كيف تؤثر حرب السودان على جارته الجنوبية؟
تاريخ النشر: 5th, August 2025 GMT
جوبا- رغم مرور أكثر من عامين على اندلاع الحرب في السودان، تتزايد انعكاساتها على دولة جنوب السودان التي أصبحت تعيش مرحلة جديدة من التحديات الأمنية والاقتصادية، إذ يواجه خط أنابيب النفط -الشريان الرئيسي لجوبا– مخاطر تهدد استمرار تصدير النفط الخام عبر الأراضي السودانية بفعل توسّع رقعة المعارك قرب مساره، وسط تصاعد عمليات تهريب السلاح عبر الحدود المترامية.
كما فاقم تدفق اللاجئين الفارِّين من مناطق القتال الأعباء الإنسانية والضغط على الخدمات الأساسية المحدودة أصلا، في أزمة متشابكة تدفع البلاد نحو مزيد من الكوارث.
وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في جنوب السودان: إن الحرب في السودان دفعت نحو 750 ألف لاجئ لدخول أراضي البلاد، مستفيدين من قرار رئيس جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، بالسماح لهم بالعبور من دون تأشيرات أو رسوم، تقديرا للعلاقات الوثيقة بين الشعبين.
وفي استجابة سريعة، خصصت السلطات في جوبا، بالتعاون مع المنظمات الإنسانية، معسكرات في ولايات أعالي النيل وشمال بحر الغزال، إلى جانب معسكر داخل العاصمة، لتوفير المأوى والخدمات الأساسية للنازحين الفارّين من القتال المتصاعد، وسط تزايد الاحتياجات الإنسانية الطارئة.
كما طالبت حكومة جنوب السودان المنظمات الدولية بتوفير 1.7 مليار دولار لمقابلة الاحتياجات الإنسانية المتزايدة.
وقال وزير الشؤون الإنسانية، البينو أتاك أكول، في بيان رسمي، إن هذا الدعم ضروري لتوفير الحاجات الأساسية، مشيرا إلى أن "الأعداد المتزايدة تجاوزت قدرات الحكومة المحدودة"، وأن "أوضاع اللاجئين داخل المعسكرات بدأت تتدهور بسبب نقص الموارد وانعدام الخدمات الضرورية"، وهذا يفاقم الأزمة الإنسانية التي تواجهها البلاد.
من جانبه، قال الناشط السوداني في قضايا السلام والمقيم بالعاصمة جوبا، أنس عبد الصمد، إن الحرب السودانية خلَّفت آثارا كارثية على جنوب السودان، من تدفق للاجئين وتعثر صادرات النفط عبر خط بورتسودان، ما أدى لانهيار الاقتصاد وتدهور الأوضاع الأمنية.
إعلانوأضاف للجزيرة نت أن "الجانب الإنساني شهد آثارا كارثية وسط عجز المنظمات الدولية عن توفير أساسيات الحياة في المخيمات، كما تسبب تعثر تصدير النفط بانهيار سعر الصرف وارتفاع تكاليف المعيشة، في حين تأثَّر الوضع الأمني مباشرة بالضغوط الاقتصادية، خاصة بسبب الحدود المشتركة والطويلة مع السودان".
وفي مؤشر على اتساع نطاق الأزمة، حذَّر صندوق النقد الدولي من التأثيرات السلبية للحرب السودانية على اقتصاد جنوب السودان، الذي يعاني أصلا تحديات كبرى أبرزها:
ارتفاع الديون الخارجية التي اقتربت من 3 مليارات دولار. انعدام الاستقرار في سوق النقد، بعد أن عطَّلت الحرب صادرات النفط، التي تُمثِّل نحو 98% من الإيرادات، ما تسبب بخسائر مالية هائلة، وانهيار للعملة المحلية بتضخم تجاوز 80%. تراجع النمو وتدهور البنية التحتية. ارتفاع معدلات الفقر والجوع وازدادت تكلفة المعيشة بشكل غير مسبوق.وبحسب المحاضر بكلية الاقتصاد بجامعة جوبا، دينق ماكور، فإن التأثيرات الاقتصادية للحرب السودانية على دولة جنوب السودان تمثَّلت بتعثر تصدير النفط عبر خط الأنابيب الذي يمر بالسودان، ما أفقد الدولة إيرادات ضخمة وتأخر رواتب موظفي الحكومة لأكثر من عام، إضافة لزيادة الضغط على الخدمات الأساسية مع تدفق أكثر من 750 ألف لاجئ، الشيء الذي فاقم من أزمة الأمن الغذائي.
وأجمل ماكور في حديثه للجزيرة نت التأثيرات الاقتصادية للحرب السودانية على جنوب السودان بنقاط أهمها:
التضخم وانخفاض قيمة الجنيه الجنوب سوداني، أدى لارتفاع أسعار السلع وتدهور الأوضاع المعيشية. تأخر دفع الرواتب تسبب بإضرابات في القطاعات الحيوية كالتعليم، إذ نفذ الأساتذة إضرابا عاما لأكثر من 10 أشهر. انسحاب الشركات الأجنبية، أبرزها شركة "بتروناس" الماليزية بعد 14 عاما، ما يعكس تدهور بيئة الاستثمار في البلاد.ومع تصاعد حدة القتال في السودان، برزت مخاوف أمنية جديدة في جنوب السودان، مع اقتراب العمليات العسكرية من المناطق الحدودية المتنازع عليها مثل أبيي وكافيا كنجي والميل 14، لا سيما بعد إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على ولايتي جنوب وشرق دارفور وتمددها في غرب كردفان.
وهو ما ألقى بأعباء إضافية على الحكومة لضبط الحدود ومنع تدفق الأسلحة إلى المليشيات التي تنشط من حين لآخر في تلك المناطق الحدودية، وكخطوة احترازية، نشرت وزارة الدفاع في جنوب السودان قواتها على الشريط الحدودي تحسبا لأي طارئ.
وقال المتحدث باسم الجيش بجنوب السودان، الجنرال لول رواي كونغ، للجزيرة نت "منذ بداية الحرب في السودان وضعنا قواتنا في حالة تأهب قصوى على الحدود، للسيطرة على الأوضاع ومنع تدفق الأسلحة إلى أراضينا".
وفي السياق ذاته، أوضح رئيس تحرير صحيفة واجوما نيوز، باطومي أيول، أن اندلاع الحرب في السودان انعكس سلبا على جنوب السودان خاصة في الجانب الأمني، إذ إن ضعف الرقابة الحدودية يسمح بتدفق الأسلحة وارتفاع معدلات الجرائم العابرة للحدود، ما قد يدعم المجموعات المسلحة ويهدد أمن واستقرار البلاد.
إعلانوأضاف للجزيرة نت "الحاجة لتحقيق سلام عادل وشامل في السودان لم تعد مسألة داخلية فحسب، بل غدت ضرورة إقليمية لضمان استقرار المنطقة بأسرها، وفي مقدمتها جنوب السودان التي تقف على خط النار وتدفع ثمن الحرب نيابة عن الجميع".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات الحرب فی السودان جنوب السودان للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
ماذا وراء مخاوف حاكم إقليم دارفور من انقسام السودان؟
الخرطوم- بعد مرور أسبوع على إعلان التحالف السياسي والعسكري بقيادة قوات الدعم السريع عن تشكيل حكومة في المناطق التي يسيطر عليها غرب السودان، تزايدت المخاوف من انزلاق البلاد نحو انقسام سياسي وجغرافي، وسط تحذيرات من دور خارجي يسهم في تأجيج هذا المسار، وفقا لمراقبين.
وأعلن تحالف السودان التأسيسي في 26 يوليو/تموز الماضي، عن تشكيل مجلس رئاسي لحكومة انتقالية، يتولى رئاسته قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ويشغل زعيم الحركة الشعبية-شمال عبد العزيز الحلو منصب نائب الرئيس، في حين عُين محمد حسن التعايشي رئيسا للحكومة الموازية، التي اتخذت من نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور مقرا لها.
وأكد حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي أن السودان لا يمكن أن يُقسّم وفق التصورات التي تسعى إليها قوات الدعم السريع، مشددا على أن "وحدة البلاد ليست قابلة للتجزئة تحت أي ظرف سياسي أو عسكري".
ورأى خلال مخاطبته تجمعا ضم قيادات الإدارة الأهلية، وممثلين للقوى السياسية، وروابط إقليم دارفور في مدينة بورتسودان أول أمس الجمعة، أن ما يجري حاليا على الأرض يُعد تنفيذا فعليا لخطة تهدف إلى تقسيم السودان، واصفا إياها بالمؤامرة التي لن تنجح، لأن الشعب السوداني سيقف في وجهها ويفشلها عبر تمسكه بوحدة البلاد ومقاومته لأي مشاريع تهدد كيان الدولة السودانية.
وأوضح مناوي أن استمرار الحكومة الموازية التي أعلنتها قوات الدعم السريع يشكل خطرا حقيقيا على وحدة السودان، موضحا أنه إذا استمرت هذه الحكومة لمدة عام أو عامين، فإنها ستتحول إلى حكومة أمر واقع، وسيتم التعامل معها دوليا، بما في ذلك فرض وقف لإطلاق النار لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، وهو ما اعتبره تطورا خطيرا قد يكرّس الانقسام ويمنح شرعية لقوة عسكرية خارجة عن سلطة الدولة.
إعلانوانتقد مناوي بعض التصورات السائدة لدى كبار المسؤولين السودانيين، لافتا إلى اعتقادهم بأن السيطرة على ولايتي الخرطوم والجزيرة تكفي للهيمنة على الحكم، مشيرا إلى أن أحد هؤلاء المسؤولين يعتبر أن الحرب خارج العاصمة لا تستحق الالتفات، باعتبار أن أطراف البلاد كانت مسرحا دائما للنزاعات منذ عام 1955، وهو ما اعتبره مناوي دليلا على ضعف الفهم للجوانب الجغرافية والسياسية للصراع الحالي.
وكشف حاكم دارفور أن سفيرا تابعا لإحدى الدول الكبرى تواصل معه في بداية الحرب لاستطلاع رأيه بشأن إمكانية تشكيل 3 حكومات منفصلة في السودان، في مؤشر على وجود تصورات دولية مبكرة لسيناريوهات تقسيم البلاد.
ويعتقد مراقبون وخبراء أن مخططات تقسيم السودان قديمة متجددة ومرتبطة بالتحولات المحلية سياسيا وعسكريا والأوضاع الدولية والإقليمية.
ويؤكد الخبير العسكري ونائب الرئيس السابق لأركان الجيش السوداني الفريق محمد بشير سليمان للجزيرة نت أن "مخططات تقسيم البلاد مستمرة منذ عقد السبعينيات".
وبيّن أن اتجاه قوات الدعم السريع لتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرتها جاء بعد فشل مشروعها في السيطرة على البلاد منذ الأيام الأولى للحرب، واعتبر أن هذه الخطوة تمثل تمهيدا لتقسيم السودان، تقف وراءه قوى إقليمية ضمن مخطط تديره دوائر صهيونية وأميركية تهدف لإضعاف البلاد، التي تُعد -وفق رأيه- عائقا أمام مشروعها في المنطقة.
ووصف الخبير العسكري قوات الدعم السريع بأنها "بيدق" يُستخدم لتنفيذ هذا المخطط.
ويؤكد سليمان أن إفشال مخطط تمزيق السودان يتطلب قيادة سياسية جادة وملهمة قادرة على تعبئة الشعب، وتوضيح مهددات الأمن القومي، وتسليح المقاومة الشعبية في مختلف أنحاء البلاد لردع ما وصفها بـ"المليشيات والتمرد"، إلى جانب حشد كل إمكانيات الدولة لمواجهة هذا الخطر.
لكن في المقابل، يرى الباحث والمحلل السياسي خالد سعد أنه لا وجود لمخطط أميركي حالي لتقسيم السودان ضمن ما يُعرف بـ"الشرق الأوسط الجديد"، وهو المشروع الذي يستهدف إعادة هيكلة الدولة المركزية في عدد من الدول، ومن بينها السودان.