عربي21:
2025-08-10@13:08:12 GMT

تناقضات الموقف المصري تجاه غزة.. صفقة الغاز أحدثها

تاريخ النشر: 10th, August 2025 GMT

مفهوم أن السياسة مواقف مركبة، ليست أبيض وأسود فقط، لكنها ليست الشيء ونقيضه في الوقت نفسه. الموقف الرسمي المصري يمتلئ بالتناقضات طيلة الشهور العشرين الماضية منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، حتى الموقف الوحيد الأكثر قوة وهو رفض التهجير لم يكن بهذا الوضوح في بدايات العدوان. نتذكر جميعا أن السيسي وفي مؤتمره الصحفي مع المستشار الألماني أولاف شولتز يوم 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أي بعد 10 أيام من العدوان، دعا السلطات الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين إلى صحراء النقب حتى تنهي مهمتها في غزة بدلا من تهجيرهم إلى مصر.



لنترك ملف التهجير، فالموقف المصري بشكل عام فيه أفضل من غيره، ولننظر إلى بقية المواقف والممارسات المصرية الرسمية طيلة الشهور الماضية. فالموقف العلني يرفض العدوان الإسرائيلي على غزة، وصل حد وصفه على لسان السيسي نفسه مؤخرا بحرب الإبادة الممنهجة وتصفية القضية الفلسطينية، مضيفا أن التاريخ سيتوقف كثيرا، وسيحاسب دولا كثيرة على موقفها في حرب غزة، وأن الضمير الإنساني العالمي لن يصمت طويلا، ومع ذلك فإن الممارسات العملية تسير في الاتجاه المعاك. فبعد يومين من هذه التصريحات إذ بنظام السيسي يوقع أكبر صفقة لتوريد الغاز الطبيعي من إسرائيل بقيمة 35 مليار دولار، وهي الصفقة الأكبر في تاريخ الكيان حسب وزير طاقته إيلي كوهين، الذي أضاف أيضا أنها "ستضخ مليارات الدولارات في الخزينة الإسرائيلية وتوفر فرص عمل جديدة وتسهم في تقوية الاقتصاد الإسرائيلي".

هي صفقة لا تلبي احتياجات مصر العاجلة من الغاز بل هي ممتدة حتى العام 2040!! وهي صفقة إنقاذ للاقتصاد الإسرائيلي الذي تتصاعد معاناته بسبب العدوان على غزة، وهي تأتي في وقت يصعد فيه جيش الاحتلال خططه لاحتلال غزة بشكل كامل، وطرد سكان شمالها إلى جنوبها أي إلى الحدود المصرية، لتكون الخطوة التالية هي دفعهم للهجرة إلى مصر، وهي كما قلنا جاءت بعد يومين من وصف السيسي للحرب في غزة بأنها حرب إبادة، وبدلا من خطوات عملية لمواجهة هذه الإبادة إذ بالنظام المصري يوقع هذه الصفقة لإنعاش الاقتصاد الإسرائيلي، بما يعني تمويل حرب الإبادة تلك، فأي تناقض أكثر من هذا؟!

في التبريرات الرسمية لتلك الصفقة أنها ليست اتفاقية جديدة بل هي تعديل لاتفاقية موقعة سابقا في عام 2019، وأن الهدف تأمين احتياجات مصر من الغاز الطبيعي على المدى البعيد، وضمان أمن الطاقة حتى عام 2040، وكذا تثبيت مصر كمركز إقليمي للطاقة في الشرق الأوسط. وهي تبريرات لا تقنع طفلا صغيرا، فلا فرق بين تعديل اتفاقية لتصل إلى هذا المستوى التاريخي وبين توقيع اتفاقية جديدة، فهذه شكليات لا قيمة لها، لكن الزعم أن هذه الصفقة ستحقق لمصر أمن الطاقة حتى العام 2040 هو احتقار لعقول المصريين الذين يدركون أن أمن الطاقة لهم لا يكون عبر عدوهم التاريخي، والذي استخدم هذه الاتفاقية من قبل (خلال الحرب الإسرائيلية الإيرانية) في حرمان مصر من توريدات الغاز دون إخطار مسبق، وهو ما تسبب في توقف العديد من المصانع المصرية لأكثر من أسبوعين، واضطرار مصر لتوفير غاز بديل بأسعار مضاعفة.

هذه اتفاقية طويلة المدى مع دولة هي عدو بالأساس وتستخدم كل أدواتها (ومنها الغاز) للضغط على مصر لتطويعها، ودفعها لتبني سياسات أكثر ليونة تجاه الكيان، وهي اتفاقية مع كيان عدواني بطبعه، لا يتوقف عن حرب حتى يدخل في حرب جديدة، ومن ثم فإن منشآته وحقول الغاز لديه ستظل دوما أهدافا في تلك الحروب، وحين يتوقف إنتاجها فإن مصر ستكون هي الضحية، وستتوقف المصانع كما توقفت من قبل، وستتأثر شبكة الكهرباء كما تأثرت من قبل، أي أن الاتفاقية لم توفر أمن الطاقة كما تدعي التبريرات الرسمية، بل إنها وضعت مفاتيح تشغيل المصانع وشركات الكهرباء المصرية بيد إسرائيل!!

التبرير الأخير أن هذه الاتفاقية ترسخ وضع مصر كمركز إقليمي لتجارة الغاز، هو تبرير ساقط بالممارسة العملية، فكل الصفقات التي عقدتها مصر لا تكاد تغطي احتياجاتها المحلية، ولا يوجد فائض للتصدير، وإذا كانت السلطات المصرية تدعي عكس ذلك فعليها أن تصدر بيانا بالكميات والأسواق التي صدرت لها الغاز منذ العام 2018.

بالمختصر، صفقة الغاز هي صفقة سياسية لتأمين بقاء نظام السيسي نفسه، وليس لتحقيق أمن الطاقة للمصريين، فالنظام يشعر بمخاطر تحيطه من كل جانب، ويثق أن أمنه وحمايته بيد الكيان الصهيوني فسارع إليه.

صفقة الغاز هي أحدث التناقضات في السياسة المصرية الرسمية تجاه الحرب في غزة، وقد سبقتها تناقضات أخرى، ففي الوقت الذي يتحدث النظام علنا عن حرب إبادة، وحرب تجويع، فإنه لا يفعل شيئا حقيقيا لمواجهة هذه الإبادة وهذا التجويع، ويواصل حجز الشاحنات في العريش بحجة غلق معبر رفح من الجانب الإسرائيلي، وكان يمكنه بممارسة ضغوط فعلية على الكيان إجباره على فتح بوابات المعبر من طرفه، وكان يمكنه تضمين صفقة الغاز الأخيرة شرطا لفتح المعبر، لكنه لم يفعل.

تحت الضغوط المتصاعدة اضطر النظام المصري لإدخال عدد قليل من الشاحنات (تعرضت في معظمها للنهب من اللصوص المدعومين من جيش الاحتلال)، كما اضطر إلى إسقاط جوي لبعض المعونات، وكل ذلك بالتنسيق مع سلطات الاحتلال، وكان يمكنه إتمام هذا التنسيق من قبل أيضا ليمنع وقوع المجاعة لكنه لم يفعل، كما أنه ترك جيش الاحتلال يحتل ممر فيلادلفيا بالمخالفة لاتفاقية السلام، وتركه يحطم بوابات معبر رفح 4 مرات باعتراف السيسي نفسه، وكل ما فعلته مصر هو إعادة الترميم في كل مرة، ولو أن مصر الرسمية مارست ضغوطا حقيقية على الكيان فإنها كانت ستتجنب احتلال ممر فيلادلفيا وإغلاق المعبر.

وفي الوقت الذي تسابقت فيه أذرع النظام السياسية والإعلامية في انتقاد مظاهرة لعرب الداخل الفلسطيني أمام السفارة المصرية في تل أبيب، فإن وزارة الداخلية المصرية رفضت السماح للحركة المدنية بتنظيم مظاهرة أمام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وقد سبق ذلك التصدي بعنف لقافلة التضامن المغاربية، كما تم منع المصريين من التعبير عن غضبهم ضد العدوان، وتضامنهم مع الأشقاء، وتم اعتقال العشرات من الشباب المصري على تلك الخلفية، أضف إلى ما سبق تراجع النظام المصري عن الانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا ضد الكيان في محكمة العدل الدولية بعد أن تعهد بذلك، وتجنبه الانضمام إلى مجموعة لاهاي التي أخذت على عاتقها مهمة محاصرة الكيان دوليا، بل إنه منح إعلامه الضوء الأخضر للانقلاب على حماس ووصفها بكل نقيصة؛ فقط لأن احد قادتها (خليل الحية) وجه استغاثة عاجلة لمصر بكل مكوناتها لإنقاذ غزة بحكم أنها الجارة الوحيدة للقطاع التي تمتلك معابر للوصول إليه.

ضمن التناقضات المصرية الرسمية، التهكم من الذين يدعون النظام لاتخاذ مواقف عملية وقوية لإدخال المساعدات إلى غزة، واتهامهم بأنهم يريدون جر مصر إلى حرب (رغم أنهم لم يطلبوا ذلك، ورغم أن النظام اضطر لإدخال بعض المساعدات بعد هذه الضغوط)، وفي الوقت نفسه يخرج أحد القادة السياسيين والعسكريين (اللواء خالد مجاور محافظ شمال سيناء وقائد الجيش الثاني السابق، ورئيس المخابرات الحربية السابق) متوعدا إسرائيل برد يذهل العالم إذا فكرت في الاقتراب من الحدود المصرية، وهو اللواء نفسه الذي تحدث قبل ذلك بأيام قليلة بطريقة تهكمية عمن وصفهم بالمغرضين الذين يريدون جر مصر إلى الحرب: "لن نجر مصر إلى خطأ يتمناه الجميع حتى نضيع مصر بالكامل وبالتالي إقليم الشرق الأوسط وينتهي العالم العربي"، "لا يوجد ما يسمى فتح المعبر بالقوة، وإلا ندخل الحرب ويعني ذلك مواجهة أمريكا".

هذه التناقضات في الموقف المصري ربما تعكس تباينا في وجهات النظر داخل القيادة السياسية والعسكرية، وربما تعكس حالة تخبط، أو خوف من المجهول، لكنها في النهاية أنتجت موقفا مرتبكا فتح الباب لاتهام مصر الرسمية بالمشاركة في حصار وتجويع أهل غزة طيلة الشهور الماضية، ولم تفلح بيانات النفي الرسمية في إزالة هذه الاتهامات حتى الآن.

x.com/kotbelaraby

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء المصري الإسرائيلي غزة الغاز حصار مصر إسرائيل غزة غاز حصار قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة رياضة صحافة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أمن الطاقة صفقة الغاز فی الوقت من قبل

إقرأ أيضاً:

ماذا دفع مصر لإبرام أضخم صفقة في التاريخ مع إسرائيل؟

مصر – علق خبيران مصريان على أهمية توقيع حقل ليفياثان الإسرائيلي للغاز الطبيعي أكبر اتفاقية تصدير في تاريخ البلاد، بقيمة تصل إلى 35 مليار دولار، لتزويد مصر بالغاز.

وأكد الخبير الاقتصادي محمد أنيس، أن اتفاقية إسرائيل بتصدير الغاز لمصر بقيمة 35 مليار دولار حتى 2040، من المنظور الاقتصادي تحمل بعدا إيجابيا بعيدا عن النواحي السياسية، لأن كمية الغاز التي سوف تستوردها مصر أرخص من الغاز المسال وهذا يزيد من أمن الطاقة.

وقال محمد أنيس في تصريحات لـRT، إنه قبل هذه الاتفاقية الجديدة، كانت مصر تستورد من إسرائيل الغاز تقريبا من 800 ميلون إلى مليار قدم مكعب، وبعد هذا الاتفاق يضاف نفس الكمية تقريبا ولكن من حقل ثاني، وبخصوص السعر لا يمكن تحديده لأنه لم يتم الإعلان عنه، ومن الممكن الإعلان عنه لاحقا.

وأضاف أن الاتفاق يمنح مصر قدرة أكبر على التخطيط طويل المدى لتأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي، خاصة في ظل التحديات المرتبطة بالإنتاج المحلي وتقلبات السوق العالمية.

وأكد الخبير الاقتصادي، أنه نظرا لأزمة الشحنة في مصر عامي 2022 و2023 نتج عنها أننا لم ندفع الكامل حقوق شركائنا في قطاع البترول في الشركات العالمية وبالتالي تم تقليل الاستكشافات وبالتالي إجمالي الغاز الخاص بمصر قل من 7 مليار قدم يوميا إلى مستوى 4 مليار يوميا، لذلك الغاز الذي تستورده مصر من إسرائيل حاليا بدلا من تصديره يتم استهلاكه ولا يكفي، وبالتالي مصر تستورد غاز مسال وتحويله إلى الحالة الغازية ثانيا ونستهلكه في السوق المحلي وهذا أغلى بكثير.

وتابع: “الكمية المضافة من قبل إسرائيل تأتي من الأنابيب بمعني الحالة الغازية ولكن أرخص من الغاز المسال، والبديل حتى إذا جاء من إسرائيل هيكون أفضل لأنه أرخص من الغاز المسال”.

وأشار إلى أن الكمية الإضافية من حقل ليفياثان مؤقتا ستقوم بتغطية العجز في السوق المحلي لحين استعادة مستويات الإنتاج لطبيعتها بعد سنتين أو ثلاثة ويصبح السوق المحلى بالكامل يتغطي من أرخص غاز في تكلفة الإنتاج.

كما أكد الخبير الاقتصادي، مصطفى بدره، أن هذه الاتفاقية هي اتفاقية استراتيجية لمدة الغاز إلى مصر لسنة 2040 أو السنة التي ينتهي فيها الإنتاجية من الغاز .

وقال في تصريحاته لـRT، إن مصر ستستفيد من هذه الاتفاقية بشكل كبير وكذلك الطرف الآخر لديه نفس الاستفادة وهذا يعني ضمان بكمية كافية من الغاز على المدى البعيد .

وأضاف بدره أن مصر تؤمن احتياطها وواردتها من الغاز مع إحدى الشركات الأجنبية، وهذا يعكس طمأنينة للدولة والحكومة أن لديها واردات من الغاز ستبقى على الأقل 10 سنوات وبسعر مميز بكثير عن السوق العالمي.

واستكمل، الشركة المنتجة للحقل هتستفيد لأنها ضامنة بيع منتجها للدولة المصرية أكثر من 10 سنوات فـ ضامنة الواردات المالية.

وأعلنت شركة نيوميد أحد الشركاء في الحقل، يوم الخميس أن حقل ليفياثان، الواقع قبالة ساحل إسرائيل على البحر الأبيض المتوسط، والذي تبلغ احتياطياته نحو 600 مليار متر مكعب، نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر حتى عام 2040، أو حتى استيفاء جميع الكميات المتعاقد عليها.

ويذكر أن التدفق الطبيعي للغاز من حقلي “ليفياثان” و”كاريش” الإسرائيليين إلى مصر عاد تدريجيا بعد انتهاء التصعيد مع إيران، ليصل إلى نحو مليار قدم مكعب يوميا. وتستفيد مصر من جزء من هذه الكميات في تغطية احتياجاتها المحلية، بينما تعيد تصدير الجزء الآخر، مما يحقق لها أرباحاً كبيرة.

يشار إلى أن مصر، التي كانت في السابق مصدرا للغاز، أصبحت تعتمد بشكل متزايد على الواردات الإسرائيلية بسبب تراجع إنتاجها المحلي، رغم امتلاكها بنية تحتية متطورة لإعادة التصدير. وفي المقابل، تواصل إسرائيل توسيع حقولها الغازية، مثل “ليفياثان”، حيث من المتوقع أن تخصص جزءا من الإنتاج المستقبلي للسوقين المصري والأردني.

المصدر: RT

مقالات مشابهة

  • كم سيربح الاحتلال من صفقة الغاز العملاقة مع مصر؟
  • حساب سعودي شهير يهاجم الدعم المصري لإسرائيل
  • سعيد: الجغرافيا السياسية مع الجانب الفلسطيني الإسرائيلي جزء من الكينونة المصرية
  • حزب الجبهة الوطنية يُدين الخطة الإسرائيلية تجاه غزة ويدعم الموقف المصري
  • حزب الجبهة الوطنية يدين الخطة الإسرائيلة تجاه غزة ويدعم الموقف المصري
  • ماذا دفع مصر لإبرام أضخم صفقة في التاريخ مع إسرائيل؟
  • شاهد الكرة الرسمية للدوري المصري 2025-2026
  • السفير الفلسطيني: الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية تاريخي ومحوري
  • وزير طاقة الاحتلال: صفقة الغاز مع مصر خبر سار لاقتصادنا