منذ أن وقّع آرثر بلفور وعده المشؤوم عام 1917م، دخلت بريطانيا التاريخ الفلسطيني لا كوسيط محايد، بل كفاعل مركزي في إنتاج النكبة. ذلك الوعد، الذي شرعن لمنظومة استعمار استيطاني أن تنشأ على أرض شعب أعزل، لم يكن لحظة عابرة في تاريخ الإمبراطورية، بل كان التأسيس القانوني والسياسي لأحد أكثر المشاريع العنصرية دموية في القرن العشرين.


وما بين وعد بلفور والدم النازف في غزة اليوم، يقف التاريخ شاهداً على تواصل الخطيئة البريطانية.. من تمكين العصابات الصهيونية في عهد الانتداب، إلى التغطية الدبلوماسية على جرائم الاحتلال، إلى الشراكة المباشرة في تسليحه، وتوفير التكنولوجيا القتالية التي تفتك بالمدنيين الفلسطينيين.
في هذا السياق، تأتي الرسالة التي وجّهها قرابة 60 نائبًا بريطانيًا إلى الحكومة في 18 يوليو الجاري، للمطالبة بوقف صادرات الأسلحة إلى “إسرائيل”، وتطبيق قدر أعلى من الشفافية في منح التراخيص العسكرية. خطوةٌ تبدو في ظاهرها تعبيرًا عن ضمير سياسي، لكنها في عمقها تعكس تناقضًا صارخًا بين حقيقة الإرث الاستعماري البريطاني، ومحاولات فلكلورية لتخفيف المسؤولية الأخلاقية والجنائية عن حاضر لا يقل قتامة عن الماضي.
إن الحكومة البريطانية التي يتوجه إليها هؤلاء النواب، هي ذاتها التي تستمر في تسليح “إسرائيل”، رغم التقارير الأممية التي توثق ارتكابها جرائم حرب وإبادة جماعية في غزة. وهي ذاتها التي توفر الغطاء السياسي في المؤسسات الدولية لمنع أي محاسبة جادة للاحتلال. وهي ذاتها التي ما زالت تُعامل القضية الفلسطينية كعبء أخلاقي مزعج، لا كملف قانوني وإنساني يتطلب مواجهة شجاعة مع الماضي ومراجعة جذرية للمواقف الراهنة.
وما يجب التأكيد عليه، أن وقف تصدير الأسلحة، وإن كان مطلبًا ضروريًا وملحًا، لا يكفي وحده لتطهير اليد البريطانية من الدم الفلسطيني. فالتاريخ لا يُمحى بمجرد تعديل في سياسات التسليح، ولا تُزال تبعات الجريمة الكبرى بوثيقة برلمانية أو موقف إعلامي.
إن العدالة الحقيقية تبدأ من اعتراف بريطانيا الكامل بمسؤوليتها التاريخية عن تأسيس الكارثة الفلسطينية، ومن اعتذار رسمي عن وعد بلفور وسياسات الانتداب، ومن دعم غير مشروط للحق الفلسطيني في التحرر والعودة وتقرير المصير. وكل ما عدا ذلك، يبقى في دائرة المناورة السياسية، وتجميل صورة الدولة التي كانت – ولا تزال – أحد أهم أعمدة المشروع الصهيوني.
فهل تملك بريطانيا الشجاعة اللازمة لقطع صلتها بإرث إمبراطورية أسست للظلم، وغذّت الاستعمار، وشرعنت التطهير العرقي؟
أم ستظل تلعب دور المتفرج المُتواطئ، الذي يأسف على الضحايا، بينما يواصل تزويد الجلاد بالأدوات؟
في وجه هذا السؤال، لن يكون التاريخ متسامحًا.. ولن يغفر المستقبل.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

الدكتورة أمجاد عبدالله الحنايا تحصل على الدكتوراه من جامعة ليدز البريطانية في الترجمة السمعية البصرية

حصلت الدكتورة أمجاد عبدالله الحنايا على درجة الدكتوراه من جامعة ليدز البريطانية في تخصص الترجمة السمعية البصرية، أحد التخصصات الحديثة والدقيقة في مجال الترجمة والدراسات اللغوية.

ويأتي هذا الإنجاز العلمي تتويجًا لمسيرتها الأكاديمية المتميزة، حيث تواصل اليوم عطائها العلمي كـ دكتورة في جامعة القصيم، مساهمةً في تطوير البحث العلمي وتأهيل الكفاءات الوطنية في مجال الترجمة.

ألف مبروك للدكتورة أمجاد هذا النجاح، مع تمنياتنا لها بمزيد من التوفيق والإنجازات العلمية والعملية.

قد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • اتصال هاتفى بين وزير الخارجية ونظيرته البريطانية
  • رفضت بي بي سي عرضه.. فيلم عن أطباء غزة يفوز بجائزة الصحافة البريطانية
  • 7 خطوات نحو عام أهدأ.. كيف تعيد المرأة شحن ذاتها مع بداية العام؟
  • معكم حكومة بريطانيا.. المكالمة التي تلقتها الجنائية الدولية بشأن نتنياهو
  • لأول مرة في التاريخ.. الفضة تتجاوز 65 دولاراً
  • الدكتورة أمجاد عبدالله الحنايا تحصل على الدكتوراه من جامعة ليدز البريطانية في الترجمة السمعية البصرية
  • هبوط طفيف للجنيه الإسترليني أمام الدولار واليورو في الأسواق البريطانية
  • معتقلو فلسطين أكشن يواصلون إضرابهم عن الطعام في السجون البريطانية
  • سرقة أكثر من 600 قطعة تعود لحقبة الإمبراطورية البريطانية من متحف الشرطة
  • فنزويلا: مستعدون لكسر أنياب الإمبراطورية الأمريكية.. ترامب: رئيس كولومبيا التالي بعد مادورو!