تغيّر المناخ والنمو الاقتصادي.. العلاقة والفرص
تاريخ النشر: 13th, October 2025 GMT
يمر العالم بتغيرات مناخية وتطورات صناعية وتقنية توثر سلبا على الغطاء النباتي وعلى الصحة العامة وعلى نمو الاقتصادات أيضا؛ بسبب تركز غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ونتيجة لذلك ينظر الباحثون والمحللون عموما إلى المناخ كأزمة وجودية تهدد الاقتصادات والمجتمعات على حدٍ سواء؛ للنظرة المختزلة لدى البعض بأن تغيّر المناخ في حد ذاته يعدُّ تحديا أمام التنمية الاقتصادية ويؤدي إلى حدوث إرباك في الخطط والاستراتيجيات، لكنه في رأيي ربما يكون سببا للتفكير في ابتكار نماذج اقتصادية حديثة للحد من آثار تغير المناخ وتحويل الأزمات البيئية الناجمة عن المناخ إلى فرص اقتصادية تحفّز ريادة الأعمال والابتكار؛ لإعادة ترتيب الاقتصاد العالمي، وهو ما يتفق مع رأي الاقتصادي جوزيف شومبيتر عندما أطلق على التغير المناخي مصطلح «الدمار الخلاق»، مشيرا إلى أنّ التغير المناخي والأزمات البيئية عموما يعد فرصة لقطاعات اقتصادية جديدة أكثر كفاءة واستدامة، وبالتالي فإن التحول إلى الاستدامة البيئية من خلال توظيف أدوات الاقتصاد الدائري هو الخيار الأفضل، ويعكس مبدأ تكلفة الفرصة البديلة في التحليل الاقتصادي.
اطلعت مؤخرا على دراسة أصدرها صندوق النقد الدولي قبل عدة سنوات بعنوان «التغير المناخي والنمو الاقتصادي في العالم العربي»، أكدت الدراسة على أهمية التخفيف من آثار التغير المناخي وتعزيز النمو الاقتصادي من خلال تبني جملة من السياسات والاستراتيجيات التي تساعد على ذلك، وفي اعتقادي أن ما يعيق تحقيق ذلك في الوقت الحالي هو الطلب المرتفع على الطاقة مع تزايد أعداد السكان عالميا، ما قد يؤثر على النمو الاقتصادي نتيجة الانبعاثات الكربونية الناتجة عن إنتاج الطاقة، وهو ما يحفّز التوجه إلى الطاقة النظيفة المتجددة لتحقيق التنمية المستدامة بعيدة عن الاضطرابات البيئية وتغير المناخ، وبالتالي تحقيق بيئة صحية مستدامة، وأعتقد أن دعم المراكز البحثية بالأدوات التحليلية وتأهيل كوادرها البشرية هي حلول فاعلة للانتقال إلى الطاقة المتجددة.
إنّ التوجه نحو الاستثمار في تقنيات كفاءة استخدام الموارد الطبيعية مثل تحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة يعدُّ خيارا استراتيجيا ويحد من المخاطر البيئية، ويعيد صياغة النموذج التنموي في سلطنة عُمان، ولذا نحن بحاجة إلى مزيدٍ من المبادرات المؤسسية والمجتمعية للتعامل مع أزمة المناخ وارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض عبر تبني ممارسات تساعد على الحفاظ على مكونات البيئة الأساسية وهي النبات، والحيوان، والماء، والهواء، والتربة من خلال تشجيع المواطنين على التشجير أمام المنازل والتركيز على الأشجار التي تساعد على امتصاص ثاني أكسيد الكربون، والتشجيع على الاستخدام الأمثل للمياه الذي يحافظ على كمية المياه ومنسوبها، إضافة إلى التشجيع على الاستخدام الأمثل للأراضي الزراعية وتجنب استخدام الأسمدة والمواد الكيماوية الضارة بالتربة، ومن الجيد دراسة مقترح منح المواطنين الراغبين والمهتمين بالجانب الزراعي أراضٍ زراعية للانتفاع بمساحات مختلفة؛ لتشجيعهم على الزراعة وزيادة رقعة المسطحات الخضراء في مختلف المواقع بسلطنة عُمان، ما يعكس القدرة على تحويل التحديات البيئية إلى ميزة تنافسية استراتيجية لسلطنة عُمان.
إنّ الصدمات الاقتصادية الناتجة عن تغيّر المناخ، يجب أن تشجّع المخططين والباحثين وتحفزهم على الاستفادة من التحولات الهيكلية في منظومة الاقتصاد التي يفرضها المناخ واضطراباته والتحديات البيئية المرتبطة، وتبني مشاريع الاقتصاد الدائري التي تشجع على الاستدامة البيئية بحيث يتم جلب مزيدٍ من الاستثمارات التي تساعد على الوقاية من مخاطر تغير المناخ، وبدورها ستسهم في النمو الاقتصادي من خلال توفير الوظائف النوعية، ودعم ريادة الأعمال، إضافة إلى دورها في تشجيع الابتكار المحلي ودعم المحتوى المحلي، لذلك أعتقد أن تغيرات المناخ تتطلب مبادرات أكثر تأثيرا مجتمعيا ومؤسسيا بحيث يتم تحويل التحديات إلى فرص استثمارية وهو ما ينسجم مع توجهات «رؤية عُمان 2040» التي تضع البيئة المستدامة من أولوياتها؛ خاصة أن سلطنة عُمان تملك الخبرة الواسعة في التعامل مع التحديات المناخية لا سيّما الحالات الجوية التي تأثرت بها أجواء سلطنة عُمان خلال الأعوام السابقة.
إن التغيّر المناخي يجعلنا نفكر بجدية في المضي قدما نحو وضع سياسات واستراتيجيات تمكننا من الاستثمار بجرأة في الطاقة النظيفة والانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، وأن ننظر إلى التغير المناخي كفرصة لتعزيز الميزة التنافسية للاستثمارات في سلطنة عُمان؛ لتكون مركزا لإنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره بحيث توازي الاستثمارات المهمة في طاقة النفط والغاز، وأعتقد أن الطلب على الطاقة منخفضة الكربون ستزداد خلال السنوات المقبلة مع تشديد السياسات المناخية في بعض أجزاء العالم مثل أوروبا التي تجمعها علاقات اقتصادية متينة مع سلطنة عُمان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التغیر المناخی تساعد على ر المناخی ر المناخ من خلال
إقرأ أيضاً: