أ. د. حيدر أحمد اللواتي**

يصادف السادس من أغسطس ذكرى سقوط أول قنبلة نووية على مدينة مأهولة بالسكان في تاريخ البشرية وهي مدينة هيروشيما، وذلك عام ١٩٤٥، ومنذ ذلك الحين دخل العالم حقبة جديدة من الرعب والدمار غير المسبوق، في هذه السلسلة من المقالات، نغوص في تفاصيل تلك اللحظة المفصلية، نتابع معاناة الناجين الذين تحملوا تبعاتها الصحية والنفسية، ونستعرض حجم الرعب الذي يمكن أن تحمله قنبلة نووية واحدة اليوم، وكيف يمكن لهذا السلاح أن يغير وجه العالم إلى الأبد.

قصة انفجار القنبلة النووية في هيروشيما (١)

يشكل السلاح النووي بأشكاله المختلفة مصدر القلق الأول والأكبر في حال نشوب حرب عالمية ثالثة، فهذه الأسلحة تمتلك قدرات تدميرية لا يمكن تصورها، فهي لا تهدد وجود الأنسان فحسب، بل وربما تهدد الحياة بأصنافها المختلفة.

والسبب في ذلك أن الإشعاع النووي بأشكاله المختلفة يملك طاقة كبيرة تسبب أضرارًا بالغة عندما تخترق الأنظمة البيولوجية، إذ لديها القدرة على تعطيل وظائف الخلايا، بل وربما لديها القدرة على اتلاف المادة الوراثية.

ومما يزيد من خطورة الوضع أن السلاح النووي اليوم تطور تطورا ملحوظا عما كان عليه في الحرب العالمية الثانية، إذ تقدر عدد القنابل النووية التي تم تجربتها في العالم اليوم بحوالي ٢٠٠٠ قنبلة تم تجربتها في مختلف البيئات على كرتنا الأرضية، وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها بأكثر من ألف تجربة نووية.

وعلى الرغم من كثرة هذه التجارب إلا أن أثر الإشعاعات النووية على صحة الإنسان لم نستطع دراسته بصورة واضحة إلا من خلال القنبلتين الكبيرتين اللتين استخدمتهما الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الثانية والتي ألقتهما على مدينتي هيروشيما ونجازاكي.

ففي الساعة الثامنة و١٥ دقيقة من صباح يوم السادس من أغسطس عام ١٩٤٥م، ألقت الولايات المتحدة الأمريكية أول قنبلة نووية على مدينة هيروشيما، وقد بلغت درجة الحرارة في نقطة انفجار القنبلة ٣٩٨٠ درجة مئوية، وهي بذلك تجاوزت درجة حرارة سطح الشمس نفسها والتي تقدر بـ ٣٠٣٧ درجة، فكأن الولايات المتحدة ألقت بنجم ملتهب صغير على مدينة هيروشيما، ولهذا فإن الناس الذين كانوا على مقربة من مركز الانفجار لم يتبق من أجسامهم سوى الرماد، بل حتى الذين كانوا على بعد ما يقارب من ٣٣٠ مترا كان حالهم لا يختلف كثيرا، إذ كانت درجة الحرارة تصل إلى أكثر من ٩٠٠ درجة مئوية.

وقد تسببت الحرارة الناتجة من القنبلة باندلاع حرائق اندمجت مع حرائق ثانوية ناجمة عن سقوط حطام القنبلة، كما إن الرياح القوية التي أعقبت الانفجار غذت ألسنة اللهب، مما أدى إلى نشوب عاصفة نارية اجتاحت حوالي ستة ونصف كيلومتر مربع من وسط المدينة، وهي منطقة شملت ثلاثة أرباع المدينة خلال فترة الحرب، وكان يبلغ عدد السكان فيها حوالي ٢٤٥٠٠٠ نسمة.

إن سقوط هذه القنبلة على هذه المدينة الصغيرة، والتي شبهناها بنجم سقط عليها، لم يأت عن فراغ، فهو تشبيه دقيق من الناحية العلمية، فالنجم يتميز بشعاعه اللامع والذي نستطيع أن نشاهده ونحن على كرتنا الأرضية، ولكن أهالي مدينة هيروشيما شاهدوا هذا الشعاع اللامع عن قرب، وكان شعاعا قويا للغاية، ولم يكن شعاعا عاديا، فلقد كان شعاعا يحوي على إشعاعات مختلفة مرئية وغير مرئية، فكان يحتوي على تركيز عال من الأشعة فوق البنفسجية أيضا، ولذا، فقد أدت هذه الإشعاعات إلى تلف بالغ في العيون، وأدت إلى احتراق ظاهر في البشرة.

إن التأثير الحارق للشعاع اللامع الناتج من انفجار القنبلة مماثل لإشعال نار باستخدام عدسة مكبرة لتركيز أشعة الشمس، لكن الفارق هو أن أشعة الانفجار النووي شديدة القوة لدرجة أنها لا تحتاج إلى عدسة مكبرة.

لكن الأشخاص الذين أصيبوا بحروق في بشرتهم لم يبقوا على قيد الحياة لفترة طويلة، بل قضوا بعد فترة وجيزة، فقد اخترقت الإشعاعات أجسامهم بالكامل ودمرتها تدميرا شديدا، أدى إلى امتلاء المستشفيات بالجثث المتراكمة فوق بعضها البعض، مما حدا بالعاملين برمي الجثث في محرقة خارج المستشفى.

إن هؤلاء القتلى تعرضوا لجرعات عالية جدا من الإشعاع، وعندما يتعرض جسم الإنسان لهذه الجرعات العالية فإن جميع خلايا الجسم، بما في ذلك خلايا الأعصاب في الدماغ (العصبونات)، تموت رويدا رويدا، ومع بدء موت عصبونات الدماغ، يتورم الدماغ، وتبدأ جميع أنظمة الجسم بالتوقف عن العمل، وتُعرف هذه الأعراض، والتي تظهر فقط بين الضحايا الذين تعرضوا لجرعات عالية جدًا من الاشعاع، بمتلازمة الجهاز العصبي المركزي، إنها أعراض لا يتعافى منها أحد، بل يتوق فيها المرء إلى الموت ليرتاح من الآلام المبرحة التي تلازمه دونما رحمة.

بعد هذه الموجة من القتلى، انخفضت معدلات الموت بصورة ملحوظة، ولكن ما إن مضى أسبوع حتى كانت الموجة الثانية، كان هؤلاء المرضى يعانون بشكل رئيسي من مشاكل في الجهاز الهضمي، كأعراض الإسهال، بالإضافة إلى تساقط الشعر والحمى الشديدة، كما شملت أعراضًا مركبة من سوء التغذية بسبب ضعف امتصاص العناصر الغذائية من الأمعاء، وانتفاخ البطن، والجفاف، والنزيف الداخلي، والعدوى الناتجة عن دخول البكتيريا إلى الجسم عبر بطانة الأمعاء التالفة، ولم يمض أسبوعين من إلقاء القنبلة حتى توفوا جميع هؤلاء.

لكن الأمر لم ينته لهذا الحد، للحديث بقية....

**كلية العلوم - جامعة السلطان قابوس

 

 

 

 

 

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ترامب: غواصاتنا النووية أقرب إلى روسيا

ترامب: غواصاتنا النووية أقرب إلى روسيا

مقالات مشابهة

  • 80 عامًا.. أرقام مخيفة عن ضحايا الإشعاع النووي في هيروشيما وناغازاكي
  • ضاهر في ذكرى 4 اب: تحيّة الى أهالي الضحايا الذين يواصلون رفع الصوت
  • البابا لاون يُرسل تحياته إلى جميع الشباب الذين لم يستطيعوا المشاركة في يوبيل الشباب
  • جامعة سوهاج تعلن نتيجة الفرقة الثانية بكلية الطب البشري بنسبة نجاح 93.31%
  • القنابل الضوئية.. تكتيك حربي للإرباك والتمويه الليلي
  • بعمق 10 كيلومترات.. زلزال بقوة 5.7 درجة يضرب مدينة واهاكا المكسيكية
  • ترامب: غواصاتنا النووية أقرب إلى روسيا
  • زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب قبالة سواحل مدينة كوشيرو اليابانية
  • بعد نشر الغواصات النووية ..تهديد أمريكي صارخ ضد روسيا