نتنياهو يرد الجميل!
تاريخ النشر: 16th, August 2025 GMT
د. محمد بن عوض المشيخي **
نتنياهو يُكشِّر عن أنيابه ويعلنها صراحةً بأنّه في "مهمة روحية" لإقامة "إسرائيل الكبرى" على أرض الميعاد من "الفرات إلى النيل"، والتي كما قال- تتضمن خمس دول عربية، إضافة إلى فلسطين. ومن المفارقات العجيبة أنّ تلك الدول يمكن تصنيفها بأنّ حكامها معادون للمقاومة الفلسطينية التي تحارب على أرضها، وخاصة "حماس".
هذه الأنظمة -التي يمكن تسميتها بالحكومات التي يستهدفها رئيس وزراء الكيان الغاصب والصديقة لإسرائيل- بعضها قد طبّع وسلّم الراية البيضاء لإسرائيل؛ بل وأغلق معابره في وجه المساعدات الإنسانية التي تقوم بها منظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة لسكان غزة المحاصرين من الجميع، بينما ينتظر البعض الآخر مدَّ يد الصداقة والتطبيع المجاني لهذا الكيان الغادر الذي يستهدف من تعاون معه من العرب بالدرجة الأولى ويستخف بهم، وذلك انطلاقًا من بعض الخرافات التي يزعم فيها الصهاينة أنّ البشر من غير اليهود قد وُجدوا في هذه الحياة كخدمٍ لبني إسرائيل، ويمكن استخدامهم كالدواب للركوب عليهم. وهذا بالفعل ما ظهرت بوادره الآن من المتطرفين الصهاينة الذين استعجلوا في إعلان حربهم على الجيران قبل حسم معركة غزة، وكذلك قبل اكتمال نزع سلاح حزب الله في لبنان؛ ذلك السلاح الذي كان يُشكِّل ردعًا وقوة ترهب الكيان الغاصب في جنوب لبنان. لكن لم تكن حسابات المقاومة اللبنانية دقيقة في هذا الملف الذي تساقطت أوراقه تباعًا بعد استشهاد الأمين العام للحزب حسن نصر الله، صاحب الكاريزما القوية التي أرعبت الغرب والصهاينة على حد سواء.
الخطأ القاتل لحزب الله هو تجنبه المواجهة الشاملة في أكتوبر 2023 مع الصهاينة؛ إذ كان يمكن لتلك المعركة -لو تم تنفيذها في وقتها- القضاء على ما يُعرف بالدولة الإسرائيلية وجيشها الذي كان يخشى حزب الله، وذلك بالتزامن مع معركة "طوفان الأقصى" المباركة. فاكتفاؤه بالمساندة فقط والتركيز على قصف الجليل أو شمال فلسطين المحتلة مكَّن إسرائيل من استهداف قواعد الحزب في كل لبنان لاحقًا؛ مما ترتب على ذلك استشهاد الصفين الأول والثاني من قادة المقاومة اللبنانية. وكل ذلك أتاح لأمريكا الدخول على الخط وتقديم مشروعها السرطاني الذي يستهدف سلاح المقاومة لكي تنعم إسرائيل بالأمن والأمان.
إن إدانات الحكومات العربية أو حتى طلب توضيحات من حكومة نتنياهو الإرهابية حول التوسع شرقًا نحو دول الجوار، لن يُغيِّر في الأمر شيئًا على الإطلاق؛ فالحكومة المتطرفة في إسرائيل لا تضع أي وزن للعرب ولا حتى لحكامهم من المحسوبين عليها، خاصة أولئك الذين تخلّوا عن الإجماع العربي والثوابت التي تم إقرارها في المؤتمرات العربية، وذلك قبل وصولنا إلى ما يُعرف بزمن خيانة المبادئ أو ما يُعرف بالزمن العربي الرديء الذي نعيش فصوله المرّة والمخزية هذه الأيام. ومن سوء حظنا نحن العرب، أن هناك من يوسمنا بالخيانة، ليس في هذه الأيام العصيبة من حياة الأمة فحسب، بل ومنذ قرون طويلة. ولعلنا نتذكر المؤامرات التي حِيكَت من أبناء جلدتنا في الأندلس في عهد تشرذم ما يُعرف بملوك الطوائف الذين تآمروا على بعضهم ثم تساقطت دويلاتهم واحدة تلو الأخرى، وقبل ذلك سقوط الخلافة العباسية على يد القائد المغولي هولاكو؛ حيث تذكر الوثائق أنّ الوزير ابن العلقمي كان له دور مهم في تسهيل مهمة التتار في دخول بغداد ثم سقوطها.
وفي الختام.. لقد حان الوقت لهذه الأمة العظيمة أن تنفض الغبار عن نفسها، وتتناسى الخلافات، وتصلح ذات البين، وأن تُدرك الدسائس والمؤامرات التي تُحاك لها من الأعداء الذين يُعِدّون العدّة لكي نبقى في مربع الضعف والذل والمحافظة على ذيل القائمة في هذا العالم الذي يتقدم كل يوم إلى أعلى المراتب، بينما نحن نتراجع على الدوام إلى الخلف. الحقيقة المُرَّة التي يعرفها الجميع هي أنّ الأنانية والسيطرة والرغبة العمياء في منطقتنا للاستحواذ على السُلطة -وإن كانت منقوصة في الأساس- إنما هي بسبب التدخل الأجنبي في الشؤون العربية عبر القرون.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
"الناجي الوحيد".. لقب "بتول" الذي جردها الفقد معانيه
غزة - خاص صفا
"ناجية وحيدة"، لكن صدمة فقد عائلتها قبل نحو شهر، في وقت وضعت فيه حرب غزة أوزارها، جردتها من معاني الكلمة، وتعيش أوضاعًا صعبة، تتمنى فيها "اللحاق بهم.
الفتاة بتول أبو شاويش "20 عاما"، واحدة من آلاف الناجين الوحيدين لأسرة كاملة ارتقت بحرب غزة، لكنها تُسقى أضعافًا من كأس الفقد، لكونها استبعدته يومًا.
"أنا لستُ ناجية، أنا وحيدة وتمنيتُ لو أني ذهبتُ معهم"، تقول بتول لوكالة "صفا".
وتضيف "استشهدت أمي وأبي وإخوتي في قصف بجانب بيتنا في أبراج عين جالوت قبل شهر، وكنت معهم في نفس البيت".
ولكن دقيقة بين مغادرة "بتول" غرفة إخوتها نحو غرفتها، كانت فاصلًا بينها وبينهم، بين حياتها ومماتهم، رغم أن أنقاض البيت وقعت عليها هي أيضًا.
وتصف تلك اللحظات "كنت بجانب محمد وجميعنا بغرفة واحدة، ذهبت لأبدل ملابسي، وفي لحظة وجدت نفسي تحت الأنقاض".
ما بعد الصدمة
وانتشلت طواقم الدفاع المدني "بتول" من تحت جدارين، مصابة بذراعيها، وحينما استفاقت داخل المستشفى، وجدت عمها بجانبها.
سألت بتول عمها عن والديها وإخوتها، وعند كل اسم كان جوابه "إنا لله وإنا إليه راجعون".
لم تتمالك نفسها وهي تروي اللحظة "لم أستوعب ما كان يقوله عمي، لقد فقدتُ أهلي، راحت أمي رغم أنني كنت أدعوا دومًا أمامها أن يكون يومي قبل يومها".
"بتول" تعيش أوضاعًا نفسية صعبة منذ فقدت أسرتها، ويحاول عمها "رفعت"، أن يخفف عنها وطأة الفقد والصدمة.
"لحظات لم تكتمل"
يقول رفعت "40 عاما"، لوكالة "صفا"، إنها "ليست بخير، لا تعيش كأنها نجت، ولا تتوقف عن التساؤل لماذا لم تذهب معهم".
ويضيف "هي تؤمن بالأقدار، لكن أن يفقد الإنسان أهله وفي وقت هدنة، يعني مفروض أنه لا حرب، والقلوب اطمأنّت، فهذا صعب خاصة على فتاة بعمرها".
وسرق الاحتلال لحظات جميلة كثيرة من حياة "بتول"، لم تكتمل، كحفلة نجاح شقيقها "محمد" في الثانوية العامة.
يقول عمها "بتول بكر أهلها، وهي تدرس في جامعة الأزهر، رغم كل الظروف، وقبل استشهاد أخي وعائلته، احتفلوا بنجاح محمد، وكانوا ينوون تسجيله معها في الجامعة".
ومستدركًا بألم "لكن كل شيء راح، وبقيت بتول وحيدة تحاول أن تنهض من جديد، لكن ليس بعد".
ولم تقدر "بتول" على وداع أهلها من شدة صدمتها، وحينما وضعوها بين خمسة جثامين، تحدثت إليهم، سألتهم لما "رحلتم وتركتموني"، وما قبلت إلا جبين شقيقتها الصغيرة، أما أمها "فعجزت عن الاقتراب منها"، تردد بتول وهي تهتز من استحضار المشهد.
ويوجد في غزة 12,917 ناجيًا وحيدًا، تبقوا من أصل 6,020 أسرة أبيدت، خلال حرب الاحتلال على غزة على مدار عامين، فيما مسح الاحتلال 2700 أسرة من السجل المدني بكامل أفرادها، البالغ عددهم 8,574 شهيداً.