سواليف:
2025-12-13@09:00:29 GMT

لماذا تقرأ النساء أكثر من الرجال؟/ جلال برجس

تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT

لماذا تقرأ النساء أكثر من الرجال؟/ جلال برجس

جلال برجس

إن تأملنا تاريخ المرأة منذ بدء الخليقة، سنجد أنها بعد زمن من القمع، والتشييء، قد ابتكرت طرقها الكفاحية الخاصة في اقتناص العيش، وفي امتلاك مشروعية سلطتها، وحريتها، ونزوعها إلى حياة بمستويات استثنائية في الوعي، وفي طرد الغبار، الذي تكلس بقصدية أسست لها حقب من الأحادية، عن حقيقتها الأكيدة في كونها محور الكون، وبؤرته المضيئة؛ حقيقة لها وجهان: واحد شعري أدى إلى نصف موروثنا في قصيد شَّيد بجدارة أدبية ديواننا العربي بغنائيته، وبانحيازه أيضًا إلى سلطة المعنى.

أما الوجه الآخر فهو فعلي وفاعل على أرض الواقع رغم ضيق المساحة التي أخذت منذ قرنين تتسع ليعلو صوتها سعيًا إلى التوازن. لهذا انحازت المرأة بتطرفٍ محمود إلى أدوات إنسانية، ليس لشرعنة وجودها الطبيعي، بل للدفاع عن طبيعتها، خاصة في هذه المرحلة التي يصَّدر فيها ما هو وهمي في المساواة، ولا يتجاوز القشرة في الحقوق، ليس فقط المادية، بل المعنوية أيضًا.

والقراءة واحدة من هذه الأدوات القصوى بمعنييها المعرفي، والمُواجه؛ قراءة مستكشفة، باحثة، متوخية، مستنبطة، لم تأت في معظمها من جهة العبث، أو رفاهية اللحظة، أو حرية الحركة التي تم استبدالها في بعض المجتمعات بحرية التفكير، فأصبح المضيّ إلى الأمام ناقصًا، بل أعرجًا.

مقالات ذات صلة الّلغة العربيّة في غُرفة العِناية الحثيثة / د. لينا جزراوي 2023/08/28

ونتيجة لهذا السياق الحر نلاحظ بعد العام 2000م تقريبًا كيف أخذت نوادي القراءة بالخروج إلى العلن في العالم العربي، وبدأت تحصد نتائجها الإيجابية على الصعيد المعرفي، رغم صخب العصر الجديد بكل هيمنته الاستهلاكية؛ إذ ازداد الطلب على الكتب بشكل ملحوظ، وحفلت مواقع مراجعات الكتب بآراء لافتة. لقد ازدادت نسبة القراءة عمومًا في العشرين سنة الأخيرة في العالم العربي بشكل لافت من الجنسين، لكن الملاحظ أن معظم أعضاء نوادي القراءة من النساء، وأن المرأة صاحبة النسبة العظمى من مجموع الفعل القرائي. هذا لافت، ومهم، ومدعاة للتساؤل؛ إذ أن ما يحدث هو بمثابة تجمع نسوي ثقافي خلاق، سينعكس في الأيام القادمة على الأجيال الجديدة إيجابًا.

خلال الخمس سنوات الفائتة دعيت إلى ما يفوق الخمسين من نوادي القراءة في الأردن وخارجه، ولم أجد إلا عددًا قليلًا من الرجال في ناديين أو ثلاثة. وأقمت عددًا من الندوات، والورشات، والمحاضرات، وحفلات التوقيع، وكان الحضور النسائي أيضًا طاغيًّا. كانت معظم الحوارات ذات سوية ثقافية عالية، وأدوات القراءة على درجة كبيرة من الوعي، وكان الانتماء للكتاب واضحًا وجليًّا بكل جديته؛ فلماذا تشكل النساء النسبة الكبرى من القراء، والمنضمين إلى الأنشطة الثقافية؟

أتحدث هنا عن تفوق ملحوظ في النسبة، ولا أتحدث عن حصرية القراءة في جنس بعينه فقط؛ فتاريخ الرجال مع القراءة شاسع وغنيّ، وعلى درجة قصوى كان لها أثر كبير في مختلف المناحي السياسية والثقافية والاجتماعية؛ إنهم يقرأون، لكن النساء في هذه المرحلة يقرأن أكثر. ربما يقول قائل إن الرجل في أيامنا هذه مطحون بين دواليب الحياة، رغم أن المرأة في عصرنا هذا باتت مطحونة هي الأخرى، خاصة بعد خروجها من فضاء البيت التربوي إلى فضاء العمل المحكوم بقوانين وممارسات لا علاقة لها بالأمومة. مع ذلك فهي تقرأ ليتسع حقلها المعرفي، ولئلا يتسرب الوقت سدى في الفراغ، وتقرأ للمتعة، ولاكتشاف الناس، والأماكن، والأزمنة، تمامًا مثلها مثل الرجل. لكننا إن ذهبنا نحو جذور انتماءها العميق للكتاب، وفعل الاستغراق في عوالمه متكئين على إدراكنا لواقعها الإشكالي الذي للآن لم يخلو من عناصر الصراع؛ سنجد أنها تسعى لاستنباط سلطتها الخاصة كمقابل غير نِدِّي مع الرجل، بل كمعادل لمفهوم السلطة الإنسانية التي تنبثق منها جملة قرارات حياتية مرتبطة بحرية الحركة والتفكير والاختيار، لهذا يخشى الكثير ممن يعانون علو سلطتهم الذكورية الندية من شراكة المرأة القارئة، ليس خشية من الصراع ونتائجه؛ بل خشية على تفشي الخلل في المعادلة التي تفترض علوية الرجل بوعي شمولي غير قابل لتفكيكه ديموقراطيًا.

ومن أرض الكتاب تقف المرأة بسلاحها القرائي بوجه المقولة التي ترى فيها ضلعًا أعوج، وكيانًا عقليًا ناقصًا لا يمكن أن يتفوق على الرجل. وانبثاقًا من هذه المنطقة الجوانية في سعيها الحثيث إلى اجتراح حياتها تقرأ المرأة أيضًا لتدفع بالخسران بعيدًا عنها؛ ففي الكتاب يمكنها أن تهزم الوحدة لتعيش عالمًا جديدًا يخرج بها على الواقع، ويمنحها تذكرة مجانية لممارسة شكلًا فريدًا من أشكال السفر إلى بلدان لها حيوات عادلة، وجماليات تبعث على التشبث بالعيش، وأزمنة ربما تأتي ذات يوم. تقرأ المرأة لئلا تسقط في تلك في الهوة التي تخلفها أزمات عديدة منها أزمتها الكونية؛ فحين تحب المرأة تبحث في الكتب عن الصورة التي تريدها لرجلها، وتبحث عن ذاتها التي لم تأخذ مكانها الحقيقي في مخيلته.

في الكتب كتف مواسٍ لامرأة خبأت وجعها، وفيها صوت قال نيابة عنها ما لم تقله، وفيها ما لم تعرفه عن ذكورة لا يمكن أن تكتمل إلا بالأنوثة، اكتمال يتجاوز المفهوم العلمي للتلاقي الذي نجده في جوانب حتى غير بشرية كثيرة في الكون، بل يتجاوزه نحو إعادة تفسير الحياة هل هي عقاب على خطيئة؟ أم حياة يجب أن تعاش وفق مفهوم الحياة بحد ذاتها؟

صحيفة اثير

المصدر: سواليف

إقرأ أيضاً:

جلسة حوارية تستعرض دور النساء في تشكيل الثقافة ورأس المال خلال أسبوع أبوظبي المالي


أبوظبي (وام)
أشادت الشيخة الدكتورة شما بنت محمد بن خالد آل نهيان، رئيس مجلس إدارة مؤسسات الشيخ محمد بن خالد آل نهيان الثقافية والتعليمية، بالنهج الذي تتبعه أبوظبي في بناء اقتصاد متوازن، يجمع بين القوة واللين، والرؤية والاستدامة، مؤكدة أن القيادة الحديثة تُقاس بقدرتها على الاحتواء لا السيطرة، وعلى التأثير العميق لا مجرد زيادة الأرقام.
وقالت خلال جلسة حوارية تحت عنوان «النساء يشكّلن الثقافة ورأس المال» عُقدت أمس الأول، في إطار فعاليات أسبوع أبوظبي المالي «ADFW»، إن النساء في بيئات العمل متعددة الثقافات يقمن بدور محوري في تفسير السياقات المختلفة وتحويل التباينات إلى طاقة إبداعية، واصفةً النساء بأنهن «مهندسات إعادة تنظيم الفوضى».
واستهدفت الفعالية، استكشاف الدور المتصاعد للنمو الشامل ورأس المال الثقافي في إعادة تشكيل المشهد المالي العالمي، وكيف تقود أبوظبي هذا التحول في المنطقة من خلال رؤية اقتصادية وإنسانية بعيدة المدى.
وأضافت الشيخة الدكتورة شما بنت محمد بن خالد آل نهيان، أن قيمة رأس المال تتحدّد بيد من يمسكه وكيفية توجيهه، معتبرةً أن مصطلح «تمكين المرأة» لم يعد يعكس الواقع الاقتصادي الحديث، وأن المرأة اليوم ليست بحاجة إلى مقعد على الطاولة، لأنها أصبحت «هي الطاولة التي يُبنى عليها الاقتصاد الجديد».
وأوضحت أن النظام المالي القديم، القائم على المنافسة الحادة والقرارات الأحادية، لم يعد قادراً على مواكبة تعقيد العالم، وأن الاقتصاد الحديث يحتاج إلى منظومات أكثر شمولاً ومرونة، تمثّلها القيادة النسائية، مشيرة إلى أن النظام المالي اليوم يحتاج إلى «الذكاء الأنثوي لكي ينجو».
وبيّنت أن العالم يعيش اليوم عصر اقتصاد المعنى ورأس المال الثقافي، إذ لم يعد المال مجرد أداة ربح، بل حاملاً للهوية والقيمة والمجتمع، مؤكدة أن المرأة تتمتع بقدرة فريدة على دمج رأس المال المادي بالثقافي، وعلى الربط بين الاستراتيجية والعاطفة، وبين التحليل و«الحدس»، معتبرة أن الحدس الذي ينسب غالباً للقيادات النسائية، هو «أعلى درجات معالجة البيانات»، وهي منطقة يعجز الذكاء الاصطناعي عن الوصول إليها.
وأشارت إلى أن الذكاء العاطفي أصبح اليوم «العُملة التي لا تفقد قيمتها أمام الذكاء الاصطناعي»، لأن الروبوت يمكنه حساب المخاطر، لكنه لا يستطيع استشعارها، ويمكنه إدارة محفظة لكنه لا يستطيع إدارة العلاقات.
وأكدت أن المرأة في أبوظبي تمتلك اليوم القلم والورقة والدعم والإرادة لكتابة مستقبل الاقتصاد، وأن دورها لا يقوم على المنافسة، بل على استكمال الصورة الاقتصادية التي كانت ناقصة لقرون، حيث إن النمو الذي تنشده أبوظبي هو نمو رأسي صاعد يتطلب مرونة لا تملكها إلا من تعرف كيف تكون أمّاً وقائدة، ومحاربة ومفاوضة، وحالمة ومنفّذة في آن واحد.
وختمت الشيخة الدكتورة شما بنت محمد بن خالد آل نهيان، حديثها بالقول إن «رأس المال محايد، لكن قيمة المال تتحدد بمن يمسكه»، مردفة: «عندما يمسك الرجل المال، يبني غالباً برجاً، وعندما تمسك المرأة المال، تبني غالباً جسراً، ونحن اليوم بحاجة إلى الجسور التي تربط مفردات العالم، وفي أبوظبي، وفي هذا العالم المنقسم، نحن بحاجة إلى الجسور التي تربط الأبراج».
وشاركت في الجلسة الحوارية نخبة من القيادات النسائية هن عائشة المنصوري، وكارولين فيني من «PFI»، والدكتورة فيكي واليا، وأدارت الحوار إيميرا سكورّو من «PGIM».

أخبار ذات صلة مشاركون في «أسبوع أبوظبي المالي 2025» لـ«الاتحاد»: أبوظبي أنموذج عالمي في قيادة التحولات المالية أبوظبي تستضيف قمة الهيئات التنظيمية المالية العالمية 2025

مقالات مشابهة

  • التمكين الاقتصادي للنساء اليمنيات.. ركيزة أساسية للنهوض المجتمعي
  • المرأة العربية تعقد ورشة عمل إقليمية لمناقشة تطوير قوانين الأسرة
  • علماء يكشفون المشروب الأفضل لصحة عظام المرأة مع التقدم في السن
  • مظهر شاهين يحذّر من فوضى الطلاق الشفهي: نساء معلّقات بين الشرع والقانون
  • هل لباس المرأة هو سبب التحرّش.. أم الرجل هو المسئول؟
  • مشروع "لها ومعها" من الخوف للقوة قصة تلخص رحلة آلاف النساء في مواجهة العنف
  • جمعية نهوض وتنمية المرأة بالشراكة مع السفارة البريطانية تختتم فعاليات المشروع التنموي «لها ومعها»
  • مؤسسة قضايا المرأة المصرية تختتم فعاليات حملة “أربع حيطان”
  • توكل كرمان: النساء صانعات السلام والديمقراطية شرط للأمن العالمي
  • جلسة حوارية تستعرض دور النساء في تشكيل الثقافة ورأس المال خلال أسبوع أبوظبي المالي