عن أيّ تاريخٍ نُحدّث أبناءنا؟
تاريخ النشر: 26th, July 2025 GMT
د. إبراهيم بن سالم السيابي
في لحظة صمتٍ لم تدم طويلًا، سألني طفلي وهو يتابع معي الأخبار: لماذا يموت الأطفال في غزة جوعًا؟ لم أستطع أن أجيبه، كنت قد أنهيت لتوي درسًا معه عن الفتوحات الإسلامية ومواقف القادة العظام، وكان لا يزال متأثرًا بحكاية المعتصم حين سيّر جيشًا لنصرة امرأة واحدة، لكنه بدا مرتبكًا، عاجزًا عن التوفيق بين أمجاد الماضي وصمت الحاضر.
هذه الفجوة المؤلمة بين ما ندرّسه لأبنائنا وبين ما يشاهدونه بأعينهم لا يمكن تجاهلها. إننا نُكثر من الحديث عن التاريخ، ونبني في أذهان طلابنا صورةً مثالية لماضينا، ثم نتركهم يواجهون واقعًا يناقض تمامًا تلك الصورة، ففي يومٍ واحد، يموت 100 إنسان جوعًا في غزة، منهم 80 طفلًا، بحسب بيانات صادرة عن الأمم المتحدة. وذلك بخلاف من يُقتلون تحت القصف الممنهج، في واحدة من أسوأ حروب الإبادة التي يشهدها العصر الحديث، وعلى مرأى ومسمع من العالم كله، ولا يتحرك في عالمنا العربي شيء يشبه ما قرأناه في كتبنا، كيف نُقنع أبناءنا أن تلك البطولات ليست مجرد أساطير، وأن النخوة والعدل ليست كلمات منسية في صفحات بعيدة؟
ليست المشكلة في التاريخ ذاته، بل في الطريقة التي نتعامل بها معه، فنحن ندرّس التاريخ وكأنه وسيلةٌ للتفاخر، لا أداةٌ للتفكر، نحفظ الأسماء ونحتفي بالوقائع، لكننا نغفل المعنى، نُشيد بالقادة الذين نصروا المظلومين، بينما نعجز اليوم عن إرسال علبة حليب أو رغيف خبز لطفل محاصر، نملأ عقول أبنائنا بصور المجد، ولا نُدرّب قلوبهم على الإحساس بالمسؤولية تجاه الإنسان.
وقد قيل: "التاريخ لا يُكتَب بالحبر، بل بالموقف".
وهو قول يكاد يختصر كل ما نعانيه اليوم، فما جدوى الحروف إن لم تدفعنا إلى الوقوف؟ وما نفع الدروس إن لم توقظ فينا ضميرًا؟
ما نحتاجه ليس إلغاء مادة التاريخ، بل إعادة النظر في الغاية من تدريسها، هل نريد من أبنائنا أن يكونوا حفّاظًا لأحداث مضت؟ أم أن يكونوا حملةً لقيمٍ لا تموت؟ إن لم يكن للتاريخ أثرٌ في بناء الضمير، فما جدواه؟ وإن لم يُلهِمنا العدل، والرحمة، ونصرة المظلوم، فهل بقي منه غير الحبر والورق؟
في غزة، يُعيد التاريخ نفسه، لا في مشهد البطولة، بل في مشهد الخذلان. يموت الناس تحت الحصار، وتُقصف البيوت، ويُدفن الأطفال تحت الركام، بينما تنشغل الأمة بتفاصيل لا تنقذ حياة ولا تحرّر أرضًا، فأطفال غزة لا يحتاجون إلى مديحٍ في الكتب، بل إلى حياةٍ تحفظ كرامتهم، والطلاب في مدارسنا لا يحتاجون إلى سرد الانتصارات القديمة، بل إلى من يُريهم كيف تُصنع المواقف في الزمن الصعب.
فهل نُحدّث أبناءنا عن التاريخ، أم نبدأ بمساءلة الحاضر؟ هل نروي لهم ما فعله الأجداد، أم نُريهم ما ينبغي أن نفعله نحن؟ لقد أصبح السؤال عن التاريخ، في هذا الزمن، سؤالًا عن الأخلاق أولًا، وعن موقعنا من الكرامة الإنسانية، فالتاريخ الذي لا يوقظ فينا هذه الأسئلة ليس تاريخًا حيًّا، بل سردية منزوعة الروح.
غزة اليوم امتحانٌ قاسٍ لكل ما نُدرّسه لأبنائنا، فإن لم نربط بين الدرس والواقع، بين المعنى والموقف، سنكون كمن يزرع في الأرض حجارة لا ثمارًا، فالتاريخ لا يعيش في السطور، بل في الضمير.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
واعظة بالأزهر: شاوروهن وخالفوهن ليست من قول النبي
أكدت الواعظة بـ الأزهر الشريف، أسماء أحمد، أن المقولة الشهيرة "شاوروهن وخالفوهن" المنسوبة إلى النبي محمد ﷺ لا أصل لها في السنة النبوية، بل تخالف فعله الشريف، مستدلة بموقف النبي ﷺ من السيدة أم سلمة رضي الله عنها يوم الحديبية، حين استشارها في موقف عصيب كان يهدد وحدة الصف الإسلامي.
وأوضحت الواعظة بالأزهر الشريف، خلال تصريحات تلفزيونية، أن النبي ﷺ بعد أن أمر الصحابة بالتحلل من العمرة عقب عقد صلح الحديبية، فوجئ بعدم تنفيذهم للأمر من هول المفاجأة، فدخل مهمومًا إلى خيمته، واستشار أم المؤمنين السيدة أم سلمة، التي أظهرت حكمتها وحنكتها في التقدير، فاقترحت عليه أن يبدأ بنفسه دون أن يكلم أحدًا، فيذبح هديه ويحلق رأسه، وهو ما فعله النبي ﷺ، فاقتدى به الصحابة فورًا.
وأضافت الواعظة بالأزهر الشريف أن مشورة أم سلمة كانت سببًا في تجاوز الموقف العصيب، مشيرة إلى أن النبي ﷺ لم يهمل رأيها، بل نفّذه، مما يؤكد قيمة مشاركة المرأة في الرأي واتخاذ القرار، بخلاف ما يروّج له البعض زورًا من تجاهل النبي ﷺ لآراء النساء.
خطيب الجامع الأزهر: من علامات غضب الله على الإنسان ضياع عمره فيما لا يفيد
نتيجة الثانوية الأزهرية برقم الجلوس.. رابط مباشر لبوابة الأزهر الإلكترونية
ربيع الغفير: موقف الأزهر ومصر تجاه فلسطين غير قابل للمزايدة
خطيب الجامع الأزهر: العبد سيسأل يوم القيامة عن عمره عامة وشبابه خاصة.. فيديو
وانتقدت بعض الممارسات الحالية التي يتجاهل فيها بعض الأزواج مشورة زوجاتهم، معتبرين المال والقرارات أمورًا خالصة لهم وحدهم، قائلة: "مين هيكون أحرص على مصلحتك ومصلحة أولادك أكتر من زوجتك؟"، مشددة على أن الزوجة في كثير من الأحيان تكون الأعلم بظروف بيتها وزوجها، وقد يكون لديها رأي حكيم يغيب عن الرجل.
ودعت الرجال إلى الاقتداء بالنبي ﷺ في استشارته للنساء، والتأسي بحكمة السيدة أم سلمة رضي الله عنها، التي قدمت مشورتها للنبي ﷺ دون إلزام، بل بأسلوب راقٍ فيه تقدير واحترام، قائلة: "اعرضوا الأمور على زوجاتكم.. يمكن عندهم رأي ينقذ بيتكم من الانقسام".