«أولاد حارتنا» لا تسىء إلى الأديان ولا تشكك فى الذات الإلهية بل تطرح هموم الإنسان ينتبه إلى الآفة التى تفسد الحياة الإنسانية وتعكر صفوها ويسعى لتحقيق الحلم بحياة أفضل 

ما أكثر الذين «سمعوا» عن رواية «أولاد حارتنا»، ويتحدثون عنها باستفاضة تناقض جهلهم بها، بل إنهم لا يتورعون عن إصدار الأحكام النهائية كما يليق بعتاة الجهلاء، التركيز كله ينصب على محاكاة نجيب محفوظ لتاريخ القبيلة البشرية في رحلتها الطويلة الشاقة بحثًا عن الحياة الأفضل، التي تسودها القيم النبيلة الغائبة، ويتناسى هؤلاء الذين يحكمون بلا قراءة، أن الأديان جميعًا بمثابة المحطات الرئيسة في قصة الحضارة، وما أتعسهم عندما يتصورون أنهم قد اكتشفوا الخارق غير المسبوق بقولهم إن «الجبلاوي» يرمز إلى الله، و«إدريس» أكبر أبنائه هو إبليس، و«أدهم» هو آدم، وابناه هما قابيل وهابيل، أما «جبل» و«رفاعة» و«قاسم» فهم تجسيد للأنبياء موسى وعيسى ومحمد.

مثل هذه القراءة التبسيطية المخلة تعني عندهم إدانة محفوظ بالضرورة، وثبوت التهمة الموجهة إليه بإساءة الأدب في رؤيته للأنبياء!.

«أولاد حارتنا» عمل روائي في المقام الأول، ينبغي التعامل معه من منظور إبداعي خالص، ولا متسع هنا للمقاييس الدينية التقليدية، ذلك أن «قاسم» في الرواية، على سبيل المثال، ليس إلا شخصية روائية، ومن الخلل الفادح أن تتحول القراءة إلى ترجمة ساذجة ركيكة للشخصية، ويتم التعامل مع هذه الترجمة غير الدقيقة على أنها حقيقة متفق عليها ولا تقبل الشك.

قاسم شخصية روائية مصنوعة بمعرفة الروائي، وإذا كان فيها بعض الملامح التي تقود إلى النبي محمد، فإن فيها أيضًا الملامح المختلفة التي تنبع من الفن الروائي وتنتصر له، والأمر نفسه ينطبق على جبل ورفاعة وغيرهما من الشخصيات.

من ناحية أخرى، يتحتم على من يتربصون بالرواية وصاحبها أن يواصلوا القراءة بجدية، ويتفاعلوا مع شخصية «عرفة» الذي يرمز، اسمًا وسلوكًا، إلى العلم والمعرفة، فمن خلاله، ينتصر نجيب لمقولة إن العلم لم يقدم للبشرية خلاصًا، قتل الله- الجبلاوي، لا يعني نهاية عذابات البشر وما يعانونه من قهر وإفقار.

بعض قارئي الأعمال الروائية يتقمصون شخصية المخبر السري المتذاكي في الأفلام الأمريكية المثيرة، ويأبى خيالهم الضحل المحدود إلا توهم البراعة في الكشف عن الجذور الواقعية للشخصية الروائية، ومثل هذه القراءة البوليسية تمثل إساءة بالغة للنصوص الروائية ومبدعيها، وتقود إلى أوخم النتائج، ليس أدل على ذلك من تعرض محفوظ لمحاولة اغتيال فاشلة بعد أن تجاوز الثمانين من عمره، ويعترف القاتل الجاهل أنه يقدم على جريمته عقابًا للروائي الكبير مؤلف «أولاد حارتنا»، التي يسيء فيها إلى الله والأنبياء، ويؤكد أنه لم يقرأ الرواية، لكنهم «قالوا» له إنها تسيء وتتجاوز وتستدعي القتل!.

انشغال نجيب محفوظ بفكرة الله لا تقتصر على عمله الفريد «أولاد حارتنا»، فالهاجس مطروح بطرق وأساليب شتى في عدد غير قليل من مؤلفاته الروائية والقصصية، ومن ذلك ما نجده في قصة «زعبلاوي»، مجموعة «دنيا الله»، ورواية «الطريق» حيث البحث الدءوب الشاق عن الأب الضائع سيد الرحيمي، الذي يقترن عند الابن التعيس صابر بالحرية والكرامة والسلام.

يزدحم عالم نجيب محفوظ بوفرة من الملحدين واللا أدريين والمسكونين بالشك والحيرة، وأبرزهم كمال عبدالجواد في «الثلاثية» ومصطفى الدهشوري في «حكايات حارتنا» وجعفر الراوي في «قلب الليل»، وغيرهم، لكن العالم نفسه لا يقل ازدحامًا بالصوفيين والورعين البسطاء من المتدينين صادقي الإيمان، وما أكثر التحولات العاصفة التي تنتقل برجل مثل العجوز محتشمي زايد في «يوم قتل الزعيم»، من الإلحاد والشك إلى التصوف ومراودة الكرامات والمعجزات.

لن يكتمل الوعي بأبعاد رحلة نجيب في البحث عن الله بمعزل عن التوقف أمام روايته الاستثنائية «رحلة ابن فطومة»، حيث الرصد والتحليل بالغ العمق لمسيرة الإنسان مع العقائد الدينية والأنظمة الاجتماعية التاريخية، من الشيوعية البدائية والعبودية، إلى ما بعد شيوعية القرن العشرين، مرورًا بالإقطاع والرأسمالية.

في «أولاد حارتنا»، لا يسيء محفوظ إلى الأديان ولا يشكك في الذات الإلهية، بل إنه يطرح هموم الإنسان في صراعه الذي لا يتوقف مع الزمان والمكان، وينتبه إلى الآفة الكبرى التي تفسد الحياة الإنسانية وتعكر صفوها، وهل من آفة تفوق نسيان الحلم الذي يقترب قليلًا ويبتعد طويلًا؛ حلم أن تكون حياتنا أفضل وأرقى كما يليق بجلال وسمو الإنسان؟.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أولاد حارتنا الحياة الإنسانية جبل نجيب محفوظ نجیب محفوظ

إقرأ أيضاً:

حاتم قاضي يكتب: أهلًا وسهلًا بحجاج بيت الله الحرام في هذا البلد الأمين

 

وافى الحجيج ببهجة وهناءِ

أهلًا بهم في مكة الفيحاءِ
يامرحبا يامرحبا يامرحبا

وَفَدَ الحجيجُ لأرحمِ الرحماءِ
والكل يلهج فرحةً بقدومكم

يوصون بعضًا في كريمِ عطاءِ
هيا استعدوا ياكرام بجهدكم

وفد الكريم أتى من الانحاءِ
أهلا بهم يامرحبا بقدومهم

جاء الحجيج بهمة قعساءِ
هي خدمة الحجاج تاج رؤوسنا

شرف السقاية نعمة بهناءِ
زوار بيت الله نخدمهم له

لبيك مولانا بكل رجاءِ
لله في تلك المشاعر وقفةٌ

فيها الدعاء لربنا المعطاءِ
هذا هو التصعيد شمِّر يافتى

وابذل وجدّ بهمةٍ علياءِ
من بعد ذلك نفرة بسكينةٍ

ومع الافاضةِ دعوةٌ ببكاءِ
طوبى لهم فازوا بنظرة ربنا

وبتوبةٍ غسلتْ جميع شقاءِ
فاسمع كلام الله في عليائهِ

إني غفرت ذنوبكم بعطائي
واحرص على رمي الجمار تأسيا

بالمصطفى وبنوره الوضاءِ
بت في منى فلعل تحظى بالمُنى  

أيامُ عيدٍ  فيه خيرُ لقاءِ
وعليك بالتفويج فالزمه غدا  

لتطوف حول البيتِ دون عناءِ
واحذر مضايقة الحجيج فإنهم  

وفد الإله الحق ذي الألاءِ
فافسح لهم في القلب تلق مسرةً  

والله يجزيكم بخيرِ جزاءِ
عاملهمو بتبسمٍ وتلطفٍ  

واليسرِ في الضراءِ والسراءِ
مستشعرا تعظيم من حجوا له  

فهو العظيمُ وأكرم الكرماءِ
من عامل الحجاج بالحسنى غدا  

يحظى من المولى بحسنِ وفاءِ
حجاجَ بيت الله لا تتزاحموا  

وتراحموا يا معشرَ السعداءِ
واستحضروا أخلاق طه المصطفى  

لزم السكينةَ سيدُ العظماءِ
فالحج أخلاقٌ بطه فاقتدوا  

قد دلنا لمحجةٍ بيضاءِ
للبيتِ صونوا حرمةُ إذ من يُرد  

فيه بظلم ذاق شرّ بلاءِ
ما اجمل الآداب في  أم القرى  

وكذا بطيبةِ سيد الصلحاءِ
ولنحترز بتباعدٍ وكمامةٍ  

و وقاية من شر كل وباءِ
وعن الوقوفِ بحرِّ شمسٍ نبتعدْ

ولنستظلَّ هناك بالأفياءِ
ونزيدُ من شربِ السوائلِ نرتجي

من كفِّ أحمدَ شَربةً بهناءِ
ونقولُ يا اللهُ حققْ سؤلَنا

واصرف مكائدَ زمرةِ الأعداءِ
لكن بقلب واحد فيه الرجا  

في الله يكشف سائر الضراءِ
ولخادم الحرمين خيرُ تحيةٍ  

ممزوجة بمحبةٍ وولاءِ
فمطاف بيت الله يشهد فعلهُ  

والجهد ُفيه مُشَاهَدٌ للرائي
ملكٌ حكيمٌ باذلٌ لحياته  

في خدمة للدينِ دون وناءِ
ويعينه بالحق ِنائبه على  

اكرام وفد الله ذي النعماءِ
ولكل من خدم الحجيج بنيةٍ  

فالشكر موصولٌ له بثناءِ
وإذا أردت الله يحفظ نعمة  

فالشكر يجعلها بحالِ نماءِ
فتوجهوا بالشكر يحفظ دينكم  

ويقيكمُ ربي عُضال الداءِ
يارب في قلب المتيم حاجةً  

فاسمح لها يا خالقي بقضاءِ
حسن الختام وتوبة لأحبةٍ  

جادوا بخدمتهم كنبعِ الماءِ
هذا وبعد تمامِ حجٍ  كاملٍ  

عزم الحجيجُ  لطيبةَ الغراءِ
فهناك سيدنا النبي المصطفى  

و هناك أولُ مسجدٍ بقباءِ
وهناك اصحابُ النبي مُحَمَّدٍ  

انعم بأصحاب النبي النجباءِ
وهناك مسجده المعظمُ يافتى  

ثاني المساجد في ذُرى العلياءِ
يا سعد من حيّا الحبيب المصطفى  

بتأدبٍ وتلطفٍ وحياءِ
إذهب إلى من زارهم خير الورى  

أهل البقيعِ وسيد الشهداءِ
والقبلتين وخندق ومآثر  

(تنبئْك) حقا صادق الانباءِ
(وعليك إكرامُ الوفود فإنهم  

وفدُ الإلهِ الحق  ذي الألاءِ)
فافسح لهم في القلبِ تلقى مسرةً  

والله يجزيكم بخيرِ جزاءِ)
ثم الصلاة على النبي وآله  

في كلِّ صبحٍ مشرقٍ ومساءِ
وعلى الصحابةِ كلهم ياربنا  

ما سار  ركبُ الحج بالبيداءِ

وكتبها
حاتم حسن قاضي
وكيل وزارة الحج والعمرة سابقًا بمكة المكرمة
في مكة المكرمة  1 / 11 / 1446هــ

مقالات مشابهة

  • باسم سمرة عضو لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة بمهرجان الدار البيضاء للفيلم العربي
  • حاتم قاضي يكتب: أهلًا وسهلًا بحجاج بيت الله الحرام في هذا البلد الأمين
  • بيومي فؤاد يروج لفيلمه الجديد "في عز الضهر": أكشن وتشويق في قلب المافيا الدولية
  • استرداد قطعا أثرية من أمريكا خرجت من مصر بطرق غير شرعية - صور
  • 20 ألف وحدة إنارة في مشعر عرفات بطراز هندسي فريد وأساليب مبتكرة
  • تكبيرات العيد تتصدر البحث مع اقتراب عيد الأضحى المبارك
  • بعد قليل.. بدء اجتماع مجلس الوزراء برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي
  • أولاد دقلو يقتلون أهلهم
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (أنس المرحلة)
  • الشيخ كمال الخطيب يكتب .. إنحر هواك وأطع مولاك