علماء النفس يكشفون لماذا يختار البعض التعقيد بدلا من الراحة؟
تاريخ النشر: 5th, September 2025 GMT
في عموده بصحيفة "واشنطن بوست"، وفي معرض إجابته عن التساؤلات الدائمة حول ماهية الحياة الطيبة، وكيف نصنعها؟؛ كتب ريتشارد سيما، عالم الأعصاب والصحفي العلمي، في 20 أغسطس/آب الماضي، أنه على مدى أكثر من 40 عاما أشارت الأبحاث إلى إجابتين عن هذا السؤال:
الأولى، إن الحياة الطيبة هي "حياة سعيدة"، تُبنى بالسعي وراء الراحة والرضا، وفرح أكثر من الحزن.الثانية، إن الحياة الطيبة هي "حياة ذات معنى"، ترتكز على الهدف، والتواصل، وجعل العالم أفضل.
لكن العلماء قدموا إجابة ثالثة مؤخرا، وهي:
الحياة الطيبة، هي حياة تتسم بـ"الثراء النفسي"، الذي تصنعه التجارب الجديدة، والرؤى المتطورة، وبعض التعقيد، كما أنها أيضا "قد تكون أكثر إزعاجا وتحديا"، من الحياة السعيدة أو ذات المعنى.
مفهوم الثراء النفسيأول من وضع مفهوم الثراء النفسي، ونشرته الجمعية الأميركية لعلم النفس في أغسطس/آب عام 2021، هو شيغيهيرو أويشي، عالم النفس بجامعة شيكاغو؛ وقال عنه: "لقد أردنا أن نجسد أنماطا أكثر استكشافا ومغامرة وإبداعا من الحياة الطيبة"، أشبه بحياة الفنانين والشعراء.
وأوضح أن السعادة يمكن اعتبارها متوسطا تصاعديا، "ترتفع وتنخفض مع التجارب الجيدة والسيئة"؛ مُشبها الثراء النفسي بأبرز الإنجازات المهنية، أو "هذا الكم من القصص والتجارب الشيقة التي نمر بها طوال حياتنا"، وقد تنشأ من السفر، أو مقابلة أشخاص شيّقين، أو قراءة كتب، أو التغلب على ظروف صعبة.
من ناحيتها، قالت إيرين ويستغيت، عالمة النفس الاجتماعي بجامعة فلوريدا، التي شاركت أويشي في البحث: إن "الحياة الغنية نفسيا"، مثيرة للاهتمام، تدعونا إلى الخروج من مناطق راحتنا، والانفتاح على تغيير آرائنا؛ لندرك أننا كنا نعتقد أن العالم يسير على نحو ما، وأصبحنا نراه "يسير على نحو آخر"؛ أو كنا نعتقد أننا على نحو ما، والآن ندرك أننا "لسنا كذلك".
إعلانوفي الوقت الذي قد تكون الكلمات الأخيرة لشخص عاش حياة سعيدة: "لقد كانت ماتعة"، ولشخص عاش حياة ذات معنى: "لقد أحدثت فرقا"؛ سيقول من قضى العمر في البحث عن مسار ثالث لحياة غنية نفسيا: "يا لها من رحلة".
لذا، تقول سونيا ليوبوميرسكي، أستاذة علم النفس بجامعة كاليفورنيا، والتي لم تشارك في البحث: "أعتقد أن نظرية الثراء النفسي هي النظرية الجديدة الأكثر إثارة للاهتمام في علم الرفاهية".
يخبرنا أويشي أن "مسار الثراء النفسي الذي بحث عنه منتصف العمر، يُجسّد بُعدا من الحياة الجيدة الغنية بالتجارب الشيقة والمبتكرة، التي "لا يُشترط أن تكون مليئة بالبهجة، أو ذات غاية أسمى".
وفي مراجعة أخرى لهما نُشرت في أبريل/نيسان عام 2025، أشار أويشي وويستغيت، إلى أن السعادة والمعنى لا يرتبطان عادة؛ فغالبا ما تكون الحياة الغنية نفسيا ذات معنى، "لكنها ليست حياة سعيدة للغاية"؛ وأضافت ويستغيت: من المنطقي ان "أي قصة جيدة تنطوي على تحد أو مشكلة".
ورغم ذلك، يعتقد الناس أن الحياة الغنية نفسيا تستحق أن تُعاش، إذ اكتشف أويشي وزملاؤه في دراسة نُشرت في 23 يونيو/حزيران عام 2020، أن معظم الناس يرغبون في تحقيق هذه الأمور الثلاثة للحصول على حياة مثالية:
أن يكونوا سعداء. أن يجدوا لحياتهم معنى. أن يخوضوا تجارب شيقة.لكن ويستغيت تُنبه إلى أن "الحياة قد لا تخلو من تنازلات تجعلنا نضطر إلى تحديد الأولويات بين مسارتها".
فعندما أُجبر المشاركون في الدراسة على اختيار مسار واحد فقط، فضّلت الأغلبية اختيار المسار الأول، وهو "الحياة السعيدة".
لكن ما بين 6.7% و16.8% من المشاركين اختاروا مسار "الحياة الغنية نفسيا"، وهذا يشير إلى أن هناك من يُقدّر هذه الأنواع من التجارب، "حتى على حساب حياة سعيدة، أو ذات معنى".
الحياة الغنية نفسيا أكثر انفتاحا على التجارب الجديدةتُظهر الأبحاث، أن الأشخاص الأكثر انفتاحا على التجارب الجديدة، "أكثر ميلا للبحث عن حياة غنية نفسيا وعيشها، من أولئك الأقل انفتاحا"؛ وذلك من خلال 6 سمات مميزة:
الاهتمام بالفن والثقافة والإبداع. البحث عن تجارب متنوعة. الشعور بالراحة والتسامح مع ما هو غير مألوف. الاهتمام بمشاعرهم الداخلية. إظهار مستويات عالية من الفضول. الاستمتاع بالمفاجآت.أما الأشخاص ذوو المستويات المنخفضة من الانفتاح، فيفضلون الروتين والأشخاص والأفكار المألوفة؛ "ويمكن اعتبارهم منغلقين عقليا"، وفقا لـ"سايكولوجي توداي".
لذا، يرتبط الثراء النفسي بتعقيد معرفي أكبر، إذ يميل الأشخاص الذين يعيشون حياة غنية نفسيا، إلى "التفكير بشكل أكثر شمولية، ورؤية الصورة الكاملة".
ويحصدون بعض النتائج الصحية، مثل "الثقة في التأقلم والدعم الاجتماعي"، مقارنة بمساري الحياة السعيدة، والحياة ذات المعنى.
أكد الباحثون أنه "لا يوجد مسار من مسارات الحياة الثلاث أفضل من الآخر، ولا يتعارض أحدهما مع الآخر"، بل يقدم كل مسار "نكهة مختلفة لحياة سعيدة"، ولكل مسار مزاياه وتحدياته.
إعلانوقال البروفيسور أويشي، الذي أصدر مؤخرا كتابا بعنوان "الحياة في 3 أبعاد: كيف يصنع الفضول والاستكشاف والخبرة حياة أفضل وأكثر اكتمالا".
إنه حتى أولئك الذين يُعطون الأولوية للمسارات التي تعتمد بشكل أكبر على التكرار والروتين، قد يستفيدون من إستراتيجيات الإثراء النفسي، "لمساعدتهم على تجديد نشاطهم، والشعور بالحيوية في سعيهم نحو السعادة والمعنى"؛ عن طريق 4 أشياء:
استمتع باللعب، ينصح أويشي قائلا: "دع نفسك تتحرر، وكن منفتحا على أن تكون طفوليا تجاه نفسك، وتوقف عن المبالغة في تقدير نفسك". استكشف عوالم جديدة، وتصفح أماكن الكتب المستعملة، وخذ دورة في أحد الفنون. وتضيف ليوبوميرسكي: "أعتقد أن التحديات والمفاجآت والعفوية، يمكن أن تؤدي إلى الكثير من الأشياء الرائعة؛ لذا، خاطر في حدود المعقول وكن أكثر استعدادا للأشياء". دع اهتمامات الآخرين واقتراحاتهم تفتح لك آفاقا أوسع، يقول أويشي: "أعتقد أن مجرد محاولة الموافقة على اقتراحات أصدقائك وأفراد عائلتك، قد يجعل حياتك أكثر ثراء". تقبل الانزعاج، تقول ويستغيت: "أعتقد أن الناس يعرفون ما الأشياء التي قد تجعل حياتهم أكثر ثراء"، مثل الالتحاق ببعض الدروس أو الانضمام إلى بعض الدورات. لكنهم "غالبا ما يقللون من الفوائد المحتملة، ويركزون على الأشياء المزعجة"، قبل القيام بأي شيء جديد أو صعب. رغم أن أدمغتنا لا تستمتع بالتحدي فحسب، بل تُظهر الأبحاث أن "الانزعاج ليس بالضرورة أمرا سيئا، بل قد يكون علامة على أنك تنمو". دوّن تجاربك وسجلها، فرغم أننا ننسى مغامراتنا بمرور الوقت، لكن الحياة الغنية نفسيا هي "تراكم تجارب غنية، ومن المهم تدوينها وتصويرها ومشاركتها مع الآخرين للحفاظ على ذكرياتك"، كما يقول أويشي، ويضيف: "طالما أنك تُنمّي تجاربك وتُخزّنها في تذكاراتك النفسية، فأنت تُثري حياتك دائما".المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات التجارب الجدیدة الحیاة الطیبة حیاة سعیدة أعتقد أن ذات معنى
إقرأ أيضاً:
أنت المسؤول عن قراراتك!
البعض لا يربط الظروف بالقرارات، لكنني أرى أن الظروف عامل مساعد في اتخاذ بعض الـ»قرارات» الحاسمة، خاصة إذا كانت هذه القرارات تأتي ضمن الأمور المستعجلة التي توجب البت فيها سريعا دون أن تحتمل الانتظار الطويل؛ فعلى سبيل المثال: في أروقة المستشفى يخبرك الطبيب أن عليك التوقيع على إجراء عملية عاجلة، ويخبرك بأن الوقت ليس في صالحك. فالتأجيل قد يزيد من معاناتك في المستقبل؛ ولذا فإن الخيالات أمامك تنحصر ما بين الموافقة أو الرفض، وفي كلا الأمرين عليك تحمل نتيجة قرارك لوحدك.
مثال آخر: بعض الموظفين بعد أن يجد نفسه محبطا أو يمر بظروف نفسية صعبة يقفز إلى ذهنه الخروج نهائيا من العمل، وترك الجمل بما حمل، ومع كثرة الضغوطات والحيرة التي تسيطر على عقله يبقى القرار بيديه كالماسك على الجمر خاصة إذا كان محاطا بالالتزامات.
في سياق الحياة اليومية يواجه الإنسان على مدار الزمن الكثير من الصعوبات في اتخاذ «القرارات» التي يراها البعض بأنها سهلة جدا فيما يراها الآخرون بـ»المصيرية «. وفي كل الأمور التي يتعرض لها الشخص يواجه خطورة نتائج القرارات التي اتخذها سواء كان هذا القرار ناجحا أو فاشلا؛ فكيفما جاءت الصورة النهاية فهي نتيجة للقرارات التي أقدم على اتخاذها، وفي بعض المرات تكون دائرة الاختيارات تضيق فإلى أبعد الحدود، وأمام الحاجة الملحة لاتخاذ القرار السريع والواجب التنفيذ دون تأخير أو تفكير طويل، ولهذا الأمر وغيره يرى الناس أن القرارات تعبر عن اختياراتنا وطريقة رؤيتنا لقناعاتنا؛ ولهذا تلعب القرارات دورا حاسما في رسم شخصياتنا أمام الآخرين، ونمط سيرنا في حياتنا ومستقبلنا.
يسدي الناشط السياسي الإنساني مارتن لوثر كينغ نصحا للبشرية بقوله: «عندما تتخذ القرار الصحيح لا تبالِ بقلبك. تألم يوما، شهرا بقرار عقلي صحيح أفضل من أن تتألم طيلة حياتك بقرار خاطئ من قلبك».
إذن بعض القرارات تكون ثقيلة كثقل الجبال على القلوب، وبعضنا يقع في فخ التردد والتوجس والخوف من النتائج اللاحقة؛ ولذا تجد أن البعض يتخذ بعض القرارات السريعة ثم سرعان ما يتراجع عنها ه حتى وإن حالفها الصواب، والبعض يقدم على القرار الفوري ثم سرعان ما يكتشف أنه قد ظل طريقه فيلقي بالأئمة على الغير أو يبدأ في جلد الذات!
وآخرون يدركون بأنهم قد أخطأوا في قرارهم، لكنهم يصرون على تكملة المشوار حتى النهاية حتى وإن بدأت نتائجها واضحة سلفا، كل ذلك بسبب العناد والحماس الزائد عن الحد المعقول أو التغاضي عن الخسائر التي يمكن أن تتحقق في نهاية المطاف.
الشجاعة شيء والفصاحة شيء آخر بمعنى أن البعض يقبل التحدي لكن الأمر لا علاقة له بالقوة على قبول التحدي، بل النظر إلى نقطة الفائدة سواء كانت على المستوى الشخصي أو الجماعي.
أحيانا بعض القرارات يكون أمرها محسوما سلفا ولا يمكن التنازل عن اتخاذها، حتى وإن وقعت في دائرة الخطر، إلا أنها طريق لا بد من السير فيه حتى النهاية، وبعض القرارات تكون حتمية لا تحتمل التأجيل تماما كحتمية «الحياة والموت».
في بعض المرات نسأل أنفسنا: كم يلزمنا من الجرأة لنحطّم حواجز الخوف لنمضي في الطريق لنكون كما نحب أن نكون، أو سعينا من أجل التجرد من مخاوفنا البشرية. أحيانا أخرى نرى مثلما يرى الآخرون بأن هناك ترددا كبيرا يعيقنا في اتخاذ القرار. سببه هو أننا نخاف من أن نصطدم مجددا بتجارب فاشلة عاشها من حولنا لم تجد نورا لمسارها الصحيح. نخاف من سطوة ذلك الوجع القديم والألم العميق الذي حاصر من سبقنا.
أن تحمل تبعات مسؤوليات أي قرار فاشل قد يكون شيئا صعبا. ولكن أحيانا لا خيار هناك سبيل آخر متاح أمامك؛ ففي هذه الحالة يصارع الإنسان أمواج الخوف الذي يعتريه والحيرة التي تسيطر على رأسه، يحاول أن يستجمع كل قواه في التفكير العميق ليصل إلى القرار الذي يراه مناسبا وصائبا.