لماذا تأتي الأشياء حين نتوقف عن مطاردتها؟
تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT
الأشياء كلما ركضت نحوها هربت، وكلما استودعتها ومضيت عادت، لأن الأشياء لا تحب أن تطارد، ولأن المطاردة أحيانًا لا تشبه السعي بل تشبه التوسل.
في الحياة كل شيء نفرض عليه قبضتنا يهرب، نطارد الفرص، ونحاول أن نحاصر الأحلام كي تتحقق بسرعة، نضغط على الحياة، ونرجوها ألا تؤجل ما نتمنى؛ فنرهق أنفسنا أكثر مما ننجز، لكننا حين نتوقف-لا لأننا يئسنا- بل لأننا تعبنا، تبدأ الأبواب التي ظلت مغلقة في الانفتاح! وكأن الأشياء كانت تنتظر أن نهدأ، أن نكف عن الرغبة الداخلية بامتلاكها، أن نخفف صوت الحاجة، ونعود إلى أنفسنا، لكن الحقيقة ليست جميلة دائمًا كما تبدو في القصص، فكثيرون انتظروا، وصدقوا، وتركوا الحياة تمر على أمل أن تأتي اللحظة التي انتظروها، وبدلًا أن تأتي الفرصة، مر الوقت والعمر، وتبدل فيهم شيء لا يمكن إصلاحه، أناس ظنوا أن الفرصة التي تلوح لهم من بعيد ستأتي يومًا وتغير كل شيء، فانتظروا، وصبروا، وضغطوا على أنفسهم؛ كي لا ينهاروا، ثم في لحظة صمت داخلي قالوا:” كفى” لقد قرروا ان يتركوا الحلم، لا لأنهم لا يريدونه؛ بل لأنهم استهلكوا أعمارهم في انتظاره، والأصعب من ذلك أن كثيرًا من هذه الأحلام تأتي فعلًا، لكنها تأتي بعد أن يفقد الإنسان قدرته على الفرح بها وإستقبالها، تأتي بعد أن يطفأ الحماس، ويبرد القلب، ويصمت الأمل، تأتي الفرص، لكنهم لا يعودون نفس الأشخاص الذين تمنوا أن تأتي حينها، لقد غيرهم الانتظار وسحب من أرواحهم شيئًا لن يعود كما كان، فحين نقول: إن الأشياء تأتي بعد أن نتوقف عن مطاردتها، علينا أن نتذكر أنها أحيانًا تأتي لكنها لن تجدنا في المكان ذاته
ولا بنفس الرغبة، وهنا لا يكون الانتصار في تحقق الحلم، بل في شجاعة النهوض بعد التخلي عنه، في القدرة على العيش بعد أن قلنا له:” كنت أستحقك، لكني لم أعد أنتظرك.
NevenAbbass@
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: بعد أن
إقرأ أيضاً:
سعادة لا تُشترى!
ريم الحامدية
لم يعد السؤال اليوم: ماذا تحب؟ بل أصبح كيف ستحول ما تحب وتسعد به إلى مشروع؟
لم تعد لحظات السعادة والمتعة كافية بذاتها، ولا يكفي الشغف وحده لتبرير الوقت الذي ينفق في الهوايات، ولم تعد الهواية مساحة برئية خارج دوائر الجدوى والربح، ففي زمن تغلب عليه ثقافة الانتاج الدائم، صار كل شي مطالبا بأن يثمر وكل موهبة مطالبة بأن تتحول؛ بل إن لحظة من المتعة باتت تحتاج إلى مبرر اقتصادي.
صوتك جميل.. لماذا لا تُطلق بودكاست؟ طبخك لذيذ.. لماذا لا تفتح مطعمًا؟
تصويرك ملفت؟ لماذا لا تجعل حسابك عامًا؟ خواطرك عميقة؟ لماذا لا تكتب كتابًا؟
أسئلة تبدو في ظاهرها دعمًا وتشجيعًا، لكنها تحمل في داخلها ضغطًا غير مرئي، يلاحق الإنسان حتى في أكثر مساحاته خصوصية وهي مساحات اللعب، والراحة، والهواء الخفيف الذي نتنفسه بعيدًا عن منطق السوق.
لقد تحوّلت الهوايات من ملاذ إلى مشروع، ومن مساحة حرّة إلى خطة عمل، ومن لحظة صدق إلى فرصة تسويق، لم نعد نرسم لنفرِّغ قلوبنا؛ بل لنبيع اللوحة، ولم نعد نكتب لأننا نختنق إن لم نبوح بما يختلج صدورنا، ولكن لنحصد إعجابات وانتشار على المنصات الرقمية، ولم نعد نصوِّر لأن الضوء يُدهشنا وجمال اللقطة تُنعش قلوبنا؛ بل لأن الخوارزمية تحتاج محتوى جديدًا!
إننا في زمن الثقافة التي تُسلِّع كل مُتعة وتحوِّل كل جمال إلى فِعل مادي، وكل شغف إلى أرقام ومؤشرات.
هذه الثقافة لا تكتفي بأن تدفعنا للإنتاج؛ بل تُشعرنا بالذنب إن لم نفعل، تُشعرنا بأننا متأخرون إن لم نحوّل ما نحب إلى إنجاز ملموس، وكأن الحياة باتت سباقًا لا يتوقف، ومن يهدأ قليلًا يُتّهم بالكسل أو الهروب.
المشكلة ليست في العمل، ولا في تحويل الموهبة إلى مشروع؛ بل في الإكراه الخفي الذي يتسلل إلى أرواحنا، أن تشعر بأن متعتك غير شرعية ما لم تُدرّ مالًا، وأن راحتك ترف لا تستحقه، وأن الهواية بلا جمهور هي فرصة ضائعة.
هناك أشياء خُلقت لتُحَب فقط، أشياء لا تقبل أن تُحوَّل إلى منتج، ولا تليق أن تُختزل في أرباح، أشياء نمارسها لأننا نختنق بدونها، لا لأننا نريد أن نبيعها.
أن نطبخ لأن رائحة البيت تحتاج دفئًا، أن نكتب لأن الصدر امتلأ بالكلمات، أن نصوِّر لأن اللحظة خافتة ونخشى أن تضيع، أن نمشي بلا هدف؛ لأن أرواحنا تحتاج مساحة بلا اتجاه.
لست ضد الفائدة ولا ضد الرزق حين يأتي متناغمًا مع رغبة الإنسان واستعداده، لكننا ضد شعور الذنب، وضد مطاردة الإنسان بأسئلة التوسّع والانتشار والسبق، وكأن الهدوء خطيئة، والبساطة فشل، والرضا خسارة.
لقد دفعنا هذا العصر إلى أن نعامل أنفسنا كمشاريع، لا كبشر، أن نقيس أعمارنا بالإنتاجية، وأيامنا بالإنجازات، وقيمتنا بما نعرضه أمام الآخرين، ربما آن الأوان أن نتوقف قليلًا، أن نسأل أنفسنا بصدق متى كانت آخر مرة فعلنا شيئًا لمجرّد أننا نحبه؟ بلا جمهور، وبلا مردود، بلا ضغط.
نحتاج أن نستعيد حقّنا في الأشياء التي لا تُوظَّف، ولا تُحوَّل، ولا تُستثمَر.
نحتاج أن نحمي مساحاتنا الصغيرة من ضجيج السوق، أن نعيد تعريف النجاح، لا ككمية ما نبيع؛ بل كمساحة ما نشعر.
ولعلّ أجمل ما يمكن أن نقاوم به هذه الثقافة، هو أن نحب شيئًا ولا نُعلن عنه، وأن نمارسه في الخفاء، ونحرسه من أن يتحوّل إلى واجب.
ربما لم نُخلق لنكون علامات تجارية، ولا لنحمل أرواحنا إلى السوق.
وربما أخطر ما يحدث لنا اليوم… أننا بدأنا نصدّق ذلك.
فما الذي سنحتفظ به لأنفسنا، قبل أن يُعاد تسعيرنا بالكامل ويصبح لكل فرد فينا "باركود"؟!
رابط مختصر