جريدة الرؤية العمانية:
2025-08-06@12:31:55 GMT

قصة حُلم معطّل 17

تاريخ النشر: 6th, August 2025 GMT

قصة حُلم معطّل 17

الكاتب حمد الناصري

  لم يكن سعيد الحوز مطمئناً إلى تهامَسهنّ، يكاد صوتهن لا يُسمع، خافض جداً ومن وقت لآخر يرتفع، ثم يُخفضانه لئلا يَسمعه.. مُرتعبتان، يتناقشان على عجل، قال إيرين الحكيمة: الربّ الأعلى يقول في الكتاب المقدس " اذهب وقل لهذا الشعب اسمعوا سمعًا ولا تفهموا وأبصروا بصيرة ولا تبصروا. " فظنّ أنها تُشير إليه أو هي تُعيبه.

. فأصغى سمعهُ إليهما، وأصاخ السمع وأحنى أذنه يلتقط كلماتهما وتهامسهما.. وحدّث سعيد الحوز نفسه: لم أكن أدرك المقصود من كلام السيدة ايرين الحكيمة، ولم أكنْ أظن أنها سوف تبوح بسري لـ كارتينا.. أيُعقل أن تبوح إليها ما كان بيننا من أفكار وما خفي من رغبات في ثنايا روحها، رغم أنها تُعجبني فلها أسلوب رائع، وثقافتها عالية، ولطافتها ترقّق الفؤاد.. يجب أن أصارح كاترينا بكل جدّية، لا بدّ أن يكون لي موقف صلب وافهمها بأني لم آتي إلى العاصمة إلى مُتعة أو رغبات وشهوات.. نعم أنتي طيبة، وأقدّر ما وقفتك المُشرّفة، وأنا مُمتن لأكون معك في بهجة وسرور يليق بكِ.. مع مُراعاة القيَم والأخلاق وبما يليق بي من التزام وأدب.. صوت يتناهى إلى سمعي.. لم أرَ شيئاً، لكني حدست بأنه ميلاد إبراهيم وسَحر وخولة.. وكانوا هم، كما توقعت.. جلس ميلاد إبراهيم بقربي.. وجلست سَحر إلى جانبه وخولة بعدها في تتالٍ.. وهمس ميلاد إبراهيم.. سعيد الحوز، أقول لك بفصيح العبارة، خُذ ضِغثاً من المال والمتاع وضِغثاً من الرّفاه العالية.. وأبقى سيّداً مُبجّلا وسعيداً نقياً.. اكْسب لحظات لا تُنسى في الحياة.. المال والمتاع زينة الحياة، ونُخب الحُب والليلة الجميلة أجمل متاع وخير زينة.. قل يا سعيد نعم.. لنشرب نخبك معاً، ونفرح ونسعد.؛

     غضبت الحكيمة غضباً شديداً وقالت بغموض.. التداخلات القولية لا لزوم لها.. وإن ثبت ما يُخالفنا فلزوم العودة إلى أثينا ثم إلى المرجعية القُصوى.. اهتز ميلاد ابراهيم وبدا في حيرة من أمره.. لكنه تعالى بغرور وأخذ يتصرّف وبلا مُبالاة، يُخفي حقيقة ما يعرف وما يفهم، يُظهر قدراته ومسؤوليته ويُعطي نفسه قدراً مبالغٌ فيه أو قِيمة دون هدف حقيقي.. وتجاهل الحكيمة إيرين، وبدا يُدندن بلسانه، مُكابراً.. “لوْ الحلا لوعة لاشتقت إلى لوعتي.. دندندندن روحي تفداك ، لكن الصّمت فضّاح دندندندن.. عطركَ فوّاح وقليل من يفهم.. دندندندن ، لو أصغيت سَمعي لكان الصمت هواك.. دندندندن.

        قال سعيد الحوز محدثاً نفسه في صَمت، حائراً لا يعرف موقفه، وضلّ مترددًا بين ما يُعرض عليه وبين مشاعر الحكيمة ودفء إنسانيتها وبين عقيدة تربّى عليها ومبادي التزم بها كدستور لا يَحيد عنها ولا ينقص منها شيء؟ نعم ربما هي ليلة جميلة، لكن المُعطّل لا مبادئ له، ولأنه كذلك، فهو يأخذني إلى عالم الألتزام، خارج النية والهدف وبعيدٌ عن الثقة والعهد.. سكت بُرهة.. ماذا لو سافرت روحي وقتئذ، فمن يُخفف عني ساعتئذ؟ ماذا لو عرّجت روحي إلى سماء العُلا، من يأتيني بنطق ذي قِيم، من يأتيني بجميل فِعل، من يشدّني إلى قوة مَتْن سليم.. من يُلقنني لفظ مَفردة أطمئن بها.. ساحتْ دمعة من عينيه فأخفاها سراً، نعم كاترينا صادقة ونقية، والحكيمة كبيرة بنقائها وعظيمة بمشاعرها الإنسانية.. لكما، معاً، ورد الجبل وبساتينه المُثمرة وماء وادي جرفة وسيح أرض يدمْ وأخفاف أقدام الرجل الأول "يأدم" المباركة وتحية من نزوة العظيمة بتاريخها العميق وتُراثها العتيق الخالد.. نظر إليهما، شدّته عينيهما، كما لو أنّ زرقة مُشبّعة برمادية المُقلتين، استدارت كاترينا، وظهر وجهها، أنف مُستقيمة رقيقة، ميّزتها بملامح جذابة وشكل مُتناسق مع حاجبين رفيعين، رسَما للعينين جمالاً أخّاذاً للناظر إليها، ساعتئذٍ كانت كاترينا على استعداد لإرتكاب أمرٍ مُختلف، على غرار خطايا الشقراوات، لكنها عدلتْ عن فكرتها.. 
وهمست، بإبتسامة عريضة: سَعيد، والتفتَ سعيد الحوز إليها، هل أنت على استعداد لتكون على المُهمة لتحقيق سعياً مُثمرًا.؟ أم أنت مُستعد لتحمّل المخاطر وزيادة التضييق على نفسك.؟ أو بيّن لنا بأنّ خللاً حادثاً لا يعمل بطريقة صحيحة أو أخبرنا عن ماهية الشيء المعطّل، من حيث وجوده أو عدمه؟
بدا سعيد الحوز، في حيرة، دقّة الأسئلة أدخلت في نفسيته، مشاعر سلبية وقلق قهري.. رغم أنه يعترف بها، ويسعى إلى تحويلها إلى نتيجة إيجابية غير مسكونة بحرج، وتُؤدي كفاءتها بلا قصور.. وكأنها تنتشلهُ من حُزنه وتُخفّف عليه ألمه.. قالت: أنا لي جذور في رمالكم الذهبية.. ألم تر أني شَقراء داكنة وحواجبي سوداء نقية، أنا وخالتي ايرين، بشرتنا شقراء داكنة، جاءت خليط من الشُقر وميْل كبير إلى بشرة الجذور الداكنة، كأنها تربطنا بالنقاء، وتحملنا إلى عُمق الرمال، كأنما تُحفّز المُخيلة إلى الترويح والمُتعة، لتحقيق توازن بين مُتطلبات النفس ورغبات الجسد.. وكل أؤلئكَ، نشاطات بدنية ترفيهية في بُستان عاليَ الفخامة والذوق الرفيع، وتصميم تُراثي رائع، اختيرتْ بعناية فائقة لتُضفي لمسة جمالية وأناقة مُريحة على إطلالته الرائعة.. وتفاصيل أخرى، حدثتك عنها كثيراً، عن الإثارة والذوق، ويسعدني بذل جهداً، يترك لكلانا أثراً خالداً، ونذكر طلّته كلما شعّت قوته في نعومة الفخامة، لتكون ذكرى مُفعمة بالمُتعة التي لا تنسى، وتفاصيل تستحق أن تُذكر.. أتمنى يا ـ سعيد ـ أن تكون قريباً من الأشياء التي تمنحك السعادة والفرح، فأنت تستحق، أنت أنقى إنسان عرفته في حياتي، وعساك تكون سبّاقاً إلى شُعور يَجمعنا، تتلوهُ ثِقة ثم استقرار، وقِيْل قديماً، ما تراهُ العين يُبشّر بالخير، وما اسْتقر في العين استقرّ في القلب؛

      بدت كاترينا أكثر وسامة من ذي قبل، شعرٌ كثيف وناعم يصل إلى منطقة صدرها.. وتماثلت أمامه بنت القرية "وادي جرفة "، سواد عينين ومُقل عسلية وبياض بلا رقّة، وصدر تُخفيه عن الانظار.. ابنة عمّه، أسماء بنت أحمد الحوز، ذات السبعة عشر ربيعاً، تربّت في قرية وادي جرفة " وادي نزوة" بعيدة عن التمدّن وغثّ التواصل المُريب، زُبدتها لم تختلط بأشباه الرجال، حياتها الالتزام بالقِيم ومكانتها الشرف والعزّة.؛ تتمنى عائلة سَعيد زواج أسماء من ابن عمها سعيد الحوز ولذات الأسباب، خاطر أبوه بوجود ولده الوحيد من بين أختين شقيقتين تصغرانه سناً ، حثّه أبوه يوسف بن سعيد الحوز للبحث عن عمل في العاصمة لتحسين المعيشة وإيجاد فرصة أكبر لدى عمه أحمد بن سعيد الحوز شقيق ابيه، فوجود عمل ثابت ، يُساهم في خلق تقارب مع عائلة أسماء ابنة عمّه ، واّدّخار جزء المعاش للزواج كما يتمنّى أبوه ، أبويه، لكن أمه ، لم تُوافق زوجها وكشفت سِراً لإبنها : أنا أريد لك ابنة خالك ، فكم هي قريبة منك ، أعرفها منذ صِغرها ، تطبخ وتسقي الحرث وتقطف الورد من البستان وتعصر ماء الزعفران.

يتبع 18

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: سعید الحوز

إقرأ أيضاً:

جيش الاحتلال ينصب حاجزًا على مدخل "وادي فوكين" ببيت لحم

بيت لحم - صفا

نصب جيش الاحتلال الإسرائيلي، يوم الأحد، حاجزًا عسكريًا على المدخل الرئيسي والوحيد لقرية وادي فوكين، غربي محافظة بيت لحم شمالي الضفة الغربية المحتلة وشرع بتفتيش فوري لمركبات المواطنين ما أدى لأزمة مرورية حادة.

وقال رئيس مجلس قروي وادي فوكين، إبراهيم الحروب، لوكالة "وفا"، إن قوات الاحتلال أخضعت المركبات الداخلة والخارجة من القرية لتفتيش دقيق، إضافة إلى التدقيق في هويات المواطنين، ما تسبب بأزمة مرورية واختناقات على الطريق المؤدي إلى القرية.

وأضاف أن قوات الاحتلال منعت دخول أي مواطن لا يحمل عنوان سكن داخل القرية، في إجراء وصفه بالتعسفي ويهدف إلى تضييق الخناق على السكان وعزل القرية عن محيطها.

ووادي فوكين هي واحدة من القرى المحاصرة بالاستيطان، والتي تعاني من اعتداءات متكررة من قبل سلطات الاحتلال والمستوطنين، في ظل محاولات مستمرة للاستيلاء على أراضيها.

مقالات مشابهة

  • الرئيس الجزائري يثمن سياسة مصر الحكيمة بقيادة الرئيس السيسي لتحقيق السلام
  • مخلفات البناء تهدد سد وادي الجفنين وتقض مضاجع الأهالي
  • وادي في أم صلال
  • نشرة المرأة والمنوعات.. شاكر محظور من نقيب شرطة إلى تيك توكر.. السقا يحتفل بعيد ميلاد شقيقته.. ضرسك الملتهب خطر صامت يهدد الغدة الدرقية
  • السقا يحتفل بعيد ميلاد شقيقته فاطمة ..من هي السيدة التي خطفت قلب العائلة؟
  • في ذكرى ميلاد «الدنجوان».. كيف كانت حياة رشدي أباظة وأكثر شيء أحزنه؟
  • جيش الاحتلال ينصب حاجزًا على مدخل "وادي فوكين" ببيت لحم
  • ولي العهد الأردني يحتفل بيوم ميلاد ابنته.. صورة
  • ظهرت في صور خطفت القلوب.. الحسين بن عبدالله الثاني يحتفل بعيد ميلاد ابنته الأميرة إيمان الأول