علي جمعة: التواضع سبيل الرفعة والكبر يحجب صاحبه عن الجنة
تاريخ النشر: 17th, August 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان التواضع من وضع الشيء أي حطه وخفضه وصيغة تفاعل تدل علي الإظهار كما في تغافل أي أظهر الغفلة وإن لم يكن غافلا في الحقيقة. فالتواضع ضد الكبر، ويعني إظهار البساطة وإنصاف النفس فلا يدعي لها ما ليس لها ولا يخبثها بالمذلة والهوان.
وأضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ان القرآن الكريم يظهر صورة التواضع في نص موعظة لقمان لابنه.
وأما عن تواضعه ﷺ فقد كان المثال والقدوة، كان في تواضعه وافر الأدب يبدأ الناس بالسلام، وينصرف إلى متحدثه بكامل هيئته وأحاسيسه صغيرا كان أو كبيرا، ويكون آخر من يسحب يده إذا صافح، وإذا تصدق وضع الصدقة بيده في يد المسكين، وإذا دخل مجلسا جلس حيث ينتهي به المجلس، ولم يأنف يوما من قضاء حاجته بنفسه فيذهب إلى السوق ويحمل بضاعته ويقول: «أنا أولى بحملها» ويجيب دعوة الحر والعبد والفقير، ويقبل عذر المعتذر، ويقضي حاجة الضعيف والبائس، ويتعاون مع أهل بيته في أعمالهم وأعماله، فكان يرقع ثوبه ويخصف نعله بيده، وكان ﷺ يكره الإطراء والألقاب ويقول: «وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه» (أخرجه مسلم).
ومن أهم أركان التواضع احترام العمل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت فقال: نعم. كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة» (أخرجه البخاري) والقراريط: جزء من الدينار أو الدرهم ويقصد به الأجر، وفي ذكر النبي ﷺ ذلك لأصحابه غرس لروح احترام العمل الشريف في نفوسهم وفيه حث على عدم التأفف من الأعمال البسيطة وإيثار العمل على البطالة والتنطع، فالنبي ﷺ يضرب المثل والقدوة من نفسه في العمل والسعي لزيادة الإنتاج فيذكرهم باشتغاله بالرعي والتجارة، ثم ينوه على شرف الحرف واحترامها وكرامة اكتساب العمل بمزاولته على البطالة والكسل وهذا هو أساس التواضع، وهو ما يتمثل في قوله ﷺ فيما رواه عنه أبو هريرة أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لأن يعدو أحدكم فيحطب على ظهره فيتصدق به ويستغني به من الناس خير له من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه ذلك فإن اليد العليا أفضل من اليد السفلى وابدأ بمن تعول» (صحيح مسلم).
واحترام العمل يشمل مساعدة الرجل أهل بيته في القيام بأعباء المنزل فقد سأل رجل عائشة: هل كان رسول الله ﷺ يعمل في بيته شيئا؟ قالت: نعم، كان رسول الله ﷺ يخصف نعله "أي يخرزها" ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته.
(صحيح البخاري)، وعن عائشة أنها: سئلت ما كان رسول الله ﷺ يعمل في بيته؟ قالت: كان بشرا من البشر يفلي ثوبه "أي يتتبع أي أذى يلحق به" ويحلب شاته ويخدم نفسه (أخرجه أحمد).
إن التواضع ضد الكبر، وقد نهى النبي ﷺ عن الكبر، وشدد النكير على المتكبرين، وأخبر بسوء مآلهم في الدنيا والآخرة فعن عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس» (صحيح مسلم) وبطر الحق أي دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا، والمقصود بغمط الناس احتقارهم وازدراؤهم.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: التواضع الجنة رسول الله ﷺ النبی ﷺ فی بیته
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: الصلاة على النبي ﷺ تجوز بأي صيغة المهم أن تشمل هذا الأمر
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الصلاة على النبي ﷺ تجوز بأي صيغةٍ، المهم أن تشتمل على لفظ الصلاة على النبي، أو «صلِّ اللهم على النبي»، حتى وإن كانت هذه الصيغة لم ترد، وإن كانت الصلاة الإبراهيمية أو الصيغة الإبراهيمية في الصلاة على النبي ﷺ هي أفضلها، فقد اهتم الصحابة رضوان الله عليهم أن يعرفوا صيغة الصلاة عليه، فقالوا: (يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد).
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية فيسبوك، أنه إذا أردنا الصلاة على النبي بالصيغة الإبراهيمية أو غيرها، فينبغي علينا أن نضع قبل اسمه الشريف لفظة (سيدنا) أو (سيدي)، فقد أجمع المسلمون على ثبوت السيادة له ﷺ، وعلى علميّته في السيادة.
قال الشرقاوي: فلفظ (سيدنا) عَلَمٌ عليه ﷺ، وذلك لما ثبت من إطلاقه على نفسه ﷺ، وعلى حفيده الحسن رضي الله عنه، ومن إطلاق بعض أصحابه عليه في حضرته ولم يُنكره.
فمنه قوله ﷺ: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر) [رواه مسلم]، وقوله عن الحسن رضي الله عنه: (إن ابني هذا سيد) [رواه البخاري].
وما ورد أن أحد أصحابه رضي الله عنهم قال له ﷺ: يا سيدي؛ فعن سهل بن حنيف قال: مرَّ بنا سيل، فذهبنا نغتسل فيه، فخرجتُ محمومًا، فنُمي ذلك إلى رسول الله ﷺ، فقال: (مُروا أبا ثابتٍ يتعوذ)، فقلت: يا سيدي، والرُّقى صالحة؟ قال: (لا رُقى إلا من ثلاث: من الحمى، والنفس، واللدغة) [أبو داود في سننه، والنسائي في سننه، والحاكم في المستدرك].
وجاء في "مفتاح الفلاح" للإمام العارف بالله ابن عطاء الله السكندري: «وإياك أن تترك لفظ السيادة؛ ففيها سرٌّ يظهر لمن لازم هذه العبادة» اهـ.
بل إن الفقهاء استحبوا الإتيان بلفظة (سيدنا) أو (سيدي) قبل اسمه الشريف حتى في الصلاة والأذان.قال الرملي: (الأفضل الإتيان بلفظ السيادة، كما قاله ابن ظهيرة، وصرح به جمع، وبه أفتى الشارح –ابن حجر الهيتمي–؛ لأن فيه الإتيان بما أُمرنا به، وزيادة الإخبار بالواقع الذي هو أدب، فهو أفضل من تركه) [تحفة المحتاج].
فالصلاة على سيدنا النبي ﷺ مفتاحُ الخيرات، ومرقاةُ الدرجات، وسببُ السعادة في الدنيا والآخرة؛ فبها تطهر النفس، ويسلم القلب، وينجو العبد، وتُغفر له ذنوبه، ويقبلها الله حتى من غير المسلم، وذلك لتعلّقها بجنابه الجليل.
وليس معنى أنه يقبلها أنه يثيبه عليها؛ فالثواب وقَبول العبادة فرعٌ على التوحيد، وإنما معنى قبولها من غير المسلم أنه إذا طلب من الله أن يصلي على نبيه، ويرحمه، ويرقيه في درجات الكمال، فإن ذلك سيحدث للنبي ﷺ، ولكن بغير ثوابٍ له لافتقاده شرط التوحيد.
رزقنا الله كثرة الصلاة عليه ﷺ، والانتفاع به في الدنيا والآخرة، ورفقته في الآخرة.