سيادة الدولة مفهوم يشير إلى السلطة العليا للدولة على إقليمها وقدرتها على حكم نفسها دون تدخل خارجي، ويُعد أساسا في القوانين الوطنية والدولية. تعود جذور المصطلح إلى الفيلسوف اليوناني أرسطو، الذي تحدث عن "السلطة العليا للدولة"، فيما استخدمه لاحقا فلاسفة أمثال جان بودان وتوماس هوبز لتحديد السلطة المطلقة للدولة.

تطور مفهوم السيادة عبر التاريخ ليشمل السيادة الشعبية والوطنية، مع تعدد أشكالها بين سيادة تشريعية أو قضائية أو متعددة الجهات حسب النظام السياسي والقانوني بالدولة.

وتُجسد السيادة على الصعيد الدولي عبر السيطرة على الإقليم وتمثيل مصالح المواطنين والمشاركة في المحافل الدولية.

ما سيادة الدولة؟

كلمة سيادة في اللغة العربية مصدر من الفعل ساد، وتعني رفعة القدر والمكانة وشرف المنزل، ويقال فلان سيد قومه أي كبيرهم وذو منزلة فيهم، وهو مفهوم يدل على الغلبة والقوة والمكانة.

وتعود فكرة السيادة إلى الفيلسوف اليوناني أرسطو (384-322 قبل الميلاد)، والذي تحدث عن "السلطة العليا للدولة"، وبعده تناقل الفكرة نفسها الفلاسفة الرومان ورجال القانون.

وتشير سيادة الدولة إلى مبدأ أن للدولة السلطة العليا على إقليمها، والقدرة على حكم نفسها دون تدخل من أي جهات خارجية. ويُعد هذا المفهوم أساسيا في القوانين الوطنية والدولية، إذ يؤكد حق الدولة في تقرير مصيرها.

الفيلسوف اليوناني أرسطو تحدث عن "السلطة العليا للدولة" (غيتي)

واستخدم الفيلسوف والمفكر السياسي الفرنسي جان بودان مصطلح السيادة في كتابه الشهير "الجمهورية"، وقصد به "السلطة المطلقة للدولة المرتكزة على المواطنين والرعايا، وهي سلطة لا تقيدها القوانين".

أما القاضي الهولندي هوغو غروتيوس، فعرف السيادة بأنها "السلطة السياسية العليا الموكلة إلى شخص لا يخضع لأي سلطة أخرى، ولا يمكن انتهاك إرادته".

وأشار الفيلسوف الإنجليزي جيريمي بنثام إلى العلاقة الوثيقة بين الفردية وسيادة الدولة في إطار ما سماه "فلسفة المنفعة"، ويرى أن "هناك سيادة غير محدودة للدولة تمكنها من سن القوانين لتحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس".

أما الفيلسوف البريطاني جون أوستن، فيقول إنه "إذا وجدت سلطة محددة في مجتمع معين، لا تخضع لأي سلطة أخرى، ولكنها تحظى بولاء عام من جميع أفراد ذلك المجتمع، فإن هذه السلطة العليا تسمى سيادة، ويعتبر المجتمع الذي يمتلك تلك السيادة مجتمعا سياسيا مستقلا".

السياق التاريخي

في القرن الـ16، استخدم الفيلسوف الفرنسي جان بودان مفهوم السيادة الجديد لتعزيز سلطة الملك الفرنسي على الأمراء الإقطاعيين المتمردين، الذين كانوا يملكون الأراضي والسلطة على الفلاحيين، مما سهل الانتقال من النظام الإقطاعي إلى الوطنية.

إعلان

أما المفكر الذي ساهم أكثر في منح المصطلح معنى حديثا فهو الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز (1588-1679)، الذي جادل بأن في كل دولة حقيقية يجب أن يكون هناك شخص أو هيئة تمتلك السلطة المطلقة والقصوى لإصدار القوانين، وأن تقسيم هذه السلطة يعني بالأساس تدمير وحدة الدولة.

الفيلسوف البريطاني جون أوستن اعتبر أن السيادة تستمد من البرلمان (الموسوعة البريطانية)

نظريات الفيلسوفين جون لوك وجان جاك روسو، التي ترى أن الدولة مبنية على عقد رسمي أو غير رسمي بين المواطنين، أي عقد اجتماعي يمنح فيه المواطنون الحكومة السلطات اللازمة للحماية المشتركة، قادت هي الأخرى إلى تطوير مبدأ "السيادة الشعبية" الذي تجلى في إعلان استقلال الولايات المتحدة الأميركية عام 1776.

أُضيف بعد ذلك بُعد آخر إلى هذا المفهوم عبر نص في الدستور الفرنسي عام 1791 جاء فيه أن "السيادة واحدة غير قابلة للتجزئة والتنازل والتقادم، وهي ملك للأمة ولا يمكن لأي جماعة أن تنتزع السيادة لنفسها، ولا يمكن لأي فرد أن يدعيها لنفسه".

وفي القرن الـ19، طور الفيلسوف جون أوستن هذا المفهوم عبر دراسة من يمارس السيادة باسم الشعب أو باسم الدولة، فاستنتج أن السيادة تُمنح لبرلمان الأمة.

واعتبر أوستن أن البرلمان هيئة عليا تُصدر القوانين الملزمة للجميع، لكنها نفسها غير ملزمة بهذه القوانين، ويمكنها تعديلها متى شاءت. ومع ذلك كان هذا الوصف ينطبق فقط على نظام حكومي محدد، مثل النظام الذي ساد في بريطانيا في القرن الـ19.

لكن فكرة أوستن حول السيادة التشريعية لم تتناسب تماما مع الوضع الأميركي، إذ إن دستور الولايات المتحدة لم يمنح الهيئة التشريعية الوطنية (الكونغرس) السلطة العليا، بل فرض عليها قيودا مهمة.

وتعقد الوضع أكثر عندما أكدت المحكمة العليا الأميركية، في قضية ويليام ماربيري وجيمس ماديسون عام 1803، حقها في إعلان قوانين غير دستورية عبر إجراء يعرف باسم "المراجعة القضائية".

ورغم أن هذا التطور لم يؤد إلى "السيادة القضائية"، فإنه بدا وكأنه يضع السلطة السيادية في الوثيقة الأساسية نفسها، أي الدستور.

وشهد القرن الـ20 تحديا آخر لمبدأ سيادة الدولة في الفكر السياسي، على أيدي علماء السياسة مثل ليون دوغوي وهوغو كرابي وهارولد لاسكي، الذين طوروا نظرية "السيادة التعددية"، التي "تمارسها مجموعات سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية مختلفة تهيمن على حكومة كل دولة".

وبحسب هذه النظرية، فإن السيادة في كل مجتمع ليست مستقرة في هيئة محددة، بل تنتقل باستمرار من مجموعة إلى أخرى أو من تحالف مجموعات إلى آخر.

وترى النظرية التعددية أن الدولة ليست سوى أحد الأمثلة العديدة على التضامن الاجتماعي، وليس لها سلطة خاصة تميزها عن باقي مكونات المجتمع.

إحدى جلسات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة (الفرنسية)السيادة والقانون الدولي

فيما يتعلق بالقانون الدولي، فإن السيادة تشير إلى الشخصية القانونية للدولة. وتتجلى سيادة الدولة في 3 أشكال:

الأول: عبر السيطرة القانونية على الإقليم والمياه الإقليمية والمجال الوطني والسلطة القانونية لاستبعاد الدول الأخرى من هذه المجالات.

إعلان

الثاني: عبر السلطة القانونية لتمثيل مطالب ومصالح المواطنين أمام الدول الأخرى.

الثالث: عبر تمثيل الدولة في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، وغيرها من المنظمات الدولية.

وتعود النظريات المتعلقة بسيادة الدولة في القانون الدولي إلى معاهدة سلام وستفاليا عام 1648، التي أنهت حربا استمرت 30 عاما في أوروبا. وعبر هذه المعاهدة، ظهرت الدولة القومية باعتبارها المؤسسة المهيمنة في العلاقات الدولية، لتحل محل النموذج الوسيط الذي كانت فيه الشخصيات الدينية هي صاحبة السلطة والسيطرة.

وفي القرن الـ21، واجهت سيادة الدولة العديد من التحديات التي تهدد النظام العالمي، إذ ثبت أن بعض الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين عبر الحدود الوطنية أقوى أو أكثر تأثيرا في بعض الحالات من الدول نفسها.

وتشمل هذه الجهات الشركات متعددة الجنسيات والحركات الثقافية أو الدينية وغيرها. ومع ذلك، لا يمتلك هؤلاء الفاعلون أي وضع قانوني ضمن القانون الدولي.

سلامة الأراضي

يشير مصطلح سلامة الأراضي إلى المبدأ القائل إن للدولة الحق في الدفاع عن حدودها الإقليمية ضد العدوان الخارجي والحفاظ على سيادتها على أراضيها. ويُعد هذا المفهوم أساسيا لسيادة الدولة، إذ يضمن بقاء حدودها سليمة ومحترمة من الدول الأخرى.

وتُعد سلامة الأراضي جزءا لا يتجزأ من حوكمة الدولة، إذ تتيح لها ممارسة سلطتها وتنظيم شؤونها الداخلية ضمن نطاقها الجغرافي المحدد دون تدخل خارجي.

ويدعم هذا المبدأ الاستقرار السياسي وسيادة القانون، ويعزز من قدرة الدولة على سن القوانين وتنفيذها، كما أن انتهاك سلامة الأراضي يؤدي إلى نزاعات وصراعات دولية، تؤثر على الاستقرار الإقليمي والعالمي.

وترتبط سلامة الأراضي بقدرة الدولة على التفاوض على المعاهدات والانخراط في الدبلوماسية، مما يُعزز مكانتها على الساحة الدولية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات سیادة الدولة فی القانون الدولی سلامة الأراضی هذا المفهوم فی القرن

إقرأ أيضاً:

خبير يوضح أحكام الإدارية العليا على المرحلة الثانية لانتخابات النواب

قال الدكتور صلاح فوزي، أستاذ القانون الدستوري، إن المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة، قضت برفض غالبية الطعون على نتائج المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب.

وأكد خلال برنامج "اليوم" على قناة DMC، أن هذه الأحكام تؤكد صحة قرارات الهيئة الوطنية للانتخابات وسير العملية الانتخابية في مساراتها القانونية الصحيحة، موضحا أن المحكمة رفضت 211 طعنًا، وأحالت 37 طعنًا إلى محكمة النقض لعدم الاختصاص، ولم تُقبل 8 طعون أخرى، بينما قُبل طعن واحد فقط في تصعيد المرشح وليد شاكر إلى جولة الإعادة في الدائرة الرابعة طلخا بمحافظة الدقهلية.

وأشار إلى أن حالة تصعيد وليد شاكر ليست إلغاءً لقرار الهيئة الوطنية للانتخابات، بل إجراءً يضمن الحق القانوني للمتضرر، مشددًا على أن كل الأحكام الأخرى تؤكد سلامة الإجراءات ونتائج الانتخابات.

وأضاف أن هذا التفصيل يعكس دقة القانون المصري في الفصل بين الطعون المتعلقة بصحة العضوية والطعون المتعلقة بالنتيجة نفسها، وأن المحكمة الإدارية العليا كانت حريصة على توجيه كل طعن إلى الجهة المختصة بما يضمن احترام القانون والدستور.

وأكد أن هذه الأحكام تعكس وضوح الاختصاص القضائي لكل جهة، وأن أي طعن يتم تقديمه بعد إعلان النجاح يخضع بشكل أساسي لمادة الدستور الخاصة بصحة العضوية، موضحًا أن الهدف هو حماية العملية الانتخابية وضمان حقوق جميع المرشحين والمتنافسين في إطار دستوري وقانوني.

طباعة شارك الدكتور صلاح فوزي أستاذ القانون الدستوري المحكمة الإدارية العليا

مقالات مشابهة

  • لجنة التَّنسيق اللُّبنانيَّة – الأميركيَّة: لِوَقف تدوير الزوايا وبسط سيادة الدَّولة دون تأخُّر!
  • وزير العدل يستقبل مديرة مركز سيادة القانون بفنلندا ويبحثان تعزيز التعاون القانوني والقضائي
  • مخزومي: السلاح خارج الدولة يدمّر السيادة… و1701 هو الطريق إلى الاستقرار
  • وزير العدل يستقبل مديرة مركز سيادة القانون بفنلندا لتعزيز التعاون في المجالات القانونية والقضائية
  • وزير العدل يستقبل مديرة مركز سيادة القانون بجمهورية فنلندا
  • خبير يوضح أحكام الإدارية العليا على المرحلة الثانية لانتخابات النواب
  • تونس.. السيادة للشعب وليس لقيس سعيّد.. الحقائق السبع
  • الخط الرسمي للدولة.. لماذا تحتاج مصر إلى «صوت بصري موحد»؟
  • المركز الوطني لحقوق الإنسان يؤكد التزامه بحماية الحقوق وتعزيز سيادة القانون
  • عُمان تؤكد مواصلة جهود مكافحة الفساد تزامنًا مع "اليوم الدولي"