شبكة اخبار العراق:
2025-12-12@08:28:23 GMT

هيمنة الحكاية على سلطة السرد

تاريخ النشر: 24th, July 2025 GMT

هيمنة الحكاية على سلطة السرد

آخر تحديث: 24 يوليوز 2025 - 1:18 ممحمد سعيد احجيوج يتجذر في تلقي الرواية العربية تصور يمنح الحكاية سلطة جوهرية في تشكيل العمل السردي، وأن ما يحيط بالحكاية، في النص الروائي، من عناصر فنية أخرى لا يتعدى كونه ملحقًا لا يقتضي كثيرًا من العناية. يوجّه هذا التصور طريقة اشتغال الروائي العربي، ويؤثر بدوره في كل من القارئ والناقد، بحيث يُنظر إلى الرواية كأداة لحمل حكاية جذابة، من دون اعتبارها بنية فنية قائمة بذاتها، ذات قوانين داخلية وأساليب متنوعة تقتضي الدراية وتشترط التمكن.

يتجاوز هذا الخلط، بين الرواية كفنّ سردي حديث والحكاية الشعبية ذات الطبيعة الشفاهية، حدود الالتباس إلى كونه ثمرة من ثمار الوعي الثقافي الخاضع لهيمنة النموذج الشفاهي، المترسخ طبقات في لاوعي الثقافة العربية.لقد وجدت شخصية الحكواتي مكانتها الطبيعية في المقاهي والساحات، تؤنس الناس بحكايات خيالية جذابة، وتخاطب المخيلة الجمعية من خلال حضور صوتي وجسدي طاغ. وفي البيئات الأرستقراطية، ظهرت هذه الشخصية في هيئات أخرى، كالشاعر أو النديم أو الجارية، تؤدي الدور نفسه وإن بلبوس مختلف. وكانت القيمة تُمنح لذلك الذي ينجح في إغواء الأسماع وجذب الانتباه وإشباع القلوب. انتقل هذا النموذج بكل قوته إلى الرواية الحديثة، فاستقر في الوعي العربي كمقياس خفي يوجّه عملية التلقي والإبداع معًا. بات الكاتب ينجز نصه بروح الحاكي، ويستقبل القارئ الرواية بإذن المستمع، بينما يبني الناقد أحكامه على مدى جاذبية الحكاية. أما البنية الروائية، بتقنياتها الدقيقة، من تشكيل الشخصيات ورسم الأزمنة وتعدد مستويات السرد ولغة التعبير الفنية، فهذه لا تحظى بالاهتمام ذاته، وتوضع في خانة الزينة، والكماليات، السردية التي يمكن الاستغناء عنها متى ما توفرت الحكاية الجذابة. ومن هذا التصور الشفاهي تنشأ نظرة مبسطة للرواية، تختزلها في كونها مجرد حكاية تُحكى، وتُغفل عن خصوصياتها كفن أدبي مركّب قائم على البناء والتقنية والأسلوب والاتقان. يتعامل الكاتب العربي مع النص الروائي كما لو كان مجرد قصة ممتدة تحتاج إلى التشويق وبعض المفاجآت، ويُكرّس مجهوده كله لصناعة الحكاية، بل هو كثيرا ما يترك الحكاية تتدفق من وعيه دون أدنى اشتغال أدبي، تاركًا على جنب كل ما يمنح الرواية طابعها الجمالي والفني. ولعل مسألة تعدد الأصوات تمثل خير مثال على هذا الفهم القاصر. يختار الكاتب أن يوزع السرد بين شخصيات عدة، ويمنح كل شخصية فصلًا أو مشهدًا خاصًا، لكنه لا يمنحها صوتًا فعليًا ينبع من خلفيتها الاجتماعية والمعرفية واللغوية. فتتساوى الأصوات في نبرة واحدة، وتذوب الفوارق بين طفل وشيخ، بين فلاح وأستاذ جامعي، ليبدو النص وكأنه صادر عن لسان واحد يرتدي أقنعة متعددة. وهكذا يتحول التعدد الظاهري إلى تمويه، لا يعكس التعدد الحقيقي الذي يُفترض أن يُثري النص ويمنحه عمقًا سرديًا يسكنه الجدل والصراع. وتتسع هذه الرؤية لتشمل القارئ أيضًا، الذي يُقبل على الرواية بحثًا عن متعة الحكاية الصرفة، لا عن جماليات التشكيل. يقرأ ليتتبع الأحداث، فإذا وجد فيها ما يثيره أو يشده، اكتفى بذلك، ورأى في العمل نصًا ناجحًا يستحق الثناء. أما ما يتعلق بدقة التكوين الفني، من رسم الشخصيات إلى تنويع مستويات اللغة وتحكم في زوايا الرؤية، فلا يشغل حيزًا يُذكر في عملية التلقي. وهكذا تتكرس الحكاية بوصفها المعيار الأعلى، بينما تُدفع العناصر السردية الأعمق إلى هامش لا يُلتفت إليه. في الوقت الذي تشهد فيه الرواية العالمية تطورًا مستمرًا على مستوى البنية والتقنيات، تظل الرواية العربية، في عمومها دون تجاهل بعض الاستثناءات، تدور داخل إطار تقليدي يعيد إنتاج الحكاية بنفس الأساليب القديمة. تتعدد المواضيع وتتنوع الخلفيات، غير أن طريقة السرد تكاد لا تتغير. يتصدر صوت الكاتب المشهد، يشرح ويوجّه، يفسّر ما جرى وما ينبغي أن يُفهم، ثم يختتم بما يرى أنه خلاصة المعنى. فتبدو الرواية وكأنها إعادة إحياء لصوت الحكواتي، يعتلي المنصة ويقود القارئ من يده نحو المعنى المقصود. ويمتد هذا النمط السردي إلى الفضاء النقدي، حيث يجد الكاتب نفسه في حضرة منظومة نقدية تعزز المنطق نفسه. لا يستند كثير من النقد العربي، الموجه للقراءة العامة، إلى تحليل البناء الفني للرواية مع مضمونها في بوتقة واحدة، وإنما يتعامل معها بوصفها أداة لنقل رسالة أو وسيلة لتجسيد الواقع. تُمدَح الروايات لأنها تناولت قضايا حساسة، أو لأنها قدّمت صورة واقعية للمجتمع، ويُحتفى بها لأنها قالت شيئًا مهمًا، لا لأنها قالته بطريقة مبتكرة.  ينشغل الناقد بتحليل المضمون، ويملأ صفحات مطولة عن الرسالة والموضوع والدلالة الاجتماعية، تاركًا للجانب الفني هامشًا ضيقًا، قد لا يتجاوز فقرة يتيمة في نهاية المقال. وفي هذا الإطار، تصل إلى الكاتب إشارات ضمنية تنصحه بالتركيز على القضايا لا على الأشكال، وعلى الرسالة لا على التكوين. فيُوجَّه الجهد نحو البحث عن حكاية جذابة، دون عناية تذكر بمقومات الفن الروائي ذاته. وأما النقد الذي يمكن أن نسميه جزافا الأكاديمي فهو غارق في انشغالات سطحية لا تخدم الرواية بشيء. وبهذا يتكرّس نموذج إنتاجي يحتفي بالمحتوى بما هو حكاية صرفة ويُهمّش الشكل الفني المرتبط عضويا بالموضوع، فيُدفَع إلى الساحة نص سردي، قد يكون أحيانا قويا في موضوعه، لكنه في الغالب هش في أدواته، يحظى باهتمام القراء ورضا النقاد ومؤسسات الجوائز، في حين تظل الرواية، بوصفها فنًا مركّبًا، تنتظر من يعيد الاعتبار لبنيتها وأسئلتها الجمالية العميقة. يمتد أثر هذا الخلل إلى خارج حدود اللغة، حيث تُعرض الرواية العربية على القارئ العالمي بوصفها نصًا مترجمًا، فإذا به يواجه بنية سردية لا تنسجم مع تطور الرواية الغربية. قد تُثير الحكاية اهتمامه من حيث الموضوع، لكنه يجدها محاطة بشكل متجاوز وثغرات فنية لا نهاية لها (ما لم يتدخل المترجم ويصلحها)، تُذكره بسرد تقريري أو شهادة اجتماعية، لا بعمل أدبي ناضج. فتُدرج الرواية ضمن خانة الأدب الإثنوغرافي أو السرد الوثائقي، وتُقرأ كوثيقة ثقافية، وسياسية، أكثر من كونها نصًا فنيًا يستحق التقدير الجمالي، ولذلك غالبا ما يبقى التلقي خاضعا للرؤية الاستشراقية، التي تعودت على الحكاية العجائبية في الأدب العربي دونما أي صنعة فنية تتحدى أفق توقعات القارئ الغربي. لا يتشكل هذا التصنيف من فراغ، بل ينبع من خلل فعلي في صنعة الرواية. حين تفتقر الرواية إلى هندسة سردية متقدمة، وتُقدَّم بصيغة ساذجة، يفقد النص قدرته على منافسة الأعمال العالمية. العالم ينجذب إلى النصوص التي تحترم معايير الفن، وتُظهر تفوقًا في الصنعة، لا إلى الحكايات الخام مهما كانت مثيرة. فالمادة، مهما بلغت أهميتها، تحتاج إلى تشكيل فني يرفعها من مستوى الحكاية المعاشة إلى مرتبة الأثر الأدبي الخالد. لا مخرج من هذا المأزق إلا بتحول عميق في بنية الوعي الثقافي العربي، تحول يُعيد تعريف الرواية بوصفها فنًا قائمًا على الصنعة، لا مجرّد وعاء لحكاية جذابة. حين نميز بوضوح بين الحكاية والرواية، نخطو الخطوة الأولى نحو إدراك طبيعة هذا الفن المركب الذي لا يُنجَز بالإلهام وحده، بل يتطلب مهارة ودراية وتجريبًا طويلًا في معمار السرد وتفاصيله الدقيقة. يتطلب الأمر مراجعة الكثير من المُسلّمات الجمالية التي نأنس إليها. يتطلب أن نُعيد النظر في نصوص طالما احتُفي بها، وأن نكتشف تحت سطح الحكاية المدهشة بنًى بدائية وأساليب مهلهلة. يتطلب أن نعترف بأن الموهبة، مهما بلغت، لا تثمر من دون صقل متواصل، وأن النبل الأخلاقي للقضية لا يغني عن إتقان الشكل الفني، وأن الحكاية القوية لا تكشف عن قوتها إلا إذا حملتها أدوات سردية تليق بها. تكتمل الرواية عندما تُروى بمقاييس الفن الروائي لا بمعايير الحكي الشفاهي. حين تُبنى الشخصيات من الداخل، فتتنفس وتفكر وتخطئ وتتكشف. حين تُرسم الحبكة بخيوط مشدودة لا تترك فراغًا، ويتوزع الزمن بحساب دقيق، وتُصاغ اللغة بعين السارد الفنان لا الواعظ أو الحكواتي. حين ينسجم كل تفصيل، مهما صغر، مع البنية الكلية، ويخدم مشروع الرواية الجمالي والفكري.

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: الذی ی

إقرأ أيضاً:

حماس ترفض تقرير العفو الدولية وتتهمه بتبني الرواية الإسرائيلية

رفضت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الخميس، تقرير منظمة العفو الدولية الذي صدر في وقت سابق الخميس واتهم فصائل فلسطينية مسلحة بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" خلال هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. 

واعتبرت الحركة أن التقرير يستند إلى رواية الاحتلال الإسرائيلي ويتضمن مغالطات وتناقضات جوهرية، في وقت يواصل فيه الاحتلال التغطية على جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها في قطاع غزة منذ اندلاع الحرب.

حماس: تقرير العفو "مغلوط ومشبوه"
قالت حماس في بيان رسمي إنها ترفض "بشدة" ما ورد في تقرير منظمة العفو الدولية، معتبرة أنه "يزعم ارتكاب المقاومة الفلسطينية جرائم خلال عملية طوفان الأقصى"، وأنه يتجاهل الحقائق التي وثقتها منظمات حقوقية، بعضها إسرائيلية. 

وأكدت الحركة أن التقرير "مغرض ومشبوه" ويحتوي على "مغالطات وتناقضات" تتناقض مع ما أثبتته تسجيلات ووثائق وتحقيقات ميدانية.

وأشارت الحركة إلى أن بعض مزاعم العفو الدولية، مثل "تدمير مئات المنازل والمنشآت"، ثبت أنها وقعت بفعل القوات الإسرائيلية نفسها عبر القصف الجوي والبري. 

كما أوضحت أن "الادعاء بقتل المدنيين" يناقض تقارير عدة أكدت أن جيش الاحتلال هو من قتلهم في إطار تطبيقه "بروتوكول هانيبال" الذي يجيز إطلاق النار على الإسرائيليين لمنع أسرهم.

اتهامات بالاستناد إلى رواية الاحتلال
ورأت الحركة أن ترديد التقرير "أكاذيب الاحتلال" حول العنف الجنسي والاغتصاب وسوء معاملة الأسرى يؤكد أن الهدف الحقيقي هو "التحريض وتشويه المقاومة"، مشيرة إلى أن "العديد من التحقيقات الدولية" سبق أن فندت تلك الادعاءات. 

وشددت حماس على أن "تبني منظمة العفو لهذه المزاعم يضعها في موقع المتواطئ مع الاحتلال، ومحاولاته شيطنة الشعب الفلسطيني ومقاومته الشرعية".

وطالبت الحركة المنظمة الدولية بالتراجع عن التقرير "غير المهني" ورفض الانجرار خلف الرواية الإسرائيلية الهادفة – بحسب البيان – إلى طمس حقيقة جرائم الإبادة الجماعية التي تحقق فيها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.


غياب المنظمات الدولية عن غزة
وأكدت حماس أن حكومة الاحتلال منعت منذ الأيام الأولى للحرب دخول المنظمات الدولية وفرق الأمم المتحدة إلى قطاع غزة، كما حظرت وصول فرق التحقيق المستقلة إلى مسرح الأحداث. 

وأوضحت أن "الحصار المفروض على الشهود والأدلة" يجعل أي تقارير تصدر عن جهات خارج القطاع "غير مكتملة ومنقوصة"، ويحول دون الوصول إلى تحقيق مهني يعتمد على الحقائق الميدانية.

تقرير العفو الدولية
وكانت منظمة العفو الدولية قد أصدرت في وقت سابق الخميس تقريرا موسعا من 173 صفحة، اتهمت فيه فصائل فلسطينية – وفي مقدمتها حماس – بارتكاب "انتهاكات للقانون الدولي الإنساني وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، خلال هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر أو ما تلاه من احتجاز وإساءة معاملة للرهائن.

وجاء في التقرير أن الفصائل الفلسطينية "واصلت ارتكاب الانتهاكات" عبر احتجاز الرهائن وسوء معاملتهم، واحتجاز جثامين تم الاستيلاء عليها، مشيرا إلى أن "قتل أكثر من 1221 شخصا في إسرائيل" – وفق تصنيف المنظمة – يرقى إلى "جريمة إبادة ضد الإنسانية".

كما تضمن التقرير اتهامات بالاغتصاب والعنف الجنسي، رغم أن المنظمة أقرت بأنها لم تتمكن من توثيق سوى "حالة واحدة فقط"، الأمر الذي حال دون تقدير حجم الانتهاكات المزعومة بدقة.

إبادة إسرائيلية في غزة
وفي المقابل، تجاهل تقرير العفو الدولية – بحسب حماس – حجم الجرائم التي ارتكبها الاحتلال منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حين شن حرب إبادة جماعية على قطاع غزة خلفت أكثر من 70 ألف شهيد فلسطيني، وما يزيد على 171 ألف جريح، معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب تدمير 90 بالمئة من البنية التحتية المدنية وتهجير معظم سكان القطاع قسرا.

وأفرجت حماس خلال مراحل اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في 10 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عن جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء لديها، إضافة إلى تسليم جثامين المتوفين، باستثناء أسير واحد قالت إنها ما تزال تبحث عنه.

مقالات مشابهة

  • أسرة صدى البلد تنعى والدة الكاتب الصحفي عماد الدين حسين
  • حماس: تقرير العفو الدولية مغلوط ويتبنى الرواية الإسرائيلية
  • حماس ترفض تقرير العفو الدولية وتتهمه بتبني الرواية الإسرائيلية
  • ابن سائق محمد صبحي يقلب الرواية المتداولة رأسًا على عقب .. تفاصيل
  • أسرة صدى البلد تنعى الكاتب الصحفي محمد عبدالواحد سكرتير تحرير الأخبار
  • «قمة بريدج 2025».. حوار عالمي حول مستقبل صناعة السينما ودعوة لحماية السرد الإنساني
  • نميرة نجم: يجب إنهاء هيمنة الدولار على التجارة الرقمية في إفريقيا
  • المحافظات المحتلّة.. بين هيمنة السعودية وسطوة الإمارات صراع يهدد بالانهيار
  • السرد الرقمى
  • انطلاق اليوم الرابع من التصفيات الأولية لمسابقة بورسعيد الدولية للقرآن الكريم