جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-07@23:13:53 GMT

غزوة بدر الكبرى وطوفان الأقصى

تاريخ النشر: 7th, October 2025 GMT

غزوة بدر الكبرى وطوفان الأقصى

 

 

 

سُلطان بن خلفان اليحيائي

 

في بدرٍ الكبرى كانت الكفّة تميل للباطل عددًا وعتادًا لكنّ السماء كانت مع الإيمان. خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائةٍ وبضعةِ عشرَ من المؤمنين، يواجهون ألفًا مدجّجين بالسلاح. كانت السيوف قليلة والخيل معدودة، لكنّ العزائم ملأت الصحراء حتى قال ربّ العزّة: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.

سقط من المُسلمين 14 شهيدًا، فكان دمُهم أولَ مدادٍ في سفر النصر، لأنّ المعارك الفاصلة لا تُكتب إلا بدماء الشهداء، ولأنّ الحقّ لا ينتصر حتى يُمتحَن بأغلى ما في الإنسان.

وفي طوفانِ الأقصى تكرّر المشهد لكن على أرضٍ اسمها فلسطين. كانت بدرٌ روحًا، وكان الطوفان امتدادًا لها. رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه خرجوا من تحت الأرض كما خرج الأبطال من صحراء بدر، يواجهون أعتى قوّةٍ عسكريةٍ مدعومةٍ من الغرب ومن جبناءٍ بين العرب. سطّر رجالُ المقاومة الإسلامية - أسودُ حماس وسرايا القدس - أروعَ ملحمةٍ في تاريخِ الأمّة الحديث، وأيقن العدوّ أنّ دولته إلى زوالٍ وإن طال بها الزمن.

ولأنّ النصر لا يُمنَح إلا بعد تضحية، قدّمت غزّةُ خيرةَ رجالها، بينهم قياداتٌ بارزةٌ (إسماعيل هنيّة، يحيى السّنوار، ومحمد الضيف)، وغيرهم من الشهداء الذين باعوا الدنيا بالآخرة. كما في بدر، سقط الشهداء فارتفع النصر وتهاوت أسطورةُ الكيان الذي قيل عنه إنه لا يُقهَر. إنّها سنةٌ إلهيّةٌ: لا فجرَ بلا دم، ولا نصرَ بلا تضحية.

قافلةُ الصمود على خُطى الهجرة والبدر

ومن وهجِ الطوفان انطلقت قافلةُ الصمود؛ قافلةٌ لم تكن رحلةً سياحيّة، بل استمرارًا لروحِ بدر والهجرة معًا. كما غادر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مكة تاركًا الأهلَ والدار لأجل كلمةِ الحقّ، خرج رجالٌ ونساءٌ من عُمان وسواها يحملون ضميرًا حيًا، آمنوا أنّ نصرةَ الإنسان واجبٌ قبل أن تكون موقفًا سياسيًا.

في مقدّمةِ القافلة وقفت أُمامه اللواتية، وإلى جانبها جمال الرئيسي. كلاهما لم يخرجا بحثًا عن شهرةٍ ولا عائدٍ دنيوي، بل عن رضا الله ونصرة المظلومين. أيّامٌ وليالٍ من التعب والعطش والجوع، طرقٌ وعرة ووجوهٌ أنهكها الصبر، ومع ذلك ظلّت العزيمة تتوهّج في العيون. كانت خطواتهم تُذكّر بخطى المهاجرين حين قالوا: نهاجر إلى الله ورسوله لا نبتغي إلا وجهه الكريم.

من أسماءَ إلى أُمامه ومن خالدٍ إلى جمال

في أُمامه صدقُ أسماءَ بنتِ أبي بكر، ذاتِ النطاقين، التي حملت زادَ الهجرة فوق الخطر، تؤمن أنّ خدمةَ الحقّ لا تحتاج سلاحًا؛ بل قلبًا لا يعرف التراجع.

وفي جمالِ الرئيسي بأسُ خالدِ بنِ الوليد، سيفِ الله المسلول، يقتحم الصعاب بثباتِ المؤمن وطمأنينةِ من باع نفسه لله.

كانت قافلتُهم هجرةً وبدرًا معًا، لا سيوفَ فيها ولا خيل، لكنّ فيها صدقَ العزمِ وإخلاصَ النيّة، فصاروا شاهدين على أنّ الإيمانَ إذا وُجِد تحوّل الطريقُ الشاقُّ إلى سموٍّ إنسانيٍّ رفيع.

الإنسانيّةُ لا تُسيَّس

ما فعلوه لم يكن شعارًا سياسيًا؛ بل فعلَ إيمانٍ صادقٍ لا يعرف الأعراق ولا الحدود. خرجوا بدوافعِ الرحمة، ووقفوا إلى جانبِ الحقّ حين صمت الكثيرون. فالإنسانُ إن لم ينتصر لأخيه المظلوم، كان شريكًا في ظلمه بصمته.

ختامٌ يجمع الغزوتين

قد لا تُقيم الحكومات احتفالًا بأبطالها خشيةَ الحسابات الدبلوماسيّة لكنّ ذاكرةَ الشعوب أصدق وأبقى. يكفي أُمامه وجمالًا أنّ اسميهما صار رمزًا للوفاء في قلوب العُمانيين، كما يكفي شهداءَ غزّة أنّ دماءهم صارت وقودًا لمعركةٍ لا تنطفئ.

وهكذا تمتدّ السلسلة من بدرٍ إلى طوفانِ الأقصى، ومن المهاجرين الأوائل إلى قافلةِ الصمود، روحٌ واحدةٌ ورايةٌ واحدة، عنوانها قوله تعالى: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.

فطوبى لمن سار على هذا الدرب المبارك، يعيد للأمّة وجهها ويثبت أنّ العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عامان على طوفان الأقصى.. لبنان بين نار الجنوب وانقسام الداخل

بيروت- بعد مرور عامين على عملية "طوفان الأقصى" في الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما تزال ارتداداتها العميقة  في الداخل اللبناني، كزلزال سياسي وأمني واجتماعي أعاد اختبار توازنات هشة وكشف عمق الانقسام حول معنى المقاومة وحدود الدولة.

فالحرب التي بدأت كحدث فلسطيني، تحولت سريعا إلى محطة إقليمية فاصلة أعادت خلط الأوراق من البحر إلى الحدود، وكان لبنان إحدى ساحاتها الأكثر سخونة، فمن الجنوب لم تهدأ الجبهة بين حزب الله وإسرائيل، بل تصاعد التوتر تدريجيا حتى بلغ حافة المواجهة الشاملة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2حماس وإسرائيل بعد عامين من طوفان الأقصىlist 2 of 2فورين بوليسي: العالم بعد السابع من أكتوبرend of list

وفي الداخل، احتدم الجدل بين من يعتبرون الحزب ركيزة في معركة الرد على الاحتلال، وبين من يخشون أن يدفع لبنان المنهك ثمنا سياسيا واقتصاديا باهظا لا قدرة له على تحمله.

عامان مرا، تبدلت خلالهما أولويات الحكومة والبرلمان في لبنان تحت وطأة الأزمات المتلاحقة، من تشكيل سلطة تنفيذية جديدة إلى إعادة توزيع النفوذ بين القوى السياسية، لكن الملفات السيادية بقيت رهينة التجاذب والانقسام.

فهل دفعت الحرب الطبقة السياسية إلى إعادة تعريف مفهوم "الأمن الوطني" في ضوء تشابك الجبهات الإقليمية؟ وكيف أعادت التطورات الأخيرة رسم علاقة حزب الله ببقية القوى اللبنانية، بين من يراها شراكة اضطرارية في معادلة الردع، ومن يعتبرها هيمنة تعيق القرار الوطني المستقل؟.

إنها أسئلة تتجدد مع دخول لبنان عامه الثالث على وقع حرب لم تنته فعليا، بل تحولت إلى حالة استنفار سياسي وعسكري دائمة، تعيد رسم معالم الدولة وحدود دورها في بلد لم يعرف يوما استقرارا خارج دائرة الصراعات الإقليمية وتداعياتها.

الغارات الإسرائيلية تتواصل على جنوب لبنان منذ طوفان الأقصى (الجزيرة)تحول حاسم

يرى رئيس جهاز التواصل في حزب القوات اللبنانية شارل جبور، في حديثه إلى الجزيرة نت، أن حزب الله لا يدافع عن لبنان بقدر ما يدافع عن المشروع الإيراني في المنطقة، معتبرا أنه الذراع الأبرز لهذا المشروع.

إعلان

ويضيف جبور أن الحزب "لا يمت بصلة إلى الأولويات اللبنانية أو إلى مفهوم السيادة الوطنية"، بل "يقود مشروعا انقلابيا على الدستور والدولة وألحق أضرارا جسيمة بلبنان وبموقعه العربي والدولي".

واعتبر أن "القول إنه يدافع عن لبنان غير دقيق، لأنه جزء لا يتجزأ من الحرس الثوري الإيراني، ووجوده في لبنان قائم بفعل ما يشبه الاحتلال الإيراني عبره، إذ يتحرك وفق أجندة إيرانية لا علاقة لها بالمصلحة اللبنانية".

ويتابع أن الحزب "ورّط لبنان في نزاعات منذ عام 1996 مرورا بحرب يوليو/تموز 2006، وصولا إلى حرب الإسناد عام 2023، فضلا عن مشاركته في القتال بسوريا واحتلاله بيروت عام 2008″.

ويرى جبور أن الحرب الأخيرة شكلت نقطة تحول مفصلية، إذ "أضعفت حزب الله وفتحت الباب أمام الدولة اللبنانية -ممثلة بالحكومة- لاتخاذ قرار بنزع السلاح غير الشرعي للمرة الأولى منذ عام 1990″، معتبرا أن هذا السلاح "استبقي بفعل الانقلاب الذي قاده حافظ الأسد وآية الله الخميني على الدستور اللبناني واحتلالهما الفعلي للبنان".

ويؤكد أن "طوفان الأقصى" كان محطة فارقة على المستويات الفلسطينية واللبنانية والسورية، بل وعلى مستوى محور الممانعة ككل، إذ "تلقت قوى الممانعة صفعة قوية وتهاوت أذرعها تباعا" على حد رأيه.

ويختم بالقول إن قيام دولة لبنانية فعلية يبقى مستحيلا في ظل استمرار الدور العسكري لحزب الله، مضيفا أن "الجناح العسكري للحزب الذي كان يجب أن يحل منذ اتفاق الطائف عام 1990 يدخل اليوم فصله الأخير، والمسار الإقليمي الحالي سيسمح للبنان بتطبيق دستوره واحتكار الدولة وحدها للسلاح".

آثار الدمار جنوبي لبنان جراء القصف الإسرائيلي (الجزيرة)تداعيات الحرب

من جانبه، يرى الكاتب السياسي صلاح تقي الدين، في حديثه للجزيرة نت، أن الأمين العام الأسبق لحزب الله السيد حسن نصر الله عندما أعلن "حرب الإسناد لغزة"، سارع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى التحذير من "جر لبنان إلى حرب مدمرة"، مؤكدا في الوقت نفسه على موقفه التاريخي الثابت في دعم القضية الفلسطينية.

ويشير تقي الدين إلى أن نتائج حرب الإسناد أظهرت عجز حزب الله عن مجاراة التفوق العسكري الإسرائيلي، إذ لم يتمكن من صد الغارات الكثيفة ولا الحد من دموية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مضيفا أن استهداف نصر الله شكل ضربة موجعة للحزب وأضعف تماسك قيادته، مما مهد الطريق أمام اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

ويضيف أن المفارقة تكمن في أن إسرائيل، التي فشلت في تحقيق أي اختراق ميداني خلال الحرب، تمكنت بعد الاتفاق من احتلال 5 نقاط حدودية، واستمرت في تنفيذ اغتيالات داخل لبنان استهدفت من تشتبه بانتمائهم إلى الحزب، "من دون أي رد من حزب الله احتراما للاتفاق".

ويعتبر تقي الدين أن حرب الإسناد لم تحقق الردع، ولم توقف العدوان على غزة، في حين سقط آلاف الشهداء ودُمرت عشرات القرى وآلاف المنازل في بيئة الحزب الذي يواجه اليوم تحدي إعادة الإعمار.

أما في ما يتعلق بعلاقة الحزب التقدمي الاشتراكي بحزب الله، فيوضح تقي الدين أنها لم تتأثر سلبا بالحرب، بل على العكس، إذ بادر التقدمي إلى تنظيم عمليات إغاثة وإيواء لأبناء الجنوب الذين نزحوا إلى الجبل هربا من القصف الإسرائيلي، حيث قُدمت لهم المساعدات ولم تسجل أي حوادث بين الأهالي والنازحين.

إعلان

سياسيا، يشدد تقي الدين على أن الحزب التقدمي الاشتراكي ما يزال متمسكا بدعمه للعهد والحكومة، ويؤمن بـ"حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية"، موضحا أن هذا الموقف، رغم امتعاض حزب الله منه، لم يؤد إلى قطيعة، إذ لطالما دعا جنبلاط إلى معالجة مسألة سلاح الحزب بالحوار الوطني، باعتباره السبيل الوحيد للحفاظ على الاستقرار الداخلي.

مساندة فلسطين مستمرة

من جهته، يؤكد مسؤول العلاقات الفلسطينية في حزب الله النائب السابق حسن حب الله، أن عملية "7 أكتوبر" كانت خطوة نفذتها المقاومة الفلسطينية بهدف تحرير الأسرى وتسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال حب الله إن حزب الله "وقف دائما إلى جانب الشعب الفلسطيني وحقه في استعادة أرضه وإقامة دولته"، مضيفا "خضنا خلال العام الماضي مواجهة استمرت شهرين، تعرضنا خلالها لعدوان كبير وخسرنا الكثير، لكنها لم تكن مواجهة صهيونية فقط، بل حربا دولية شملت ضغوطا وهجمات إعلامية وسياسية، ومع ذلك صمدنا وواصلنا دعم الفلسطينيين".

ويتابع حب الله "التزمنا لاحقا بالاتفاق الذي أبرمته الدولة اللبنانية، مع استمرار دعمنا للقضية الفلسطينية، ولكن بعيدا عن أي دعم عسكري، احتراما لموقف الدولة والتزاماتها. وبعد مرور عامين، نؤكد مجددا التزامنا بمساندة الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة".

وفي تقييمه للمشهد اللبناني، يرى حب الله أن لبنان لم يشهد في تاريخه إجماعا وطنيا حتى في قضايا التحرير والمقاومة، مستذكرا الاجتياح الإسرائيلي حين وصلت الدبابات إلى بيروت، ويقول "لم يكن هناك اتفاق حول دور المقاومة أو سلاحها، لكننا تحملنا الأعباء الوطنية ودافعنا عن أرضنا وشعبنا دون انتظار إجماع لبناني حول هذا الدور".

مقالات مشابهة

  • الحوثي: محاولة استهداف بلدنا بالتزامن مع الشائعات لن تحقق للعدو أهدافه بإذن الله مهما كانت قوته وتوجهاته
  • قاسم: الإنتصارات ضدّ إسرائيل كانت على يديّ نصرالله
  • الرئيس المشاط: عملية طوفان الأقصى كانت إعلاناً تاريخياً عن انتصار إرادة شعب رفض أن يُدفن حياً وأثبت أحقيته وتمسكه بأرضه ومقدساته
  • حزب الله يطالب بوحدة الموقف وخيار المقاومة في ذكرى طوفان الأقصى
  • بيان صادر عن حزب الله حول الذكرى الثانية لطوفان الأقصى
  • عامان على طوفان الأقصى.. لبنان بين نار الجنوب وانقسام الداخل
  • «طوفان الأقصى».. معركة هزّت الكَيان واليمن صانع المعادلة
  • كيف كشف طوفان الأقصى حلم دولة الاحتلال لمشروع إسرائيل الكبرى؟
  • الله أكبر.. كانت سر الانتصار والعبور في حرب أكتوبر