الليثيوم ودوره الغامض في الدماغ.. هل يمكن أن يقي من ألزهايمر؟
تاريخ النشر: 5th, October 2025 GMT
رغم النتائج المشجعة، ما زال الطريق طويلاً قبل اعتماد الليثيوم كوسيلة وقائية لدى البشر. اعلان
لطالما استُخدم الليثيوم كعلاج أساسي لاضطراب ثنائي القطب، لكن أبحاثاً متزايدة تشير إلى أن نقص هذا العنصر قد يكون عاملاً في الإصابة بمرض ألزهايمر.
ورغم أن الآليات الدقيقة لعمل الليثيوم ما زالت غير مفهومة بالكامل، فإن ما هو واضح أنه يترك تأثيراً فريداً في الدماغ، وربما يصبح أحد العناصر الأساسية التي يحتاجها الجسد - وبالأخص الدماغ - للحفاظ على وظائفه.
نعرف أن عناصر مثل الكربون والأكسجين والهيدروجين والفوسفور أساسية للحياة، فيما تؤدي عناصر أخرى مثل الحديد والكالسيوم والبوتاسيوم والصوديوم أدواراً داعمة مهمة. أما الليثيوم، فقد بدا طويلاً وكأنه ينتمي إلى فئة ثالثة من العناصر - مثل التيتانيوم أو الراديوم - لا مكان لها في الجسم البشري.
لكن منذ اكتشافه عام 1817، بدأ الليثيوم يُجرَّب لعلاج حالات مختلفة، من "التوتر العصبي" إلى الاكتئاب. بل إن إحدى الوصفات المبكرة لمشروب "7 أب" كانت تحتوي على الليثيوم، ما يفسر أحد أصول الاسم. إلا أن الجرعات كانت عالية وسامة، ومع الوقت أُزيل العنصر من تركيب المشروب.
وفي عام 1949، نجح الطبيب الأسترالي جون كيد في استخدام الليثيوم لعلاج مرضى الاضطراب ثنائي القطب، قبل أن توافق الولايات المتحدة على اعتماده عام 1970. ومنذ ذلك الحين، أصبح "المعيار الذهبي" لعلاجات استقرار المزاج، رغم أن العلماء لم يتمكنوا من تفسير آلية عمله بشكل كامل. وكما يقول الطبيب النفسي توماش هاجيك من جامعة دالهوزي في كندا: "الأدوية قد تنجح قبل أن نفهم كيف تعمل".
Related العلماء يحذّرون: معايير فيتامين B12 الحالية قد تكون غير كافية لحماية الدماغالإنفلونزا الموسمية تثير القلق في أميركا..تسجيل عشرات حالات الخلل الدماغي الحاد بين الأطفال المصابيندراسة تكشف: قلة النوم تسرّع شيخوخة الدماغ وتؤثر على وظائفه الإدراكية دلائل على حماية الدماغالجرعات العلاجية من الليثيوم عادة ما تكون مرتفعة وتُعطى في صورة كربونات الليثيوم، مع متابعة دقيقة لتأثيرها على الكلى والغدة الدرقية. لكن المؤشرات الأولى على أن له خصائص واقية للأعصاب جاءت من ملاحظة مرضى الاضطراب ثنائي القطب. هؤلاء أكثر عرضة بثلاثة أضعاف للتدهور المعرفي مع التقدم في العمر. غير أن دراسة سويسرية عام 2007 وجدت أن المرضى الذين عولجوا بالليثيوم سجلوا معدلات إصابة بالخرف وألزهايمر مساوية لعامة السكان، على عكس من لم يتلقوا العلاج.
وفي 2012، أظهرت فحوص دماغية أجراها هاجيك أن مرضى عولجوا بالليثيوم احتفظوا بأحجام طبيعية في منطقة الحُصين (الهيبوكامبوس) المسؤولة عن الذاكرة، رغم تاريخ طويل من المرض. وحتى الكميات الضئيلة من الليثيوم الموجودة طبيعياً في مياه الشرب ارتبطت بانخفاض معدلات الانتحار والتراجع المعرفي في بعض المجتمعات.
الرابط مع ألزهايمرمصادفةً، كان مختبر بروس يانكر في كلية الطب بجامعة هارفرد يستخدم الليثيوم في أبحاث عن مرض ألزهايمر، عبر تفعيل مسار إشارات عصبية يُعرف باسم "wnt". ولاحظ الباحثون أن الجرعات العالية من الليثيوم في النماذج الحيوانية تعكس معظم الأعراض المرضية. هذا قادهم إلى التساؤل: هل الليثيوم نفسه جزء من الآلية المسببة للمرض؟
عند فحص أدمغة متوفين، وُجدت مستويات أساسية من الليثيوم في الأنسجة الطبيعية، لكنها كانت أقل بكثير لدى من عانوا من ضعف إدراكي أو ألزهايمر. كما تبيّن أن الليثيوم يرتبط ببروتين "أميلويد بيتا" المكوّن للويحات الدماغية الشهيرة في المرض، وكأن هذه التراكمات تمتص مخزون الدماغ من الليثيوم.
تجارب على الفئران التي حُرمت من الليثيوم بنسبة 90% أظهرت زيادة كبيرة في اللويحات وتشابكات بروتين "تاو"، إضافة إلى تراجع في الذاكرة. لكن عند إعادة الليثيوم بجرعات منخفضة (ليثيوم أوروتات)، توقفت التراكمات واستعادت الفئران قدراتها المعرفية.
آلية محتملةالليثيوم، بصفته ذرة صغيرة ونشطة كيميائياً، يؤثر في مسارات معقدة. أحد التفسيرات يكمن في دوره بتثبيط إنزيم "GSK-3β" الذي يساهم في تشابكات بروتين "تاو" المميزة لألزهايمر. كما أن تعطيله يفعّل عملية "الالتهام الذاتي" (autophagy) التي تسمح للخلايا بالتخلص من مخلفاتها. عند تفعيل هذه العملية مجدداً في الفئران، اختفت ترسبات البروتينات وتحسنت الوظائف المعرفية.
الخطوة المقبلة: التجارب السريريةرغم النتائج الواعدة، ما زال الطريق طويلاً قبل اعتماد الليثيوم وقائياً للبشر. في تشيلي، يعمل الطبيب النفسي باول فورينغير على تجربة سريرية لإعطاء جرعات منخفضة (50 ملغ) لكبار السن المصابين باضطرابات مزاجية عالية الخطورة، على مدى خمس سنوات، لمعرفة ما إذا كان يمكن منع التدهور المعرفي. إلا أن التمويل يظل عقبة، إذ لا يمثل الليثيوم دواءً احتكارياً مربحاً للشركات الكبرى، بل مادة طبيعية زهيدة الثمن.
يانكر من جانبه يخطط لدراسات إضافية باستخدام "ليثيوم أوروتات". ويشير إلى أن ما يقوم به الليثيوم في الدماغ قد يكون متعدد الأوجه، من التأثير على بروتينات "أميلويد" و"تاو"، إلى دوره المباشر في كهربية الدماغ. ويضيف: "ربما استغلّت الطبيعة هذه الخصائص قبل أن نستخدمها نحن في بطارياتنا".
بين الأمل والحذريبقى كثير من الأسئلة دون إجابة. لكن الأطباء يرون أن الجدوى العملية قد تسبق الفهم الكامل. يقول فورينغير: "لن أنتظر الصورة الكاملة كي أبدأ العلاج. إذا كنا نعطي هذا للمرضى ونرى تحسناً، فلنستمر".
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثةالمصدر: euronews
كلمات دلالية: دونالد ترامب إسرائيل غزة بنيامين نتنياهو حركة حماس دراسة دونالد ترامب إسرائيل غزة بنيامين نتنياهو حركة حماس دراسة دماغ الصحة علاج دونالد ترامب إسرائيل غزة بنيامين نتنياهو حركة حماس دراسة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كوفيد 19 الصحة روسيا أوكرانيا قطاع غزة اللیثیوم فی من اللیثیوم
إقرأ أيضاً:
خلية عصبية مبتكرة تتذكر وتستجيب كخلايا الدماغ
طور فريق بحثي كوري تقنية أشباه موصلات مبتكرة، قادرة على محاكاة المرونة التي يتمتع بها الدماغ البشري.
وأعلن المعهد الكوري المتقدم للعلوم والتكنولوجيا في 28 سبتمبر/ أيلول الماضي أن فريقا بحثيا بقيادة البروفيسور كيونغ مين كيم من قسم علوم وهندسة المواد في المعهد الكوري المتقدم للعلوم والتكنولوجيا في كوريا الجنوبية قد طور "مُرسِلا عصبيا بتبديل التردد" يحاكي اللدونة الذاتية للخلايا العصبية.
ونشرت نتائج الفريق في وقت سابق في مجلة أدفانسد ماتيلريالز، وكتب عنها موقع يوريك أليرت.
لا يقتصر دور الدماغ البشري على تنظيم المشابك العصبية التي تتبادل الإشارات فحسب؛ بل تعالج الخلايا العصبية الفردية المعلومات أيضا من خلال اللدونة الذاتية.
تشير اللدونة الذاتية إلى قدرة الدماغ على التكيف حيث تصبح الخلايا العصبية أكثر أو أقل حساسية في سياق ما، على سبيل المثال، أن يصبح أقل انزعاجا عند سماع الصوت نفسه بشكل متكرر، أو أن يستجيب بشكل أسرع لمحفز محدد بعد تدريب متكرر.
تواجه أشباه موصلات الذكاء الاصطناعي الحالية صعوبة في محاكاة هذه المرونة التي يتمتع بها الدماغ.
يضبط مقاوم النبضات العصبية بتبديل التردد، وهو جهاز عصبي اصطناعي، تردد إشاراته تلقائيا، تماما كما يصبح الدماغ أقل انزعاجا من المحفزات المتكررة، أو على العكس، أكثر حساسية من خلال التدريب.
طاقة أقل وكفاءة عالية
جمع فريق البحث بين "مقاومة ذاكرة متقلبة"، التي تتفاعل لحظيا قبل أن تعود إلى حالتها الأصلية، و"مقاومة ذاكرة غير متقلبة"، والتي تتذكر الإشارات لفترات طويلة. مكّن هذا من تطوير جهاز يمكنه التحكم بحرية في عدد مرات إطلاق العصبون إشاراته المفاجئة.
يعيد هذا الجهاز، داخل جهاز شبه موصل واحد، إنتاج كيفية انخفاض انزعاج الدماغ من الأصوات المتكررة أو زيادة حساسيته للمحفزات المتكررة.
إعلانوأظهر الجهاز مرونة ممتازة، فحتى في حالة تلف بعض الخلايا العصبية، سمحت اللدونة الذاتية للشبكة بإعادة تنظيم نفسها واستعادة أدائها.
ويستهلك الذكاء الاصطناعي الذي يستخدم هذه التقنية طاقة أقل مع الحفاظ على الأداء، ويمكنه تعويض الأعطال الجزئية في الدوائر الكهربائية لاستئناف التشغيل الطبيعي.
صرح البروفيسور كيونغ مين كيم، الذي قاد البحث، قائلا: "لقد طبقت هذه الدراسة اللدونة الذاتية، وهي وظيفة أساسية للدماغ، في جهاز أشباه موصلات واحد، مما عزز كفاءة الطاقة واستقرار أجهزة الذكاء الاصطناعي إلى مستوى جديد. هذه التقنية، التي تُمكّن الأجهزة من تذكر حالتها والتكيف أو التعافي حتى من التلف، يمكن أن تكون عنصرا أساسيا في الأنظمة التي تتطلب استقرارا طويل الأمد، مثل الحوسبة الطرفية والقيادة الذاتية".