يقولون وفي عيونهم بريق الماس كما قال أستاذنا في المرحلة الثانوية يوسف ماكن عليه رحمة الله:
السودان بلد شديد التنوع بناء على دراسات المستشرقين والغربيين التجزيئية والانطباعية
والانتقائية وهي تبعيضية باعتراف الدارسين أنفسهم.
هؤلاء أفضل منهم من يقول من عامة الناس: البلد ضيقة. أو السودان ضيق بناءا على علاقات اجتماعية وأنساب ومصاهرات وصداقات صنعتها ظروف السودان وأحوال أهله في مدنهم وقراهم مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم وأسواقهم.


هناك من أستفاد من هذه البلد الضيقة الحنونة عندما كان لا حول له ولا قوة، ولكن عندما شب عن الطوق طفق يذكر الهامش والتهميش والظلم الاجتماعي والجلابة ودولة ١٩٥٦م لأن كل هذه المزايدات والتطاول يمكن أن تفسح له في المنظمات وجماعات حقوق الإنسان المغلفة بالماسونية والمؤلفة لكي تفت من عضد الشعوب ووحدتها وتماسكها.
رحم الله الراحل والمفكر الدكتور حسن عبد الله الترابي الذي ظل يقول: (أهل السودان). ومن قبله قالها الشهيد عبد القادر ود حبوبة. أهل السودان وصف مناسب للشعب السوداني وطبيعته المستعصية على الفهم لمن لا يعرف السودان أو يتأمل في علاقة أفراده وجماعته.
قبل عدة سنوات وقع حادث قتل بين قبيلتين وبرز سؤال هل يمكن لأهل القتيل أن يعفوا عن القاتل؟. وكان الجواب هو أنهم سيعفون لأنهم حصلوا قبل عدة سنوات على عفو لأحد أبنائهم لقتله أحد أفراد القبيلة الأخرى.
علي ود منصور رحمة الله كان يتناول إفطاره من وجبة العصيدة عندما دخلنا عليه قال لنا أنه أحب هذه العصيدة التي تحضرها جاراتهم من بنات أهلنا النوبة في جنوب كردفان، نزحن بسبب الحرب المفروضة على الشعب السوداني من الخارج ووجدن مع أطفالهن أريحية وكرم أهلنا المسيكتاب شمال شندي، وتم فتح البيوت لهم مجانا وتأسيسها من كل شئ: الجيران كل بيت يحضر سرير ومرتبة وكرسي ومواد غذائية. نساء نازحات يذهبن منذ الصباح الباكر إلى ناس الحواشات ويحصلن على الخضروات والفواكه مجانا ثم يعدن. وترى التداخل والزيارات والقهوة النهارية. وعندما توفيت دار الجلال عليها رحمة الله في أيام الحرب عند أهلها بشندي جاراتها في حي الراشدين بأمبدة حضرن من الراشدين لأداء واجب العزاء في نهر النيل على الرغم من الحصار الذي تفرضه مليشيا الجنجويد واعتقال المواطنين في بيوتهم على أساس عرقي. أنا لدي عشق وحب لأهلنا النوبة ليس لأني عشت في الدلنج أو كادوقلي أو حتى الدبيبات محلية الفوز ديار صديقنا يوسف عبد المنان، ولكن ابن النوبة الأصيل ميرغني عيسى موسى المتصوف على الطريقة التجانية المقيم ويعمل بسودري شمال كردفان تربطه صداقة بشقيقي الأكبر كنت أقيم في منزله مع أسرته أمه وزوجته وأطفاله وأنا واحد منهم في العطلات المدرسية.
من السهل أن يقول أحدهم المشكلة في النخب التي استأثرت بالسلطة وهمشت الآخرين، ولكن تلك النخب أدركت أهمية التعليم وتم بناء المدارس على قلتها في كل السودان.
الفاشر الثانوية وخورطقت وحنتوب التي تزامل فيها حمد علي التوم من بادية الكبابيش مع الجزولي دفع الله من الجزيرة. والخرطوم الجديدة. الأميرية أم درمان وشندي الثانوية وعطبرة الثانوية التي تخرج منها بروفيسر التجاني حسن الأمين من أقصى غرب السودان وما زال الحبل على الجرار وكل سوداني في أي مكان له نفس الحقوق بلا استثناء. ومن ثم تساوى الناس وتساوت ظروفهم وأحوالهم بسبب العولمة والتنمية المتوازنة على قلتها ولكن هناك من يقوم بتدمير ماهو موجود من مدارس وجامعات كما يفعل الجنجويد الذين يزعمون أنهم يحاربون دولة الجلابة والكيزان وهم بذلك يدمرون ممتلكات الشعب السوداني الخاصة والعامة. ولكن الشعب السوداني يعلم منذ أيام منقو هناك من يريد أن يفصله وقد فعلها في الأولى، ولكنه لن يفعلها في الثانية:

أوصيكم علي السيف السنين أسعوه
أوصيكم علي ضيف الهجوع عشوه
بوصيكم علي الزول أن وقع شيليوه

د. حسن محمد صالح

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

د. محمد بشاري يكتب: الفتوى والعقل في عصر الرقمنة

في لحظة حضارية مشتبكة بين طغيان التقنية وارتباك الخطاب، جاءت مبادرة دار الإفتاء المصرية لتنظيم المؤتمر  الدولي العاشر للامانة العامة لدور و هيئات الافتاء في العالم بمثابة إعلان معرفي رصين عن انخراط المؤسسة الدينية الرسمية في واحد من أعمق النقاشات الإنسانية: سؤال الفتوى في زمن الذكاء الاصطناعي. 

فالذي يُطل على واقع الإفتاء من أعالي التحولات الرقمية، يدرك حجم التحدي: كيف نُبقي على روح الاجتهاد حيّة، وسط تقنيات تَعد بالاستغناء عن الإنسان ذاته؟ وكيف نحافظ على جوهر الفتوى، لا كمنتَج يُصدر، بل كحُكم يتخلق في رحم العقل الشرعي الرشيد، في زمن تُستبدل فيه السلطة المعرفية بمنصات وتطبيقات وخوارزميات؟

في هذا السياق، لم يكن انعقاد المؤتمر العاشر محض تكرار سنوي لفعالية مؤسسية، بل يمكن اعتباره لحظة انبثاق واعٍ لمفهوم جديد في التفكير الديني، تسعى فيه دار الإفتاء إلى إعادة تشكيل صورة المفتي لا بوصفه ناقلًا للحكم، بل بانيًا لقراره داخل بنية مركبة من المقاصد، والسياقات، وحكمة التنزيل. فالمبادرة لم تُركّز على أدوات الذكاء الاصطناعي بوصفها تهديدًا، بل كأفق وجب على المفتين الاقتراب منه، لا للتماهي معه، بل لترشيده، ومساءلته، بل وإعادة ضبط تمثلاته داخل منظومة الفعل الشرعي.

وفي قلب هذا الطموح، تبرز شخصية فضيلة المفتي الأستاذ الدكتور نظير محمد عياد، لا بوصفه موظفًا على رأس مؤسسة فقهية كبرى، بل كعقل فقهي متمرّس يُدرك بوعي رفيع أن الاجتهاد المعاصر لا يمكن أن يبقى أسيرَ معجمٍ قديم، ولا أن يتخلى عن أخلاقياته أمام خوارزميات الحداثة السائلة. فالرجل – في خطاباته العلمية ومداخلاته الرفيعة – يُعيد الاعتبار لفكرة “العقل الإفتائي”، لا كتمرين بلاغي، بل كوظيفة حضارية تحرّر المفتي من أسر الحرفية وتضعه في مدارات الفهم الكلي، المتصل بمقاصد الشريعة، لا المفصول عنها بجمود اللفظ أو فوضى الذوق. ومن يمعن النظر في طريقة بناءه لمفهوم “المفتي الرشيد”، يدرك أنه لا يسعى لتدريب المفتي على التقنية كمهارة، بل لتجذيره في وعي توازنيّ يميّز بين ما تُنتجه الآلة من أجوبة صورية، وبين ما تستوجبه الفتوى من استبطان مقاصدي للواقع وتقدير سديد للحُكم بمناطه الكامل.

كان بإمكان دار الإفتاء أن تظل واقفة على تخوم النقاش، مترددة بين الإدانة أو الترقب، لكنها  قررت أن تُعلن انخراطها في عمق التحول، ولكن لا بصفتها تابعا مبهورًا، بل مرشدًا متبصّرًا. إنها ليست تُنتج فتوى رقمية، بل تُهذّب العقل الذي يصوغها، ولا تهدف إلى “رقمنة” المفتي، بل إلى عقلنة الفتوى في زمن الرقمنة. وهذا فارق جوهري.

ولعل هذا ما يجعل من هذه المبادرة نموذجًا لما يمكن تسميته بـ”فقه التدبير المعرفي”، حيث لا يُكتفى بالمحافظة على تراث الفتوى، بل يُعاد بناؤه من داخل الأسئلة التي يفرضها العصر. فالتحول الرقمي، في قراءة هذا المؤتمر، لا يُراد له أن يبتلع المجال الديني، بل أن يُستوعَب داخل مشروع إصلاحي أشمل يُعيد للفتوى بُعدها التأصيلي لا التنميطي، ويُعلي من دور المفتي لا كخازن للأقوال، بل كمُهندس للمآلات. وهنا تتجلّى عبقرية المؤتمر، لا في محاورة التقنية بوصفها خطرًا، بل في التعامل معها بوصفها حافزًا لتجديد منطق الإفتاء نفسه، ومساءلة بنيته ومفاهيمه وأدواته.

من هنا، فإن السؤال الذي طرحه المؤتمر لم يكن سؤالًا تقنيًا، بل سؤالًا أنطولوجيًا: ما معنى أن تُفتي في زمن تتقاطع فيه حدود الإنسان مع الذكاء الاصطناعي؟ وهل ما زال للمفتي أن يُنصت لنداء التكليف الأخلاقي، في زمن تتكاثر فيه المنصات وتتشظى فيه الأجوبة؟ بهذا المعنى، لا يُعد المؤتمر مجرد مناسبة معرفية، بل هو إعلان ميلاد جديد لنموذج المفتي الذي لا يتهيب العصر، بل يشتبك معه، حاملًا في قلبه أدوات التمييز، وموازين المقاصد، وضمير الفتوى الحي.

إنها مصر، إذًا، التي أرادت أن تقول للعالم الإسلامي: لسنا متفرجين على الثورة الرقمية، بل فاعلون فيها، نصوغ فيها صورة المفتي لا كظل لماضيه، ولا كصوت لتقنيته، بل كمَلَكَة عقلانية تربط الحكم بمناطه، والواقع بمقاصده، والفتوى بمستقبلها. وهل هذا إلا جوهر الفقه حين يكون وعيًا لا تكرارًا، وقيادة لا استتباعًا؟

طباعة شارك دار الإفتاء المصرية نظير محمد عياد دار الإفتاء

مقالات مشابهة

  • إبراهيم شقلاوي يكتب: إدارة الفيضان بين سد النهضة وسدود السودان
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (أشجار الجنة التي نعيش فيها)
  • مباهاة
  • خونة الداخل.. من نهب الثروة إلى خدمة المخطط الصهيوني
  • البراء بن مالك جزء من كتائب الاحتياط للجيش السوداني بموجب قانون الاحتياط الشعبي
  • د. محمد بشاري يكتب: الفتوى والعقل في عصر الرقمنة
  • دولة الإمارات تدعو إلى إنهاء الصراع في السودان
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (هذه الدنيا…)
  • شاهد بالصورة.. حسناء الفن السوداني “مونيكا” تثير الجدل في القاهرة بأزياء ضيقة ومحذقة والجنس اللطيف يسخر: (استشيري صديقاتك في لبسك)