كمال عتمان، غناء محمد سليم، حمدي محمد، أشعار هشام هديب، سينوغرافيا شاكر خليل، إضاءة حسين علي، مساعد مخرج بدر الزهار، ومخرج منفذ عمر النادي.

لجنة التحكيم 

 

شهد العرض لجنة التحكيم المكونة من الناقد المسرحي د. محمد سمير الخطيب، الموسيقار د. طارق مهران، د. سيد خاطر، مهندس الديكور حازم شبل والمخرج أحمد البنهاوي، ومقرر لجنة التحكيم ومدير المهرجان الكاتب سامح عثمان.


وبحضور سمر الوزير، مدير عام الإدارة العامة للمسرح، والمخرج محمد الطايع، مدير النوادي.

المهرجان الختامي لفرق الأقاليم المسرحية

 

المهرجان الختامي لفرق الأقاليم المسرحية الـ47 يقام بإشراف الكاتب محمد ناصف نائب رئيس الهيئة، والإدارة المركزية للشئون الفنية، برئاسة الفنان أحمد الشافعي، ويشارك به 26 عرضا مسرحيا من إنتاج الإدارة العامة للمسرح، وتقدم مجانا للجمهور حتى 5 يوليو المقبل، ويصدر عنه نشرة يومية، برئاسة تحرير الشاعر والناقد يسري حسان.

 

وتتواصل فعاليات المهرجان اليوم الأربعاء مع عرضين مسرحيين، الأول بعنوان "الطينة" لفرقة بيت ثقافة الطارف، تأليف كريم الشاوري، وإخراج جاسر حسين، ويعرض على مسرح قصر ثقافة روض الفرج في السادسة مساء.


بينما يستقبل مسرح السامر في التاسعة مساءً، عرض "حذاء مثقوب تحت المطر" لفرقة قصر ثقافة الشاطبي، عن نص "المسخ" لفرانز كافكا، تأليف محمد السوري، وإخراج سامح الحضري.

 

مقالات مشابهة

  • كتاب يعاين صورة المتنبي في مرآة الاستشراق وضع القراءة
  • فرقة الزقازيق تقدم "زمكان" بالمهرجان الختامي لفرق الأقاليم المسرحية
  • «بداية جديدة وأمل جديد».. تفاصيل موضوع خطبة الجمعة القادمة (النص الكامل)
  • تمرد الهامش وسخريته في تجربة عبد العزيز الفارسيّ القصصيّة
  • "عرض حال" و"زمكان" الليلة بمهرجان فرق الأقاليم المسرحية
  • بورسعيد النوعية تعرض "اليد السوداء" بمهرجان فرق الأقاليم المسرحية
  • حلف قبائل حضرموت يعلن وثيقة المبادئ السياسية للحكم الذاتي "النص الكامل للوثيقة"
  • التقطيع الثقافي للسرد.. مقاربة معرفية جديدة في الخطاب الأدبي الجزائري
  • متى كان الانقلاب العسكري سيحدث في إسرائيل بسبب البرنامج النووي؟
  • الوهم واليد السوداء في مهرجان فرق الأقاليم المسرحية .. اليوم