الجزيرة:
2025-10-08@03:16:17 GMT

الشرق الأوسط وحكمة الاستعداد للأسوأ

تاريخ النشر: 1st, September 2025 GMT

الشرق الأوسط وحكمة الاستعداد للأسوأ

يتفق الجميع على أن الشرق الأوسط ليس رقعة جغرافية عابرة، بل هو مهد الديانات السماوية الثلاث: اليهودية، والمسيحية والإسلام. ومن هذه الأرض انطلقت رسالات غيرت وجه الإنسانية ومساراتها.

بيد أن هذه القدسية الروحية لم تُحصن المنطقة من الأطماع، بل جعلتها محط أنظار وأطماع القوى الكبرى ومسرحا لصراعات ممتدة منذ قرون.

وعلاوة على جانبها الديني، تحتضن المنطقة النسبة الكبرى من الاحتياطي العالمي للنفط والغاز، ما جعلها القلب النابض للاقتصاد العالمي.

لكن الحقيقة الأعمق أن الصراع لم يكن يوما على الطاقة وحدها، بل على العقيدة والهوية والرواية التاريخية. فالأبعاد الاقتصادية مجرد أدوات تُستغل لخدمة صراع أيديولوجي طويل الأمد، متشابك يغذيه البعد العقائدي من جهة، والمصالح الاقتصادية والجيوسياسية من جهة أخرى، وتبقى الحقيقة الثابتة أنه صراع أيديولوجي متبدل المظاهر والأشكال.

منذ سايكس-بيكو مرورا بمشاريع إعادة تشكيل الشرق الأوسط، لم تتوقف محاولات القوى الكبرى لإعادة رسم خريطة المنطقة.

واليوم، يُعاد إنتاج هذه المخططات بثوب مختلف: خرائط تقوم على أسس دينية وطائفية، هدفها تفتيت الكيانات الوطنية الجامعة، وتذويبها في فسيفساء هشة يسهل التحكم بها. المستفيد الأول والأخير من هذا هو المشروع الصهيوني، وفي القلب منه إسرائيل.

يقوم الفكر الصهيوني المتطرف على إحياء أحلام توراتية مؤدلجة، يُعاد تفسيرها بشكل انتقائي ومنحرف؛ لتبرير التوسع وشرعنة الاحتلال.

هذا المنظور لا يكتفي بالحدود الراهنة، بل يرسم ملامح مستقبل تُهيمن فيه إسرائيل على محيطها عبر إضعافه وإغراقه في صراعات داخلية.

وها هي إسرائيل تكشف عن بعض نواياها بما تفعله في فلسطين وغزة، واعتداءاتها المتكررة على سوريا مؤخرا، وما يصرح به رئيس وزرائها وبعض ساستها من أطماع توراتية تجاه المنطقة، وخدمة لهدفها في إعلان يهودية الدولة العبرية والتهام محيطها بالكامل. وما نسمعه عن مخطط لتهجير الفلسطينيين، دليل واضح على هذه التوجهات.

إعلان

إن الإرهاصات والمعطيات الراهنة تنذر بأن المنطقة على أعتاب صراعات داخلية مركبة وخطيرة، تتجاوز الانقسام التقليدي بين العرب وإسرائيل.

أخطر هذه السيناريوهات يتمثل في الدفع نحو اندلاع صراع سني-سني، تُرجح المؤشرات أن يبدأ من سوريا توطئة لتفتيتها وبلقنتها، وهذا بدوره سيمتد إلى فضاء أوسع. مثل هذا النزاع يضمن استنزاف المجتمعات من الداخل، ويمنح إسرائيل وحلفاءها فرصة ذهبية لترسيخ مكاسبهم.

وبطبيعة الحال يجب ألا يغيب عن المشهد مخططات الدول الإقليمية ومشاريعها القديمة الجديدة التي تحاصر المنطقة وتتقاطع مع المشروع الصهيوني في إيقاف عجلة التنمية في الدول العربية، وتعميق الخلافات القائمة بين شعوبها، عبر تأجيج الاختلافات المذهبية، وتأليب العصبيات والكراهية، وكذلك الحروب بالوكالة، بحيث يتم القضاء على أي بارقة أمل لشعوب المنطقة في التطور والنمو والعيش بأمان وسلام.

هذه السيناريوهات المدمرة تجد بيئتها الخصبة حين تقع شعوب المنطقة وبعض قياداتها ضحية تضليل القوى الكبرى التي تسوق رؤى براقة وشعارات براغماتية عناوينها السلام والاستقرار والتنمية، لكنها في العمق مجرد أدوات لتمرير مخططات صهيونية تقوم على تفسيرات توراتية مزورة تمهد لتحقيق المشروع الصهيوني، وبالاستفادة من بعض الأدوات الموجودة أصلا في المنطقة، أفرادا وجماعات تحركها مغريات تُقدم لها لتسريع تنفيذ مخططها الشرير.

وهنا تكمن خطورة أكبر أن يتحول هؤلاء المضلَلون إلى منفذين غير مدركين لأجندات مرسومة في غرف مغلقة.

أمام هذه التحديات، ليس هناك خيار سوى أن تبادر القيادات العربية والإسلامية الفاعلة، ومعها النخب المثقفة، إلى تحمل مسؤوليتها التاريخية، واستنفار كل الأوراق الممكنة: من وحدة الصف، إلى إعادة بناء التحالفات، إلى تعزيز المناعة الداخلية، واستخدام كل الأدوات التي كفلتها الشرائع السماوية، إضافة إلى ما نص عليه القانون الدولي، وذلك من أجل وقف ما يُرسم للمنطقة وإنقاذ مستقبل الأجيال القادمة.

إن التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تغفر لمن فرط بمصيرها. ما يُرسم اليوم للمنطقة ليس مجرد تكتيك سياسي عابر، بل إعادة تشكيل وجودي على أسس دينية وطائفية ستغير ملامحها لعقود.

إن القيادات العربية والإسلامية، ومعها النخب المثقفة، أمام مسؤولية تاريخية لا تحتمل التأجيل: إما أن تتحرك سريعا لإجهاض هذه المخططات، أو أن تجد نفسها في الغد القريب شاهدة على انهيار ما تبقى من منظومة الأمن القومي.

إنني أقول ما أقول وأنا أتمنى أن أكون مخطئا في بعضه، لكن الحكمة تقتضي الاستعداد للأسوأ، والعمل الجاد لانتزاع الأفضل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات

إقرأ أيضاً:

حـــوار افـتراضـي

لا يحظى مسؤول خارج الولايات المتحدة بالدلال الذي يحظى به بنيامين نتنياهو المطلوب لـ»الجنائية الدولية». أربع مرّات حلّ ضيفاً على دونالد ترامب منذ تولّيه الرئاسة قبل ما يقرب من تسعة أشهر. وفي كلّ مرّة لا يخرج نتنياهو خالي الوفاض، رغم ما يسبق بعض زياراته، من شائعات تتحدّث عن توتّر بينهما.

كان ترامب قد وعد خلال حملته الانتخابية، بأنه سيتمكن من الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين فور دخوله البيت الأبيض، وقدم الوعد ذاته بالنسبة للحرب في أوكرانيا، مدعياً أنه لو كان الرئيس قبل ذلك، لما وقعت تلك الحروب.

لا يهتمّ ترامب كثيراً بمّن يتهمونه بسرعة التراجع عن مواقفه، أو أنه يقول الشيء ونقيضه، بل ربما يحيل المفسّرون القريبون منه على أن ذلك دلالة على إستراتيجية واعية يتبعها لتحقيق أهدافه في نيل «جائزة نوبل»، وجعل أميركا عظيمة أو الأعظم مرّة أخرى.

قد يقول البعض، إن نتنياهو السّاحر نجح دائماً في التلاعب في الإدارات الأميركية السابقة، وإنه كان يجرّ خلفه الرؤساء السابقين إلى حيث يريد، فهل ينطبق الأمر على ترامب؟

إذا كان الرؤساء السابقون عموماً يخضعون أو يتأثرون كحدّ أدنى بالضغوط القوية التي يمارسها اللوبي الصهيوني في أميركا للفوز بولاية رئاسية ثانية، فالأمر مختلف مع ترامب.

ترامب لا يحتاج، ولا يخضع لأي ضغوط من أي طرف، لأنه اليوم إمبراطور متوّج، يتحكّم في كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، والبعض يصفه بأنه دكتاتور ديمقراطي.

إن كان ترامب لا يعير اهتماماً لأي ضغوط داخلية أو خارجية، فإنه يرسم سياساته ومواقفه انطلاقاً من قناعة عميقة، خصوصاً إزاء رؤيته للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

من يتفحّص مواصفات ترامب ونتنياهو، قد يصل إلى نتيجة أنهما توأمان. نرجسيان إلى أبعد الحدود، وكلاهما يعتقد أنه مكلّف من الربّ، وكلاهما يجيد الرقص على الحبال، وكلاهما، أيضاً، يعتبر الكذب فضيلة وربما هبة إلهية.

خلال الزيارة الأخيرة لنتنياهو إلى الأمم المتحدة، خرج من قاعة الجمعية العامة، غاضباً، ومكفهّراً، بسبب مقاطعة معظم الوفود لخطابه، ولكنه سرعان ما استعاد توازنه نسبياً بعد لقاءاته التحضيرية، مع مساعدي ترامب قبل لقائه.

قبل لقائه ترامب، كان الأخير قد عقد اجتماعاً مع مسؤولين من ثماني دول عربية وإسلامية وازنة، اتفق معهم خلاله على خطته لإنهاء الحرب الإبادية في غزّة، والإفراج عن الرهائن. ترامب أشاد باللقاء، واعتبره إنجازاً عظيماً للسلام في الشرق الأوسط. وحين رحّبت الوفود العربية والإسلامية بنتائج اللقاء، ساد استنتاج طبيعي بأن ما تم الاتفاق عليه مع ترامب لا بدّ أن يكون إيجابياً ومنصفاً وواعداً. تأكّد هذا الاستنتاج، بعد أن التقى ترامب بنتنياهو، الذي خرج عن خطة لا تتطابق مع ما تم الاتفاق عليه مع وفد الثمانية العرب والمسلمين.

باكستان على نحو مباشر عبّرت عما يمكن اعتباره خديعة، ثم تلاه وزير الخارجية المصري، ورئيس الوزراء، وزير الخارجية القطري، اللذان ألمحا إلى أن الخطة بنسختها الأخيرة، تحتاج إلى نقاش وتوضيحات وتعديلات، ما يعني بوضوح أنها تضمنت بنوداً تخالف ما تمّ الاتفاق عليه.

أفترض أن ترامب لم يضغط على نتنياهو كما توقع البعض، وإنما خاض معه في حوار لطيف، اقتنع بموجبه نتنياهو بالاعتذار علناً وبوضوح لقطر بسبب العدوان الذي وقع عليها، مع وعد بأن ذلك لن يتكرّر.
فتح ترامب الخطة أمام نتنياهو لإدخال ما يراه من تعديلات
مقابل ذلك، فتح ترامب الخطة أمام نتنياهو لإدخال ما يراه من تعديلات، وهكذا يستطيع نتنياهو أن يدّعي أمام مجتمعه وائتلافه الفاشي أن الخطة من إنتاج إسرائيلي أساساً.

أفترض، أيضاً، أن ترامب عرض على نتنياهو الأفكار التالية حتى يقبل الاعتذار من قطر، والتعاطي بإيجابية مع الخطة التي تتضمن بنوداً لا تتفق مع ما يريده نتنياهو:

عزيزي نتنياهو، أتفهم أهدافكم، وسأدعم بكل قوة تحقيقها، أنتم تريدون تحقيق انتصار حاسم، والهيمنة على الشرق الأوسط، وجعل إسرائيل عظيمة ومتسيّدة، وأنا أريد لكم ذلك، ولهذا سنواصل الدعم وسنعمل على فكّ عزلة دولتكم.

ولكن عزيزي نتنياهو، أنا، أيضاً، أعمل لأن تكون أميركا عظيمة وأن تواصل تسيّدها النظام العالمي، وأن الشرق الأوسط مسألة على قدر عال من الأهمية بالنسبة لنا لتحقيق هذا الهدف.

وأنا، أيضاً، أرغب بشدة في أن أحصل على «جائزة نوبل للسلام»، وما حققته في هذا المجال ليس كافياً، ولذلك أحتاج مساعدتك لإنجاح الخطة في الشرق الأوسط المضطرب، والخطير.

لم أنجح في تحقيق السلام في أوكرانيا، بسبب وجود زعيم عنيد اسمه فلاديمير بوتين، ولذلك لا بدّ من تحقيق السلام في الشرق الأوسط، الأمر الذي يؤهّلني لنيل الجائزة التي رشّحتني لنيلها.

عزيزي نتنياهو، إسرائيل أهم بالنسبة لأميركا من أوروبا، القارة العجوز التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها، وتعتمد علينا لحماية أمنها على حساب أموال دافعي الضرائب، وهو أمر غير مقبول.
الشرق الأوسط، منطقة أموال وثروات هائلة، عدا أن مصالحنا في صراعنا مع الصين وحلفائها، تقتضي السيطرة عليها، وملء خزائننا من أموالها.

أنتم، أيضاً، مستفيدون من تحقيق السلام في الشرق الأوسط بشروطنا المشتركة، ونحن ندعمكم لأنكم من تلعبون دوراً مهماً جداً في تحقيق ذلك السلام، بما تملكون من قوة وجرأة، وما نملك من علاقات وإمكانيات في التأثير على دول المنطقة.

لقد منحناكم الوقت اللازم وزيادة، ولم نتوقف عن تقديم كل ما تحتاجونه من سلاح وأموال ودعم سياسي ودبلوماسي، ولكنكم لم تنجحوا حتى الآن في إخضاع الجميع.

عليكم أن تحسبوا خطواتكم بدقة، وأن تعلِمُونا قبل أي فعل، فلقد أدّى القصف على قطر لوقوع انحرافات في تحالفات بعض الدول في غير صالحنا وفي غير صالحكم، لذلك، أرجوكم أن تضبطوا أعصابكم، وأن تتعاملوا بإيجابية مع الخطة، فإن نجحنا في تحقيق الفصل الأول منها وهو الإفراج عن الرهائن، فإن ما تبقّى من بنود واستحقاقات تستطيعون التعامل معها بما ترونه مناسباً لمصالحكم ورؤيتكم.

وأخيراً أليس هذا ما صرّح به نتنياهو بعد أن وافقت «حماس» على الخطة؟

الأيام الفلسطينية

مقالات مشابهة

  • مجلس السلام
  • نتنياهو: غيرنا وجه الشرق الأوسط لنضمن استمرار إسرائيل
  • أرقام قياسية حول تمويل حروب إسرائيل بأموال دافعي الضرائب بأميركا
  • النائب العام يتوجه فى زيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية
  • النائب العام يتوجه في زيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية
  • دوري الملوك يشعل موسم الرياض بانطلاق نسخته الأولى في الشرق الأوسط
  • الشرق الأوسط.. ضيف دائم على شريط الأخبار الساخنة
  • حـــوار افـتراضـي
  • «تريندز» يناقش تحولات الشرق الأوسط خلال مؤتمر دولي
  • “تريندز” يشارك في مؤتمر دولي يناقش التحولات في الشرق الأوسط