يبدو أن حقيقة «الفرض يقابله رفض» غير منكورة، ولماذا يكون الأمر بهذه الصورة المتصادمة؟ لأن الإنسان مجبول على توظيف حريته الكاملة دون تدخل من أي طرف، ومعنى هذا أن مجموعة الفروض المطالب بها الإنسان تنفيذها، أو قبولها دون مقاطعة هي يقينا تحد من هذه الحرية، ولا تتيح أصلا أي نفس يعارض حقيقة وجود هذه الفروض في حياة الأفراد؛ ولذلك يعد الفرد المستسلم للفروض، أو ينظر إليه على أنه خاسر على طول امتداد الخط الأفقي لفهم الناس لمعنى الفرض، وإن كانت الحقيقة غير ذلك تماما؛ لأن مجموع الفروض التي يراها البعض على أنها مقيدة للحركة والحرية في الأساس وضعت لأن تخدم الجميع دون استثناء، وتعود بالنفع الأكبر على الممتثل للأمر والنهي دون مقاطعة.
وهنا قد ينشأ صراع محتدم بين الصدق -وهو الفرض- والكذب - وهو الرفض-، وبين الأمانة -وهي الفرض- والخيانة -وهي الرفض-، وبين الحق والباطل عموما. والأمر اللافت هنا أكثر أن من يمتثل لأحد النقيضين، وتتوغل القناعة بعوائدهما لكل طرف لما يؤمن به يبقى ليس من اليسير التنازل عما هو مقتنع به، وكل طرف يرى أن عوائده هي الأفضل، مع العلم أن عوائد كل طرف ليس يسيرا تحققها دون أن يدفع ضريبة ما؛ انعكاسا لما هو عليه، سواء أكان في طرف الفرض، أم في طرف الرفض. وهذه المسألة وجودية، وليست مرتبطة بزمن دون آخر، أو ببيئة دون أخرى، أو بديانة، أو عرق، أو لون؛ فجميع البشر متساوون في ذلك، وإن تناءت بهم الجغرافيا، وتباينت بينهم الثقافة، وتمايزت بينهم خبرة الحياة، ومستويات الأعمار، ولكن هل تفرض ظروف الحياة اليومية واقعا مربكا لأحدهما فيتراجع مطلقا، أو يتراجع ويعود إلى مربعه الأول؟ هنا المسألة تحتاج إلى كثير من المتابعة والتيقن؛ لأن هناك حالات من الصحوة تنبت بين جوانب شخصية الإنسان، فتربك مساراته المعتادة، وهذه الحالات قد تعيده إلى مسارات أكثر أمانا، وقد تغرقه في وحل من الطمي الموغل في السواد.
يقول أحدهم: «الشيء الأكثر إزعاجا في الحياة هو أن الشخص الصادق يخسر دائما في صراع الكلمات؛ لأنه مقيد بالحقيقة، بينما الشخص الكاذب يمكنه أن يقول أي شيء»، وفي ذلك حكم مطلق لحقيقة النقيضين بين الفرض والرفض. وفي تقديري الشخصي أرى أن الرفض هو هروب عن مواجهة الحقيقة؛ لأن الحقيقة أمر له ثقله في موازين الحياة، وليس كل إنسان له القدرة على أن يكون مهيأ لأن يلتحم مع الحقيقة ويكون جزءا منها إلا من اختصه الله بكثير من الهبات، والمواهب، وفي مقدمة ذلك كله ذلك السلطان الرائع، وهو اليقين بالله الذي إن استحوذ على نفسية الفرد كان له المقال والمقام. ومع أن اليقين مادة معنوية فطرية في النفس البشرية، إلا أنها تحتاج إلى كثير الامتثال لأوامر الفرض؛ حتى تتأصل أكثر، ويتعزز وجودها داخل النفس البشرية. ويبدو أن أغلب حالات الارتباك التي يعيشها الفرد، فلا يستقر له قرار، ولا يؤول إلى مآل هو تذبذب اليقين بين جوانب نفسه؛ ولذلك يمكن القول: إن الناجحين في شؤون حياتهم اليومية هم الأكثر يقينا بقدرة ذواتهم على صناعة حاضر أفضل، ويظل أعلى وأغلى يقين هو اليقين بالله، وأمره النافذ في كل شيء، وعلى كل شيء.
يتيح الفرض للإنسان أن يمتحن ذاته؛ لأن الفرض -كما جاء أعلاه- يحد من حرية الإنسان، ولا يعطيها الضوء الأخضر؛ لأن تبحر نحو المشرق والمغرب، وإنما وفق مسارات محددة. ويقينا أن المسارات المحددة هي منغصات للنفس؛ لأنها تتصادم مع الرغبات والأهواء.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
عملية نوعية بالمستشفى المركزي تعيد الحياة لمصاب في كفر صقر
سجّلت المنظومة الصحية بمحافظة الشرقية إنجازًا طبيًا جديدًا بعد نجاح الفريق الطبي بمستشفى كفر صقر المركزي في إجراء أول جراحة مخ وأعصاب داخل المستشفى، وذلك لإنقاذ حياة مواطن تعرض لإصابة خطيرة في الرأس نتيجة سقوط جسم صلب عليه.
ويأتي هذا النجاح في إطار جهود وزارة الصحة ومحافظة الشرقية لتطوير الخدمة الطبية ورفع كفاءة المستشفيات العامة والمركزية وتوفير خدمات جراحية متقدمة بالقرب من المواطنين.
وقال الدكتور أحمد البيلي وكيل وزارة الصحة بالشرقية، إن المستشفى استقبل مريضًا في حالة طارئة إثر سقوط طوبة من أحد الطوابق العلوية على رأسه، ما أدى إلى إصابة شديدة تسببت في اضطراب واضح بوعي المريض وظهور أعراض ما بعد الارتجاج، إضافة إلى ضعف شديد في الطرف العلوي الأيمن وتنميل في الوجه وعدم القدرة على التحكم في البول.
وتم إجراء أشعة مقطعية بشكل عاجل، وأظهرت النتائج وجود كسر منخسف مضاعف بعظام الجمجمة مصحوبًا بضغط على أنسجة المخ مع وجود نزيف تحت موضع الكسر.
وأضاف وكيل الوزارة، أن خطورة الحالة استدعت تدخلاً جراحيًا فوريًا، حيث تم تجهيز غرفة العمليات في وقت قياسي استعدادًا لإجراء العملية التي قادها الدكتور أحمد ناصر، المدرس المساعد لجراحة المخ والأعصاب بجامعة الأزهر، بمشاركة الدكتور محمود الحلواني أخصائي التخدير، وبدعم طاقم تمريض العمليات المكون من محمد السمري وفاطمة محمد.
وأوضح أن الفريق الطبي نجح في رفع الكسر المنخسف من عظام الجمجمة وإصلاح أغشية المخ وتنظيف منطقة الإصابة وإزالة الأجزاء التالفة والتحكم في مصدر النزيف، إضافة إلى تفريغ الدم المتجمع تحت الكسر.
وتمت العملية بنجاح كامل، وخرج المريض من غرفة العمليات بوعي كامل مع تحسن ملحوظ في حركة الطرف العلوي الأيمن، قبل نقله إلى العناية المركزة لاستكمال المتابعة الطبية اللازمة لحين استقرار حالته تمامًا.
من جانبه، قال محمود عبدالفتاح مدير إدارة الإعلام والعلاقات العامة بمديرية الصحة، إن إجراء هذه الجراحة داخل مستشفى كفر صقر يُعد خطوة محورية في تطوير الخدمة الطبية المقدمة لأهالي المركز والمراكز المجاورة، مشيرًا إلى أن هذا الإنجاز يأتي ضمن خطة متكاملة لتحديث قدرات المستشفيات ورفع كفاءة أقسام العمليات والطوارئ والعناية المركزة.
ووجه الدكتور أحمد البيلي الشكر لجميع القيادات الصحية بالمحافظة وعلى رأسهم الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، والمهندس حازم الأشموني محافظ الشرقية، والدكتور بهاء أبوشعيشع وكيل المديرية، والدكتور شريف شاهين مدير عام الطب العلاجي، والدكتور إياد درويش مدير إدارة المستشفيات، والدكتور محمد نور الدين مدير إدارة الخدمات الطبية، والدكتور نصر شعبان مدير إدارة الرعاية الحرجة والعاجلة، إضافة إلى الدكتور عبدالسلام شعبان مدير مستشفى كفر صقر المركزي، وجميع أعضاء الفريق الطبي والتمريض والفنيين والعاملين المشاركين في نجاح هذه الجراحة.
وأكد وكيل الوزارة، أن المديرية مستمرة في دعم وتنمية قدرات المستشفيات التابعة لها، بما يضمن توفير خدمات طبية متقدمة وعالية الجودة للمواطنين وبما يتماشى مع خطط الدولة في تعزيز قطاع الصحة وتطوير البنية التحتية الطبية في مختلف مراكز محافظة الشرقية.