في الجليد الكوني.. بلورات مخفية بحجم الحمض النووي تفاجئ العلماء
تاريخ النشر: 16th, August 2025 GMT
كشف علماء من كلية لندن الجامعية وجامعة كامبريدج أن بلورات مخفية بحجم الحمض النووي في الجليد الكوني قد تُغير الفهم الأساسي السابق للجليد المنتشر في الكون، كما قد تُعيد صياغة ما يعرفه العلماء عن الماء، المركب الذي يعد أساسيا لازدهار الحياة في الكون.
وعلى مدى عقود، ساد بين العلماء اعتقاد بأن الجليد الكوني مُفكك تماما، إلا أن التجارب التي أجراها هذا الفريق بينت أنه مُغطى في الواقع ببلورات صغيرة، وقد تم تحديد هذه البلورات الدقيقة، التي لا يتجاوز عرضها نانومترا واحدا، من خلال عمليات المحاكاة والتجارب المعملية.
ويقول الدكتور مايكل ب. ديفيز، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نشرت في دورية "فيزيكال ريفيو بي"، في تصريحات خاصة للجزيرة نت، "الاسم العلمي للجليد الفضائي هو "الجليد غير المتبلور منخفض الكثافة"، وهو الشكل الأكثر شيوعا لوجود الماء في الكون".
ويضيف "يختلف الجليد الذي نعرفه على الأرض -مثل مكعب الثلج في مشروبنا- اختلافا كبيرا عن شكله في الفضاء. فعلى المستوى الذري في جليد الأرض، ترتب جزيئات الماء نفسها في نمط سداسي يصنع رقاقات الثلج، ولكن في الفضاء تكون الظروف أقسى بكثير، فدرجة الحرارة حوالي 270 درجة مئوية تحت الصفر أي أنها باردة جدا لدرجة أن الجزيئات لا تمتلك طاقة كافية لترتيب نفسها في هذا الهيكل السداسي".
ويوضح ديفيز أن ذلك دفع بالعلماء إلى الاعتقاد أن جزيئات الجليد غير المتبلور منخفض الكثافة ستتخذ هيكلة غير منظمة تماما، لكن بعد دراسة الجليد غير المتبلور منخفض الكثافة، والذي يوجد كمادة أساسية في المذنبات وعلى الأقمار الجليدية وفي سحب الغبار حيث تتشكل النجوم والكواكب، تبين أن ذلك الاعتقاد ربما يكون خاطئا.
وقد وجد الباحثون أن المحاكاة الحاسوبية لهذا الجليد تتطابق بشكل أفضل مع قياسات التجارب السابقة إذا لم يكن الجليد غير متبلور تماما، ولكنه يحتوي على بلورات صغيرة (عرضها حوالي 3 نانومترات، أي أعرض بقليل من خيط واحد من الحمض النووي) مدمجة في بنيته غير المنظمة.
إعلان اكتشاف بلورات الجليدوفي التطبيق العملي التجريبي، أعاد الباحثون عملية التبلور في عينات حقيقية من الجليد غير المتبلور، والتي تشكّلت بطرق مختلفة، ووجدوا أن الجليد غير المتبلور، ليس "غير متبلور" تماما بل يحتوي على العديد من بلورات الجليد الصغيرة المحاطة بمناطق غير منظمة، كما يوضح ديفيز، والذي يضيف أن "الجليد الذي تصل نسبة تبلوره إلى 20%، يبدو مطابقا تماما لبنية الجليد غير المتبلور منخفض الكثافة، كما هو موضح في دراسات سابقة".
وفي عمل تجريبي إضافي للتأكيد على تلك النتائج، أنشأ فريق البحث عينات حقيقية من الجليد غير المتبلور منخفض الكثافة بطرق متعددة، بدءا من ترسيب بخار الماء على سطح شديد البرودة وصولا إلى تسخين الجليد غير المتبلور عالي الكثافة برفق حتى تتوافر له الطاقة اللازمة لتكوين البلورات.
ويقول ديفيز في تصريحات رسمية: "لدينا الآن فكرة جيدة عن شكل الجليد الأكثر شيوعا في الكون على المستوى الذري، وهذا مهم لأن الجليد يشارك في العديد من العمليات الكونية، على سبيل المثال في كيفية تكوّن الكواكب، وكيفية تطور المجرات، وكيفية حركة المادة في الكون".
ويضيف: "ولهذه النتائج آثار على إحدى النظريات التخمينية حول كيفية وصول صور الحياة القديمة إلى الأرض. ووفقا لهذه النظرية، المعروفة باسم "التبذر الشامل"، حُملت لبنات الحياة الأساسية إلى هنا على متن مذنب جليدي".
وأضاف ديفيز: "تشير نتائجنا إلى أن هذا الجليد سيكون مادة نقل أقل كفاءة لجزيئات أصل الحياة، وذلك لأن البنية البلورية جزئيا تحتوي على مساحة أقل لاحتواء هذه المكونات، ومع ذلك، قد تبقى هذه النظرية صحيحة، إذ توجد مناطق غير متبلورة في الجليد حيث يُمكن احتجاز لبنات الحياة الأساسية وتخزينها".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات أن الجلید فی الکون
إقرأ أيضاً:
طائر الجنّة يلهم العلماء لصناعة القماش الأشد سوادا في العالم
في مختبر بجامعة كورنيل، وقف فستان أسود على دمية عرض، لكنه لم يكن "أسود" بالمعنى المعتاد، بل بدا كأنه ثقب بصري يبتلع أي ضوء يُلقى عليه، حيث لا تظهر تفاصيل القماش.
هذا ليس سحرا ولا مرشحا رقميا، بل نتيجة مادة نسيجية جديدة تصنف ضمن ما يُسمّى "السواد الفائق"، أي الأسطح التي تعكس أقل من 0.5% من الضوء الساقط عليها.
وراء هذه الدرجة المتطرفة من السواد قصة "هندسة" و"فيزياء" أكثر مما هي قصة صبغة، إذ استلهم باحثو مختبر تصميم الملابس التفاعلية الفكرة من ريش طائر من طيور الجنة يُدعى "الرفلبِرد الرائع"، وهو طائر معروف بلمعان أزرق على صدره يحيط به ريش أسود مخملي يوحي بأن الضوء يختفي داخله.
في معظم الأقمشة، يكون السواد "سطحيا"، أي صبغة تمتص جزءا من الضوء، فيما يرتد جزء آخر إلى عينك. أما السواد الفائق فيعتمد على حيلة إضافية، وهي إجبار الضوء على الدخول في متاهة مجهرية تطيل مساره وتزيد فرص امتصاصه، بدل أن يرتد مباشرة.
وبحسب الدراسة، التي نشرها الفريق في دورية "نيتشر كومينيكيشنز"، فإن هياكل نانوية ترفع فرص امتصاص المادة لفوتونات الضوء، ما يسمح لنا برؤية السواد الأشد على الإطلاق.
طائر الرفلبرد يفعل ذلك طبيعيا، فريشه لا يعتمد على صبغة الميلانين وحدها، بل على ترتيب دقيق لشعيرات الريش يدفع الضوء للانحراف إلى الداخل. لكن هناك مشكلة: هذا السواد الطبيعي يكون غالبا اتجاهيا، أي مذهلا حين تُشاهَد الريشة من زاوية معيّنة، وأقل "سوادا" عندما تتغير زاوية الرؤية.
حل العلماء لتلك المشكلة جاء بخطوتين بسيطتين في المبدأ، أنيقتين في التنفيذ، حيث صبغ صوف ميرينو بمادة البوليدوبامين، وهو ما يصفه الباحثون بأنه "ميلانين صناعي".
إعلانبعد ذلك يُعرَّض القماش لعملية حفر ونحت داخل حجرة بلازما تزيل جزءا بالغ الدقة من السطح، وتترك خلفها نتوءات نانوية حادة، هذه النتوءات تعمل كمصايد ضوئية، أي يدخل الضوء بينها ويرتد مرات كثيرة حتى يفقد طريق العودة.
النتيجة ليست أسود داكنًا، بل استثناء رقميا صارما، فمتوسط انعكاس القماش الجديد عبر الطيف المرئي (400-700 نانومتر) بلغ 0.13%، وهو، بحسب الورقة العلمية، أغمق قماش مُبلّغ عنه حتى الآن.
تطبيقات مهمةقد يبدو الأمر كترف بصري أو نزوة "موضة"، لكنه في الحقيقة يلامس تطبيقات عملية حساسة، فالسواد الفائق مهم لتقليل الانعكاسات الشاردة داخل الكاميرات والأجهزة البصرية والتلسكوبات.
ويمكن لهذا المستوى من اللون الأسود أن يساعد في بناء ألواح وتقنيات شمسية أو حرارية عبر تعظيم امتصاص الإشعاع.
كما يشير الباحثون أيضا إلى إمكانات واعدة لهذه المادة الجديدة في عمليات التمويه وتنظيم الحرارة، لأن السطح الذي يمتص الضوء بكفاءة قد يحوّل جزءا منه إلى حرارة قابلة للإدارة.
أما الفستان الذي صممه العلماء، فكان برهانا بصريا لطيفا على نجاح التجارب، وقد استُخدم لإظهار أن هذا السواد لا يتبدّل بسهولة حتى عندما تُعدَّل إعدادات الصورة، مثل التباين أو السطوع، مقارنة بأقمشة سوداء أخرى.