لجريدة عمان:
2025-08-03@18:18:23 GMT

بنك الاحتياطي الفيدرالي والسياسة

تاريخ النشر: 3rd, August 2025 GMT

ترجمة: قاسم مكي -

لا أحد يحبُّ أن يُقال له لا، خصوصا دونالد ترامب. فرفض ما يُطالب به يقود إلى معركة سيخوضها إلى نهايتها المريرة. لذلك من الصعب القول إن قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) يوم الأربعاء الماضي بترك أسعار الفائدة على حالها عند معدل 4.25% إلى 4.5% كان نتيجةَ تصويتٍ عادي.

بل كان رفضا عالي الصوت من أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (وهي التي تحدِّد السياسة النقدية) لطلب ترامب بوجوب خفض أسعار الفائدة.

من بين هؤلاء الأعضاء المصوِّتين رئيس البنك جيروم باول الذي عَدَّه ترامب عدوه اللدود. هاجم الرئيس الناقم باول بقسوة يوم الخميس ووصفه في منشور على الإنترنت بالبطء الشديد في اتخاذ القرار والمغالاة في الانفعال والعجز المفرط في التقدير السليم والمُسَيَّس إلى حد بعيد. (يقصد ترامب بذلك أن هذه كلها صفات لا تؤهله لتولي رئاسة البنك- المترجم).

ظل ترامب يدير في باله دون خفاء وطوال شهور إقالة باول قبل أن يُنهي فترة رئاسته للبنك في مايو القادم. لكن مثل هذه الخطوة غير المسبوقة والمشكوك في قانونيتها ستخاطر أيضا بتقويض استقرار اقتصاد الولايات المتحدة. وربما ردُّ فعل السوق على الرسوم المتبادلة التي أعلنها ترامب في أبريل سيبدو إزاءها مثل هزة خفيفة (لا تكاد تُذكر) على مقياس ريختر.

يمكن القول إن هجمات ترامب الحادة ضد باول ستطلق تحذيرات مخيفة حول تسييس البنك الفيدرالي وتعريض استقلاله للخطر. لكن تشابك السياسة مع «السياسات النقدية» في الكثير من بلدان الغرب صار القاعدة في السنوات الأخيرة حتى إذا كان الساسة ومسؤولو البنوك المركزية ممنوعين من الإقرار بذلك.

الرئيس ترامب، كالعهد به دائما، يكشف عن هذا التداخل بين الأدوار والصلاحيات بأسلوب فظ وعدائي. إنه مدعاة للقلق. ولكنه أيضا فرصة لتناول الكيفية التي ضلت بها المؤسسات المالية في الغرب، ضلالا مبينا، سواء السبيل.

لقد تغير الكثير منذ فترة ترامب الرئاسية الأولى. فعندما رشَّح باول لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي في عام 2017 كانت أسعار الفائدة متدنية تاريخيا. وكان يوجد إجماع عريض (وخاطئ) بأنها لن ترتفع مرة أخرى.

كان ذلك الوضع ملائما لترامب على نحو مثالي. فسياسته المالية احتاجت دائما إلى شروط خاصة جدا لكي تنجح. ذلك أن ضرائبها المنخفضة وإنفاقها المرتفع يمكن أن يتوازنا فقط عندما تكون تكلفة اقتراض المال «صفرا» عمليا.

حينها كان مسؤولو البنوك المركزية منخرطين سلفا في دعم الساسة بإنقاذهم للبنوك أثناء الانهيار المالي في عام 2008. جعل ذلك الطباعةَ المنفلتة للنقود أمرا طبيعيا وشكَّل سابقة في الولايات المتحدة فحواها أن بنك الاحتياطي الفدرالي هو مقرض الملاذ الأخير «السّخي.» فمع أسعار الفائدة القريبة من الصفر يمكن لترامب خفض الضرائب وزيادة العجز دون عقاب.

عندما حلَّت الجائحة كانت البنوك المركزية بما في ذلك البنك الفيدرالي ليست راغبة فقط ولكن متحمسة عمليا لتمويل كل شيء يَعِد به الساسةُ الناس. في الولايات المتحدة اتخذ ذلك شكل حِزَم تحفيز وصرف شيكات لكل أسرة بتكلفة بلغت بلايين الدولارات.

في بريطانيا تمثل ذلك في خطة «الإجازة المؤقتة بجزء من الراتب.» فقد تولى البنك المركزي طباعة النقود اللازمة لتمويلها والحكومة سدادَ أجور العاملين طالما لزموا البقاء في بيوتهم.

في الشهور المبكرة لجائحة فيروسٍ جديد كان ذلك مفهوما كإجراء طارئ. لكن لاحقا أثناء الجائحة عندما استمرت طباعة النقود وبدأت الأسعار في الارتفاع أصبح واضحا جدا أن البنوك المركزية الأخرى إلى جانب الفيدرالي تخلت عن تفويضها بالإشراف على الاستقرار المالي وفضلت دعم الآمال العارمة للساسة بما في ذلك أملهم في أن يصبح بعبع التضخم شيئا من الماضي.

لقد ضحَّى كل من البنك الفيدرالي وبنك انجلترا والبنك المركزي الأوروبي بالقواعد الاقتصادية الأساسية والحصافة على مذبح السياسة. وحتى بعد بلوغ التضخم على أساس شهري ضعف المعدل المستهدف بواسطة البنك الفيدرالي في ربيع عام 2021 ظل باول مصرا على أن التضخم عابر وقفزات الأسعار «ستتلاشى».

في الواقع منعت لافتة «الاستقلال» معظم المعلقين من انتقاد البنوك المركزية وظل العديدون منهم متوجسين من القيام بذلك على الرغم من أزمة تكاليف المعيشة التي قضت على رخاء الأمريكيين وأدت إلى انخفاض ملحوظ في المستويات المعيشية للناس.

الدعم الأعمى لسياسة الجائحة لم يكن الطريقة الوحيدة التي سَيَّس بها الفيدرالي صلاحياته في الأعوام الخمسة الماضية. فبعد انتخاب جو بايدن مباشرة في عام 2020 انضم الاحتياطي الفيدرالي إلى شبكة البنوك المركزية لحماية المناخ معتبرا بذلك التحول الأخضر اختصاصا جديدا له. (انسحب البنك من الشبكة قبل الفترة الرئاسية الثانية لترامب مباشرة بعد إقراره بأنه كان يغطي نطاقا واسعا من القضايا التي لم تكن جزءا من تفويضه.)

وفي عام 2022 عندما كان التضخم يرتفع بشدة أنكر الفيدرالي ذلك ودشن مؤشراتٍ لقياس جهوده في تطبيق «التنويع والمساواة والشمول» لضمان بقاء سياساته في المسار الصحيح.

ربما كان الرهان الأفضل له (بدلا عن ذلك) تدشين مؤشرات لقياس التضخم. لعبة المطاردة التي توجب على الفيدرالي الانخراط فيها بعد الجائحة والمتمثلة في رفع أسعار الفائدة لكي يلحق بالتضخم ألحقت ضررا ماليا بليغا بأمريكا. فمنذ يوليو شرعت الولايات المتحدة في إنفاق 921 بليون دولار لخدمة الدين. وهو ما يساوي 17% من إجمالي الموازنة الفيدرالية.

هواية ترامب في اللهو بمستقبل جيروم باول خطرة. حتى «حلم يقظتِه» بإمكانية إيجاد بدلاء له في رئاسة البنك خطرة كذلك. وتشجيع ترامب لكل من كيفن هاسيت مستشاره الاقتصادي وكيفن وارش العضو السابق بمجلس محافظي الفيدرالي على التنافس «فيما أصبح بُعرف بمعركة الكَيفِنَين» حول أيهما سيكون الأسرع في خفض أسعار الفائدة إذا تولى رئاسة البنك يدحض أي ادعاء بأن رئيس البنك يتم اختياره لخبرته وليس لانتمائه السياسي.

وما له دلاله أن عضوي اللجنة اللذين رفضا يوم الأربعاء قرار البنك بالإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، وهما ميشيل يومان وكريستوفر والر، صوَّتا لخفضها ويُعتقد أن ترامب يضعهما في باله لتولي رئاسة البنك.

لذلك التنافس وسط المتطلعين إلى رئاسة البنك «حول من الذي سيتفوق على الآخرين في خفض أسعار الفائدة» يمثل على أقل تقدير انعكاسا أمينا للخلط بين السياستين المالية والنقدية في الأعوام الأخيرة.

الى ذلك، تتزايد شكوك الأسواق في قدرة البنوك المركزية على إجبار الساسة على التخلي عن عاداتهم في الإنفاق والنكوص عن وعودهم (الانتخابية). فالأمريكان يدفعون سلفا ثمن تَسْييس البنك الفيدرالي.

كيت أندروز نائبة رئيس تحرير مجلة سبكتيتر للشؤون الأمريكية

الترجمة عن واشنطن بوست.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاحتیاطی الفیدرالی الولایات المتحدة البنک الفیدرالی البنوک المرکزیة أسعار الفائدة رئاسة البنک فی عام

إقرأ أيضاً:

بعد صدمة أرقام الوظائف.. ترامب يطيح بمسؤولة رفيعة في وزارة العمل

جاء القرار بعد دقائق من إعلان مكتب إحصاءات العمل أن الاقتصاد الأمريكي أضاف فقط 73 ألف وظيفة في يوليو، وهو رقم أقل بكثير من التوقعات. اعلان

أقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الجمعة، مسؤولة رفيعة في وزارة العمل، في خطوة جاءت مباشرة بعد صدور تقرير صادم عن ضعف أداء سوق العمل الأمريكي، واتهمها – دون أدلة – بتزوير الأرقام، ما أثار مخاوف متزايدة حول نزاهة البيانات الاقتصادية الصادرة عن الحكومة الفيدرالية.

وجاء القرار بعد دقائق من إعلان مكتب إحصاءات العمل (Bureau of Labor Statistics - BLS) أن الاقتصاد الأمريكي أضاف فقط 73 ألف وظيفة في يوليو، وهو رقم أقل بكثير من التوقعات. ولكن الأهم كان المراجعات السلبية الكبيرة التي كشفت أن الاقتصاد أنشأ 258 ألف وظيفة أقل في شهري مايو ويونيو مما أُبلغ عنه سابقاً، ما أثار ارتياباً واسعاً في دقة البيانات.

وكتب ترامب على منصته "تروث سوشيال": "نحتاج إلى أرقام توظيف دقيقة. لقد وجّهت فريقي بإقالة هذه الموظفة السياسية التابعة لبايدن فوراً. وسيتم استبدالها بشخص أكثر كفاءة وتأهيلاً بكثير".

ووفقاً لمسؤول في إدارة ترامب تحدث لـ"رويترز" شريطة عدم الكشف عن هويته، فإن البيت الأبيض يشعر بقلق متزايد من حجم المراجعات الكبيرة في البيانات الاقتصادية الأخيرة، إضافة إلى تراجع معدلات الاستجابة في الاستبيانات التي يعتمد عليها المكتب.

Related تباطؤ نمو الوظائف الأمريكية في مايو واستقرار البطالة عند 4.2%في يوم دخول الرسوم الجديدة حيز التنفيذ.. ترامب يطالب الفدرالي بخفض الفائدة بعد بيانات وظائف مخيبةتقرير الوظائف الأمريكية المُرتقب: تباطؤ في نمو الوظائف وانخفاض معدل البطالة

واعتبر المسؤول أن هذه المشكلات "كامنة منذ سنوات، بدأت خلال جائحة كوفيد، ولم تُعالج"، مضيفاً: "الأسواق والشركات والحكومة بحاجة إلى بيانات دقيقة، لكننا ببساطة لم نحصل على ذلك".

وأظهرت بيانات المكتب أن معدل الاستجابة في الاستبيانات المتعلقة بالتوظيف انخفض من 80.3% في أكتوبر 2020 إلى 67.1% في يوليو 2024، ما يُضعف من موثوقية النتائج. كما خفّض المكتب بالفعل من حجم عينات جمع البيانات الخاصة بمؤشر أسعار المستهلكين (CPI) ومؤشر أسعار المنتجين (PPI)، بسبب ما وصفه بـ"قيود الموارد".

ويستطلع مكتب إحصاءات العمل نحو 121 ألف شركة ومؤسسة حكومية، تمثل حوالي 631 ألف موقع عمل فردي لتقرير التوظيف الشهري. ورغم أهمية هذه البيانات، فإن تراجع الاستجابة والموارد البشرية أثّر على دقتها، وفق خبراء.

وأشار استطلاع أجرته "رويترز" الشهر الماضي إلى أن 89 من أصل 100 خبير اقتصادي وسياسي بارز يشعرون بالقلق من جودة البيانات الاقتصادية الأمريكية، مع تأكيد معظمهم على أن السلطات لا تعالج هذه المخاوف بالسرعة الكافية.

وأثار قرار ترامب بإقالة ماكنترفير مخاوف من أن تُستخدم البيانات الاقتصادية كأداة سياسية. وقال مايكل مادويتز، الخبير الاقتصادي الرئيسي في معهد روزفلت: "تسييس الإحصاءات الاقتصادية عمل يضر بالذات. المصداقية أسهل في الفقدان منها في البناء، ومصداقية البيانات الاقتصادية الأمريكية هي العمود الفقري لأقوى اقتصاد في العالم. إخفاء الحقيقة عن حالة الاقتصاد له تاريخ طويل، ولا ينتهي أبداً بشكل جيد".

"فرصة مبكرة" لترامب

أعلنت حاكمة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أدريانا كوغلر استقالتها بشكل مفاجئ بعد ظهر الجمعة، ما يفتح أمام ترامب فرصة أبكر من المتوقع للتأثير على تشكيل مجلس محافظي البنك المركزي.

وكان ترامب قد هدّد مراراً بإقالة رئيس الفيدرالي جيروم باول، بسبب رفضه خفض أسعار الفائدة بالشكل الذي يطالب به الرئيس، الذي يرى أن الفائدة المرتفعة تعيق النمو. وينتهي ولاية باول الرسمية في مايو 2025، لكنه يمكن أن يبقى في المجلس حتى 31 يناير 2028 إذا رغب.

وباستقالة كوغلر، التي ستُنهي مهامها في نهاية الأسبوع القادم، يحصل ترامب على فرصة لتعيين حاكم جديد لإكمال مدتها التي تنتهي في 31 يناير 2026. ويمكن لهذا الحاكم أن يُعاد تعيينه لولاية كاملة مدتها 14 عاماً، ما يمنح ترامب نفوذاً مستمراً على البنك المركزي.

وتشير التكهنات إلى أن ترامب قد يستخدم هذا المنصب كخطوة تمهيدية لترشيح خلف محتمل لباول. ومن بين الأسماء المرشحة: كيفن هاسيت، المستشار الاقتصادي لترامب، وسكوت بيسنت، وزير الخزانة، والحاكم السابق للفيدرالي كيفن وارش، والحاكم الحالي كريس والر، الذي عيّنه ترامب، وصوّت هذا الأسبوع ضد قرار البنك بالإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، مفضلاً بدء خفضها فوراً.

وأثناء مغادرته البيت الأبيض لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في مقره في بدمينستر بنيو جيرسي، عبّر ترامب عن سعادته بالمنصب الشاغر، دون التطرق إلى تفاصيل التعيين القادم.

وقال ديريك تانغ، المحلل في شركة "إل إتش ماير" للأبحاث: "لا ينبغي أن نقرأ دوافع سياسية مباشرة في قرار كوغلر، رغم أن النتيجة هي أنها تُجبر ترامب على التحرك. إنها تُرجع الكرة إلى ملعبه وتقول له: أنت تمارس ضغوطاً هائلة على الفيدرالي وترغب في التحكم في التعيينات، حسناً، إليك منصباً شاغراً".

أسواق منهارة تحت وطأة التطورات

وجاءت هذه التطورات في وقت تعاني فيه أسواق الأسهم من تقلبات حادة بسبب سلسلة إعلانات ترامب الأخيرة حول فرض رسوم جمركية جديدة، إضافة إلى البيانات الضعيفة عن سوق العمل. وهبط مؤشر "S&P 500" القياسي بنسبة 1.6%، في أكبر انخفاض يومي له منذ أكثر من شهرين.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • ترامب: أستطيع إقالة الرئيس الفيدرالي فورًا
  • بلومبرغ: مكتب التحقيقات الفيدرالي أخفى اسم ترامب في وثائق قضية إبستين
  • صداع اقتصادي مؤلم.. هل يُخضع ترامب المركزي الأميركي لسياساته؟
  • بعد صدمة أرقام الوظائف.. ترامب يطيح بمسؤولة رفيعة في وزارة العمل
  • الذهب يسجل مكاسب أسبوعية بسبب آمال خفض أسعار الفائدة بأمريكا
  • الفيدرالي الأمريكي يخفي اسم ترامب من قضية إبستين
  • باول ..هل تراجع ترامب عن إقالة رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي ؟
  • ترامب يصعّد هجومه على باول ويطالب المجلس الاحتياطي بخفض الفائدة
  • ماذا يمكن أن يفعل المرشح الذي عينه ترامب في بنك الاحتياطي الفيدرالي؟