عقوبة القتل في الإسلام ومصير فاعله في الآخرة
تاريخ النشر: 16th, October 2025 GMT
القتل.. حرص الإسلام أشدَّ الحرص على حماية الحياة الإنسانية، وجعل صيانتها من حيث هي مَقْصِدًا شرعيًّا، وحَرَّم الاعتداء عليها، وتَوَعَّد المعتديَ بالوعيد الشديد؛ فالإنسان بنيان الله تعالى في الأرض، مَلعونٌ مَن هَدَمه.
عقوبة القتل في الإسلام:قال تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32].
وقال سبحانه: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الأنعام: 151]، وقال عز وجل: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93].
وروى الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذَكَر الكبائر، أو سُئِل عن الكبائر، فقال: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَقَوْلُ الزُّورِ».
وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا»، والمعنى كما يقول الحافظ ابن الجوزي في "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (2/ 590، ط. دار الوطن): [أنه -أي المؤمن- في أي ذنبٍ وقعَ كان له في الدين والشرع مخرجٌ إلا القتل؛ فإن أمره صعب] اهـ.
القتل:
وروى الترمذي وحسَّنه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَجِيءُ المَقْتُولُ بِالقَاتِلِ يَوْمَ القِيَامَةِ نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا، يَقُولُ: يَا رَبِّ، قَتَلَنِي هَذَا، حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ العَرْشِ»، ومعنى تَشْخب: تسيل.
وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لأَكَبَّهُمُ اللهُ فِي النَّارِ».
وروى البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا».
وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "إنَّ مِن وَرَطاتِ الأمور التي لا مَخْرَج لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيها، سَفْكَ الدَّمِ الحرام بغير حِلِّه". إلى غير ذلك من النصوص الدينية التي تُبين بَشاعة هذا الجرم، ووعيد مرتكبه وعقوبته الأخروية عند الله تعالى.
عقوبة القتل العمد في الشريعة الإسلامية:
رتَّب الشرع الشريف عقوبةً حَدِّيَّة صارمة على القتل العمد، وهي القصاص من القاتل جزاءً وفاقًا لما اقترفته يداه.
والعمد: هو قصد الفعل العدوان، وقصد عَين الشخص، والفعل بما يقتل قطعًا أو غالبًا كما في "مغني المحتاج" للعلامة الخطيب الشربيني (5/ 212، ط. دار الكتب العلمية).
فإن عفا أهل القتيل أو أحدهم عن القاتل سقط القصاص عنه ووجبت عليه الدية؛ قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: 178]، فأرسى الشرعُ بهذه العقوبة الردعَ المجتمعي اللازم؛ فبتطبيق القصاص تحقن الدماء، كما قالت العرب: القتل أَنفى للقتل، قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 179].
قال الإمام الرازي في "تفسيره" (5/ 229، ط. دار إحياء التراث العربي): [ليس المراد من هذه الآية أن نفس القصاص حياة؛ لأن القصاص إزالة للحياة، وإزالة الشيء يمتنع أن تكون نفس ذلك الشيء، بل المراد أن شرع القصاص يفضي إلى الحياة في حقِّ من يريد أن يكون قاتلًا، وفي حق من يراد جعله مقتولًا، وفي حق غيرهما أيضًا، أما في حق من يريد أن يكون قاتلًا، فلأنه إذا علم أنه لو قَتَل قُتِل تَرَك القتل، فلا يَقتل؛ فيَبقى حَيًّا، وأما في حق من يراد جعله مقتولًا؛ فلأن من أراد قتله إذا خاف من القصاص ترك قتله، فيبقى غير مقتول، وأما في حق غيرهما؛ فلأن في شرع القصاص بقاء مَن هَمَّ بالقتل، أو من يَهِمُّ به، وفي بقائهما بقاء من يتعصب لهما؛ لأن الفتنة تعظم بسبب القتل، فتؤدي إلى المحاربة التي تنتهي إلى قتل عالَم من الناس، وفي تصور كون القصاص مشروعًا زوال كل ذلك، وفي زواله حياة الكل] اهـ.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: القتل عقوبة القتل عقوبة القتل العمد أعمال القتل صلى الله علیه وآله وسلم قال
إقرأ أيضاً:
دينا أبو الخير: لو طبقنا أخلاق النبي لانتهى العنف الأسري.. فيديو
أكدت الدكتورة دينا أبو الخير، أن انتشار ظواهر العنف الأسري وجرائم القتل بين الأزواج يُعد مؤشرًا خطيرًا على غياب الأخلاق وتدهور القيم الدينية والمجتمعية، مؤكدة أن الأخلاق هي الأساس الذي يقوم عليه أي مجتمع سوي، سواء كان مسلمًا أو غير مسلم.
وقالت الدكتورة دينا أبو الخير، خلال تقديم برنامجها "وللنساء نصيب، المذاع على قناة صدى البلد، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، مشيرة إلى أن تطبيق أخلاق النبي في البيوت كفيل بإنهاء مثل هذه الظواهر المروعة، مضيفة أن العلاقات داخل الأسرة، سواء بين الزوجين أو بين الآباء والأبناء، يجب أن تُبنى على الاحترام والرحمة والتفاهم.
وأضافت أن بعض الأزواج يبررون جرائم القتل بالظروف الاقتصادية أو ضيق الحال، مؤكدة أن هذه المبررات لا تُقبل شرعًا ولا عقلًا، لأن القتل من الكبائر العظام، متسائلة: "ماذا سيقول القاتل أمام الله عن النفس التي أزهقها ظلمًا وعدوانًا؟".
اقرأ المزيد..