مُعَدَّل التضخّم المطلوب في أمريكا
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
-ترجمة - قاسم مكي
تضخم الأسعار أو انكماشها بافتراض ثبات كل العوامل الاقتصادية الأخرى أمرٌ سيئ.
فالنقود هي وحدة حساب الاقتصاد. إنها المقياس الذي نستخدمه لحساب الربح والخسارة وإبرام العقود وتحديد الديون وغير ذلك. وستكون هنالك مشكلة إذا ظل طول هذا المقياس يتغير باستمرار وعندما يلزمك أن تشعر بالقلق حول مقدار ما يمكنك شراؤه بالدولار في المستقبل.
مع ذلك لا يسعى بنك الاحتياط الفدرالي هذه الأيام، مثله مثل كل البنوك المركزية الرئيسية الأخرى، إلى تحقيق الاستقرار الكامل للأسعار. بكلمات أخرى لا يستهدف البنك تضخما بمعدل صفر في المائة (0%).
لماذا؟ لأن أسعار الفائدة في الاقتصاد عند معدل متوسط للتضخم ستكون في العادة أعلى من مستواها عندما يكون معدل التضخم صفرا في المائة (0%). هذه الظاهرة تعرف باسم «أثر فيشر». ويعني ذلك أن معدل التضخم المنخفض ولكن الإيجابي يتيح لبنك الاحتياط مجالا أرحب لخفض أسعار الفائدة في مواجهة انكماش الاقتصاد.
في سنوات التسعينيات تبنَّى واضعو السياسات وخبراء الاقتصاد بالإجماع الرأي القائل إن معدل 2% كهدف للتضخم يحقق على نحو أو آخر المقايضة أو الموازنة الصحيحة بين أهداف متناقضة. فهذا المعدل (أي 2%) منخفض بقدر كاف بحيث لا يدفع الناس إلى الانشغال أكثر مما يلزم بالقيمة المستقبلية للنقود. كما هو مرتفع بقدر كاف بحيث يندُر أن يصل الاقتصاد إلى الحد الصفري. وهذا الوضع أي الحد الصفري هو الذي لن يكفي فيه خفض أسعار الفائدة حتى إلى صفر في المائة (0%) لاستعادة التوظيف الكامل.
لكن خبراء الاقتصاد كانوا مخطئين. ففي عام 1999 قدَّرت ورقة مهمة صادرة عن بنك الاحتياط الفدرالي أنه في حال استهداف معدلٍ للتضخم يبلغ 2% ستكون نسبة احتمال وصول سعر الفائدة إلى الحد الأدنى الصفري حوالي 5% فقط. ومنذ نشر تلك الورقة بلغت نسبة وصولنا في الولايات المتحدة إلى معدلات الفائدة القريبة من الصفر أكثر من 33%.
نتيجة لذلك يعتقد العديد من خبراء الاقتصاد الآن أن تحديد نسبة 2% كمعدل مستهدف للتضخم كان خاطئا ويفترض أن يكون هذا المعدل 3% أو حتى 4%.
على أية حال يتذكر الاقتصاديون من أعمار معينة الفترة الرئاسية الثانية لرونالد ريجان عندما بلغ معدل التضخم في المتوسط 4%. وقليلون أولئك الذين تصوروا ذلك كمشكلة رهيبة.
في منتصف عام 2022 مع بلوغ معدل التضخم حوالي 9% ربما بدا التساؤل حول ما إذا كانت نسبة 2% مفرطة في انخفاضها نظريا ولا صلة له بالواقع الفعلي. على أية حال حتى في ذلك الوقت طرح بعضنا السؤال التالي: هل يجب على بنك الاحتياط الفدرالي التشبث بفكرة خفض التضخم إلى معدل 2%؟ ولماذا لا يكف البنك عن التدخل (برفع سعر الفائدة) عندما يبلغ التضخم مثلا معدل 3% ويعلن أن المهمة أنجزت.
لكن الأمور كما يتضح تتبدل بسرعة. فالتضخم هبط بشدة هذا العام خلافا للتنبؤات بأن انخفاض الأسعار سيتطلب ارتفاعا كبيرا في معدل البطالة.
معظم مقاييس التضخم الأساسي قريبة الآن من معدل 3%. نعم من معدل 3%. التضخم الأساسي مفهوم غير محدد بدِقّة بعض الشيء. لكنه أساسا محاولة لتحييد عوامل مؤقتة مثل التقلبات في أسعار النفط أو السيارات المستعملة التي يمكن أن تقود إلى تقلُّب التضخم من شهر إلى شهر آخر.
هنالك على سبيل المثال مقياس من بنك الاحتياط الفدرالي بولاية نيويورك يستخدم فيه «غربلة» إحصائية متقدمة لاستخلاص ما يفترض أنه اتجاه التضخم الأساسي. ويحدد هذا المعدل في الوقت الحاضر عند 2.9%. ويبدو أن تعويض العاملين يرتفع إلى حوالي 4%. وهو ما سيعني بالنظر إلى النمو العادي للإنتاجية معدلا للتضخم عند حوالي 3%.
لذلك إذا كان من المحتمل أن يكون تحديد معدل 2% كهدف لمستوى التضخم المطلوب خاطئا وإذا كان في مقدورنا مراجعته وتحديده مرة أخرى ربما عند 3% لماذا لا نعلن الانتصار على التضخم اليوم؟
حسنا. لقد سبق أن اجتمعت مع مسؤولين حاليين وسابقين في البنوك المركزية. أعتقد أنك إذا اقترحت عليهم القبول بمستوى التضخم الحالي ومراجعة المعدل المستهدف (وهو 2%) تبعا لذلك سيرفضون بشدة. لماذا؟
يبدو أن الإجابة ستكون خشيتهم من أن القبول بمعدل تضخم أعلى نوعا ما (من المعدل المستهدَف حتى إذا كان منخفضا جدا وفقا لقواعد علم الاقتصاد) سيقوِّض صِدْقِية البنوك المركزية.
من جهة أخرى هل يجب أن ترتبط السياسة النقدية دائما بهدف يبدو خاطئا وذلك خوفا من أن تغيير هذا الهدف سيُضعِف واضعي هذه السياسة في نظر الآخرين؟
في اعتقادي هنالك ثلاث خيارات أمام بنك الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي الأمريكي).
أولا، يمكنه تبنِّي الموقف الذي يُنسب إلى الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز ويتلخص في قوله «عندما تتغير الحقائق أغيِّر رأيي» وبالتالي (يغير البنك رأيه) ويتبنى علنا معدَّلا جديدا للتضخم.
كما يمكنه، وهذا هو الخيار الثاني، أن يتبني سياسة «نفاق استراتيجي» ويصرُّ على أن معدله المستهدف لم يتغير وفي ذات الوقت يسمح للتضخم بأن يظل قريبا من معدل 3% لعدة سنوات. ثم بعدما يتضح أن مثل هذه السياسة النقدية لن تسمح بانفلات التضخم يغيِّر أخيرا معدل التضخم المستهدف رسميا.
أيضا، وهذا هو الخيار الثالث، يمكن للبنك أن يشفع أقواله بأفعاله ويتخذ كل ما من شأنه تحقيق هدفه المعلن بإعادة التضخم إلى معدل 2% (ربما بخفض عرض النقد) حتى إذا أدى ذلك إلى انكماش الاقتصاد.
ما يمكن قوله إن الخيار الأول ليس معروضا على الطاولة. والخيار الثاني يبدو الاستراتيجية المرجّحة التي سيعتمدها البنك. لكن من الممكن أيضا أن يشعر بأنه مُرغَم على إثبات تشدده بإعادة التضخم إلى معدل 2% على الرغم من احتمال أن يكون ذلك تصرفا اقتصاديا سيئا.
لكن إذا بدا أن بنك الاحتياط الفدرالي يتخذ هذا الخيار الأخير يجب التصدي لواضعي السياسة النقدية. فهل يُطلب من العاملين الأمريكيين حقا خسارة وظائفهم بسبب خطأ ارتكبه شخص ما؟
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مدبولي: الرئيس السيسي وجه بإطلاق حزمة تيسيرات لنمو الاقتصاد.. ونواب: أي تسهيلات تقدمها الدولة للمصدرين تصب في الصالح العام
وكيل موازنة النواب: الحكومة لديها خطة لمضاعفة الصادرات
برلماني يطالب بمساعدة المصدرين لزيادة الدخل الدولاري للدولة
برلمانية: هناك اهتمام كبير من جانب الحكومة من أجل الاستثمار خلال الفترة القادمة
أكد عدد من النواب، أن أي تسهيلات تقدمها الدولة للمصدرين تشجع التصدير وتأتي في الصالح العام ، خاصة وأن ذلك سيساهم في تحصيل مستحقات الدولة وحصولها على كافة حقوقها ، وأشاروا إلى أن هناك اهتماما كبيرا من جانب الحكومة من أجل الاستثمار خلال الفترة القادمة.
في البداية قال النائب ياسر عمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن الحكومة لديها خطة تسعي من خلالها لمضاعفة الصادرات المصرية للخارج.
وأشار عمر في تصريحات خاصة لـ "صدى البلد" إلى أن أي تسهيلات تقدمها الدولة للمصدرين تشجع التصدير وتأتي في الصالح العام ، خاصة وأن ذلك سيساهم في تحصيل مستحقات الدولة وحصولها على كافة حقوقها.
وقال النائب محمود الصعيدي، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، أن برنامج الحكومة الجديد يعمل بصفة منظمة على زيادة الإنتاج وزيادة الصادرات ، وبالتالي تعتبر هذه الخطوة إيجابية جدا ولابد أن تسعى الدولة لحل مشاكل المصدرين بصورة إيجابية.
وطالب الصعيدي في تصريحات خاصة لـ"صدى البلد"، بمساعدة المصدرين على أداء عملهم لزيادة الدخل الدولاري للدولة.
وقالت ميرفت الكسان عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب أن هناك اهتماما كبيرا من جانب الحكومة من أجل الاستثمار خلال الفترة القادمة.
وأكدت الكسان فى تصريحات خاصة لـ"صدى البلد" أن مصر تستهدف ضخ استثمارات فى القطاع الخاص، وأن يكون هناك شراكة مع القطاع الخاص فى مجالات الزراعة والتصنيع و المواد الغذائية.
وكان قد أكد رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، أن الرئيس عبدالفتاح السيسي وجه الحكومة بضرورة إطلاق حزمة كاملة من التيسيرات لجميع القطاعات في الدولة ووضع رؤية متكاملة بصورة كبيرة لعدد من القرارات من شأنها تساعد الاقتصاد المصري في النمو بشكل أسرع .. مشيرًا إلى أن الحكومة تبذل مع كافة الجهات المعنية، وبناء على توجيهات رئيس الجمهورية، جهد كبير في الخروج بأفكار كثيرة في هذا الأمر؛ في حين سيتم عرضها على السيد الرئيس، بحيث يتم رؤيتها تتحقق خلال الفترة القادمة.
وأشار مدبولي - خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الأربعاء، عقب اجتماع الحكومة بمقر مجلس الوزراء بالعاصمة الجديدة - إلى التقارير الذي نشرته وكالة "فيتش" الدولية والخاص بالتصنيف الائتماني للاقتصاد المصري، موضحًا أن هذه المؤسسة الدولية المهمة التي تتابع اقتصاديات الدولة، قامت خلال تقريرها الاخير برفع للمرة الثانية توقعاتها لنمو الاقتصاد المصري خلال شهرين من 4.9 إلى 5.2 للعام المالي الحالي بناء علي الأداء الجيد جدا للاقتصاد خلال الربع الاول من العام .
وقال إن الوكالة الدولية أرجعت هذه الزيادة المتوقعة نتيجة زيادة الاستثمارات وزيادة الصادرات وتحسن المؤشرات الكلية للاقتصاد المصري والقطاع الخارجي وتوافر العملة الأجنبية واستقرار سعر العملات بالإضافة إلى توقعاتها بارتفاع إيرادات قناة السويس بصورة تدريجية خلال الفترة المقبلة وبالتالي أبقت المؤسسة تصنيف مصر عند المستوي B مع نظرة مستقبلية مستقرة .
وأضاف أن مؤسسة "فيتش" الدولية توقعت أن يحافظ الجنيه المصري على أدائه القوي أمام سلة العملات الأجنبية.. مشيرًا إلى أن كل هذه المؤشرات تعد مهمة جدا؛ للوقوف أمامها كونها تؤكد ما تقوله الحكومة بوضوح شديد دومًا من أن النمو الذي يحدث في الاقتصاد المصري قائم على إنتاجيه حقيقية وقطاعات رئيسية تعمل بغض النظر عن الظروف الموسمية او الصفقات أو الأموال الساخنة، هذا إضافة إلى إعلان البنك المركزي عن زيادة جديدة في الاحتياطي من العملة النقدية الأجنبية؛ والتي تبلغ 50 مليارا و216 مليون دولار بالمقارنة بالشهر الماضي بزيادة بلغت 145 مليون دولار خلال شهر .
وأوضح مدبولي أنه يلتقى - بصفة دورية - بمحافظ البنك المركزي على مدار الأسبوع حيث يوجد تنسيق كامل بين الحكومة والبنك المركزي في كل الإجراءات التي يتم التحرك خلالها بهدف تخفيض معدلات التضخم؛ وهو ما يؤدي لانخفاض تدريجي في أسعار الفائدة ويتيح فرصة أكبر للقطاع الخاص والمواطنين من الاستفادة من التسهيلات الائتمانية.. مشيرًا إلى أن الرقم الخاص بالتضخم لشهر نوفمبر أوضح انخفاض التضخم بشكل ملحوظ وأزال التخوفات من استمرار صعود التضخم حتي الشهر الماضي، لافتا إلى أن السبب الرئيسي لانخفاض التضخم هو انخفاض أسعار الخضروات والمواد الغذائية الأساسية على الرغم من ارتفاع أسعار وسائل النقل نتيجة ارتفاع أسعار الوقود؛ مما يثبت أن الإجراءات الحكومية كانت مناسبة وفي توقيت مثالي للوصول إلى النسبة الحالية من التضخم وصولًا إلى نهاية العام الجاري.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن التضخم وصل - في المدن المصرية - إلى 12.3 مقارنة للشهر الماضي البالغ 12.5، وأن التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية هو 10 %؛ وهو ما توقعته الحكومة للوصول إلى هذا الرقم بنهاية العام الجاري؛ وهو ما يؤكد أن الإدارة المشتركة لإدارة هذا الملف بين الحكومة والبنك المركزي تسير بشكل جيد .