تونس- يُوافق غدا الجمعة الذكرى الرابعة للإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيّد. وعلى امتداد كل هذه السنوات، عرف المشهد السياسي تحولات عميقة، يعتبرها أنصار الرئيس تصحيحا لمسار الثورة، وترى المعارضة أنها مرحلة "صفحة سوداء" في تاريخ البلاد.

وبموجب تلك التدابير الاستثنائية قبل 4 سنوات، قام سُعيد بحل البرلمان، وعزل حكومة هشام المشيشي، وحل المجلس الأعلى للقضاء وعددا آخر من المؤسسات الدستورية كالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.

وأصدر سعيد المرسوم 117، ليكون دستورا مؤقتا حكم من خلاله البلاد بصلاحيات رئاسية واسعة غير مسبوقة، وقام بعزل عشرات القضاة ورفض إرجاعهم لعملهم رغم قرار المحكمة الإدارية.

كما قام بصياغة دستور بنفسه في 25 يوليو/تموز 2022، وغير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي، يتمتع فيه بصلاحيات مطلقة، ورغم أنه عرضه على الاستفتاء الشعبي لكن لم تشارك فيه إلا نسبة قليلة من الناخبين.

ونهاية سنة 2022، دعا سعيد لانتخابات تشريعية لم تشارك فيها إلا نسبة قليلة أيضا، وقاطعتها أحزاب المعارضة، ليتم تنصيب برلمان موال له ذي مهمة وظيفية، ولا يتمتع بأي صلاحيات قوية أمام الرئيس.

وفي فبراير/شباط 2023 قامت السلطات التونسية بحملة أمنية واسعة ضد عشرات المعارضين الذين اعتقلوا وزج بهم في السجون، ثم حوكموا ابتدائيا بتهمة التآمر على أمن الدولة بموجب قانون الإرهاب، وحكم عليهم بأحكام قاسية.

تصحيح المسار

يرى أنصار الرئيس أن الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها في يوليو/تموز 2021 مثّلت تصحيحا ضروريا لمسار الثورة، بعد ما اعتبروه عشرية من الفوضى والتجاذب السياسي وتفشي الفساد في الفترة ما بين عامي 2011 و2021، كما يعتبرون أن محاكمة المعارضين تتم وفق القانون على جرائم إرهابية ومالية حقيقية.

ويؤكد مؤيدوه أن الرئيس لا يزال يحظى بثقة شريحة واسعة من التونسيين الذين يرونه رمزًا لنظافة اليد والتعفف، في وقت يتهمون فيه ما يُعرف بالإدارة العميقة بمحاولات متواصلة لتعطيل مساره الإصلاحي وإفشال مشروعه السياسي، سواء من داخل أجهزة الدولة أو عبر حملات التشويه الإعلامي والمعارضة السياسية.

إعلان

ويرى أنصار الرئيس أنه يسعى إلى ترسيخ أسس دولة اجتماعية عادلة، تحمي الفئات الهشّة وتقطع مع مظاهر الاستغلال والتمييز، ويستشهدون بجملة من التشريعات التي يصفونها بـ "التاريخية" على غرار القانون المتعلق بمنع المتاجرة باليد العاملة، والمبادرات القانونية الرامية إلى تحسين وضعية العاملات الفلاحيات وضمان حقوقهن، مؤكدين أن هذه الخطوات تعبّر عن توجّه جديد يجعل من العدالة الاجتماعية جوهر المشروع السياسي لسعيّد.

ملاحقات قضائية

وفي المقابل يؤكد معارضون بارزون أن تونس تحولت إلى "سجن كبير" خلال فترة حكم سعيّد، بعد إيداع عشرات المعارضين والنشطاء السجون، من بينهم زعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان المحلول راشد الغنوشي (84 عاما) المعتقل منذ أكثر من عامين في قضايا يصفها خصوم سعيّد بأنها سياسية بامتياز.

كما طالت حملة التوقيفات والسجون عددا من أمناء الأحزاب، من بينهم الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، والأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي، إلى جانب قيادات بارزة من جبهة الخلاص المعارضة.

كما امتدت الإجراءات لتشمل صحفيين ونقابيين ونشطاء المجتمع المدني، من خلال استخدام المرسوم رقم 54 الذي يعتبره ناشطون سيفا مصلتا على رقاب المنتقدين، إلى جانب قوانين مكافحة الإرهاب والمجلة الجزائية وقانون الاتصالات، ويصفه مراقبون بحملة ممنهجة للتضييق على الحريات.

ومؤخرا، أصدر القضاء -المتهم بالتبعية لسلطة الرئيس- أحكاما سجنية قاسية في حق عشرات المتهمين في قضايا تتعلق بالتآمر على أمن الدولة، وذلك في الطور الابتدائي. ومن المنتظر أن ينظر القضاء في طور الاستئناف، بعد انتهاء العطلة الصيفية، في إمكانية تثبيت تلك الأحكام.

حصيلة سلبية

وفي تقييمه السياسي لمسار سعيّد، يرى القيادي في حركة النهضة رياض الشعيبي أن هذا المسار كان منذ البداية يرتكز على توظيف بعض المطالب الاجتماعية كغطاء للسيطرة على البلاد وتوسيع نفوذه، دون أن يحمل أي برنامج سياسي حقيقي أو رؤية اقتصادية.

ويؤكد أن الحصيلة بعد 4 سنوات من الحكم الفردي كانت "سلبية جدا" على المستوى السياسي، معتبرا أن السلطة لم تكتف بتهميش المعارضة من المشهد العام، بل صعّدت استهدافها من خلال محاكمة المعارضين وغلق مقرات أحزاب كحركة النهضة، وملاحقة نشطاء المجتمع المدني، لترهيب المجتمع.

ويرى الشعيبي أن تونس، التي كانت تمثل تجربة ديمقراطية واعدة وتطمح لأن تكون أول ديمقراطية ناشئة في المنطقة بعد ثورة 2011، قد شهدت انتكاسة خطيرة أعادت البلاد إلى مربع الاستبداد، حتى باتت أشبه بسجن كبير، بعد أن كانت تقدم نموذجا يُحتذى به في مسار الانتقال الديمقراطي، وفق تعبيره.

وبعيدا عن الملف السياسي، يشير الشعيبي إلى تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي، إذ يرى أن البلاد لم تشهد تحسنا يذكر، حيث ظلت معدلات النمو منخفضة، وتفاقمت معاناة المواطنين بسبب ارتفاع نسب البطالة وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب الأزمات المتكررة في تأمين المواد الأساسية.

إعلان

ويوضح أن الفجوة بين الواقع الاقتصادي والشعارات التي ترفعها السلطة واسعة جدا، فخطابات مثل "سياسة التعويل على الذات" لم تنعكس في سياسات واضحة أو نتائج ملموسة، بل كانت مجرد أدوات خطابية تُوظف لإضفاء مشروعية شعبية على خيارات فاشلة، ولبناء ولاءات سياسية موالية لسعيد.

ويقول أيضا إن السلطة استندت إلى إصدار ترسانة من القوانين والإجراءات الشكلية، لكنها فشلت في أن تمس جوهر الأزمة الاقتصادية أو تقدم حلولًا جدية لوقف النزف المالي والاجتماعي لأن منطق الاقتصاد يختلف كليا عن منطق الإجراءات القانونية الشكلية التي لا تصلح مشكلات الاقتصاد.

 

انزلاق خطير

ويرى القيادي بالتيار الديمقراطي هشام العجبوني أن تجربة 25 يوليو/تموز مثّلت انزلاقا خطيرا نحو الحكم الفردي المطلق، معتبرا أن الرئيس سعيد استغل فقدان الثقة في المنظومة السياسية السابقة لتعزيز سلطاته دون ضوابط، مما أدى إلى ضرب مؤسسات الدولة وتهميش دور الأحزاب والمنظمات.

ويشير إلى أن البلاد دخلت منذ ذلك التاريخ مرحلة غياب المساءلة وتعطيل الحياة السياسية "حيث تم تجميع السلطات بيد شخص واحد، وسط خطاب تقسيمي يعتبر كل مختلف خائنا ومتآمرا".

ويرى العجبوني أن البرلمان المنتخب في ظل دستور 2022 أُفرغ من مضمونه التشريعي، وتحوّل إلى مؤسسة شكلية لا تعكس التعددية ولا تمثل المواطنين تمثيلا حقيقيا، بل غلبت عليه عقلية الولاء والخوف من انتقاد الرئيس، مما ساهم في تغييب النقاش الجاد وتعطيل الرقابة على السلطة التنفيذية.

أما على المستوى الاقتصادي، فيقول العجبوني إن الإنجاز الوحيد بعد 4 سنوات من حكم سعيّد هو توسيع استخدام مرسوم 54 الذي أصبح سيفا مصلتا على رقاب المعارضين والمنتقدين لسياساته.

ويضيف العجبوني "نظام سعيّد فشل في تحقيق أي إنجاز اقتصادي يُذكر، باستثناء ضرب استقلالية القضاء وتصفية المعارضة والزجّ بمنتقديه في السجون" مشددا على أن الشعارات الشعبوية لم تنعكس على واقع التونسيين الذين يرزحون تحت عبء التضخم والبطالة وغلاء المعيشة.

واعتبر أن شعار "التعويل على الذات" الذي يروّجه الرئيس "مجرّد وهم" موضحا أن الدولة "اعتمدت على سياسة اقتراض مفرطة، حيث بلغت القروض الداخلية والخارجية خلال سنتين فقط رقماً قياسيًا يعادل 36% من حجم الميزانية".

وأشار العجبوني إلى أن النمو الاقتصادي يراوح الصفر، مع تراجع الاستثمارات وانعدام الثقة، قائلا "كل المشاريع الكبرى التي تم الترويج لها، من الشركات الأهلية إلى الصلح الجزائي، بقيت وعودا بلا أثر ملموس في الواقع".

وأضاف "حتى قانون منع المناولة الذي قُدّم كإنجاز اجتماعي، تم تمريره دون تقييم للواقع الاقتصادي، مما تسبب في تسريح عمال وإلغاء عقود، وهو ما يضرب الفئات التي يُفترض أن نحميها".

وختم العجبوني بتأكيد أن "خطابات الرئيس المليئة بالشعارات لم تعد تقنع أحدا" وأن "تونس اليوم تدفع ثمن الحكم الفردي والقرارات الارتجالية التي زادت من عزلتها وعمّقت أزمتها الاقتصادية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات

إقرأ أيضاً:

الرئيس السيسي وماكرون يتفقان على أن الجهود الراهنة يجب أن تفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية

اتفق الرئيس عبد الفتاح السيسي، والرئيس إيمانويل ماكرون، رئيس الجمهورية الفرنسية، على أن الجهود الراهنة يجب أن تفضي إلى إطلاق عملية سياسية شاملة تؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وصرّح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بأن ذلك جاء خلال اتصال هاتفي تلقاه الرئيس السيسي من نظيره الفرنسي.

وتطرق الاتصال إلى تطورات الأوضاع في الضفة الغربية، حيث أكد الرئيس رفض مصر القاطع للانتهاكات الإسرائيلية، مشددًا على ضرورة دعم الشعب الفلسطيني وزيادة الضغط الدولي لوقف هذه الانتهاكات، ودعم السلطة الفلسطينية في الوفاء بالتزاماتها تجاه شعبها.

وأعرب الرئيس السيسي عن تقديره العميق لما تشهده العلاقات الثنائية بين مصر وفرنسا من تطور نوعي، خاصة عقب الارتقاء بها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية خلال زيارة الرئيس الفرنسي إلى القاهرة في أبريل 2025، وهو ما انعكس إيجابًا على تنامي التعاون بين البلدين في مختلف المجالات.

وصرّح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بأن الرئيس أعرب عن تقديره العميق لما تشهده العلاقات الثنائية بين مصر وفرنسا من تطور نوعي، خاصة عقب الارتقاء بها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية خلال زيارة الرئيس الفرنسي إلى القاهرة في أبريل 2025، وهو ما انعكس إيجابًا على تنامي التعاون بين البلدين في مختلف المجالات.

وأوضح السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي، أن الرئيسين بحثا سبل مواصلة دفع العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين، عبر تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والاستثماري، وزيادة حجم التبادل التجاري الذي شهد تقدمًا ملموسًا خلال الأشهر الماضية، فضلًا عن التعاون في قطاعات الصناعة والسياحة والنقل.

كما تناول الاتصال مستجدات الأوضاع الإقليمية، وفي مقدمتها قطاع غزة، حيث أعرب الرئيس عن تقدير مصر للدعم الفرنسي للجهود المصرية التي أفضت إلى التوصل إلى اتفاق وقف الحرب، مؤكدًا ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار والانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام.

وشدد الرئيس على أهمية تعزيز إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، والبدء الفوري في مرحلة التعافي المبكر وإعادة الإعمار.

من جانبه، أعرب الرئيس ماكرون عن تقديره للدور المحوري الذي تضطلع به مصر في تحقيق الاستقرار الإقليمي، ولاسيما في تثبيت اتفاق وقف الحرب في غزة.

وفيما يتعلق بالشأن السوداني، أكد الرئيس دعم مصر الكامل لوحدة وسيادة السودان وسلامة أراضيه، ورفضها لأي محاولات تهدد أمنه، معربًا عن مساندة مصر لجهود إنهاء الحرب واستعادة السلم والاستقرار في السودان الشقيق.

وفي ختام الاتصال، تبادل الزعيمان التهنئة بمناسبة العام الميلادي الجديد، متمنيين لشعبي مصر وفرنسا دوام الاستقرار والرخاء.

اقرأ أيضاًالسيسي يستقبل حفتر.. حين تُعيد الجغرافيا تشكيل السياسة وتختبر القاهرة بوصلتها في الغرب

مدبولي: ندعم التوسع في المدارس اليابانية بمصر تنفيذا لتوجيهات الرئيس السيسي

بعد قرار علاج عبلة كامل على نفقة الدولة.. «المهن التمثيلية» توجه الشكر للرئيس السيسي

مقالات مشابهة

  • عبر الخريطة التفاعلية.. ما أهمية المنطقة التي وقع فيها كمين تدمر؟
  • فيتو الرئيس.. ونائب المصادفة
  • حراك احتجاجي مستمر في تونس ضد التضييق على الحريات
  • تونس: السجن 12 سنة بحق السياسية المعارضة عبير موسي بعد طعنها في أوامر الرئيس قيس سعيّد
  • مدبولي يؤكد دعم الدولة لمختلف المشروعات الثقافية المتنوعة التي تستهدف تقديم الخدمات خاصة للشباب والنشء
  • رقم كبير.. النجف تكشف كمية الأمطار التي تم تصريفها من شوارع المحافظة
  • الرئيس السيسي وماكرون يتفقان على أن الجهود الراهنة يجب أن تفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية
  • خبير سياسي: مصر الوحيدة التي تواجه المشروع الدولي لتقسيم سوريا وتفكيك الدولة
  • عاجل- فيليب بلومبرج: مصر تشهد تطورًا كبيرًا و"بلومبرج جرين" تعتزم التوسع في السوق المصرية
  • تونس.. السيادة للشعب وليس لقيس سعيّد.. الحقائق السبع