قال الرئيس السابق للاتحاد الدولي للصحفيين، فيليب لوروث، إن "إسرائيل لن تستطيع إسكات الصحافة مهما فعلت"، مؤكدا أن "الصحفيين الشجعان في غزة، وغيرها من مناطق الصراع، يواصلون عملهم بتفانٍ رغم التحديات والمخاطر الكبيرة التي يواجهونها، وبالرغم من محدودية الدعم الذي يتلقونه من المنظمات الدولية، فإنهم يواصلون أداء رسالتهم الإنسانية والمهنية في توثيق الأحداث ونقلها للعالم".



وأضاف لوروث، في مقابلة خاصة مع "عربي21": "عندما أقارن بين عدد الصحفيين الذين فقدوا حياتهم في أوكرانيا وعدد الصحفيين الذين قُتلوا في قطاع غزة، يتضح أن العدد في غزة أكبر بعشر مرات، رغم أن الصراع في أوكرانيا استمر لسنوات أطول، مما يعكس حجم الخطر الفادح الذي يواجهه الصحفيون في محاولتهم نقل الحقيقة وإطلاع العالم على ما يحدث هناك".

واستطرد قائلا: "يجب حماية الصحفيين بصفتهم مدنيين، وعلى جميع الجيوش في العالم الالتزام بعدم استهداف الصحفيين المعرّفين بوضوح على هذا الأساس. خلال فترة رئاستي للاتحاد الدولي للصحفيين بين عامي 2016 و2019، سعينا لدى الحكومات لاعتماد إعلان على مستوى الأمم المتحدة يضمن حماية الصحفيين، ولا يزال الاتحاد الدولي للصحفيين يواصل الضغط في هذا الاتجاه".

وحول مستقبل الصحافة في غزة، تابع لوروث: "طالما أن الصحفيين يرفضون أن يُسكتوا، يظل هناك مستقبل للصحافة في الأراضي الفلسطينية. من الضروري أن يستمر الضغط وبشكل أكبر على السلطات الإسرائيلية لوقف استهداف الصحفيين، وعلى المجتمع الدولي وجميع المنظمات المعنية بحرية الصحافة دور أساسي في دعم هؤلاء الصحفيين، لأن الصحافة الحرة تمثل الضمان الأساسي لاطلاع الجمهور على الحقائق".

والاثنين، اُستشهد ما لا يقل عن 20 فلسطينيا بينهم 5 صحفيين و4 من العاملين بمجال الرعاية الطبية، بمجزرة ارتكبها الجيش الإسرائيلي استهدفت مبنى الطوارئ في "مستشفى ناصر" بمدينة خان يونس.

وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة ارتفاع حصيلة القتلى الصحفيين منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى 246، عقب مقتل 6 صحفيين هم 5 بالهجوم على مستشفى ناصر والسادس بمنطقة المواصي بخان يونس.

ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية في غزة تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.

وخلّفت الإبادة 62 ألفا و819 شهيدا، و158 ألفا و629 جريحا من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة قتلت 303 فلسطينيين، بينهم 117 طفلا.

وتاليا نص مقابلة "عربي21" مع الرئيس السابق للاتحاد الدولي للصحفيين:

كيف تقيّمون حجم وخطورة الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون الفلسطينيون في غزة منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي وحتى اليوم؟


الصحفيون مدنيون ويجب حمايتهم على هذا الأساس. لكن، وبصفتهم صحفيين محددين بوضوح بارتداء خوذات وسترات واقية تحمل كلمة PRESS بشكل ظاهر، فإنه يتعيّن أن يحظوا بحماية خاصة؛ إذ إنهم يؤدون دورا جوهريا في ضمان حق الجمهور في الحصول على المعلومات. وحين تمنع إسرائيل الصحفيين الأجانب من دخول قطاع غزة، فإنها تمارس الرقابة المرفوضة بالنسبة لنا، وعندما تقتل الصحفيين، فإنها ترتكب "جريمة ضد الإنسانية".

أود أن أعبر عن حزني وغضبي العميق إزاء مقتل هذا العدد الكبير من الصحفيين في قطاع غزة؛ فكل مرة يُستهدف فيها الصحفيون، يكون سبب الاستهداف واضحا: كونهم صحفيين، وهناك عدد كبير من الناس الذين يُعبّرون عن قلقهم واستنكارهم لهذه الجرائم المؤسفة.

برأيكم، هل يمكن تصنيف استهداف الصحفيين في غزة ضمن "جرائم الحرب" وفقا للقانون الدولي الإنساني؟

من وجهة نظري، وكما أشرت في إجابتي على السؤال الأول، أعتبر أن هذا يُشكّل "جريمة ضد الإنسانية"، إضافة إلى كونه "جريمة ضد حرية الصحافة" و"جريمة ضد حرية التعبير"، لأن الصحفيين يشكّلون الشهود على ما يحدث في غزة، ويسجلون الأحداث ويوثّقونها بأقلامهم وكاميراتهم، لا سيما في ظل الرقابة الصارمة التي تفرضها إسرائيل على العمل الإعلامي والصحفي هناك.

كيف تقيّمون بيئة العمل الصحفي في غزة حاليا، في ظل استمرار القصف والحصار المستمرين، وهل باتت ممارسة المهنة هناك شبه مستحيلة؟

إن ممارسة الصحافة في مناطق النزاع والحروب تشكّل خطرا كبيرا بطبيعتها؛ فهي تتطلب شجاعة ومثابرة استثنائية. وعندما أقارن بين عدد الصحفيين الذين فقدوا حياتهم في أوكرانيا وعدد الصحفيين الذين قُتلوا في قطاع غزة، يتضح أن العدد في غزة أكبر بعشر مرات، رغم أن الصراع في أوكرانيا استمر لسنوات أطول، مما يعكس حجم الخطر الفادح الذي يواجهه الصحفيون في محاولتهم نقل الحقيقة وإطلاع العالم على ما يحدث هناك.

ومع ذلك، فإن هذا الخطر لم يفلح في إسكات الصحافة، فهناك صحفيون شجعان يواصلون عملهم بتفانٍ رغم التحديات الكبيرة، وبالرغم من محدودية الدعم الذي يحصلون عليه من المنظمات الدولية، يواصلون أداء رسالتهم الإنسانية والمهنية في توثيق الأحداث ونقلها للعالم، وبالتالي فإن إسرائيل لن تستطيع إسكات الصحافة.

في ضوء الاستهداف المباشر والمتكرر للصحفيين والمؤسسات الإعلامية، كيف يمكن ضمان استمرار التغطية الصحفية لما يجري في غزة؟

كما ذكرت في إجابتي السابقة، لا يمكن إسكات الصحافة، فهي تمثل الشاهد الحيوي والضامن الأساسي لنقل الحقيقة حول ما يحدث في غزة. رغم المخاطر الكبيرة والتهديدات المستمرة، يواصل الصحفيون عملهم بشجاعة لتوثيق الأحداث وإطلاع العالم على الوقائع، ما يجعل دعم المجتمع الدولي والمنظمات المعنية بحرية الصحافة أمرا ضروريا لضمان استمرار هذه التغطية.

ما المسؤوليات الأخلاقية والقانونية التي تقع على عاتق المجتمع الدولي فيما يتعلق بحماية الصحفيين في غزة؟

يجب حماية الصحفيين بصفتهم مدنيين، وعلى جميع الجيوش في العالم الالتزام بعدم استهداف الصحفيين المعرّفين بوضوح على هذا الأساس. خلال فترة رئاستي للاتحاد الدولي للصحفيين بين عامي 2016 و2019، سعينا لدى الحكومات لاعتماد إعلان على مستوى الأمم المتحدة يضمن حماية الصحفيين، ولا يزال الاتحاد الدولي للصحفيين يواصل الضغط في هذا الاتجاه. وبالرغم من ذلك، فإن المبادئ المتعلقة بحماية الصحفيين معترف بها ومكرّسة على الصعيدين الدولي والوطني، مما يضع على عاتق المجتمع الدولي واجب ضمان تطبيقها وحماية الصحفيين في مناطق النزاع والحروب.

لكن لماذا يفشل العالم في حماية الصحفيين الفلسطينيين؟ وهل تعتقدون أن هناك ازدواجية في المعايير لدى المجتمع الدولي في تعامله مع جرائم إسرائيل ضد الصحفيين مقارنة بصراعات أخرى؟

إن هذا السؤال يستحق التفكير مليا؛ فهو يثير قضية حساسة ومهمة. ومع ذلك، لا أجرؤ على الإجابة عليه بالإيجاب؛ إذ هناك العديد من الصراعات في العالم التي لا تحظى بنفس القدر من الاهتمام.

لكن من الواضح أنه لو سُمح للصحفيين الغربيين أو الأجانب بالذهاب إلى غزة، وربما لو تعرّضوا للقتل هناك، لكان رد الفعل من الحكومات حول العالم أشد قوة وغضبا مما نشهده حاليا. ومع ذلك، أكرر أن العديد من الدول غاضبة وقد تفاعلت بالفعل مع أفعال إسرائيل، بما في ذلك الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لأنها لم تعد تحتمل ما تقوم به إسرائيل.

هل يسعى الاتحاد الدولي للصحفيين أو منظمات أخرى إلى رفع دعاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة إسرائيل على جرائمها ضد الصحفيين؟

لست متأكدا تماما مما إذا كان الاتحاد الدولي للصحفيين أو منظمات أخرى يمكنها مقاضاة دولة مباشرة أمام المحكمة الجنائية الدولية؛ إذ يتطلب ذلك توثيقا دقيقا وشاملا للقضية. ومع ذلك، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه نتيجة الأفعال والجرائم التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة، وكذلك ضد قادة حركة حماس، بسبب قتل حماس لمواطنين إسرائيليين وأخذ رهائن في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وهي أفعال تُصنّف كجرائم ضد الإنسانية. وبمجرد بدء الإجراءات أمام المحكمة، يمكن للاتحاد الدولي للصحفيين والمنظمات المعنية الانضمام إلى القضية لدعم المسار القانوني وضمان محاسبة المسؤولين.

وكان بإمكان الاتحاد الدولي للصحفيين والاتحاد الأوروبي للصحفيين دعوة لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لاتخاذ إجراءات، ومن الصعب عليّ أن أستوعب سبب غياب رد فعل أقوى حتى الآن تجاه هذه الانتهاكات.

ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الصحفيون حول العالم للضغط من أجل حماية زملائهم في فلسطين؟ ولماذا تبدو ردود فعل المؤسسات الإعلامية الغربية باهتة تجاه ما يرتكبه الاحتلال بحق الصحفيين؟

لا يمكن القول إن الإعلام الغربي يتجاهل تماما مقتل الصحفيين الفلسطينيين، لكنه غالبا لا يمنح هذه القضية الاهتمام الكافي. أما سبب ذلك، فهو أمر يصعب تحديده بدقة، وربما يعود إلى ما يُعرف بـ"قاعدة الموت حسب الكيلومترات"، التي تشير إلى أن موت شخص واحد قريب يبدو أكثر تأثيرا وملفتا للانتباه مقارنة بمئة حالة وفاة تقع على بُعد آلاف الكيلومترات. هذا يجعل من الضروري للصحفيين حول العالم أن يواصلوا الضغط والتوعية لضمان حماية زملائهم وتسليط الضوء على هذه الجرائم.

ما الرسالة التي تودون توجيهها لعائلات الصحفيين الضحايا وللزملاء الذين يواصلون عملهم رغم المخاطر؟

رسالتي تحمل مزيجا من الحزن والغضب. إن أقارب هؤلاء الصحفيين هم أبطال حقيقيون في عالم الصحافة، ولم تذهب حياتهم ضحية عبثا. لقد عدت أمس الثلاثاء من تظاهرة احتجاجية أقيمت في بروكسل بمشاركة العديد من النقابات الصحفية، وذُكرت خلالها جميع أسماء الصحفيين الضحايا، وكان الهدف من هذه التظاهرة الضغط على الحكومة البلجيكية والمؤسسات الأوروبية الموجودة في العاصمة، للتأكيد على ضرورة حماية الصحفيين وضمان سلامتهم أثناء أداء رسالتهم المهنية والإنسانية، بالإضافة إلى مطالبتهم بالتحرك الفوري لمحاولة وقف هذه الجرائم المستمرة، خاصة أن الصحفيين يستطيعون التعبير عن غضبهم.

أرى أن الخطوة الأهم للتصدي لجرائم قتل الصحفيين في غزة يجب أن تكون سياسية بالدرجة الأولى، وقد لاحظت أن عددا متزايدا من الدول بدأ يعبر عن استعداده للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ويبدو أن هذا الأمر أثار غضب نتنياهو بشكل واضح.

كيف ترون مستقبل حرية الصحافة في الأراضي الفلسطينية في ظل الاحتلال المستمر وسياسة إسرائيل في استهداف الصحفيين؟

طالما أن الصحفيين يرفضون أن يُسكتوا، يظل هناك مستقبل للصحافة في الأراضي الفلسطينية. من الضروري أن يستمر الضغط وبشكل أكبر على السلطات الإسرائيلية لوقف استهداف الصحفيين، وفي الوقت ذاته يجب على السلطة الفلسطينية أن تعمل على إيجاد آليات فعّالة لحماية صحفييها. كما يقع على عاتق المجتمع الدولي وجميع المنظمات المعنية بحرية الصحافة دور أساسي في دعمهم، لأن الصحافة الحرة تمثل الضمان الأساسي لاطلاع الجمهور على الحقائق، وهو حق يكفله الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية مقابلات إسرائيل غزة الاتحاد الدولي للصحفيين حرية الصحافة إسرائيل غزة الاتحاد الدولي للصحفيين حرية الصحافة المزيد في سياسة مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة للاتحاد الدولی للصحفیین الاتحاد الدولی للصحفیین استهداف الصحفیین المنظمات المعنیة الصحفیین الذین حمایة الصحفیین المجتمع الدولی الصحفیین فی أن الصحفیین فی أوکرانیا قطاع غزة جریمة ضد ومع ذلک ما یحدث فی غزة

إقرأ أيضاً:

أحمد رحال لـعربي21: فلسطين في الوجدان.. والاتفاقية مع إسرائيل ليست تطبيعا أو سلاما دون مقابل

عام مضى منذ أن انقلبت الحرب التي ظن الرئيس بشار الأسد قد حسمها لصالحه، بعد أن تمكنت قوة من مقاتلي المعارضة من التقدم من إدلب، المحافظة السورية الواقعة على الحدود مع تركيا، ودخول دمشق بقيادة أحمد الشرع يوم الـ 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، والذي بات اليوم رئيسًا انتقاليًا، فيما يعيش الأسد في منفى في روسيا.

لا تزال سوريا غارقة في الدمار، ففي كل مدينة وبلدة، يعيش الناس داخل أبنية هشة، محروقة ومجوفة من الداخل بفعل سنوات من حرب طاحنة، ورغم تراكم أزمات "سوريا الجديدة"، فإن هذا البلد يبدو اليوم أقل اختناقًا بعد زوال الثقل القاسي الذي فرضه النظام المخلوع لسنوات طويلة.


تمكن أحمد الشرع من شق طريقه باتجاه الخارج والذي على ما يبدوا كان أسهل بكثير من الداخل، فقد نجح في إقناع السعودية والدول الغربية بأنه يمثل "أفضل فرصة لقيام مستقبل مستقر في سوريا"، كما وحضي بدعم أمريكي وأوروبي كبير تمخض عنه رفع العقوبات عن بلاده، أما في الداخل، فالصورة قد تكون مختلفة، حيث يدرك السوريون نقاط الضعف ومشكلات بلادهم أكثر من أي جهة أجنبية.

ورغم تأكيد الشرع أن بلاده منهكة من الحرب، وإنها لا تمثل تهديدًا لجيرانها ولا للغرب، مؤكدًا أنهم سيحكمون "لصالح جميع السوريين"، غير أن إسرائيل رفضت تلك الرسالة تمامًا ولم تقتنع كليا بالنوايا، فيما يواصل الرئيس ترامب الدفع باتجاه إنجاح اتفاق بين سوريا وإسرائيل الذي بات يواجه الكثير من العراقيل بسبب شروط يفرضها نتنياهو.

لاستقراء ما يمكن أن تحمله الأيام من أحداث بشأن سوريا، وحجم المنجزات والإخفاقات التي واكبت حكومة أحمد الشرع خلال عام مضى، أجرى موقع "عربي21" لقاءًا خاصا مع الخبير العسكري والمحلل السياسي العميد أحمد رحال، وفيما يلي نص المقابلة:

أين ترى سوريا اليوم بعد عام من التحرير؟ هل تسير ضمن خطوات مدروسة باتجاه تحقيق العدالة والمساواة التي يرمي إليها الشعب، أم أن الإخفاقات كثيرة؟

نحن أمام إنجاز كبير، وهو إسقاط نظام الأسد، ومع ذلك لدى الشعب السوري مطالب أكبر بكثير مما تحقق، ولكن السلطة لا تملك عصا سحرية لتغيير الواقع، ومع وجود إخفاقات كبيرة، فإن هناك ثلاثة ملفات ضاغطة إن لم تُنفّذ فنحن في مشكلة، وهي ترسيخ الأمن، وإعادة بناء المجتمع، فضلاً عن الحاجة لمؤتمر حوار وطني وإعلان دستوري جديد وتأسيس حكومة تشاركية تعددية.

هل استطاع الرئيس أحمد الشرع محو سمة الإرهاب عنه، وتمكّن من إقناع الرأي العام بأنه تحول من مجاهد إلى رجل دولة؟

زيارة أحمد الشرع للبيت الأبيض دليل على وجود قناعة عربية ودولية بأن الرئيس السوري أزال عنه سمة تهمة الإرهاب، لكن المشكلة ليست في الرئيس الشرع، بل في بعض قيادات الصف الأول في هيئة تحرير الشام، وما حدث في الساحل السوري والسويداء من انتهاكات، وإن كانت فردية، دليل على ضرورة تغيير سلوك هؤلاء.

ما تفسيرك لطبيعة الحراك المعارض لحكومة أحمد الشرع في بعض المحافظات كالسويداء واللاذقية؟ مجلة الإيكونوميست ترجح اندلاع انتفاضة قريبًا ضد قادة سوريا الجدد. هل يمكن وصفها فعلًا بالانتفاضة؟

بقدر النجاحات الكبيرة التي حققتها السياسة السورية في الخارج، لكنها أخفقت في كثير من ملفات الداخل. لذا، من الضروري وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وخاصة في المفاصل الأمنية والعسكرية، لتجنب ما حدث في بعض المحافظات، والتي على إثرها خرجت تظاهرات معارضة للحكومة في دمشق. وفي المحصلة، تتحمل الحكومة المسؤولية لمعالجة الانقسامات وتجنب الخطر، رغم عدم وجود مخاوف من تطور الوضع للتصادم مع السلطات على غرار ما حصل في عام 2011، لكن بالتأكيد نحن بحاجة إلى مشروع وطني يجمع لا يفرق.

هل من المنصف اتهام سوريا الجديدة بأنها تخلت عن القضية الفلسطينية ولم تعد ضمن سلم أولوياتها، وباتت دمشق خارج معادلة الحكومات العربية المعادية لإسرائيل؟

قرارات الحكومة في دمشق واضحة، وهي أنها قسمت موضوع التفاوض مع إسرائيل إلى شقين، الأول هو اتفاق أمني يعيد الأمور إلى ما كانت عليه ما قبل 18-12-2024، بمعنى العودة إلى الاتفاق الموقع عام 1974، وهذا أمر لا يعني بالضرورة السلام مع إسرائيل، ولطالما أكد الرئيس الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني أن سوريا ملتزمة بالموقف العربي، ومفاده لن نمنح إسرائيل سلامًا على بياض، ولا يعني أيضًا التخلي عن القضية الفلسطينية، فالنتيجة هو مجرد اتفاق وليس تطبيع.

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Arabi21 - عربي21‎‏ (@‏‎arabi21news‎‏)‎‏
البعض يتهم حكومة الرئيس أحمد الشرع بالخضوع لإسرائيل، مستدلين بذلك بسلسلة الهجمات التي شنها الاحتلال على سوريا والتي لم تكن تُذكر خلال حكم الأسد، ما رأيك؟

نتيجة للتفاهمات التي كانت موجودة ما بين نظام الأسد وإسرائيل، تُرجمت إلى عدم شن الاحتلال هجمات على سوريا، وليس معنى هذا أن إسرائيل كانت تتخوف من الجيش السوري، فبعد عام 1973، لم يشكل الجيش للاحتلال رقمًا صعبًا، ونذكر هنا ما قاله رامي مخلوف عام 2011، أن أمن دمشق من أمن إسرائيل، كما أن تل أبيب هي من عارضت إسقاط نظام الأسد حتى تيقنت عام 2024، أن إيران لا تخرج من سوريا طالما نظام الأسد موجود، وبالتالي رفعت الغطاء عنه.

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Arabi21 - عربي21‎‏ (@‏‎arabi21news‎‏)‎‏
قبل أيام حذر مسؤولون إسرائيليون من خطورة دعم الرئيس ترامب لأحمد الشرع على أمن دولة الاحتلال، هل فعلاً سوريا بوضعها السياسي والاقتصادي الهش حاليًا تشكل تهديدًا لإسرائيل؟

كلام الرئيس، والشارع، وكل القيادة السورية كان واضحًا، وهو أننا اليوم لا نبحث عن عداء مع أحد، ولا نريد أن نبحث عن حرب مع أحد، بل نريد بناء مؤسسات الدولة، وتأمين معيشة المواطن السوري. وبالتالي، الكلام عن كون دمشق تمثل تهديدًا لإسرائيل بعيد عن المنطق، والحقيقة أن نتنياهو يبحث عن الذرائع للتحرش بسوريا منذ وصول الشرع للسلطة، ومفاد رسالة تل أبيب أنها لن تنتظر سبع سنوات للوقوع في كمين طوفان الجولان كما حدث مع طوفان الأقصى.

كانت غزة حاضرة في هتافات الجيش السوري خلال مسير عسكري في دمشق بمناسبة ذكرى التحرير، هل تم بتوجيه مركزي أم باجتهاد فردي، أم إنها ورقة ضغط للدفع باتجاه تسريع الاتفاق مع إسرائيل؟

الخطاب السوري تجاه القضية الفلسطينية وغزة والضفة الغربية واضح، وهو في وجدان كل مواطن سوري، وهذا ما لمسناه خلال ترديد الهتافات في الاستعراض العسكري الذي حدث في دمشق بذكرى التحرير، وما يبدر من تصريحات بشأن دعم فلسطين هي مواقف معنوية فردية، ليس معناها أن ترسل سوريا جيشًا للقتال ضد إسرائيل.

لا ننكر وجود مؤيدين وحلفاء حتى اللحظة للرئيس المخلوع الأسد، سواء في الداخل أو الخارج، ولكن هل تعتقد أن ما تضمنته الفيديوهات المسربة وهو برفقة لونا الشبل قد أطاح بصورته؟

عام 2021، خسر بشار الأسد ما كان يملكه من دعم وتأييد لدى الطائفة العلوية، حيث تيقنوا أنه لا خير يرتجى منه، خاصة وأن البروباغاندا الإعلامية والاستخباراتية التي عمل عليها النظام تفككت خلال أعوام الحرب الأخيرة، كما أن إعلانه عن عدم قدرته على تأمين الرواتب وتقديم الخدمات، كلها أسباب فاقمت من السخط الشعبي ضد الأسد، لذا فإن ظهوره خلال المقاطع المصورة وهو يستهزئ بالجيش وقادته، بما فيها الميليشيات الوافدة التي كانت تدعمه، أكدت لمن لم يتأكد بعد مدى الاستخفاف الذي كان يتعامل به بشار الأسد مع مؤسسات وقطاعات الدولة، كما كشفت تلك المقاطع أن سوريا كانت تفتقد أساسًا لوجود رئيس يمتلك مواصفات الهيبة التي تؤهله لقيادة بلد غارق بالأزمات.

تعرض لأول مرة .. تسريبات تكشف أحاديث بين الأسد ولونا الشبل#سوريا#قناة_التغيير_الفضائية pic.twitter.com/6ea7dGdvs5 — قناة التغيير الفضائية (@AlTaghierTV) December 6, 2025
تباطؤ مسار العدالة مع الذكرى السنوية للتحرير
لا يمتد نفوذ الشرع إلى شمال شرقي سوريا، حيث يفرض الأكراد سيطرتهم على نحو 25 بالمئة من مساحة البلاد، ولا إلى أجزاء من الجنوب، حيث يسعى الدروز، إلى إقامة دولة مستقلة بدعم من حلفائهم الإسرائيليين، وعلى الساحل، يخشى العلويون تكرار "المجازر" التي تعرضوا لها في آذار/مارس الماضي رغم تعهد دمشق بالتحقيق ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات والتي اتضح تورط العديد من الفصائل المنضوية ضمن الحكومة.

مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أعرب عن قلقه الشديد بشأن بطء وتيرة العدالة، وقال متحدث باسم المكتب إن السلطات الانتقالية اتخذت خطوات مشجعة لمعالجة الانتهاكات السابقة، لكنها ليست سوى بداية لما ينبغي القيام به، وأشار المكتب إلى أن بعض السوريين تحركوا بأنفسهم، أحياناً بالتعاون مع قوات الحكومة، مؤكدًا أن المئات قُتلوا خلال العام الماضي على يد قوات الأمن والجماعات الموالية لها، وعناصر مرتبطة بالحكومة السابقة، ومجموعات مسلحة محلية، وأفراد مسلحين مجهولين.

وأضاف أن الانتهاكات الأخرى شملت العنف الجنسي، والاعتقالات التعسفية، وتدمير المنازل، والإخلاءات القسرية، والقيود على حرية التعبير وحرية التجمع السلمي. وأوضح أن المجتمعات العلوية والدروز والمسيحيين والبدو كانت الأكثر تضررًا من موجات العنف، التي غذّتها خطابات كراهية متصاعدة على الإنترنت وخارجه، وهو ما شددت عليه منظمات حقوق عالمية، مثل العفو الدولي وهيومن رايتس ووتش، اللذين دعوا السلطات السورية إلى العمل من أجل خلق واقع تكون فيه حماية جميع السوريين وضمان حقوقهم أولوية.

بعد عام على سقوط الأسد، ينبغي للسلطات السورية، بدعم من المجتمع الدولي، العمل لخلق واقع تكون فيه حماية جميع السوريين وضمان حقوقهم أولوية. pic.twitter.com/K3e5HdOIgw — هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) December 9, 2025

"إسرائيل" واستغلال ضعف سوريا
لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الشرع وحكومته يمتلكون ما يكفي من القوة للصمود في وجه أزمة أخرى بالخطورة نفسها، فإسرائيل ما تزال تمثل تهديدًا حاضرًا بالنسبة للسوريين، وفق تقرير لشبكة "بي بي سي"، فبعد سقوط الأسد، شن الاحتلال سلسلة واسعة من الغارات الجوية بهدف تدمير ما تبقى من القدرات العسكرية للنظام السابق، كما وتقدم جيشه خارج مرتفعات الجولان المحتلة للسيطرة على أراض سورية إضافية ما زال يحتفظ بها حتى اليوم، واستغلت إسرائيل الفوضى في سوريا لإضعاف بلد تعتبره عدوًا، عبر تدمير أسلحة قالت إن من الممكن أن توجه ضدها.

أما محاولات الولايات المتحدة للتوسط في اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل فقد تعثرت خلال الشهرين الماضيين تقريبًا. تريد دمشق العودة إلى اتفاق أنجز برعاية هنري كيسنجر عام 1974، حين كان وزيراً للخارجية الأمريكية، بينما يصر نتنياهو على بقاء جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي التي استولى عليها، ويطالب بأن تنزع سوريا السلاح في منطقة واسعة جنوب دمشق، وخلال الشهر الماضي، كثفت إسرائيل توغلاتها البرية داخل سوريا. وتقدر نشرة "سوريا ويكلي"، التي توثق بيانات العنف، أن عدد هذه التوغلات كان أكثر من ضعف المتوسط الشهري طوال هذا العام.

وزير "إسرائيلي".. "الحرب مع سوريا حتمية"
صرح وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي، أن الحرب مع سوريا "حتمية"، في ظل تصاعد التوترات الميدانية واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، وجاء موقفه تعليقا على تسجيلات تظهر جنودا من الجيش السوري وهم يهتفون لغزة خلال مسيرة عسكرية أقيمت الاثنين احتفالا بالذكرى الأولى لـ"عيد التحرير"، ما أثار قلقا داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.

من هتافات الجيش السوري في مسير عسكري في دمشق بمناسبة ذكرى التحرير الأولى:

غزة، غزة، غزة شعار، نصر وثبات، ليل ونهار
طالعلك يا عدوي طالع، طالعلك من جبل النار
اعملك من دمي ذخيرة، واعمل من دمك أنهار

pic.twitter.com/9GXwRMlxgO — سعيدالحاج said elhaj (@saidelhaj) December 8, 2025
وكتب شيكلي المنتمي لحزب "الليكود" بزعامة بنيامين نتنياهو تدوينة مقتضبة على حسابه في منصة "إكس"، أرفقها بخبر حول هتافات الجنود السوريين، واكتفى فيها بعبارة: "الحرب حتمية"، ورغم أن الحكومة السورية الحالية لم تظهر أي تهديد عسكري مباشر للاحتلال فإن الأخير يواصل تنفيذ توغلات داخل الأراضي السورية وغارات جوية أودت بحياة مدنيين ودمرت مواقع وآليات عسكرية تابعة للجيش السوري.

عام على سقوط الأسد.. ماذا تغير في سوريا؟
ومع مرور عام على تحرير سوريا وسقوط نظام الأسد، يعود السوريون بذاكرتهم إلى تلك اللحظات المفصلية في تاريخ بلادهم، لتبقى شاهدة على بداية مرحلة جديدة في تاريخ دمشق، ورغم كم الأزمات إلا أن هناك الكثير من المنجزات، منها تبييض السجون، حيث أفادت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنه تم تحرير 24 ألفًا و200 معتقل كرقم تقديري، في حين لا يزال مصير 112 ألف معتقل ومختف قسريًّا مجهولًا حتى اللحظة.


كما تم رفع معظم التدابير التقييدية المرتبطة بنظام الأسد ورموزه خاصة تلك المتعلقة بالاقتصاد والتجارة الدولية، وفق المجلس الأوروبي والخزانة الأمريكية، فضلا عن عودة سوريا إلى الخريطة الدبلوماسية وسط حراك متسارع على مستوى رفيع، لإعادة دمجها في المنظومة الإقليمية، وفق كارنيفي للسلام الدولي، وعلى الصعيد الاقتصادي، قال تقرير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إن هناك استقرارَا جزئيَا في سعر الصرف بعد تحسنه، وسط تقارير عن توفير أكبر للسلع نتيجة إعادة فتح خطوط التوريد.



مقالات مشابهة

  • لجنة حماية الصحفيين: حرب غزة كانت الأكثر دموية للصحفيين
  • نواب وصحفيون أميركيون: واشنطن لا تحاسب إسرائيل على القتل الممنهج للصحفيين
  • ابن سليم بلا منافس في انتخابات رئاسة الاتحاد الدولي للسيارات
  • “اغتيال الحقيقة”.. كتاب من الرئاسة التركية يوثق “حرب إسرائيل على الصحافة”
  • أحمد رحال لـعربي21: فلسطين في الوجدان.. والاتفاقية مع إسرائيل ليست تطبيعا أو سلاما دون مقابل
  • نقيب الصحفيين العمانيين: 2025 عام دموي للصحفيين واستهداف متعمد في غزة
  • 46% من حالات قتل الصحفيين في 2025 سُجّلت في غزة
  • محمد هشام عبية بـ "ماستر كلاس" مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير
  • مراسلون بلا حدود: نصف الصحفيين المتوفين في 2025 قتلتهم إسرائيل
  • إسرائيل تتصدر قائمة الدول الأكثر قتلًا للصحفيين في 2025