تحركات قسد نحو مناطق دمشق.. مناوشة عابرة أم تكتيك لمسار جديد؟
تاريخ النشر: 16th, August 2025 GMT
الحسكة- بعد أيام من محاولات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التمدد في مناطق سيطرة الحكومة السورية، يتجدد الجدل حول دوافعها وحدودها واحتمالات التصعيد المقبل.
وشهدت خطوط التماس بين الجيش السوري و"قسد" شمالي البلاد مناوشات متقطعة، فتحت الباب أمام تساؤلات أوسع عن مستقبل العلاقة بين الطرفين.
وجاءت الاشتباكات الأخيرة، الأربعاء، وسط تصاعد التوترات السياسية، مما دفع مراقبين إلى اعتبارها رسائل ضغط محسوبة، بينما يُحذِّر آخرون من انزلاق نحو صدام أشمل.
من جهتها، وصفت دمشق الحادث بأنه "عمل عسكري منظم"، مؤكدة أن "قسد" تواصل خرق الاتفاقات، وأنها سترد على أي هجوم جديد لحماية قواتها.
وقالت إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع السورية للجزيرة نت إن تسلّل مجموعتين من "قسد" إلى نقاط انتشاره في تل ماعز شرقي حلب كان "عملية منظمة" لا حادثا عرضيا.
وفي المقابل، اتهمت "قسد" مجموعات "غير منضبطة" تابعة للحكومة السورية باستفزازها في محور دير حافر وحلب. وقالت في بيان لها إن التحركات تضمنت تحليق طائرات مُسيَّرة تابعة لتلك المجموعات، واعتبرت ذلك انتهاكا لوقف إطلاق النار وتهديدا للمدنيين.
ويرى المحلل السياسي بسام سليمان أن التصعيد مرتبط بتوتر مسار التفاوض، إذ قرأت "قسد" التحولات الإقليمية والدعوة الفرنسية "بشكل مختلف، وروّجت لنفسها كبديل عن الحكومة".
ويشير إلى أن "قسد" تريد بعث رسائل بأن سوريا تحت حكم هذه السلطة غير مستقرة، وفي الوقت نفسه تروج لنفسها عبر المؤتمر الذي عقد في الحسكة أنها تحتوي على جميع مكونات الشعب السوري.
وأضاف للجزيرة نت أن "قسد" تسعى لإظهار دمشق كتهديد للمكونات، في حين تقدم نفسها كمظلة جامعة لها، مع تعزيز أوراقها التفاوضية وإظهار الحكومة كسلطة طائفية عاجزة عن إدارة التنوع.
من جهته، يرى الباحث السياسي عماد مصطفى أن خطوة "قسد" تحمل رسالة مزدوجة:
إعلان إظهار القدرة على المبادرة وتوجيه إنذار بأن أي محاولة لاستغلال انشغالها لن تمر بلا رد. اختبار مرونة قواعد الاشتباك واحتمالات التصعيد في المستقبل.ويضيف مصطفى، الذي يقيم في الحسكة، أن "دمشق تريد تثبيت حضورها كرمز للسيادة، وقسد تسعى لقطع الطريق على أي تمدد يخلّ بتوازن القوى في مناطقها".
ورجَّح ألا يتحول التوتر الأخير إلى مواجهة كاملة "لأن الطرفين يدركان كلفة الانزلاق إلى صراع شامل"، ومع ذلك يرى أنه إذا تراكمت حوادث مماثلة، مع غياب قنوات لضبط التوتر، فقد تنتقل تدريجيا إلى مستوى تصعيدي أوسع.
"تفاهمات هشة"أما الباحث في مركز جسور للدراسات وائل عمران فذهب إلى أن تحركات "قسد" في مناطق حلب ودير الزور تهدف إلى تثبيت وجودها في الحسكة وتأمين مكتسباتها السياسية، حتى لو تراجعت نسبيا في تلك المناطق.
وقال للجزيرة نت إن "التحركات الأخيرة تأتي دفاعية واستباقية، الحكومة قد تستخدم نفوذها بشكل محدود من دون الدخول في صدام واسع".
وأضاف أن التفاهمات بين الطرفين ستبقى هشة، لكنها لن تنهار بالكامل، وتابع "سيسعى كل طرف للحفاظ على الاتفاقات السابقة وتوجيه اللوم للطرف الآخر عند حدوث أي خرق"، وفي الوقت نفسه تستغل "قسد" هذه الاشتباكات لتعزيز موقفها التفاوضي والحصول على مكتسبات "اللامركزية السياسية".
ومن منظور إستراتيجي، يرى الباحث عمران أن الخيار العسكري الواسع غير مطروح، سواء محليا أو إقليميا ودوليا، لكن قد يلجأ الطرفان إلى مواجهات محدودة ومتفرقة لفرض شروطهما على طاولة التفاوض. وبهذا الأسلوب، تبقى الاشتباكات أداة ضغط أكثر منها صراعا مفتوحا، مع الحفاظ على التوازن بين القوة العسكرية والمكاسب السياسية.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
نهاية عصر الكفاح المسلح؟
ثلاث حركات مسلحة، في الإقليم المسمى بالشرق الأوسط، ماضية نحو نزع سلاحها وحل نفسها أو مطلوب منها أن تفعل ذلك تحت التهديد: حزب العمال الكردستاني في تركيا، وحركة حماس في فلسطين، و«حزب الله» في لبنان.
ويمكن إضافة قوات سوريا الديموقراطية في سوريا إذا تجاوزنا الوضع الأكثر تعقيداً الذي يحيط بهذه العملية، وإن لم تخل العمليات الثلاث الأولى بدورها من تعقيدات كثيرة.
بل يمكن أيضاً أن نضيف دولتين إلى التشكيلات ما دون الدولة المشار إليها في عملية نزع السلاح، وربما الحل :
أولا – سوريا التي قامت إسرائيل بنزع سلاحها الثقيل بضربات جوية شملت معظم الأراضي السورية، صبيحة انهيار نظام الأسد وفي الأيام والأشهر التالية، كما يراد منها إخلاء الأراضي الواقعة جنوب دمشق وصولاً إلى الحدود مع إسرائيل من السلاح الثقيل والمتوسط، وهي تواجه خطر التفكك بصورة جدية بسبب فشل السلطة الجديدة في دمشق في تشكيل إدارة سياسية ذات تمثيل شامل. ثانيا ـ إيران التي تعرضت لضربات إسرائيلية ـ أمريكية مكثفة في شهر حزيران /يونيو الماضي استهدفت مواقع استراتيجية تخص التصنيع الحربي والمنشآت النووية، ومطلوب منها تفكيك برنامجها النووي.
من المحتمل أن خطر التفكك (الحل) يحوم فوق إيران أيضاً ما دامت في عين العاصفة الإسرائيلية – الأمريكية، وما دامت الفجوة الكبيرة قائمة بين حكامها وشعوبها.
تبدو العملية السياسية الهادفة إلى حل «العمال الكردستاني» ونزع سلاحه هي الأكثر نُضجاً وإنْ تباطأت خطواتُها، فقد انطلقت بمبادرة محلية، وإن كانت حوافزُها إقليمية تحت ضغط تداعيات طوفان الأقصى وما تلاها من حرب إبادة إسرائيلية فاضت عن قطاع غزة إلى دول الجوار، لبنان وسوريا واليمن وإيران المهددة بحرب ثانية مثل لبنان.
فقد جاءت المبادرة من الدولة التركية العميقة فيما يُتوقع أن يقابَلَ حلُّ الكردستاني ونزعُ سلاحه بصيغة سياسية، ما زالت غامضة المعالم، لحل المسألة الكردية، أي إدماج «المكوّن» الكردي في الدولة التركية إذا استخدمنا المصطلحات الشائعة في سوريا المجاورة.
وتأمل السلطة في تركيا، وتضغط من أجل، أن يشمل نزع سلاح «الكردستاني» فرعَه السوري الممثل حالياً تحت مظلة قوات سوريا الديموقراطية، في حين تُمانع هذه بسبب بُنية السلطة في دمشق وسجِلّها غيرِ المشجع قبل سقوط نظام الأسد وبالأخص بعده.
وتشير أحدث المعلومات عن جولة المفاوضات الأخيرة في دمشق بين سلطة الشرع وقسد، برعاية أمريكية، إلى توافق «شفهي» على عملية «دمج» عسكرية بصيغة أقرب إلى مطالب القيادة الكردية منها إلى مطالب دمشق وأنقرة.
يمكن القول باختصار إن هذا التوافق سيلغي أتيكيت «قسد» ويبقي على قواته وسلاحه مقابل أن تصبح رسمياً أو اسمياً تحت مظلة وزارة الدفاع. بالمثل يبدو أن التوافق حول اللامركزية الإدارية لم يعد بعيد المنال وفق التسريبات.
لا يتمتع حزب الله في لبنان بالأريحية نفسها في معارضته تسليم سلاحه للدولة اللبنانية، فهو يمانع تحت الضغط الإسرائيلي ـ الأمريكي والتهديد باستئناف الحرب من جهة، وضغط القوى السياسية اللبنانية المطالبة بنزع سلاحه منذ سنوات من جهة أخرى، من غير أن يكون له السند التقليدي في إيران ولا خطَّ الامداد البري التقليدي عبر العراق وسوريا.
حركة حماس هي في الوضع الأشد صعوبة بين التشكيلات المسلحة المطلوب نزع سلاحها. فالطلب أمريكي (ترامبي) تحت التهديد باستئناف حرب الإبادة الإسرائيلية وصولاً إلى إفراغ قطاع غزة من سكانه قتلاً وتشريداً.
وباتت موافقة حماس على نزع سلاحها وإنهاء وجودها في غزة مطلباً شعبياً أيضاً وإن كان غير مُعلن، إضافة إلى موافقة عدد كبير من الدول العربية والإقليمية والدولية الفاعلة على «خطة ترامب» بصرف النظر عن بعض تحفظاتها عليها.
وعموماً غيّرت تداعيات «طوفان الأقصى» وجه الإقليم بصورة ما كان يمكن تصورها قبل عامين، فرحل نظام الأسد، وتقوّض حلف المقاومة والممانعة بقيادة إيران، واحتلت إسرائيل أراض ٍجديدة في الجنوب السوري، وتَجددَ شبابُ الحرب الأهلية في سوريا، وتم اغتيال صفوف قيادية لحزب الله وإيران وجماعة الحوثي، ولم تَسلَم دولةُ قطر نفسُها من الاعتداءات الإسرائيلية، في حين تبدو تركيا مرعوبة من احتمالات وصول الأذى الإسرائيلي إليها، وقد تعرضت مواقع في سوريا كانت تركيا تستعد لاستثمارها كمناطق نفوذ عسكرية، لضربات إسرائيلية فعلاً.
عملية «تغيير وجه الشرق الأوسط» على ما توعد نتانياهو لم تنته بعد، ومن المحتمل ألا تتوقف ـ إسرائيلياً ـ قبل إتمام نزع سلاح حزب الله، وفرض اتفاقية أمنية على سوريا. في حين تتكفل واشنطن بالعمل عل توسيع نطاق الاتفاقات الابراهيمية وصولاً إلى دمج إسرائيل في نسيج الإقليم بوصفها صاحبة القوة الضاربة فيه. أما تركيا فسيكون عليها الاكتفاء من النفوذ الإقليمي في سوريا بما قد تسمح به إسرائيل.
في هذه اللوحة السياسية المتوقع تشكلها في الفترة القادمة، نلاحظ غياب الدور العربي الفاعل، على رغم الإمكانيات الاقتصادية والبشرية الكبيرة، وعلى رغم انهيار المشروع الامبراطوري الإيراني. إنه زمن المراجعات الكبرى المطلوبة ليس فلسطينياً فقط، بل بما يشمل كل دول الإقليم وشعوبه. ولعل نهاية عصر الكفاح المسلح الذي قامت عليه منظمات ما دون الدولة كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية أن تشكل بداية تلك المراجعات، حتى لو حدث ذلك بواسطة البلدوزر الإسرائيلي.
القدس العربي